عمارة العفاريت!

كعادته استيقظ «تختخ» مبكرًا، وأخذ يُعِدُّ حقيبتَه التي سوف يذهب بها إلى المعسكر، وعندما انتهى أخذ يستعيد ما وضعه في الحقيبة، حتى لا ينسى شيئًا، فكَّر: هل يصحب أدواتِ التنكُّر معه، فسوف تُمكِّنه من عمل خِدَع في حفلات السَّمر التي تُقام في المعسكر. انتظر لحظة، ثم قام ووضع أدوات التنكُّر في الحقيبة.

نظر في ساعة يده، كانت الساعة تُشير إلى الثامنة صباحًا، قال في نفسه: أمامنا ساعتان حتى يتحرك أتوبيس الرحلة من النادي.

رنَّ تليفونه المحمول، فعرف أنَّ «لوزة» هي التي تتحدَّث، جاء صوتها يقول: صباح الخير، هل أنت جاهز؟

ابتسم «تختخ»، وردَّ:

تختخ: صباح الخير يا «لوزة»، إنني جاهز منذ ساعة.

لوزة: سوف يجتمع «المغامرون» عندنا، وسوف نمرُّ عليك بسيارة «بابا» فهو الذي سوف يوصلنا إلى «النادي».

تختخ: إنَّني في انتظاركم.

انتهَت المكالمة، ألقى «تختخ» نظرةً على غرفته، وتذكَّر أنَّه نسيَ مفكرته، التي دوَّن فيها يومياتِه. فتح درج مكتبه وأخرج المفكرة، ووضعها في الحقيبة، فكَّر قليلًا، ثم قال في نفسه: «إنني لم أقرأ صُحف اليوم!» خرج من غرفته وأحضر الصحف، ثم عاد واستلقى على سريره، وأخذ يتصفَّح «الأهرام»، جرَت عيناه على مانشيتات الصفحة الأولى، فوقعَت عيناه على إشارة في سطرين، تقول: «عمارة العفاريت»، انظر صفحة الحوادث! بحث عن صفحة الحوادث وقرأ: عمارة العفاريت مهجورة من عشرة أعوام، العمارة لم يسكنها أحدٌ منذ إنشائها!

استغرق في قراءة التحقيق الصحفي المنشور عن «عمارة العفاريت»، رنَّ تليفونه مرة أخرى فعرف أنَّ المتحدث «محب»، جاء صوت «محب» يقول: صباح الخير، هل أنت جاهز؟

ابتسم «تختخ» وردَّ: لقد سألتني «لوزة» نفس السؤال، وقلت لها إنَّني جاهز منذ ساعة، لكن يبدو أنَّنا لن نستمتع بالمعسكر.

جاء صوت «محب» مندهشًا وهو يسأل: لماذا، هل لديك أخبار جديدة؟

تختخ: ولكننا سوف نستمتع بلغز جديد.

محب: لغز … متى وأين؟

تختخ: هل قرأت صحف اليوم؟

محب: الحقيقة إنَّني مشغول بالرحلة.

تختخ: إذن اقرأ صفحة الحوادث في الأهرام.

محب: ماذا فيها؟

تختخ: اقرأها أنت و«نوسة» فسوف تكون حديثنا طوال الطريق إلى المعسكر.

انتهت المكالمة عندما قال «محب»: إذن إلى اللقاء.

عاد «تختخ» يقرأ التحقيق حول «عمارة العفاريت»، كانت التفاصيل مثيرة، حتى إنَّ «تختخ» قرأها عدة مرات، ثم قام إلى الكمبيوتر، واستدعى خريطة العالم، ثم قارة «أفريقيا»، ثم خريطة «مصر»، ثم خريطة محافظة «الإسكندرية»، ثم جاء في النهاية وصل إلى مدينة «الإسكندرية»، ووضع يده على منطقة «رشدي»، التي لا تبعد كثيرًا عن محطة «سيدي جابر» للسكة الحديد.

أخذ يُحدِّد موقع العمارة التي ظهرَت أمامه بوضوح، كانت العمارة مهجورةً فعلًا … وقد سقط بعض نوافذها، كانت العمارة ترتفع إلى ستة طوابق … ولا يبدو فيها أثرٌ للحياة. عاد «تختخ» إلى حقيبته، وأخرج مفكرة، وبدأ يُدوِّن بعض التفاصيل التي كانت منشورة في التحقيق الصحفي، ثم عاد إلى جهاز الكمبيوتر، وطبع صورة العمارة أكثر من مرة بعدد «المغامرين» … تردَّد صوت «كلاكس» السيارة عدة مرات. فعرف أنها سيارة والد «عاطف» … أسرع بوضع الصور في المفكرة، ثم وضعها في حقيبته، وحمل الحقيبة بعد أن أغلق جهاز الكمبيوتر، وخرج … ما إن ظهر في الحديقة حتى أسرع إليه «زنجر» وشبَّ عليه … احتضنه «تختخ» وهو يقول له: سوف أفتقدك كثيرًا يا عزيزي «زنجر» … كنت أتمنى أن تصحبني إلى المعسكر، ثم قبَّله وربَّت عليه، بينما تردَّد «كلاكس» السيارة من جديد، فخرج إلى حيث تقف أمام الفيلا، قال والد «عاطف»: صباح الخير يا «توفيق»، تعالَ بجواري، فليس لك مكان في الكنبة الخلفية.

ضحكت «لوزة» وقالت: إنَّه يحتاج إلى كنبة وحده.

ابتسم «تختخ»، وعلَّق: إذن لن تنالي شيئًا من الشوكولاتة التي أحضرتها.

ردت «لوزة»: مع إنَّني جهزت لك بعض الساندويتشات.

ضحك «المغامرون»، وركب «تختخ»، وانطلقت السيارة.

وعندما اقتربوا من النادي كان الجميع في انتظارهم؛ فقد وصلوا مبكرين … وَدَّعهم والد «عاطف» وانصرف.

كانت الساعة تدقُّ التاسعة والربع … أعلن مشرف الرحلة الأستاذ «جلال» أنَّ السيارة سوف تتحرك الآن، فلم يتأخر أحد. وبعد دقائق كانت السيارة تتحرك من أمام النادي. في الكرسي الخلفي جلس «المغامرون الخمسة» متجاورين. قالت «نوسة»: عمارة غريبة تلك العمارة التي اسمها «عمارة العفاريت»!

اندهشت «لوزة»، وقالت: «عمارة العفاريت» … هل هذا لغز؟!

عاطف: ماذا هناك؟!

ابتسم «تختخ» وقال: دعونا نستمتع بالطريق … فما تزال أمامنا ثلاث ساعات حتى نَصِل إلى الإسكندرية … فقد جهزت لكم مفاجأة!

كان أتوبيس الرحلة يتحرك في شارع الكورنيش في «الجيزة»، وكانت الحركة نشيطة في الشارع، بينما كان أعضاء الرحلة يُصفِّقون ويغنون، سعداء بالرحلة، لكن «لوزة» قالت ﻟ «تختخ»: لا أستطيع الانتظار، ما هي المفاجأة؟! وما هي حكاية «عمارة العفاريت»؟!

ضحك «تختخ»، وقال يُداعبها: لن أقول لكِ شيئًا الآن، هيَّا نغنِّي مع الزملاء!

ظهر الغضب على وجه «لوزة»، لكن «تختخ» اشترك مع بقية الزملاء وهم يغنُّون أغنية «عبد الحليم حافظ» على النجاح. وعندما أصبحوا في نهاية شارع «الهرم» وبداية طريق «القاهرة-الإسكندرية» الصحراوي، هدأت ضجة الغناء … وبدأ كلُّ اثنين يجلسان بجوار بعضهما في حديث خاص، غير أنَّ «لوزة» لم تستطع الانتظار، جذبَت «تختخ» من قميصه وقالت: هيه … ما هي المفاجأة، وما هي حكاية «عمارة العفاريت»؟!

ابتسم «تختخ»، وفتح حقيبته الصغيرة، وأخرج منها صور العمارة، وقدم واحدة إلى «لوزة»، التي أخذَتها بلهفة، وأخذَت تتأملها، ثم قالت: واضح أنَّها عمارة مهجورة: ما هي حكايتها؟!

أخرج «محب» من حقيبته صحيفة «الأهرام» وهو يقول: لقد أحضرت الصحيفة، حتى لا ننسى بعض التفاصيل.

كانت «لوزة» تجلس بين «تختخ» و«عاطف»، الذي مدَّ يده وأخذ الصحيفة من «محب» وبدأ يقرأ هو و«لوزة» التحقيق المنشور في الصحيفة، في حين انهمك «تختخ» و«نوسة» في حوار، قالت «نوسة»: حكاية غريبة، لكن الذي أعرفه أنَّه لا يوجد «عفاريت»، فما هي الحكاية؟!

تختخ: هذا هو اللغز، لا بد أنَّ وراء حكاية «العفاريت» حكاية أخرى، وعلينا اكتشافها.

محب: من المهم أن نَصِل إلى العمارة ونرى العمارات التي بجوارها.

فجأةً جاء صوت مشرف الرحلة الأستاذ «جلال» من خلال الميكروفون يقول: إنَّ الطريق الذي نقطعه الآن، ويصل بين «القاهرة» و«الإسكندرية» يسمَّى الطريق الصحراوي … لكنكم ترَون المزارع على جانبَي الطريق … وزمان كان الطريق يقطع الصحراء فعلًا، ولم تكن هناك حركة عمران، لكن منذ منتصف السبعينيات بدأت حركة العمران، واستصلاح الأراضي على جانبَي الطريق، وانتشرَت الخضرة كما ترَون، وهناك طبعًا طريقٌ آخر يربط بين «القاهرة» و«الإسكندرية»، هو الطريق الزراعي، وهو طريق قديم يمرُّ بين الأراضي الزراعية، حيث الدلتا المشهورة بأراضيها الزراعية الخصبة، والطريق المسمَّى بالصحراوي أقصر من الطريق الزراعي؛ ولذلك فأنتم ترَون حركة النقل النشيطة التي تنقل البضائع والفاكهة من ميناء «الإسكندرية» إلى «القاهرة». صمت قليلًا، بينما كان أتوبيس الرحلة يُهدئ من سرعته، ثم قال الأستاذ «جلال»: الآن، سوف نقضي نصف الساعة في هذه الاستراحة، ثم نُكمل الرحلة؛ فقد قطعنا حوالي منتصف الطريق.

نزل أعضاء الرحلة، وتناولوا المشروبات المثلجة؛ فقد كانت الحرارة شديدة … لكن «لوزة» كانت مشغولة بحكاية «عمارة العفاريت»، كانت تجلس بجوار «تختخ»، نظرت إليه طويلًا، فابتسم وقال: أعرف ما تريدين السؤال عنه، نعم، لا يوجد شيء غريب اسمه «عفريت»، وهي حكاية يُخيفون بها الأطفال الأشقياء.

لوزة: لماذا إذن يسمونها «عمارة العفاريت»؟!

تختخ: هذا هو اللغز الذي نريد حلَّه.

لوزة: لكنَّ التحقيق المنشور في «الأهرام» يقول: إنَّ هناك «عفاريت» تسكن العمارة … وإنَّ الساكن الوحيد الذي سكنها تركها بعد أن وجد أثاث الشقة ليس في مكانه، وإنما وجده مكومًا في جراج العمارة!

تختخ: هذا جزء من اللغز.

جاء صوت المشرف الأستاذ «جلال» يدعو الأعضاء إلى العودة للأتوبيس. وفي دقائقَ كان كلٌّ من أعضاء الرحلة قد جلس في مقعده، وكان المقعد الأخير هو مقعد «المغامرين الخمسة»، تحرَّك الأتوبيس في طريقه إلى «الإسكندرية»، وبدأَت نسمات البحر تهبُّ من خلال نوافذ الأتوبيس، فقالت «نوسة»: لقد اقتربنا، فأنا أشمُّ رائحة البحر.

بدأت «الإسكندرية» تظهر بامتدادها على شاطئ البحر المتوسط، وتبدو كقوس كبير، ومن جديد بدأ النشاط يدبُّ في أعضاء الرحلة، فأخذوا يُصفِّقون ويغنُّون.

في تمام الساعة الواحدة، كان الأتوبيس يدخل منطقة «أبي قير» حيث يقع معسكر نادي «المعادي»، كان المعسكر مجموعةً من الخيام المنصوبة في شكل دائرة، تتوسَّط الخيامَ ساحةٌ واسعة، تقوم في منتصفها ساريةٌ عالية، مرفوع عليها علم «جمهورية مصر العربية» بألوانه الثلاثة: الأحمر والأبيض والأسود، وكان الهواء يداعبه، توقَّف الأتوبيس فحمل كلٌّ من الأعضاء حقيبتَه فوق ظهره … ووقفوا في طابور، حيث أخذ المشرف يوزِّعهم على الخيام، وعندما وصل إلى «المغامرين الخمسة»، أشار إلى خيمة كبيرة، وقال «جلال»: أعرف أنَّكم معًا، الخيمة رقم ٦ هي خيمتكم، وهي تنقسم إلى قسمين، يمثِّل كلُّ قسم منها حجرة، ثم نظر إلى أعضاء الفوج وقال: سوف تضعون حقائبكم في خيامكم، وهي مجهَّزة بالأسرَّة والأغطية، وسوف نجتمع بعد نصف ساعة في الساحة، هيَّا.

تحرَّك الأعضاء بسرعة، واتَّجه «المغامرون الخمسة» إلى الخيمة رقم ٦، تقدَّم «تختخ» ودخل الخيمة، فدخل بقية «المغامرين» خلفه، هتفت «لوزة» في سعادة: إنَّها خيمة رائعة، هذه أول مرة أدخل خيمة!

قالت «نوسة»: إنَّنا نفتقد صديقنا العزيز «زنجر».

لوزة: عندك حق … فهذا المكان يحتاج «زنجر» فعلًا.

ابتسم «عاطف»، وقال: نسيتم صديقنا «فرقع».

ضحك «المغامرون»، وقال «محب» وهو يقلد الشاويش «فرقع»:

محب: مَن هناك؟

قال «تختخ»: الآن سوف نوزِّع الأسرَّة: «نوسة» و«لوزة» سوف تحتلَّان النصف الخلفي من الخيمة … وهناك حاجز من المشمع بين القسمَين … أما «محب» و«عاطف» وأنا فسوف نحتل الجزء الأمامي … هيَّا بسرعة نضع حاجياتنا، كلُّ واحد يضع حاجاته على سريره، فسوف نسمع صفارة الأستاذ «جلال» بعد قليل.

وما كاد «تختخ» يُنهي كلامه حتى تردَّدَت صفارتان متتاليتان، فقال «تختخ»: بعد خمس دقائق، سوف نسمع صفارة واحدة.

ولم تمضِ الدقائق الخمس حتى تردَّدَت صفارة واحدة طويلة، فغادر «المغامرون الخمسة» خيمتَهم، فكانت «لوزة» قد أمسكَت بيد «تختخ» وهي تقول برجاء:

لوزة: متى نرى «عمارة العفاريت»؟

ابتسم «تختخ» وهو يقول: بعد أن نعرف تعليمات المشرف.

ووقف أعضاء الرحلة الخمسون في ساحة المخيم يسمعون تعليمات مشرف الرحلة، لتبدأ الحركة في المعسكر.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤