الحياة في المعسكر!

عرف «المغامرون» التعليمات من المشرف الأستاذ «جلال»، الذي أنهى كلامه:

جلال: في المساء ستكون هناك جلسة تعارُف، ليعرف أعضاء الرحلة بعضهم، والآن أمامكم ساعة راحة حتى موعد الغداء الذي سيكون في المطعم. ثم أشار إلى خيمة كبيرة، وقال:

جلال: هذه خيمة المطعم … انصراف.

تفرَّق أعضاء المعسكر، كلُّ مجموعة إلى خيمتها، واتجه «المغامرون الخمسة» إلى خيمتهم، ما إن دخلوها حتى قالت «لوزة»: متى سنرى عمارة العفاريت؟

تختخ: عندما نجد فرصة لذلك.

لوزة: ومتى نجد الفرصة؟

تختخ: عادةً في المعسكرات، مثل رحلات المدرسة، هناك وقتٌ حرٌّ.

لوزة: ما معنى وقت حر؟

ضحك المغامرون لكثرة أسئلة «لوزة» التي قالت: أعرف أنَّكم تضحكون من أسئلتي، لكني لا أستطيع الانتظار!

قالت «نوسة»: أولًا يجب أن نعرفَ المنطقة التي تقع فيها عمارة العفاريت.

ولاحظوا أنَّ المعسكر يبعد كثيرًا عن المنطقة التي تقع فيها العمارة، وهذه سوف تكون مشكلة!

محب: قرأت في التحقيق أن حارس العمارة رجل غامض، ويدَّعي أنَّه لا يعرف شيئًا، فهو حارس جديد في المنطقة، لقد فكَّرت في هذه النقطة، وأعتقد أنَّ حارس العمارة يتغيَّر كل فترة، حتى لا يعرف سرَّها!

عاطف: هذا يعني أن هناك مَن يقوم بتغيير الحارس، ولا بدَّ أن تكون له مصلحة.

تختخ: لا بد أن نعرف من الأستاذ جلال موعد اليوم المفتوح حتى نُرتِّب خطواتنا، وأقترح أن أقوم أنا و«محب» بزيارة مكان العمارة وتقديم تقرير للمغامرين.

•••

أخذ المغامرون الخمسة يتناقشون حول عمارة العفاريت، حتى دوَّت صفارة الغداء، فأخذوا طريقهم إلى خيمة المطعم، كانت الخيمة مستطيلة الشكل، وداخلها تصطفُّ الترابيزات على شكل مستطيل، وكانت هناك فتحة في نهاية الخيمة، عرفوا أنَّها تؤدي إلى المطبخ … وكان على كل عضو من الطلائع أن يأخذ صينية من حامل في مدخل المطبخ، ثم يتجه إلى الطباخين الذين يضعون الطعام في أطباق … يحصل كل عضو على ثلاثة أطباق … واحد للأرز، وآخر للخضار باللحم، وثالث للسلطة، مع زجاجة مياه غازية، وقطعة بطيخ. يضعون الأطباق على الصينية ثم يتجهون للمطعم … والجميع يقفون في طابور، كان «المغامرون الخمسة» يقفون خلف بعضهم، يتقدَّمهم «تختخ» وخلفه «لوزة» ثم «نوسة»، فمحب، وأخيرًا «عاطف»، أخذ كلٌّ منهم أطباقَه، واتجهوا للمطعم، وجلسوا متجاورين … نظرَت «لوزة» إلى «تختخ» مبتسمةً وقالت: كمية الطعام تدعو للعمل يا «تختخ».

كان «تختخ» منهمكًا في التهام الطعام، فقد كان يشعر بالجوع، لكنَّه نظر إلى «لوزة»، وقال وفمه محشو بالطعام.

تختخ: أين الساندويتشات؟

ضحكت «لوزة»، وقالت: في الحقيبة، لقد أنساني لغز عمارة العفاريت أن أقدِّمها لك، عندما نعود إلى الخيمة فسوف أعطيها لك.

انتهى «تختخ» من تناوُل طعامه، فقام وأعاد الصينية إلى حيث كانت، وبينما هو في طريقه للعودة إلى حيث المغامرون قابل الأستاذ جلال الذي كان يراقب تصرُّفات الطلائع، حيَّاه «تختخ»، وسأله: متى نقوم بجولة مرة أخرى في المدينة؟

جلال: غدًا سوف نذهب للبحر لقضاء يوم على الشاطئ، ويمكنك ألَّا تذهب، لكن اترك لي رقم تليفونك المحمول حتى أطمئنَّ عليك.

شعر «تختخ» بالسعادة، فلم يكن يتصور أن يتحقق له ذلك بكل هذه السرعة … شكر الأستاذ جلال، وأسرع إلى المغامرين، الذين كانوا يأكلون على مهلٍ وهم يضحكون، نظرت له «نوسة»، وقالت:

نوسة: تبدو عليك السعادة، هل شبعت جدًّا.

ابتسم «تختخ» وقال: مفاجأة!

أسرعت «لوزة» بالسؤال: ما هي المفاجأة؟!

تختخ: سوف أذهب أنا و«محب» غدًا إلى عمارة العفاريت!

اندهش المغامرون، وسأل «عاطف»: كيف؟

تختخ: نظَّم المعسكر غدًا رحلة إلى الشاطئ وقضاء يوم هناك، وقد تحدثتُ إلى المشرف، الذي أخبرني أنَّني أستطيع أن أتخلفَ!

قالت «لوزة» بسرعة: أذهبُ معكما!

تختخ: إنَّنا في مهمة استطلاع … مجرد أن نرى موقع العمارة، وما حولها من عمارات، وربما نقابل الحارس، أو نتحدث لبعض جيران العمارة، فكما قرأت في التحقيق الصحفي أنَّ الشوارع التي حول العمارة مزدحمةٌ بالناس والمحلات، وعندما نعود سنقدم لكم تقريرًا بكل ما شاهدناه وعرفناه، وبعدها نضع خطتنا لكشف اللغز!

قال «عاطف»: نحتاج إعادة قراءة التحقيق الصحفي ومناقشته في هدوء، بعد أن ننصرف من المطعم.

انتهى المغامرون من غدائهم وأعاد كلٌّ منهم صينيته إلى مكانها في مدخل المطبخ، وعادوا إلى أماكنهم، في نفس الوقت كان بقية أعضاء المعسكر يفعلون نفس الشيء، في حين كان المشرف يراقب تحركات الجميع، وعندما عادوا إلى أماكنهم، قال المشرف: الآن لديكم راحة حتى الساعة السادسة لنجتمع مرة أخرى في ساحة المعسكر لنبدأ حفل التعارف.

انصرف الجميع، كلٌّ إلى خيمته، وما إن دخل المغامرون الخمسة خيمتهم حتى قالت «لوزة»: الآن نبدأ قراءة التحقيق الصحفي حول عمارة العفاريت.

أخرج «محب» صحيفة «الأهرام» من حقيبته، وأخرج «تختخ» مفكرته، وبدأ «محب» في قراءة التحقيق، كان «المغامرون» يُنصتون له في تركيز، في الوقت الذي كان «تختخ» يسجل بعض خواطره في مفكرته، وعندما انتهى «محب» من قراءة التحقيق، قالت «نوسة»: طبعًا هناك شيء غامض!

مدَّت يدها وأخذت الصحيفة من «محب» وتأمَّلت صورة العمارة، ثم قالت: واضح أنَّها عمارة حديثة … فقد بُنيت من عشر سنوات فقط، وهذا ليس عمرًا بالنسبة للمباني؛ فكثير من المباني يَصِل عمرها إلى أكثر من مائة سنة … واللافت للنظر أنَّ هناك أزمة إسكان، وكونها تظل خالية، يعني أنَّ وراء ذلك لغزًا!

لوزة: وما هذا اللغز؟!

نوسة: هذا ما نبحث عنه.

عاطف: وحكاية العفاريت لا بد أنَّ صاحب مصلحة هو الذي أطلق هذه الحكاية، فليس هناك عفاريت.

تختخ: الدليل موجود في قصة الساكن الذي استيقظ فوجد نفسه في جراج العمارة، هو وأثاث البيت، ولا بد أنَّه تم تخديرُه ونَقْلُه من الشقة إلى الجراج … وكذلك الأثاث، فلما أفاق ترك العمارة، وهو يدَّعي أنَّ فيها عفاريت، فكيف يكون نائمًا في شقة، ثم يستيقظ فيجد نفسه في الجراج؟! وشاعَت طبعًا الحكاية في المنطقة، فرفض الناس السكن فيها، ولهذا ظلت مغلقة طوال هذه السنين، وفي التحقيق الصحفي أنَّ الشارع الذي تقع فيه العمارة مظلمٌ دائمًا، بالرغم من وجود الزحام في الشوارع التي حولها!

محب: لهذا يجب رؤية العمارة والمنطقة التي تقع فيها.

مرَّ الوقت سريعًا، ولم يقطع حوارَ المغامرين الخمسة إلا صفارةُ المشرف … نظر «تختخ» في ساعته فوجدها تُشير إلى السادسة إلا خمس دقائق. بسرعة أبدل «المغامرون» ملابسهم، بينما كانت الصفارة الثانية تتردَّد، فغادروا الخيمة إلى ساحة المعسكر … وهناك كان بقية الفوج، يصطفُّ بشكل مربع، فأخذ المغامرون أماكنهم … قال المشرف: الآن سوف نتحرك إلى خيمة المطعم، لنبدأ حفل التعارف.

وفي نظام، تقدَّم الجميع إلى داخل خيمة المطعم … حيث أخذوا أماكنهم … كان المشرف يجلس خلف «ترابيزة»، خيَّم الصمتُ على المكان في انتظار كلام المشرف، الذي قال:

المشرف: الآن سوف يقف كلُّ واحد ويُعلن اسمَه، واسمَ مدرسته … والسنة الدراسية التي بها، ويُعلن في النهاية عن هواياته.

صمت لحظة، ثم قال: نبدأ من اليمين.

وقف أول عضو في الطلائع وقدَّم نفسَه: «أكرم فريد، مدرسة النيل»، السنة الرابعة، هوايتي سماع الموسيقى والقراءة والغناء.

صفَّق الجميع، وقال واحد من الطلائع: إذن سوف نسمعك في إحدى حفلات السمر.

قال «أكرم»، فقام الذي يليه وقدَّم نفسه ومدرسته والسنة الدراسية، وهواياته، ثم قام الثالث، وهكذا كان يقف كلُّ واحد ويُقدِّم نفسه، فظهر مَن يهوَى التمثيل، ومَن يلعب كرة القدم، ومَن ليست له هوايات، ومَن يهوى الرحلات … واتفق المغامرون الخمسة أنَّهم يهوون المغامرات وركوب الدراجات والقراءة ومساعدة الآخرين، كان المشرف الأستاذ «جلال» يتابع ذلك، ويُسجِّل في دفتر أمامه أشياء، استغرق ذلك وقتًا، ولما أعلنت الساعة التاسعة قال المشرف: كلُّكم تعرفون أنَّ هناك حراسة خارجية بالمعسكر، وهناك حراسة داخلية … كل خيمة تقوم بحراسة نفسها، كلُّ اثنين معًا … ويمكن أن تشترك خيمتان معًا في الحراسة … من كل خيمة عضو … وسوف تبدأ الحراسة بعد العشاء، الذي حان وقته الآن، ففي العاشرة يكون الجميع في خيامهم … والاستيقاظ سيكون في السابعة صباحًا، وفي السابعة والنصف يبدأ طابور التمرينات الرياضية حتى الثامنة … وكل التعليمات في الكتيب الذي وزَّعه النادي عليكم.

صمت لحظة، ثم قال: الآن كل خيمة تختار عضوًا منها ليقوم بإحضار العشاء لها، وهو اليوم ساندويتشات من الجبن والمربى والبيض.

وبسرعة كانت كلُّ مجموعة تختار أحد أعضائها، واختار المغامرون «عاطف». وقبل أن تُعلن الساعة العاشرة، كان أعضاء المعسكر جميعًا داخل خيامهم، إلَّا مَن وقع عليه الاختيار للحراسة، وكان الاختيار قد وقع على «تختخ»، فقد تطوَّع للقيام بالحراسة لمدة ساعتين، ثم يوقظ «محب» ليقوم بالحراسة لمدة ساعتين، ثم يوقظ «محب» «عاطف» للحراسة لمدة ساعتين، وهكذا، قالت «لوزة»: أريد أن أشترك في الحراسة.

تختخ: هاتي الساندويتشات فسوف تنفع في السهرة!

ضحك المغامرون، وخرج «تختخ» ليقف أمام باب الخيمة، وليبدأ هو الحراسة … كانت الخيمة التي بجواره قد خرج أحد أعضائها أيضًا، تبادل التحية مع «تختخ»، وقدَّم نفسه: اسمي مراد!

قدَّم «تختخ» نفسه: اسمي توفيق.

مراد: أعرف … فقد أعجبني أنك تهوى المغامرة ومساعدة الآخرين … ولكن كيف تمارس المغامرة؟

تختخ: هل تقرأ المغامرين الخمسة في مجلة علاء الدين؟

مراد: طبعًا، وأحرص عليها، ويعجبني! …

ولم يُكمل جملته؛ فقد اتسعت عيناه دهشةً، ثم همس: أنت «تختخ»، إنَّني سعيدٌ أن ألقاك!

تختخ: أرجو ألَّا تُعلمَ ذلك لأحد!

مراد: إذن أنتم المغامرون الخمسة!

تختخ: نعم.

مراد: هل هناك لغز جديد؟

تختخ: نعم.

مراد: ما هو هذا اللغز؟ … يسعدني أن أنضمَّ إليكم.

تختخ: سوف أُخبرك عندما نبدأ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤