زيارة إلى عمارة العفاريت!

كان الصمت يخيِّم على المعسكر … ولم يكن يظهر في ساحته إلا الحراس من الطلائع … كل واحد أمام خيمته … وكان «تختخ» و«مراد» يتهامسان، ثم يفترقان، ليدور كلٌّ منهما دورة حول خيمته، تذكَّر «تختخ» كلبَه العزيز «زنجر»، وقال في نفسه: إنَّ هذا المعسكر يحتاج إلى «زنجر» فعلًا. وكان يجب أن أسأل المشرف إن كان يُمكن اصطحابه معنا … غدًا سوف أسأله، ثم سأل نفسه: ولكن كيف يأتي «زنجر» إلى «الإسكندرية» وحده؟

دار «تختخ» حول الخيمة التي ينام فيها «المغامرون»، لكنَّه توقَّف فجأةً، وظهرت الدهشة على وجهه؛ فقد سمع صوت بكاءٍ. أسرع إلى باب الخيمة ودخلها.

كان «محب» و«عاطف» غارقَين في النوم، بينما سمع البكاء يصدر من حجرة «نوسة» و«لوزة»!

اتَّجه إلى مصدر الصوت وهمس: مَن يبكي؟

جاء صوت «لوزة» تقول: إنَّني خائفة!

ابتسم «تختخ» وهمس لها: كيف تخافين وأنتِ من «المغامرين الخمسة»؟!

ظهرت «لوزة» وهي تمسح دموعها، فاصطحبها «تختخ» إلى خارج الخيمة، وهو يقول: تعالَي حتى تطمئني إلى أنَّ المعسكر في أمان.

خرجَا من الخيمة حيث كانت الأضواء تلمع حول المعسكر، وكان «مراد» يقف أمام خيمته، فقال «تختخ»: هذا زميل يحرس خيمته، كما ترَين الجميع كلهم نيام … فلماذا تخافين؟!

تردَّدت «لوزة» قليلًا، ثم قالت: سأقول لك لماذا أنا خائفة … ولكن لا تضحك مني!

ابتسم «تختخ»، وقال: لا بد أنَّكِ تأثرتِ من حكاية «عمارة العفاريت»! ردَّت «لوزة»: نعم!

تختخ: يا عزيزتي «لوزة»، لا يوجد شيء اسمه «عفاريت» … وسوف أُثبت لكِ ذلك عندما نحلُّ لغزَ «العمارة الغامضة».

اقترب منهما «مراد» وهو يبتسم، وقال ﻟ «لوزة»: أنتِ «لوزة»؟

ابتسمت «لوزة»، وأحسَّت بالسعادة، فقال «مراد»: هل تشاركيننا الحراسة؟!

ردَّ «تختخ» بسرعة: «لوزة» تريد أن ترى المعسكر بالليل بعد أن ينام أعضاء المعسكر!

مراد: إنَّني سعيدٌ أن أراكِ … فأنا معجبٌ بكِ لخفَّة دمكِ.

ابتسمَت «لوزة»، وبدأ حوار بينهم هم الثلاثة، فجأةً تثاءبَت «لوزة»، وقالت: سأدخل لأنام.

ابتسم «تختخ»، بينما أخذت «لوزة» طريقها إلى داخل الخيمة، كانت قد مضت ساعتان، وجاء الدور على «محب»، لكن «تختخ» قال في نفسه: سأتركه ساعة أخرى، بينما تمنَّى «مراد» ﻟ «تختخ» حراسة هادئة، ودخل خيمتَه.

ابتسم «تختخ» وهو يتذكَّر الشاويش «فرقع» عندما يكون في حراسته في «المعادي» وهو يزعق بين وقت وآخر: مَن هناك؟

فجأةً ظهر «محب» على باب الخيمة مبتسمًا، اندهش «تختخ»، وهمس له:

تختخ: مَن أيقظك؟

محب: لا أحد، لكن هذه عادتي، عندما أكون مرتبطًا بموعد، فأصحو دون أن يوقظني أحدٌ.

مسح المعسكر بعينَيه، ثم قال: منظر ممتع، نفتقده في الزحام في «القاهرة»، ثم نظر إلى «تختخ» وسأله:

محب: لكني لا أرى حارسًا أمام الخيمة المجاورة.

ابتسم «تختخ»، وقال: تعرَّفت على الحارس الأول واسمه «مراد»، وقد دخل منذ قليل، لكن يبدو أنَّ الحارس الثاني غلبه النوم فلم يغادر سريره. انتظر لحظة ثم أضاف: هي فرصة على كل حال، لنفكِّر في لغز «عمارة العفاريت» في هذا الجو الهادئ.

قال «محب»: عندك حق … لقد فكَّرتُ قبل أن أستغرق في النوم في هذا اللغز، وتوصَّلت إلى أنَّ أحدًا يستغلُّ هذه العمارة في عمل غير مشروع … وأنه اخترع حكاية «العفاريت» حتى لا يسكن العمارةَ أحدٌ.

ابتسم «تختخ»، وقال: لقد فكرت في نفس الشيء، لكن ما هي طبيعة هذا العمل؟

محب: ربَّما مخزنًا للمخدرات التي تأتينا من الخارج، و«الإسكندرية» ميناء كبير.

تختخ: ممكن طبعًا … في نفس الوقت، فإنَّ «الإسكندرية» تقوم على مناطق آثار متعددة، بجوار الآثار الغارقة، وفي السنوات الأخيرة انتشرَت عمليات تهريب الآثار من «مصر» إلى الخارج، ويمكن أيضًا أن تكون مخزنًا لهذه الآثار المسروقة، فالمفروض أنَّ مَن يعثر على أثر يُبلغ عنه هيئة الآثار، لكن هؤلاء اللصوص، يربحون الملايين من هذه التجارة غير المشروعة!

محب: صحيح … ولكن مَن يكون هذا الذي يُغلق عمارة من ستة طوابق وهو بالتأكيد لن يستخدمها كلها؟!

تختخ: المهم لا يدخلها أحد، حتى لا يُكشفَ هذا النشاط الإجرامي.

محب: سوف نرى عندما نذهب إلى هناك.

صمتَا معًا، وكأنَّهما يسمعان صوتَ الصمت في المكان، ويراقبان «الطلائع» وهم يحرسون خيامهم … قطع «محب» الصمتَ عندما قال: تجربة جيدة؛ فالحياة في المعسكر ممتعة، وهي تربِّي في «الطلائع» الإحساس بالمسئولية … لكن! ابتسم «محب»، وصمت لحظة، ثم أضاف: إنَّني أفتقد «زنجر» تمامًا، ومن المؤكد أنَّ له دورًا في لغز «عمارة العفاريت»!

هزَّ «تختخ» رأسه، وقال: هذا حقيقي … إنني أفتقد «زنجر» تمامًا مثلك.

تثاءب «تختخ»، فابتسم «محب»، وقال: يجب أن تنال قسطًا من النوم، فأمامنا يوم لا نعرف ماذا سيحدث فيه؟

ابتسم «تختخ»، وقال: أتمنى لك حراسة هادئة.

في الصباح، بعد أن تناول أعضاء المعسكر إفطارهم، اتجهوا إلى الأتوبيس الذي سيقلُّهم إلى شاطئ «أبي قير»، وبقيَ «تختخ» و«محب»، الذي استأذن هو الآخر من المشرف، وقالت «لوزة»، وهي تنظر إلى «تختخ»:

لوزة: سوف أفتقدك على شاطئ البحر. ابتسم «تختخ»، وقال: وأنا سأفتقدك عند «عمارة العفاريت».

انصرف الأتوبيس إلى الشاطئ، في نفس الوقت انصرف «تختخ» و«محب» في طريقهما إلى العمارة الغامضة، أوقف «تختخ» تاكسيًا، بعد أن خرج من المعسكر، وحدد له المكان الذي يريد أن يَصِل إليه، وهو منطقة «رشدي»، شارع «جمال عبد الناصر» … وعندما غادرَا التاكسي في بداية الشارع، أخرج «تختخ» مفكرته، وحدَّد مكان العمارة، قال «محب»: إنَّ الشارع مزدحم بالعمارات والناس، والحركة فيه نشيطة.

وقفَا يتأملان العمارة من جانبها، كانت صامتةً تمامًا، وبعض نوافذها قد سقط بفعل السنين، مشيَا إلى مدخل العمارة، فوجداه مغلقًا بالطوب حتى لا يدخلها أحد …

سأل «محب»: إذا كان مدخل العمارة مغلقًا بالطوب، فكيف يدخلها أحد؟!

لاحظ «تختخ» خروج سيارة من باب جانبي، لفت نظر «محب» إليه، وقال: الغريب أنَّ «جراج» العمارة يُستخدم!

محب: إذن هناك باب من داخل «الجراج» يؤدي إلى شقق العمارة.

ومثل هذا الباب موجودٌ دائمًا في العمارات التي لها «جراج».

تقدم الاثنان إلى باب «الجراج». نظر إليهما قليلًا، ثم سألهما:

الحارس: ماذا تريدان؟

أجاب «تختخ»: إننا نسأل عن العمارة رقم ٩٨.

الحارس: وماذا تريدان منها؟

تختخ: نسأل عن الدكتور محسن بدوي.

الحارس: لا أحد يسكن العمارة، فهي مهجورة.

رسم «تختخ» و«محب» الدهشة على وجهَيهما، وقال «محب»: مهجورة، كيف … والعنوان الذي معنا عليها؟!

الحارس: إنَّها مهجورة منذ سنوات بعيدة … وقبل أن أعمل فيها.

محب: هل كان فيها سكان ثم هجروها؟

الحارس: لا أعرف.

تختخ: هل أنت أول حارس لها؟

الحارس: لا.

تختخ: ولماذا تركها الحارس الذي كان قبلك؟

الحارس: لا أعرف.

محب: هل العمارة لها صاحب؟

الحارس: طبعًا.

محب: مَن هو صاحبها؟

الحارس: المعلم «فرج» الأسيوطي.

تختخ: وأين نجده؟

الحارس: لا أعرفه.

محب: هل يسكن قريبًا من هنا؟

الحارس: ولماذا تسأل؟

تختخ: نريد أن نسأله عن الدكتور «محسن».

الحارس: لا أعرف أين هو.

شكر «تختخ» الحارس، ثم انصرف هو و«محب»، الذي قال: نستطيع أن نسأل أحد هذه المحلات.

مشيَا قليلًا، فأخذَا يتأملان المكان، عند نهاية مبنى العمارة الغامضة، كانت توجد فيلا تحوطها أشجارٌ عالية حتى تكاد تُخفيها، ولم يكن يظهر من مبنى الفيلا إلا نافذة مفتوحة.

قال «محب»:

محب: فيلا غريبة، ويبدو عليها الغموض.

أشار «تختخ» إلى مقهى أمام العمارة، وقال: هيَّا نجلس على هذا المقهى، فسوف نجد من يعرف شيئًا عنها.

اتجهَا إلى المقهى، واختارَا مقعدَين أمامها وجلسَا، جاءهما صبيُّ المقهى يسألهما ماذا يطلبان؟

طلب كلٌّ منهما عصير ليمون، وقبل أن ينصرف الصبي، سأله «تختخ»: ما اسمك يا صديقي؟

ابتسم الصبي، وقال: «فاروق»، وينادونني «روقة».

تختخ: أهلًا يا «روقة»، هات الليمون أولًا.

انصرف الصبي، فقال «تختخ»: سوف نجد عنده معلومات، فهذه الخرافات تهمُّ الصغار!

بعد دقائق، كان «روقة» قد عاد يحمل صينية عليها كوب ليمون وضعها أمامها، فسأله «محب»: منذ متى تعمل هنا يا «روقة»؟

روقة: منذ بدأت الإجازة … فأنا أعمل في الصيف فقط، فأنا في الصف الخامس الابتدائي، وقد نجحت وانتقلت للصف السادس.

تختخ: مبروك النجاح!

روقة: متشكر!

تختخ: هذه العمارة تبدو مهجورة، هل هي آيلة للسقوط؟

اهتمَّ «روقة»، وقال لا.

وقبل أن يُكمل كلامه، كان صوت يناديه: «واد يا روقة.» قال «روقة» بسرعة وهو ينصرف: سأعود إليكما.

ابتسم «تختخ» وهو يُمسك بكوب الليمون وقال:

تختخ: سيكون «روقة» مصدرًا جيدًا للمعلومات.

أخذ «تختخ» و«محب» يشربان الليمون المثلج على مهل، وبعد قليل قال «تختخ»: الوصول إلى صاحب العمارة مهم، فمنه سوف نعرف حكايتها.

محب: هل يكون صاحب العمارة هو الذي أشاع أنَّ بها عفاريت، إن كان هذا صحيحًا، فسوف يشكُّ فينا صاحبها.

تختخ: سوف لا يشك … لأنَّنا نسأل عن الدكتور «محسن».

ابتسم «محب»، وقال: أعجبَتني سرعةُ بديهتك في اختراع اسم الدكتور «محسن»!

عاد «روقة» إليهما وهمس لهما بحماس: إنَّها مسكونة بالعفاريت!

أبدى «تختخ» و«محب» دهشتَهما، وسأل «محب»: وهل رأيت العفاريت؟!

روقة: نعم … رأيتها من إحدى النوافذ.

نظر «تختخ» إلى «محب»، الذي سأل «روقة»: هل رأيتها بنفسك؟

وجاءت إجابة «روقة»!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤