المغامرون و«مدرسة المشاغبين»!

كان «تختخ» و«محب» يتابعان «روقة» وهو يحكي لهما ما شاهده في «عمارة العفاريت» …

قال «روقة»: لقد رأيتهم بعيني، كان ذلك في الصيف الماضي، وكنت أعمل في نفس المقهى، وفي ليلة وكنا قد أنهينا العمل في المقهى، طلب مني المعلم «حسين» …

قاطعه «تختخ»: مَن هو المعلم «حسين»؟

قال «روقة»: صاحب المقهى، طلب مني أن أوصله إلى بيته، فهو يسكن في نهاية الشارع، وكان قد اشترى بعض الحاجات لبيته، فطلب مني أن أحملها معه، وبعد أن أوصلتُه إلى بيته، عُدْت ولأني أسكن قريبًا من المقهى، فكان لا بد أن أمرَّ أمامها، كانت ليلة مقمرة، والقمر يُلقي نوره على العمارات، وكانت هذه العمارة مكشوفة تمامًا تحت ضوء القمر؛ لأن الشارع الذي أمامها مظلم دائمًا، وفجأةً وقعَت عيني على أشباح تتحرك في الدور الثالث، أنا لم أكن أصدق حكاية العفاريت، لكن عندما رأيت الأشباح ليلتَها، عرفت أنَّ العفاريت موجودة وأنَّها حقيقية! قاطعه «تختخ»: وماذا كانت تفعل هذه الأشباح؟!

روقة: لا أعرف ماذا كانت تفعل، فعندما رأيتها أحسستُ بالخوف وجريت إلى البيت، حتى إنني عندما حكيت لأمي ما رأيته، طلبت مني ألا أعودَ للمقهى!

سأله «محب»: ولماذا عدتَ؟

روقة: لأنَّ المعلم جاءني في البيت وطلب مني أن أعود، وألَّا أتأخرَ عن المقهى.

سأله «تختخ»: وهل رأيت هذه الأشباح مرة أخرى؟

روقة: لا … فقد كنت أنصرف مبكرًا من المقهى!

جاء صوت زبون في المقهى ينادي على «روقة» فتركهما وأسرع يُلبِّي طلب الزبون …

فجأةً انفجر «تختخ» و«محب» في الضحك … وقال «محب»: الخوف هو الذي صنع له هذا الوهم، فتخيل أنَّ هناك عفاريت … وربما تكون خيالات الأشجار في الفيلا المجاورة، والهواء يهزُّها، فتصوَّر أنَّ خيالات الأشجار عفاريت تتحرك.

تختخ: المهم هو الوصول لصاحب العمارة.

ظلَّا جالسَين في انتظار عودة «فاروق»، لكنه تأخر عليهما؛ فقد بدأ زبائن المقهى يتوافدون، وهو يدور بينهم يلبِّي طلباتهم، قال «تختخ»: يكفينا هذا اليوم، وسوف نعود مرة أخرى.

وقف «تختخ» و«محب»، فنادى «تختخ» «روقة»، الذي أسرع إليهما، سأله «محب»: هل تعرف المعلم «فرج الأسيوطي» صاحب العمارة؟

ردَّ «روقة» بحماس: طبعًا أعرفه … فهو يأتي كل يوم خميس بعد صلاة العشاء … ويسهر مع المعلم «حسين»، هل تريدان مقابلته؟

تختخ: نعم.

روقة: لتسألانِه عن العمارة؟

تختخ: نعم.

روقة وهو يبتسم: هل تُريدان استئجار شقة في «عمارة العفاريت»؟! أنتما صغيران، وقد سكن فيها كبارٌ وتركوها.

توقَّف لحظة عن الكلام، ثم قال: المعلم «فرج» صاحب العمارة قال: إنَّ مَن يسكن فيها فسوف يتنازل له عن الشقة التي يسكنها!

دفع «تختخ» ثمن كوب الليمون، وشكر «روقة» بعد أن منحه «تختخ» بقشيشًا سخيًّا، فقال «روقة»: هل ستعودان مرة أخرى؟

تختخ: نعم.

روقة: هل أُبلغ المعلم «فرج» أنكما سألتما عنه؟

نظر «تختخ» إلى «محب»، الذي قال: نعم، أخبرْه وسوف نعود يوم الخميس.

فكر «روقة» لحظة ثم قال: اليوم الاثنين، يعني بعد يومين.

ودَّعَا «روقة» وانصرف … نظر «تختخ» في ساعة يده، وقال:

تختخ: نستطيع أن نلحق ﺑ «المغامرين» على الشاطئ.

كانت الساعة تدقُّ منتصف النهار، عندما وصل «تختخ» و«محب» إلى الطلائع، كانت هناك مباراة كرة قدم بين فريقين من الطلائع، أما الباقي فجلس يشجع وكان «عاطف» و«نوسة» و«لوزة» بين المشجعين …

ذهب «تختخ» و«محب» إلى المشرف يخبرانه بعودتهما، ثم انضمَّا إلى «المغامرين»، ما إن رأتهما «لوزة» حتى صاحت: ماذا وجدتم في «عمارة العفاريت»؟!

ردت «نوسة» بسرعة: سنعرف عندما نعود إلى الخيمة!

شعرت «لوزة» بالخجل لأنَّها تسرَّعت بالسؤال، وكان يجب عليها أن تنتظر حتى يجتمع «المغامرون» في خيمتهم، سأل «محب»: أي الفريقين تُشجعان؟

ردَّت «لوزة» بسرعة: أُشجع الفريق الأبيض.

قالت «نوسة»: أشجع مَن يلعب أحسن.

انهمك «المغامرون الخمسة» في التشجيع، كان «مراد» يلعب مع الفريق الأبيض بمهارة …

همس «تختخ» ﻟ «محب»: هذا الذي تعرفت عليه أمس، وكان يحرس الخيمة المجاورة لنا.

سجل «مراد» هدفًا في الفريق الأزرق، فصفق «تختخ» وأشار إليه، كانت المباراة ساخنة، حتى أخذت اهتمام الجميع.

مضَت نصف ساعة، فأطلق حكم المباراة صفارته ليُعلن نهاية المباراة، وقال المشرف: مَن يريد أن يلعب المباراة القادمة؟

تفاهم «المغامرون الخمسة» بسرعة، واتفقوا أن يلعب «تختخ» و«محب» و«عاطف»، على أن ينضمَّ إليهم اثنان من الطلائع، فقد كان كلُّ فريق يتكوَّن من خمسة فقط. تقدَّم «تختخ» و«محب» و«عاطف»، فانضم إليهما اثنان، وتقدَّم الفريق الآخر …

قال «تختخ»: سأقوم بحراسة المرمى.

أطلق الحكم صفارة البداية، ولم يكن الحكم من خارج المعسكر … فقد كان أيضًا من الطلائع … وبدأت المباراة، حيث يمثِّل «المغامرون» الفريق الأبيض، لكن الفريق الأزرق هاجم بشدة، وسجل هدفًا في مرمى «تختخ» من أول هجوم!

قالت «لوزة» بحزن: سيتغلب الفريق الأزرق علينا.

ردَّت «نوسة» بحماس: انتظري، فالمباراة لا تزال في بدايتها.

هاجم الفريق الأبيض، وتألَّق «محب»، الذي قاد الهجوم، وأرسل الكرة إلى «عاطف»، الذي كان يقف مقابلًا لمرمى الفريق الأزرق، لكنَّه صوَّبها ضعيفة، فصدَّها حارس الفريق الأزرق … ثم أرسلها إلى فريقه الذي هاجم الفريق الأبيض … وصوَّب كرة قوية … لكن «تختخ» عرف كيف يصدُّها …

صفَّقت «لوزة» بحرارة، وهتفت: برافو «توفيق».

قالت «نوسة»: ألَم أَقُل لكِ، إنَّ فريقنا سوف ينتصر؛ ﻓ «المغامرون الخمسة» لا يُهزمون أبدًا.

قاد «محب» هجومًا على الفريق الأزرق، وأرسل الكرة إلى زميله، فأرسلها إلى «عاطف»، الذي أرسلها إلى «محب»، الذي كان يقف قريبًا من مرمى الفريق الأزرق … فصوَّبها قوية، ولم يستطع الحارس صدَّها، فسكنت المرمى … صفَّقت «نوسة» و«لوزة»، التي هتفَت: برافو يا «محب»!

اشتعلت المباراة، وتحمَّست كلُّ مجموعة لفريقها، وعندما أعلن حكَمُ المباراة صفارة المباراة النهائية، كان الفريق الأبيض متقدمًا بثلاثة أهداف مقابل هدفين للفريق الأزرق، وأسرعت «لوزة» تشد على يد «تختخ»، الذي أثبت أنه حارس مرمى جيد.

وأطلق المشرف صفارة التجمع، فاصطفَّ الطلائع، وأخذوا طريقهم إلى السيارة التي انطلقت بهم إلى المعسكر، وعندما اصطفُّوا مرة أخرى في الساحة الواسعة، أعلن المشرف راحة لمدة نصف ساعة، ثم التجمع في الساحة لتناول الغداء.

•••

عاد المغامرون الخمسة إلى خيمتهم بعد الغداء، للراحة، وانتظارًا لأول حفل سمرٍ يُقيمه الطلائع في المعسكر، عندما أصبحوا داخل خيمتهم، قالت «نوسة»: الآن نعقد اجتماعًا لنعرف آخر التطورات في لغز عمارة العفاريت.

تحدَّث «تختخ» عما حدث، وحواره هو و«محب» مع صبي المقهى، وعرفهما على لقاء صاحب العمارة يوم الخميس، وما إن انتهى «تختخ» من حديثه حتى سألت «لوزة»: وهل رأى عفاريت حقيقية؟

قال «محب»: لا طبعًا … فهناك فيلا قريبة من العمارة تحوطها أشجار عالية، وربما خيالات هذه الأشجار هي التي تصورها عفاريت.

نوسة: اتفقنا أنَّ هناك مَن له مصلحة في حكاية العفاريت المزعومة، فلماذا لا يكون هو وراء ظهور هذه الأشباح، خصوصًا أنَّ «تختخ» و«محب» قالَا: إنَّ العمارة يمكن أن تكون مخزنًا لأعمال غير مشروعة … كأن تكون مخزنًا لتهريب المخدرات أو مخزنًا لآثار مسروقة.

عاطف: وقلتما إنَّ «روقة» رآها في وقت متأخر من الليل، وقد كانت هناك عملية تخزين في تلك الليلة، ورأى أشباحًا تتحرك، وهي في الحقيقة هؤلاء المجرمون الذين يقومون بتخزين المخدرات أو الآثار.

تختخ: هذا استنتاج يمكن أن يكون صحيحًا، لكننا لن نضع أيدينا على الحقيقية إلا بعد لقاء صاحب العمارة.

سألت «نوسة»: إذا كانت هذه الأشباح تظهر في وقت متأخر، فكيف تراقبون العمارة، وموعد النوم في المعسكر في الساعة العاشرة مساءً؟

تنهَّد «تختخ»، وقال: هي مشكلة، وسوف أحاول مع الأستاذ المشرف أن يسمح لنا بالتأخير خارج المعسكر.

•••

عندما دقَّت الساعة الثامنة، كان على المغامرين الخمسة أن يستعدوا لحضور حفلة السمر، قال «عاطف»: هل سنقدم مسرحية مدرسة المشاغبين؟

نوسة: إنَّها أحسن افتتاح لحفلات السمر.

أخرج «تختخ» أدوات المكياج من حقيبته، وبدأ يرسم وجهه حتى يكون قريبًا من الممثل يونس شلبي … كان المغامرون يراقبونه وهو يضع المكياج، وظهرت الدهشة على وجوههم، فقد أصبح «تختخ» قريبَ الشبه من يونس شلبي فعلًا، خصوصًا أنَّه «تخين» مثله.

قال «تختخ»: عندما تخرجون سوف أتأخر عنكم قليلًا حتى تأتي المفاجأة.

دوَّت صفارة المشرف، فأسرع «المغامرون» بالخروج من الخيمة … وظلَّ «تختخ» داخلها، وتجمَّع الطلائع في دائرة في ساحة المعسكر، وقال المشرف: الآن مَن عنده موهبة في التمثيل أو الغناء فليتقدم.

خرج بعض أفراد الطلائع، ومن بينهم المغامرون، وتقدَّم «محب» من المشرف وقال: سوف نقدِّم فصلًا من مسرحية مدرسة المشاغبين.

اندهش الجميع وصفَّق الطلائع، وبدأ المغامرون في التمثيل، لكن فجأة دخل «تختخ» يهرول، صمت الجميع، وقال واحد من الطلائع: إنَّه يونس شلبي.

فقال آخر: كيف جاء إلى المعسكر؟

وقال ثالث: مَن أخبره أنَّ أعضاء الطلائع يقدمون مسرحيته التي اشتهر بها.

اتجه المشرف إلى «تختخ» وهو يبتسم، ومدَّ يده يُحيِّي «تختخ».

المشرف: أهلًا يا أستاذ «يونس»، يسعدنا أن تقوم بزيارة معسكرنا.

قلَّد «تختخ» صوت يونس شلبي، وقال بنفس طريقته: «تختخ» هوه المعسكر مش كان فيه، ولَّا دول تلاميذ المدرسة، هيه المدرسة مش كانت هنا … والله دي حكاية … هوه انت هنا … ولَّا أنا!

وضحك الطلائع وصفقوا، واتجهوا جميعًا يحيطون بتختخ ويسلمون عليه، لكن فجأة انفك قميص «تختخ»، وظهرت الفوطة التي يلفها حول وسطه ليكون له كرش مثل يونس شلبي، فغرق الطلائع في الضحك، وصفقوا ﻟ «تختخ» طويلًا، تقدم المشرف من «تختخ»، وشدَّ على يده وقال له: أعرف أنَّك توفيق الشهير بتختخ، وقد تركتُ الطلائع ليكتشفوا ذلك بأنفسهم، لكنك أجدتَ دور يونس شلبي!

ثم أعلن للطلائع: هؤلاء هم المغامرون الخمسة، الذين تقرءون مغامراتهم في حل الألغاز في مجلة «علاء الدين»، وهذا توفيق المعروف باسم «تختخ». صفق الطلائع طويلًا للمغامرين الخمسة، والتفوا حولهم يسلمون عليهم، وقضى الجميع سهرة ممتعة، وقبل أن ينصرفوا للعشاء، همست «نوسة» ﻟ «تختخ»: هذه فرصة لتستأذنه في خروج يوم الخميس لتُقابل صاحب عمارة العفاريت!

بعد أن انتهى العشاء، تقدَّم «تختخ» من المشرف وطلب منه الإذن بالتأخر يوم الخميس، إلا أنَّ المشرف قال: نظام المعسكر لا يُبيح التأخير بعد الساعة العاشرة، وأنا أخشى عليك من أي ضرر، فأنا المسئول عنكم.

وأصبحت هذه مشكلة أمام المغامرين لتحقيق كشف لغز عمارة العفاريت.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤