حكاية العفاريت

كانت أيام المعسكر تمرُّ دون أن يستطيع «المغامرون» مراقبة «عمارة العفاريت» ليلًا … ومرَّ يوم الخميس دون أن يستطيع «تختخ» و«محب» مقابلة صاحب العمارة.

فكَّر «تختخ» أنَّه يستطيع هو و«محب» العودة إلى «الإسكندرية»، بعد أن يعود «الطلائع» إلى «المعادي»، لكن حدث ما لن يخطر لهم على بال، فقبل انتهاء المعسكر بيومين، وبينما «المغامرون الخمسة» يعقدون اجتماعًا في خيمتهم، رنَّ تليفون «تختخ»، فعرف أنَّ المتحدث والده، وجاء صوت الوالد يقول: ما أخبار «المغامرين»؟ وهل استمتعتم بالمعسكر؟

تختخ: جدًّا … فالمعسكر تجربة جيدة، و«المغامرون» سعداء بالتجربة، وقضَوا وقتًا ممتعًا، لكن للأسف، لقد مرت أيامه بسرعة!

الوالد: هل تريدون قضاء وقت أطول؟

تختخ: كيف يا أبي … وبعد غدٍ سوف نغادر المعسكر!

كان «المغامرون» يتابعون حديث «تختخ» مع والده … فجأةً، امتلأ وجه «تختخ» بالفرحة، وهتف في سعادة: أحقًّا يا أبي؟!

وظلَّ صامتًا يسمع مكالمة والده، والفرحة تتقافز على وجهه، كان «المغامرون» يتابعون ما يدور … وكلٌّ منهم يفكِّر في معنى السعادة التي ظهرَت على «تختخ» … وعندما انتهت المكالمة، صفق «تختخ» وهو يقول: لقد انتهت المشكلة.

سألت «لوزة» بسرعة: أي مشكلة؟

تختخ: سوف نبقى في الإسكندرية.

نوسة: كيف والمعسكر سوف ينتهي بعد غدٍ؟!

تختخ: والدي سوف يحضر إلى «الإسكندرية» هو ووالدتي غدًا لقضاء أيام الصيف، وسوف يُحضر معه «زنجر»!

اكتسى وجهُ «لوزة» بالحزن، وقالت: سوف تبقى في الإسكندرية لوحدك.

تختخ: لا … فقد تحدث والدي مع والدَيكِ ووالد «محب»، وعرض عليهما أن تبقَوا معنا، ووافقوا.

ظهرت الفرحة على وجوه «المغامرين»، وقال «عاطف»: إذن سوف تُتاح الفرصة لنا لحل لغز العمارة الغامضة!

في اليوم التالي، وبينما كان الطلائع في المعسكر يقومون بتنظيفه استعدادًا للرحيل غدًا؛ إذ تردَّد صوتُ ميكروفون المعسكر يستدعي «تختخ» إلى خيمة المشرف.

سمع «تختخ» النداء، فاتجه إلى خيمة المشرف، وما إن وصل إليها حتى كانت المفاجأة، لقد كان والد «تختخ» مع المشرف، احتضن «تختخ» والدَه، كان يشعر بسعادة غامرة … سأله والده: هل جهَّزتهم حقائبكم؟

تختخ: خلال دقائق سنكون جاهزين.

استأذن «تختخ» وأسرع إلى خيمة «المغامرين»، لم يكن فيها سوى «نوسة» و«لوزة»، أخبرهما «تختخ» بوجود والده، وقال لهما: علينا أن نجهِّز الحقائب فورًا … فوالدي في الانتظار.

وبسرعة كانت «نوسة» تُعدُّ حقيبتَها هي و«محب»، وأسرعت «لوزة» بإعداد حقيبتها هي و«عاطف»، وتركهما «تختخ» وخرج يبحث عن «محب» و«عاطف» فوجدهما قد انتهيَا من أعمالهما في تنظيف المعسكر، أخبرهما بأنهم سوف يرحلون الآن إلى «المعمورة»، حيث يمتلك والد «تختخ» فيلا هناك … ذهبوا إلى خيمة «المغامرين» حيث أصبح الجميع في انتظار الانطلاق إلى شاطئ «المعمورة».

لم تكن هذه هي أول مرة يذهب فيها «محب» و«نوسة» و«عاطف» و«لوزة» إلى فيلا «المعمورة» … فقد سبق لهم أن قضَوا إجازة مع إسرة «تختخ»، ولم يمضِ وقتٌ حتى ظهر والد «تختخ» والمشرف الذي حيَّاهم ومدح سلوكهم طوال أيام المعسكر، وودَّعهم وتمنَّى لهم إجازة طيبة … حمل «المغامرون الخمسة» حقائبهم، واتجهوا إلى سيارة والد «تختخ» التي كانت تقف عند بوابة المعسكر، وانطلقت السيارة إلى حيث شاطئ «المعمورة»، في الطريق حكى «تختخ» لوالده حكاية العمارة الغامضة، والنتائج التي توصَّلوا إليها، وما إن وصلوا إلى الفيلا، حتى سمعوا نباح «زنجر»، الذي شبَّ على «تختخ» فاحتضنه، ودار «زنجر» على «المغامرين» يُبدي فرحَه بلقائهم، وقالت «نوسة»: افتقدناك يا صديقنا العزيز!

نبح «زنجر» نباحًا خافتًا، وكأنَّه يردُّ على «نوسة»، كانت فيلا «المعمورة» تحوطها حديقةٌ صغيرة … وصوت البحر يصل إلى «المغامرين»، وبينما انصرف والد «تختخ»، وقف «المغامرون الخمسة» يسترجعون ذكريات أيامٍ قضَوها في الفيلا، ثم حملوا حقائبهم، ودخلوا الفيلا، حيث رحَّبت بهم والدة «تختخ» ودادة «نجيبة».

دخلت «نوسة» و«لوزة» حجرة حددتها دادة «نجيبة»، ودخل «تختخ» و«محب» و«عاطف» حجرة أخرى …

بعد قليل، كان «المغامرون الخمسة» يعقدون اجتماعًا في حجرة «تختخ» لتحديد خطواتهم في الأيام القادمة … قالت «لوزة»: لماذا لا نتصل بالمفتش «سامي»؟

نوسة: ولماذا نتصل به الآن؟

لوزة: حتى يُساعدنا على دخول العمارة الغامضة، فأنتم تقولون إنَّها مغلقة … فكيف سندخلها؟

تختخ: إننا لا نتصل بالمفتش «سامي» إلا عندما نعجز عن حلِّ اللغز، ونحن لم نَصِل إلا لبعض المعلومات، وهناك ما يُمكن أن نحققه عندما نلتقي بصاحب العمارة.

فقال «عاطف»: إنَّ اليوم الثلاثاء، يعني بعد غد يمكن أن نلتقيَ به.

أضاف «تختخ»: أقترح أن نلتقيَ به أنا و«محب»، وعندما نصل إلى تفاصيل أكثر سوف نحدِّد دورَ كلٍّ منَّا.

جاء يوم الخميس، فانطلق «تختخ» و«محب» لمقابلة المعلم «فرج الأسيوطي»، صاحب «عمارة العفاريت»، ما إن وصلَا إلى المقهى، حتى استقبلهما «فاروق» بالترحاب، وقال لهما مبتسمًا: لقد أخبرتُ المعلم «فرج»، وسوف يَصِل بعد قليل … هل تشربان الليمون المثلج؟

ابتسم «تختخ»، وقال: إنَّه مشروبنا المفضل في الصيف.

تركهما «فاروق»، واستغرق في عمله … بينما أخذ «تختخ» و«محب» يراقبان العمارة الغامضة … ولم يمضِ وقتٌ حتى عاد «فاروق» بالليمون المثلج، وضعه أمامهما، ثم همس لهما: المعلم «فرج» وصل.

قال «تختخ» باهتمام: أين هو؟

فاروق: يجلس مع المعلم «حسين».

فكَّر «تختخ» بسرعة، ثم قال ﻟ «فاروق»: قدِّمْني إليه. ثم نظر إلى «محب»، وهمس له: انتظرني؛ فقد يأتي معي، وحتى لا نلفتَ نظرَ أحد.

صحب «فاروق» الذي أخذه إلى ركن في المقهى، حيث يجلس رجلان، لم يعرف «تختخ» أيهما المعلم «فرج»، وقال «فاروق»: هذا هو الذي سأل عنك.

قال «فرج»: ماذا تريد يا بُني؟

ابتسم «تختخ»، وقال: مساء الخير!

فرج: مساء الخير، ماذا تريد؟ … لقد عرفتُ من «روقة» أنَّك تسأل عن العمارة الملعونة، فماذا تريد منها؟!

تختخ: هل يمكن أن أجلس معك؟

فرج: أهلًا وسهلًا … تفضَّل!

تختخ: معي صديق … ونريد أن نتحدث إليك.

نظر «فرج» إلى المعلم «حسين» نظرة سريعة، ثم وقف وهو يقول: تعالَ يا ابني.

مشيَا معًا إلى حيث كان يجلس «محب» … كان المعلم «فرج» في حدود الستين من عمره … تبدو عليه الطيبة، يلبس جلبابًا أبيض نظيفًا … وطاقية بيضاء … قمحي اللون، ويتكئ على عصًا غليظة، يبدو قويَّ البنيان … عندما وصلَا عند «محب»، وقف مبتسمًا وهو يقول: أهلًا معلم «فرج»!

وقبل أن يردَّ «فرج»، قال «تختخ»: صديقي «محب».

نظر إليه «فرج»، وسأله: وأنت؟

ردَّ «تختخ»: أنا «توفيق».

أسرع «فاروق» بإحضار كرسي … وضعه أمام «فرج»، الذي جلس وهو يسأل: ماذا تريدان؟ … وما سبب اهتمامكما بهذه العمارة الشؤم؟!

جلس «تختخ» و«محب»، وقال «تختخ»: قرأنا عن حكاية العفاريت التي تسكن العمارة!

«فرج» وهو يتنهَّد: آه، وماذا تريدان منها؟

تختخ: نريد أن نعرف حكايتها.

شرد المعلم «فرج» قليلًا، ثم سألهما: وماذا يُفيدكما عندما تعرفان حكايتها؟

قال «محب»: لا يوجد شيء اسمه «عفريت»، هذه خرافات!

ابتسم المعلم «فرج»، وقال: أنتما صغيران، والعفاريت موجودة، وما حدث في العمارة يؤكد وجود العفاريت فيها، وتسكنها منذ انتهيتُ من بنائها.

قال «تختخ»: نريد أن نعرف حكايتها … وسوف نُثبت لك أنَّه لا يسكنها إلا الخرافات!

تنهَّد المعلم «فرج»، وقال: يسمع منك ربنا!

سكت لحظة، ثم قال: عندما بدأتُ في بنائها جاء كثيرون يحجزون شققًا فيها.

قاطعه «محب» قائلًا: ألم يكن هناك بينك وبين أحد خلاف؟

فرج: لا يا بُني. فأنا رجل في حالِه منذ جئت إلى «الإسكندرية» صغيرًا.

تختخ: ليه، حضرتك لست إسكندرانيًّا!

فرج: أنا من الصعيد، من «إسنا» … نزحت إلى «الإسكندرية»، ولم أكن قد تجاوزت الخامسة عشرة. تقلَّبتُ في عدة أعمال وكنت أدخر معظم ما أكسبه، وعندما أصبح لديَّ بعض المال، فكَّرتُ في شراء قطعة أرض … وكانت الأراضي رخيصة، فاشتريت الأرض التي عليها العمارة المنكوبة … المهم مرت سنوات وأنا أدخر ما أبدأ به البناء.

محب: ألم يتقدَّم أحد لشراء الأرض منك؟

ظهرَت الدهشة على وجه المعلم «فرج»، وسأل: لماذا تسأل هذا السؤال؟!

ابتسم «محب»، وقال: ربما يكون قد تقدَّم أحدٌ لشرائها، فرفضتَ، فأشاع حكاية العفاريت حتى لا يسكنها أحد … وتكون قد خسرت أموالك.

تنهَّد «فرج»، وقال: لا … لا … فسكانها رأوا العفاريت.

محب: لكن كان هناك مَن تقدَّم لشرائها!

فرج: كثيرون.

ثم أشار إلى الفيلا المجاورة للعمارة، وقال: صاحب هذه الفيلا الأستاذ «حمدي» عرض أكثر من مرة شراءَها، لكني كنت أحلم بأن يكون لي ملك.

تختخ: وبنيتَ العمارة؟

فرج: نعم … وكنت سعيدًا وهي ترتفع يومًا بعد يوم، وكما قلت لكما … كان الناس مقبلين على شراء الشقق، حتى قبل أن يتمَّ تشطيبها.

محب: وجاء السكان؟

فرج: جاء أول ساكن، وكان مقبلًا على الزواج، وبدأ في تأثيث الشقة، وعندما انتهى من فرشها … تزوج.

تختخ: وعاش فيها؟

فرج: لا … لم يَنَم فيها إلا ليلة هو وعروسُه، فعندما استيقظَا في الصباح، وجد نفسه هو وعروسه وأثاث الشقة كله في جراج العمارة.

تختخ: كيف؟

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤