تختخ يعمل في الجراج!

حكى المعلم «فرج» أنَّه بينما كانوا يقومون بتشطيب العمارة … كانت أشياء منها تختفي … كانت النوافذ والأبواب يتم تركيبها بالنهار، فتختفي في الليل، ولم يكن يصدِّق … كان يظن أنَّ بعض اللصوص سرقوها … فيُعيد تركيب نوافذ وأبواب جديدة … فتختفي الحنفيات، فيقوم بتركيب غيرها، وبدأ العمال يتركون العمل خوفًا. وكان يطلب منهم ألا يذكروا ذلك لأحد حتى لا تسوء سمعة العمارة … ثم قال المعلم «فرج»: طلبت من البواب أن ينام في إحدى الشقق، فربما يرى اللصوص الذين يسرقون، ونام البواب في الشقة … وعندما استيقظ وجد نفسه في جراج العمارة … فترك العمل فيها، وبدأت الحكايات تتردد عن العمارة، حتى جاء الساكن الوحيد الذي سكنها … ولم يَنَم فيها إلا ليلة واحدة كما ذكرتُ لكما، وتركها في اليوم التالي، وقال: إنَّها مسكونة بالعفاريت … هذه حكاية العمارة النحس!

قال «محب»: لكن جراج العمارة مفتوح ويعمل.

فرج: استأجره الأستاذ «حمدي»، فهو يملك عدة سيارات.

سأل «تختخ»: لسياراته فقط، أم أنَّ هناك سيارات أخرى تستخدم الجراج؟

فرج: لا … سياراته فقط.

تختخ: وماذا يعمل الأستاذ «حمدي»؟

فرج: في الاستيراد والتصدير.

ثم أشار إلى الفيلا المقابلة للعمارة، وقال: إنَّه يسكن هذه الفيلا.

نظر «تختخ» إلى «محب»، فقد كانَا يفكران في شيء واحد … وقال «تختخ» بسرعة: حكاية غريبة … لكن هل فكرتَ أن تبيتَ فيها لتعرف سرَّها؟

تنهَّد المعلم «فرج» وقال: الحقيقة أنَّني خفت، خصوصًا بعد ما حدث مع البواب … فكيف ينام في إحدى الغرف، ثم يجد نفسه في الجراج؟!

مرَّت لحظة صمت، قطعها المعلم «فرج» بقوله: لماذا أنتما مهتمان بهذه العمارة؟!

ردَّ «محب»: لأنَّه لا يوجد شيء اسمه عفريت … فهذا وهمٌ.

وقبل أن ينطق المعلم «فرج»، ابتسم له «تختخ»، وقال:

تختخ: سوف نُثبت لك أنَّ العمارة ليست مسكونة بالعفاريت.

اندهش المعلم «فرج»، وقال: كيف … لقد عملتُ المستحيل حتى يصدق الناس أنَّها ليست مسكونة.

محب: سوف نُثبت لك … فقط لا نريد أن يعرف أحد ما دار بيننا من حديث حتى ننتهيَ من خطتنا.

ظهرت الدهشة على وجه المعلم «فرج»، وقال: خطة! ماذا تعملان، وأنتما صغيران؟!

ابتسم «تختخ» و«محب»، وقال «تختخ»: نحن أعضاء في جمعية لمساعدة الآخرين … وهي جمعية سرِّيَّة لا تكشف عن نفسها … ولهذا نطلب منك ألَّا يعرفَ أحدٌ شيئًا عمَّا دار بيننا.

فرج: إنَّني مستعدٌّ لتقديم شقة ملكًا لهذه الجمعية إذا حققتم ما تقولانه.

شكر «تختخ» و«محب» المعلم «فرج»، واستأذناه في الانصراف، فشكرهما على اهتمامها، وأخبرهما أنه يأتي إلى المقهى كل يوم خميس، وأنه يُسعده أن يلقاهما دائمًا!

انصرف «تختخ» و«محب»، كانت الساعة قد تجاوزت الحادية عشرة ليلًا، استقلَّا تاكسيًا، واتجهَا إلى المعمورة، حيث كان «المغامرون» في انتظارهما في حديقة الفيلا … ما إن رآهما «زنجر» حتى أسرع إليهما يتقافز حولهما معبرًا عن فرحته بعودتهما … وما إن انضمَّا إلى المغامرين، حتى أسرعت «لوزة» بالسؤال: «هل توصلتما لشيء؟»

حكى «تختخ» ما دار بينهما وبين صاحب «عمارة العفاريت»، كانت نسمات الصيف تهبُّ هادئة، وصوت الموج يتردد؛ فقد كانت الفيلا قريبة من الشاطئ، في الوقت الذي استغرق فيه «المغامرون» في التفكير بعدما عرفوا ما دار بين «تختخ» و«محب» والمعلم «فرج»، لكن «نوسة» قطعَت الصمت عندما سألت «تختخ»: هل تشك في علاقة الأستاذ «حمدي» بهذه الحكاية؟

ابتسم «تختخ»، وهو ينظر إلى «محب»، وقال: إنَّ هذا تفكيرنا فعلًا … فهو الذي يستخدم «الجراج»، علاوة على أنَّه لا توجد سيارات في «الجراج» غير سياراته، وهو يملك عدة سيارات خاصة بشركته … بالإضافة إلى أنَّه الوحيد الذي يعرف سرَّ «عمارة العفاريت» … فلماذا هو الوحيد الذي أقدم على إيجار «الجراج» من المعلم «فرج»؟!

سأل «عاطف»: وما هي خطتنا الآن؟

شرح «تختخ» ﻟ «لمغامرين» خطتَه التي فكَّر فيها، فقالت «لوزة» بحماس: هذا خطر عليك.

ابتسم «تختخ»، وقال: المغامرون لا يخشَون الخطر، ولماذا نحن «مغامرون» إذن؟!

قال «عاطف»: في الوقت الذي تنفذ فيه خطتك، أقترح أن يقوم «المغامرون» بمراقبة الفيلا، ما دام الأستاذ «حمدي» يسكنها.

أضافت «نوسة»: وبذلك تكون حركتنا في اتجاهَين، وسنكون قريبين منك.

وافق «المغامرون» على الخطة، واتفقوا على أن يبدءوا التنفيذ غدًا، حتى لا يُضيعوا وقتًا … ولذلك في الصباح، اجتمع «المغامرون» في الحديقة، لكن «تختخ» لم يكن بينهم، لكن فجأة غرقت «لوزة» في الضحك، بينما «زنجر» يزوم وهو ينظر في الاتجاه الذي أشارت إليه «لوزة»، نظر «المغامرون» في نفس الاتجاه، ثم علَت وجوهَهم الدهشةُ … فقد رأوا صبيًّا متشردًا، يلبس ملابس ممزقة، وقد تهوش شعره، وقالت «لوزة»: «تختخ» يُجيد التنكر تمامًا … ولولا أننا نعرف الخطة، ما اكتشفناه!

اقترب «تختخ» وهو يبتسم، فأسرع «زنجر» إليه يدور حوله ويتشمَّمه، ثم نبح نباحًا خافتًا وكأنَّه يقول ﻟ «تختخ»: لقد عرفتك. قال «عاطف»: أقترح أن نترك «زنجر» هنا لأنَّه يمكن أن يكشف «تختخ»، على الأقل حتى نرى ما سوف يحدث.

وافق «المغامرون»، واحتضن «تختخ» كلبَه العزيز، وهو يقول له: نعتذر لك يا صديقنا العزيز، وعليك بحراسة الفيلا حتى نعود.

انطلق «المغامرون» إلى حيث عمارة «العفاريت»، ولم يكن معهم «تختخ»، فقد انطلق وحده، وعندما وصل إلى هناك اتجه إلى المقهى، وجلس على أول كرسي، كان يريد أن يتأكد من أنَّ «فاروق» صبيَّ المقهى سيعرفه أم لا … ولم تمضِ دقائق حتى كان «فاروق» يُسرع نحوه، وينهره، ويصرفه بعيدًا عن المقهى، وهو يقول:

فاروق: هذا مقهى محترم، لا يجلس عليه المتشردون! هيَّا ابتعد من هنا.

قال «تختخ»، وهو يدَّعي الذلة: أريد أن أشرب شايًا.

صرخ فيه «فاروق»: قلت لك ابتعد عن هنا، هيَّا.

قام «تختخ»، وهو يدَّعي المسكنة، وابتعد عن المقهى في خطوات مترددة، في حين كان يُخفي في أعماقه ابتسامة عريضة، فقد نجح في الاختبار … أخذ طريقه إلى باب «الجراج» في نفس اللحظة خرجت سيارة فاخرة، واتجهت إلى الفيلا، وقف يرقبها، فرأى بوابة الفيلا تُفتح، ودخلت السيارة حتى اختفَت في حديقتها.

قال «تختخ» في نفسه: هذه مهمة «المغامرين». خطَا خطوة داخل «الجراج»، ولم يكن الحارس موجودًا، وقف يتأمل السيارات التي في «الجراج»، كانت هناك عدة سيارات، بعضها صغير، وبعضها سيارات ضخمة للنقل. فجأة جاء صوت الحارس صارخًا: اخرج يا ولد.

بحث «تختخ» بعينيه عن مصدر الصوت. كان الحارس يقوم بغسيل إحدى السيارات الصغيرة في نهاية «الجراج» … فاتجه إليه، لكنَّ الحارس كان أسرع في الاتجاه نحو «تختخ»، وصرخ فيه:

الحارس: ماذا تريد، يبدو أنَّك متشرد أو لصٌّ.

ادَّعى «تختخ» المسكنة وهو يستعطف الحارس، وقال: إنني غريب عن المنطقة، وأبحث عن عمل … أي عمل.

قال الحارس: لا يوجد عمل هنا، هيَّا اخرج.

تختخ: دعني أساعدك في غسيل السيارات وتنظيفها، اكسب ثوابًا.

نظر له الحارس قليلًا، وكأنه يفكِّر، ثم سأله: ما اسمك؟ بسرعة ردَّ «تختخ»: «رجب»!

الحارس: «رجب» فقط؟!

تختخ: «رجب عبد المقصود».

تأمله الحارس قليلًا، ثم سأله: من أين؟!

رد «تختخ» بسرعة: من «طنطا».

الحارس: وما الذي أتى بك إلى «الإسكندرية»؟

تختخ: البحث عن عمل.

فكَّر «الحارس» قليلًا، ثم قال: ادخل ونظِّف السيارة الحمراء حتى أرى.

ابتسم «تختخ» ابتسامة عريضة، وأسرع في اتجاه السيارة التي كان يقوم الحارس بتنظيفها … لم يكن يصدق أن تتحقق خطتُه بهذه السرعة، وهذه البساطة، وقال في نفسه: لقد حققت أول خطوة.

بدأ «تختخ» في تنظيف السيارة، في حين كانت عيناه ترقب الحارس الذي جلس في مدخل «الجراج»، وقد وضع ساقًا على ساق، وعندما انتهى منها، ذهب للحارس الذي نظر إليه، وقد ابتلَّت ملابسه الممزقة، وقال: هل نظفتَها جيدًا؟

تختخ: أصبحت كالمرآة … تلمع.

وقف الحارس وهو يقول: تعالَ.

تَبِعه «تختخ» إلى حيث السيارة التي قام بتنظيفها. دار الحارس حول السيارة، ثم نظر إلى «تختخ»، وقال: تنفع … هل تستطيع تنظيف سيارة النقل، فسوف تخرج بعد ساعة؟

أبدى «تختخ» سعادته، وقال إنَّه سوف ينتهي من تنظيفها حالًا، تركه الحارس، فاتجه «تختخ» إلى سيارة النقل التي كانت تقف في نهاية «الجراج»، وكانت المفاجأة … كان هناك بابٌ يؤدي إلى طوابق العمارة، نظر في اتجاه باب «الجراج»، كان الحارس يجلس بنفس الطريقة، واضعًا ساقًا على ساق، في هدوء تحرَّك «تختخ» تجاه الباب وألقى نظرة، فوجد درجات سلَّم. عاد بسرعة إلى حيث السيارة، وبدأ في تنظيفها وهو يغنِّي، حتى يصلَ صوتُه إلى الحارس فيعرف أنَّه يعمل.

أما خارج العمارة الغامضة … فكان «المغامرون» يمرون أمام الفيلا وكأنَّهم يتنزهون … همسَت «لوزة»: أشجارها عالية جدًّا تكاد تُخفيها … وتبدو غامضة هي الأخرى.

دار «المغامرون» حول الفيلا … لكنهم لم يرَوا ما يلفت نظرهم، فقط شاهدوا السيارة الفاخرة وهي تخرج من بوابتها، دون أن يرَوا مَن بداخلها، فلقد كانت هناك ستائر مسدلة على زجاج السيارة … ولم يرَوا إلا السائق، مرُّوا أمام باب «الجراج»، حيث كان الحارس جالسًا، فلم يلفت نظرَه وجودُ «محب» بينهم، همسَت «لوزة»: لا يوجد أثرٌ ﻟ «تختخ»، تُرى أين هو الآن؟

كان «تختخ» قد انتهى من تنظيف سيارة النقل، وسمع صوتًا خشنًا يتحدث إلى الحارس، كان الصوت الخشن يقول: هل نظَّفت السيارة، فسوف أذهب إلى الميناء الآن، فقد وصلت الباخرة بالليل.

وتردَّد صوتُ أقدامهما مقتربًا من حيث كان «تختخ» يقوم بتلميع الزجاج الأمامي للسيارة … فجأةً ضحك صاحب الصوت الخشن، وقال: أصبح لك مساعد يا «عثمان».

ثم نظر إلى «تختخ»، وقال: برافو عليك … ما اسمك؟

ردَّ «تختخ»: «رجب» يا «أسطى».

وضع الأسطى يده في جيبه، وأخرج بعض الجنيهات، قدَّم أحدها ﻟ «تختخ» وهو يقول: خذ … يبدو أنَّك صبي شاطر.

أخذ «تختخ» الجنيه، وشكر الأسطى الذي قفز إلى السيارة، وأدار محركها، ثم تحرك بها خارجًا من «الجراج»، نظر «عثمان»، حارس «الجراج» إلى «تختخ»، وقال:

عثمان: يكفيك اليوم … تعالَ.

تحرَّك «عثمان» في اتجاه باب «الجراج» وخلفه «تختخ»، وعندما جلس «عثمان»، قال: أين ستذهب؟

تختخ: أمشي في الشوارع أو أجلس على الكورنيش.

عثمان: وأين تبيت؟

تختخ: عند ناس بلدياتي في بحري.

وقف «عثمان»، وقال: اجلس مكاني … سوف أذهب إلى المقهى، ولا تدَع أحدًا يدخل «الجراج» حتى أعود.

انصرف «عثمان»، فجلس «تختخ» مكانه، فكَّر: هل يسمح لي بالمبيت هنا، في «الجراج»، إنَّها الفرصة التي أنتظرها.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤