بياع الجرايد!

في الصباح، عقد «المغامرون الخمسة» اجتماعًا في حديقة فيلَّا «المعمورة» … كان «محب» قد تنكَّر هو الآخر، ولكن في صورة مختلفة عن «تختخ»، كان يلبس بنطلون «جينز» قديمًا، لكنَّه نظيف، كاوتشًا و«تي شيرت» قديمًا أيضًا، وكابًا، وعلَّق على جانبه دوسيهًا كبيرًا مربوطًا بحزام، فأصبح في صورة مَن يقوم ببيع الجرائد …

ضحكت «لوزة» وقالت: أصبحتَ بائعَ جرائد فعلًا، أعطني «الأهرام» و«علاء الدين».

ضحك «المغامرون»، وقال «تختخ»: توجد في المعمورة مكتبة للأهرام، تستطيع أن تشتريَ منها أعداد «علاء الدين»، وعدة نُسخٍ من جريدة الأهرام … وهناك مكتبات للصحف الأخرى، مثل: «الأخبار» و«الجمهورية»، وطبعًا سيكون عدد النُّسَخ قليلًا، حتى تبدوَ وكأنَّك بِعْتَ معظم ما معك.

ثم وقف وقال: هيَّا حتَّى لا تتأخر على الشغل.

انطلق «تختخ» و«محب» … ذهب «محب» إلى مكتبة «الأهرام»، وأخذ «تختخ» طريقه إلى عمارة العفاريت، وعندما وصل إلى هناك وجد «عثمان» يقف متجهمًا … أسرع إليه، وألقى عليه تحية الصباح … لكن «عثمان» قال في حدة: لماذا تأخرت؟! أنت هكذا لا تصلح للشغل.

ردَّ «تختخ»: المشوار طويل يا معلم … والمواصلات زحمة … قد فاتني أكثر من أتوبيس من شدة الزحام … لو كنت في بيت هنا، سأكون تحت يدك.

تنهَّد «عثمان»، وقال: الباشا رفض يا ابني أن تبيت هنا … هيَّا اغسل سيارة «هاني» بيه، فهو يذهب للنادي كلَّ يوم.

تختخ: وهل هناك سيارة أخرى أنظفها؟

عثمان: ليس الآن … هيَّا ادخل.

دخل «تختخ» «الجراج» وفتح باب سيارة «هاني» لينظفها من الداخل قبل أن ينظفها من الخارج … امتلأ وجهُه بالدهشة وابتسم؛ فقد وجد نسخة من مجلة «علاء الدين»، فكَّر: إذن «هاني» وأخته يقرآن المجلة … وهذا سوف يسهِّل مهمة «محب»!

أخذ ينظف السيارة بسرعة حتى انتهى منها، سمع صوت «هاني» يسأل: أين الولد الذي يعمل هنا؟

اقترب في هدوء ليسمع، فجاء صوت «عثمان» يقول: يُنظف سيارتك يا بيه.

ثم جاء صوت «عثمان» ينادي: يا «رجب»!

أسرع «تختخ» إلى حيث يقف «هاني» و«هالة»، ورفع يده بالتحية قائلًا: صباح الخير يا بيه! صباح الخير يا آنسة!

هاني: صباح الخير يا «رجب»!

كان «هاني» يحمل شنطة بلاستيك كبيرة وأنيقة، قدَّمها ﻟ «تختخ» وهو يقول: خُذ هذه الأشياء لك.

ثم ابتسم وأضاف: أرجو أن تكون مناسبة لك!

أخذ «تختخ» الشنطة، وقبل أن يشكر «هاني»، تردَّد صوت «محب» يقول: «أهرام» … «أخبار» … «جمهورية» … «مجلة علاء الدين»!

وبسرعة شكر «تختخ» «هاني»، بينما ظهر «محب» ينادي: «أهرام» «أخبار» «جمهورية» «علاء الدين»!

التفت «هاني» في اتجاه «محب»، الذي كان يمرُّ من أمام الفيلَّا، وهو يُكرِّر النداء، وأشار إلى «محب» قائلًا: أنت تعالَ!

اتَّجه «محب» حتى وصل عنده … وأصبح «تختخ» و«محب» أمام بعضهما، كان كلٌّ منهما يُخفي ابتسامة … وإن ابتسم «محب» ﻟ «هاني» وهو يقول: نعم … أهرام … أخبار … جمهورية … مجلة علاء الدين!

هاني: أعطني «علاء الدين»!

وبينما يسحب «محب» مجلة «علاء الدين» من بين أعداد الجرائد، كان «هاني» يُخرج من جيبه خمسة جنيهات قدَّمها ﻟ «محب»، الذي قدَّم له المجلة، بحث «محب» في جيبه عن نقود ليعيد ﻟ «هاني» باقي الجنيهات الخمسة، إلا أنَّ «هاني» ابتسم له، وقال: الباقي لك … المهم … فاتني عددان من المجلة، فهل تستطيع الحصول عليهما؟ إنَّهما رقم ٢٠٠ و٢٠١!

محب: سأحاول، إن وجدتهما سآتيك بهما غدًا!

هاني: هذه فيلتنا، يمكن أن تأتيَني بهما هناك!

كان «تختخ» يراقب الحوار الدائر بين «محب» و«هاني»، وهو يكاد ينفجر من الضحك، إلا أنَّه تمالك نفسه، كان السائق قد أحضر السيارة، فركبها «هاني» وأخته … وعندما تحركت السيارة، أشار «هاني» ﻟ «تختخ» و«محب»، فردَّا إشارته، وانصرف «محب» وهو ينادي: أهرام … أخبار … جمهورية … ومجلة «علاء الدين» …

عثمان: ماذا في الشنطة … هاتها!

قدَّمها له «تختخ»، ففتحها «عثمان» ونظر فيها، ثم قال: «ملابس»!

ثم أخرج قميصًا وبنطلونًا، ونظر إلى «تختخ» وهو يقول: ادخل … جرِّب هذه الملابس، يبدو أنَّها صغيرة عليك.

أخذ «تختخ» القميص والبنطلون … ودخل الجراج، فكَّر: لو لبستُ هذه الملابس النظيفة، فقد تكشفني، فكَّر مرة أخرى!

لا أظن أنَّ «عثمان» لا يزال يذكر شكلي عندما كنا نسأل عن عنوان الدكتور محسن بدوي. مع ذلك حاول لبس القميص، إلا أنَّه كان ضيقًا … ابتسم ولبس ملابسه، وعاد ﻟ «عثمان»، الذي ما إن رآه بملابسه المتسخة حتى سأله متبسمًا:

عثمان: هيه … يبدو أنَّها ضيقة … فهاني بيه نحيف وأنت سمين! ابتسم «تختخ» وقال: فعلًا … وهي لا تصلح للشغل.

أخذ «عثمان» القميص والبنطلون ووضعهما في الشنطة، ثم وقف وقال وهو يبتسم ابتسامة عريضة: إنَّها تصلح لآخرين.

ثم وضع يده في جيبه، وأخرج جنيهين قدَّمهما ﻟ «تختخ»، وقال: خذ سوف أذهب في مشوار … فلا تبتعد عن الجراج … وسوف أُرسل لك الشاي!

انصرف «عثمان» بينما «تختخ» يبتسم، فسوف تكون أمامه فرصة ليُعيد اكتشاف الباب الداخلي، وعندما اختفى «عثمان» أسرع «تختخ» بدخول الجراج، واتجه مباشرة إلى الباب الداخلي، صعد عدة درجات حتى وصل إلى الباب الحديدي … أخذ يتحسَّسه … كان الباب أملس تمامًا … فكَّر: كيف يفتح هذا الباب … لا يوجد ثقب مفتاح ولا «أُكرة» باب! عاد مسرعًا، فوجد «فاروق» ومعه الشاي … سأله «فاروق»: أين تتناول غداءك؟

تختخ: هنا … أشتري ساندويتش فول من المطعم.

فاروق: أدعوك اليوم للغداء معي في المقهى، لقد تحدثتُ عنك إلى أمي … وقلت لها إنَّك غريب عن الإسكندرية فجهزَت لنا غداءً محترمًا!

ابتسم «تختخ» وقال، شكرًا يا «روقة»، أنت إنسان طيب.

فاروق: عندما تذهب للغداء … تعالَ إلى المقهى.

انصرف «فاروق»، وجلس «تختخ» يحتسي الشاي وهو يفكر: لا بد من دخول العمارة، فهذا الباب الحديدي يعني أنَّ هناك أشياء مهمة داخلها! ثم ابتسم وقال في نفسه: إلا إذا كانوا يحبسون «العفاريت» داخل العمارة.

فجأةً عاد «عثمان»، ولم تكن الشنطة معه، وقف «تختخ»، فسأله «عثمان»: هل جاء أحد؟!

تختخ: لا يا معلم!

جلس «عثمان» على الكرسي، فجلس «تختخ» على الأرض، أخذ يتأمل «عثمان» وعمامته البيضاء، ولونه الأسمر، وشاربه الأبيض … كان يبدو عجوزًا نحيل القوام، تبدو عيناه كالصقر، لكن قسماته طيبة، تساءل بينه وبين نفسه: ترى هل يعرف «عثمان» سرَّ هذه «العمارة الغامضة»؟

فكَّر أن يسأله، لعله يقول معلومة تفيده، لكنَّه تردَّد، مرَّت دقائق قبل أن يسأل «تختخ»: عفوًا يا معلم … إنني لم أرَ سيارة الباشا!

نظر له «عثمان»، وقال: لأنَّك تأخرت، والباشا سافر مبكرًا.

صمت «تختخ» وشرد «عثمان»، لكنَّه بعد لحظة، سأل «تختخ»:

عثمان: هل تتناول غداءك هنا! إنك تستطيع أن تنصرف، فلا يوجد عمل لك اليوم.

ثم وضع يده في جيبه، وأخرج جنيهًا، قدَّمه ﻟ «تختخ» الذي أخذه وهو يشكره … قال «عثمان»: تستطيع أن تنصرف الآن … ولا تتأخر في الصباح.

انصرف «تختخ» وأخذ طريقه إلى المقهى، كان الوقت لا يزال مبكرًا … رآه «فاروق» فأشار إليه أن ينتظر؛ فقد كان يحمل صينية عليها طلبات للزبائن … اختار «تختخ» كرسيًّا أمام المقهى وجلس، بعد دقائق جاءه «فاروق» يحمل كوب ليمون مثلجًا، ابتسم «تختخ» وتذكر أكواب الليمون المثلج التي يُفضِّلها «المغامرون»، وقال «فاروق»: الدنيا حرٌّ، والليمون مفيد عن الشاي.

ابتسم «تختخ»، وقال: شكرًا يا «روقة» … أنت إنسان طيب فعلًا.

سأله «فاروق»: لا يوجد عمل اليوم؟

[تختخ: نعم.]١

فاروق: عظيم … انتظرْ حتى يأتيَ موعد الغداء.

انصرف «فاروق»، وأخذ «تختخ» يحتسي الليمون المثلج باستمتاع، أخذ يتأمل «عمارة العفاريت»، ويفكر كيف يدخلها، قال في نفسه: إنَّ الحركة في «الجراج» تبدو عادية بالنهار، ولا بد أن تختلف الحركة في الليل … إنَّ ذلك يحتاج إلى مراقبة العمارة في الليل، لكن كيف؟!

ظلَّ يقلب الأمور في رأسه … تذكَّر «محب» وطريقته في النداء على الجرائد … ابتسم وسأل نفسه: هل عاد «محب» للمغامرين.

كان «المغامرون» يعقدون اجتماعًا في حديقة فيلا «المعمورة»، ومعهم «محب» الذي كان غارقًا في الضحك وهو يقول:

محب: كان موقفًا يدعو للضحك؛ فأنا و«تختخ» نقف أمام بعضنا بينهم، ولا أحد يدري أننا أعضاء «المغامرون الخمسة».

سألت «لوزة»: كيف كان شكل «تختخ»؟

ضحك «محب» وهو يقول: لا أحد يعرفه … ثيابه متسخة ومبللة بالماء، ويضع «فوطة» صفراء على كتفه … وكأنَّه محترف غسيل السيارات.

ضحك «المغامرون»، وسألت «نوسة»: المهم … هل توصلتم لشيء؟

محب: عندما يعود «تختخ» سنعرف … أما أنا فسوف أدخل فيلا «هاني» غدًا، لأوصل له عددَي مجلة «علاء الدين»، وقد وجدتهما في مكتبة «الأهرام»!

ابتسم «عاطف»، وقال: يبدو أنَّ مسألة بيع الجرائد أعجبتك.

ضحك «محب»، وقال: حكاية ظريفة، وقد ربحتُ منها بعض النقود … إنَّها عمل صيفي طيب، فهل تفكِّر في بيع الجرائد؟

ضحك «المغامرون»، وقالت «لوزة»: إنني أفكِّر في تجربتها.

كانت الساعة تدقُّ الثالثة في راديو المقهى، عندما كان «فاروق» ينضم إلى «تختخ»، وهو يحمل لفافة وضعها أمام «تختخ» وهو يقول: هيَّا، ساندويتشات «كفتة وبطاطس».

ثم فتح اللفافة … كان «تختخ» يشعر بالجوع، فانقضَّ على «الساندويتشات» حتى إنَّ «فاروق» ضحك، وقال: على مهلكم، فلن يشاركَنا أحدٌ الغداء.

ابتسم «تختخ»، وهو يمضغ، وقال: إنني جائع جدًّا.

سأل «فاروق»: ماذا ستفعل بعد الغداء؟

تختخ: سوف أعود إلى بحري، حيث يوجد بلدياتي.

فاروق: ياه … مشوار طويل … اسمع.

توقَّف لحظة حتى بلع ما في فمه ثم قال: لماذا لا تبيت معي … إنَّ أمي سوف ترحِّب بك … وليس معنا أحد، وأنا أنام في غرفة وحدي.

توقَّف «تختخ» عن المضغ … وفكَّر بسرعة: هذه فرصة حتى أكون قريبًا من «عمارة العفاريت»، وحتى أستطيع أن أراقبها في الليل، ثم نظر إلى «فاروق»، وهو يقول: أنت صبيٌّ كريم جدًّا يا «روقة»، ولا أعرف كيف أشكرك.

فاروق: لا داعي للشكر الآن … فقد أصبحنا أصدقاء … هيه … ما رأيك؟ … فكَّر «تختخ» بسرعة، ثم قال: دعْني اليوم أُخبر «بلدياتي» أنني سأبيت عندك، وغدًا سوف أخبرك.

ثم استغرق في الْتِهام الساندويتشات، وعندما انتهى من الغداء، ابتسم «فاروق»، وهو يقول: هل شبعت؟ ربَّت «تختخ» على كتف «فاروق»، وقال: لا أعرف ماذا أقول لك، لقد أصبحنا أصدقاء فعلًا … فقد أكلنا عيشًا وكفتة. ضحكَا معًا، ودقَّا كفًّا بكفٍّ … وقال «تختخ» وهو يقف: أراك غدًا … مدَّ «تختخ» يده، وشدَّ على يد «فاروق»، وانصرف في طريقه إلى «المغامرين»، الذين كانوا ينتظرونه.

١  الناشر.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤