مقدمة لجامع الكتاب

ما عبس وجه فقير أو أقطب حاجب معوز إلا وكان البخل سببه، والإمساك باعثًا عليه، كأن يد البخيل مطبقة آلة كهربائية يمتد مجراها إلى كل طالب محتاج فيؤثر فيه دلائل الأسى وينقل إليه شكلها المنقبض، فيعود ذلك المسكين بقلب منكسر ونفس صغيرة يتهدده الجوع وما من مدافع، وينتابه الهلاك، وما من ناظر إليه أو عاطف عليه فيكاد يقضي بين ذلك لولا يد كريم تغار عليه فتنشله من هوة الفقر والهلاك بآلة تسطو على تلك الآلة الكهربائية وهي «الإحسان»، فتبطل تأثيرها ببعض دريهمات يبتسم لها وجه من عبثت به يد الأقدار، وينشرح لأجلها صدر من ضيقت عليه عوامل القضاء، فيكون قد خلَّص نفسًا كادت تفارق الحياة بما يكسبُه ثناء أهل الأرض وأجرًا عظيمًا من رب السماء.

وهاك ما ورد في مدح الكرم وذم البخل:

وما ضاع مال أورث الحمد أهله
ولكن أموال البخيل تضيع

•••

وليست أيادي الناس عندي غنيمة
ورُبَّ يد عندي أشد من الأسر

•••

إذا كنت جمَّاعًا لمالِكَ ممسكًا
فأنت عليهِ خازن وأمينُ
تؤديه مذمومًا لي غير حامدٍ
فيأكله عفوًا وأنت دفينُ

•••

ويُظهر عيب المرء في الناس بخلُه
ويحجبه عنهم جميعًا سخاؤُه
تردَّى بأثواب السخاء فإنني
أرى كل عيب فالسخاء غطاؤُه

•••

أترجو أن تسود بلا عناء
وكيف يسود ذو الدعة البخيلُ

•••

ولم يجتمع شرق وغرب لقاصد
ولا المجد في كف امرئ والدراهمُ
ولم أرَ كالمعروف تدعى حقوقه
مغارم في الأقوام وهي مغانمُ

•••

ليس يعطيك للرجاء ولا للـ
ـخوف لكن يلذ طعم العطاءِ

•••

فإنك لا تدري إذا جاء سائل
أأنت بما تعطيه أم هو أسعدُ

•••

من يفعل الخير لا يعدم جوائزه
لا يذهب العرف بين الله والناس

•••

يد المعروف غنمٌ حيث كانت
تحملها كفورٌ أم شكورُ
ففي شكر الشكور لها جزاء
وعند الله ما كفر الكفورُ

•••

خِلٌّ إذا جئته يومًا لتسأله
أعطاك ما ملكت كفَّاهُ واعتذرا
يخفي صنائعه والله يظهرها
إن الجميل إذا أخفيته ظهرا

•••

اعمل الخير ما استطعت وإن
كان قليلًا فلن تحيط بكله

•••

إن الصنيعة لا تكون صنيعة
حتى يصاب بها طريق المصنعِ
فإذا صنعت صنيعة فاعمل بها
لله أو لذوي القرابة أو دعِ

•••

لعمرك ما المعروف في غير أهله
وفي أهله إلا كبعض الودائع
فمستودَعٌ ضاع الذي كان عنده
ومستودعٌ ما عنده غير ضائع

•••

وما الناس في شكر الصنيعة عندهم
وفي كفرها إلا كبعض المزارعِ
فمزرعة طابت وأضعف نبتها
ومزرعة أكدت على كل زارعِ

•••

أبقيت مالك ميراثًا لوارثهِ
فليت شعري ما أبقى لك المالُ
القوم بعدك في حال تسرهُم
فكيف بعدهم حالت بك الحالُ
ملوا البكاء فما يبكيك من أحد
واستحكم القول في الميراث والقالُ
ألهتهم عنك دنيا أقبلت لهم
وأدبرت عنك والأيام أحوالُ

•••

إذا كنت ذا مال ولم تكُ ذا ندى
فأنت إذًا والمقترون سواءُ
على أن في الأموال يومًا تباعةً
على أهلها والمقترون براءُ

لأبي مسلم الخولاني:

إن المكارم كلها حسنٌ
والبذل أحسن ذلك الحسنِ
كم عارفٌ بي لست أعرفه
ومخبر عني ولم يرنِي
يأتيهم خبري وإن بَعُدت
داري وموعد عنهم وطني
إني لحر المال ممتهنٌ
ولحر عرضي غير ممتهنِ

ولعبد العزيز بن مروان:

إذا طارقات الهم صاحبت الفتى
وأعمل فكر الليل والليل عاكرُ
وباكرني في حاجة لم يجد لها
سواي ولا من نكبة الدهر ناصرُ
فرجت بمالي همَّهُ عن كرامةٍ
وزاوله الهم الطروق المساورُ
وكان له فضل عليَّ بظنه
في الخير إني للذي ظن شاكرُ

ولغيره:

من ظن بالله خيرًا جاد مبتدءًا
والبخل من سوء ظن المرء بالله

ولغيره مضمنًا قول بزرجمهر:

لا تبخلن بدنيا وهي مقبلة
فليس ينقصها التبذير والسرفُ
وإن توَّلت فأحرى أن تجود بها
فالحمد منها إذا ما أدبرت خلفُ

وقيل أيضًا:

يا من تجلد للزما
ن أما زمانك منك أجلد
سلط نهاك على هوا
ك وعد يومك ليس من غد
إن الحياة مزارع
فازرع بها ما شئت تحصد

•••

والناس لا يبقى سوى
آثارهم والعين تفقد
أَوَمَا سمعت بمن مضى
هذا يذمُّ وذاك يُحمد
المال إن أصلحته
يصلح وإن أفسدت يفسد

ولحاتم الطائي:

أضاحك ضيفي قبل إنزال رحلهِ
ويخصب عندي والمكان جديبُ
وما الخصب للأضيافِ أن يكثر القرى
ولكنما وجه الكريم خصيبُ

ولبكر بن النطاح:

أقول لمرتادِ الندى عند مالكٍ
تمسك بجدوى مالك وصلاتِه
فتًى جعل الدنيا وفاء لعرضهِ
فأسدى بها المعروف قبل عداتِه
فلو بددت أمواله جود كفهِ
لقاسم من يرجوه شطرَ حياتِه
وإن لم يجز في العمر قسم لمالكِ
وجاز له أعطاه من حسناتِه
وجاد بها من غير كفرٍ بربهِ
وإشراكه في صومهِ وصلاتِه

ولآخر:

ملأت يدي من الدنيا مرارًا
وما طمع العواذل في افتقادي
ولا وجبت عليَّ زكاة مالٍ
وهل تجبُ الزكاة على الجوادِ

ولغيره:

عطاؤك لا يغني ويستغرق الثنا
وتبقى وجوهُ الراغبين بمائها

ولابن عبد ربه:

كريم على العلات جزلٌ عطاؤهُ
ينيل وإن لم يعتمد لنوالِ
وما الجود من يعطي إذا ما سألتهُ
ولكن من يعطي بغير سؤالِ

وللحسن بن هانئ:

فإن تولني منك الجميل فأهله
وإلا فإني عاذرٌ وشكور

ولحاتم الطائي:

قد تأولت فيك قول رسول
الله إذ قال مفصحًا إفصاحا
إن طلبتم حوائجًا عند قوم
فتنقوا لها الوجوه الصباحا
فلعمري لقد تنقيت وجهًا
ما بهِ خاب من أراد النجاحا

وإليك ما ورد في مدح الكرم وذم البخل:

قال أكثم بن صيفي حكيم العرب: «ذللوا أخلاقكم للمطالب، وقودوها إلى المحامد، وعلموها المكارم، ولا تقيموا على خُلق تذمونه من غيركم، وصِلوا من رغب إليكم، وتحلوا بالجود يلبسكم المحبة، ولا تعتقدوا البخل فيوافيكم الفقر».

وقال خالد بن عبد الله القسري وهو على المنبر: «أيها الناس عليكم بالمعروف، فإن الله لا يعدم فاعله جوازيه، وما ضعفت الناس عن أدائه قوَّى الله على جزائِه».

وكان سعيد بن العاص يقول على المنبر: «من رزقه الله رزقًا حسنًا فلينفق منه سرًّا وجهرًا حتى يكون أسعد الناس به، فإنما يترك ما ترك لأحد رجلين، أما المصلح فلا يقل عليه شيء، وأما المفسد فلا يبقى له شيء».

قال بزرجمهر: «إذا أقبَلت عليك الدنيا فأنفق منها فإنها لا تبقى».

وكان كسرى يقول: «عليكم بأهل السخاء والشجاعة فإنهم أهل حسن الظن بالله، ولو أن أهل البخل لم يدخل على من ضر بخلهم ومذمة الناس لهم وإطباق القلوب على بغضهم إلا سوء ظنهم بربهم في الخلف لكان عظيمًا».

وقال عبد الله بن عباس: «سادات الناس في الدنيا الأسخياء وفي الآخرة الأتقياء».

وقيل لأبي عقيل البليغ العراقي: «كيف رأيت مروان بن الحكم عند طلب الحاجة إليه؟ قال: رأيت رغبته في الإنعام فوق رغبتهِ في الشكر، وحاجته إلى قضاء الحاجة أشد من حاجة صاحب الحاجة».

وقالت أسماء بنت خارجة: «أحب أن لا أردَّ أحدًا في حاجةٍ طلبها؛ لأنه لا يخلو أن يكون كريمًا فأصون له عرضه، أو يكون لئيمًا فأصون عرضي عنه».

وقيل: «الأيام مزارع فما زرعت فيها تحصد».

وقال الأحنف بن قيس: «ما ادخرت الآباء للأبناء ولا أبقت الموتى للأحياء شيئًا أفضل من اصطناع المعروف عند ذوي الأحساب».

وقيل: «أَحْيِ معروفك بإماتة ذكرهِ، وعظمهُ بالتصغير له».

وقالت الحكماء: «من تمام كرم المنعم التغافل عن حجته، والإقرار بالفضيلة لشاكر نعمتهِ».

وقيل أيضًا: «للمعروف ثلاثِ خصالٍ: تعجيلهُ وتيسيره وتستيره؛ فمن أخل بواحدة منها فقد بخس المعروف حقهُ وسقط عنهُ الشكر».

وللنبي : «من عَظُمَت نعمة الله عنده عظمت مؤونة الناس عليهِ، فإن لم يقم بتلك المؤونة عرض النعمة للزوال».

وقال جعفر بن محمد: «لله خلقًا من رحمتهِ برحمتهِ لرحمته، وهم الذين يقضون حوائج الناس، فمن استطاع منكم أن يكون منهم فليكن».

وقال الإمام علي رضي الله عنه لأصحابه: «من كانت له إليَّ منكم حاجة فليرفعها في كتابٍ لأصون وجوهكم عن المسألة».

وقيل: «من بذل إليك وجهه فقد وفَّاك حق نعمتك».

وقيل: «أكمل الخصال ثلاث: وقار بلا مهابة، وسماح بلا طلب مكافأة، وحلم بغير ذل».

وقيل أيضًا: «السخي من كان مسرورًا ببذله، متبرعًا بعطائه، لا يلتمس عرض دنيا فيحبط عمله، ولا طلب مكافأة فيسقط شكره، ويكون مثله مثل الصائد الذي يلقي الحَبَّ للطائر لا يريد نفعها ولكن نفع نفسهِ».

محتويات كتاب نوادر الكرام:

  • القسم الأول: في نوادر البرامكة
  • الثاني: معن بن زائدة.
  • الثالث: حاتم الطائي.
  • الرابع: الخليفة المهدي.
  • الخامس: هارون الرشيد.
  • السادس: الأمين والمأمون.
  • السابع: متفرقة في الكرم.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤