رئيس الشرطة

أربعةُ جداولَ جبليةٍ جليدية متفرِّعة من النهر الجليدي على جبل كاراكون انحدرَت تعلوها موجةٌ من الرغوة البيضاء باتجاه بلدة بوهارا. في بلدة بوهارا، اجتمعَت الجداول الأربعة لتشكل نهرًا واحدًا كبيرًا هادئًا. كانت مياه النهر عادةً صافية، وكانت السحب والأشجار تنعكس على سطح البِرَك الراكدة التي تشكَّلَت على طول مجراه. لكن عندما كانت تحدُث الفيضانات كانت المياه الهادرة تغمُر السهول الرسوبية المجاورة للنهر، والتي تبلُغ مساحتها حوالي خمسة وعشرين فدانًا وتنمو فيها أشجار صَفْصاف. ثم بمجرد انحسار المياه، كانت تظهر السهول البيضاء المبهجة مرةً أخرى.

هنا وهناك فوقها كان ينتشر ما بدا وكأنه بِرَكٌ طويلة وضيقة محاطة بالبوص والبوط. كانت هذه علاماتٍ على المكان الذي كان يجري فيه النهر في الماضي؛ كان شكلها يتغيَّر على نحوٍ ما في كل مرة كان هناك فيضان، لكنها لم تختفِ تمامًا. كانت تحتوي على كمياتٍ كبيرة من الأسماك، وخاصةً سمك اللوتش وسمك السلور، وبما أن سكان بوهارا اعتبروا أن هذه الأسماك غير صالحة للأكل، فقد استمرَّت أعدادها في الزيادة بنحوٍ مطرد. وسمك الشبوط وسمك الروش يأتيان، كما قد تتوقع، بعد سمك السلور من حيث العدد، غير أنه كان يُوجد أيضًا سمك الداس.

في إحدى السنوات، ظهرَت شائعة عن وجود سمكة حفش عملاقة، بعد أن فرَّت إلى هناك من البحر. لكن الكبار والأطفال الأكثر توقدًا في الذهن استبعدوا حدوث ذلك بابتسامة. ففي النهاية، كانت قد بدأَت بحلاقٍ يُدعى ريتشيكي، الذي كانت لديه فقط شفرتا حلاقة، وكان سيئًا في مهنته، ولم يكن موثوقًا به بنحوٍ عام. ومع ذلك، كان الأطفال الأصغر سنًّا يذهبون إلى هناك كل يوم لبعض الوقت على أمل رؤية الوافد الجديد. لكن على الرغم من أنهم يُمعِنون النظر جيدًا، فإنهم لم يُلاحِظوا أي علامةٍ على وجود السمكة العملاقة، سواء بالقرب من السطح أو أسفله؛ لذلك انتهى الأمر بريتشيكي إلى أن أصبح محل سخريةٍ كبيرة.

تنُص المادة الأولى من قانون البلاد على أنه «يُحظر استخدام البارود لقتل الطيور، ويُحظر استخدام أكياس السم من أجل صيد الأسماك»، وأكياس السم تلك هي التي وصفَها الحلاق ريتشيكي نفسه بالطريقة الآتية:

«تُقشِّر بعض لحاء أشجار السانشو في ليلة مظلمة في يوم الحصان في الربيع، ثم تُجفِّفه مرتَين تحت الشمس الحارقة، ثم تطحنه بمدقَّة وهاون. ثم تخلط رطلَين من هذا مع رطل ونصف من رماد خشبٍ ناتج عن حرق خشب القيقب في يومٍ جميل، وتضع الخليط في كيس، ثم تعصرُه في الماء بيدك.»

تبتلع الأسماك السُّم فتطفو على السطح، بطونُها متجهة للأعلى وأفواهُها مفتوحة، وهي طريقةٌ للقتل يُطلق عليها في اللغة المحلية اسم «هيب-كاب»، وهو تعبيرٌ ملائم جدًّا.

على أي حال، كانت إحدى أهم مهام شرطة بوهارا هي منع الناس من استخدام هذه الأكياس السامة.

•••

ذات صيفٍ جاء إلى البلدة رئيسٌ جديد للشرطة.

بشاربه الأحمر السميك، كان يشبه إلى حدٍّ ما القضاعة، وكانت أسنانه مغطَّاة تمامًا بالفضة. وكرئيس للشرطة، كان يرتدي عباءةً حمراءَ طويلة مع جديلةٍ ذهبية رائعة، ويتجوَّل كل يوم لمراقبة الأوضاع بعناية.

إذا رأى بغلًا مطأطئ الرأس، فإنه كان يسأل سائق البغل ليتأكد من أن الحمل ليس ثقيلًا جدًّا، وإذا سمع طفلًا يبكي بصوتٍ عالٍ داخل منزل، فإنه كان يخبر الأم بضرورة اتخاذ الإجراءات المناسبة ضد مرض الجُدري قبل فوات الأوان.

في نحو ذلك الوقت، على الرغم من ذلك، كان هناك أشخاصٌ بدَءوا في تجاهل المادة الأولى من القانون. فتوقفَت بعض البِرَك الكبيرة في سهول النهر عن إنتاج أي أسماك على الإطلاق. في بعض الأحيان كانت هناك أسماكٌ ميتة متعفنة عائمة على السطح. وفي كثير من الأحيان، بعد يوم الحصان في الربيع، كان يُعثر على أشجار السانشو المتوفرة بكثرة في البلدة وقد جُردَت من لحائها أثناء الليل. لكن بدا أن كلًّا من رئيس الشرطة ورجال الشرطة في شكٍّ فيما إذا كانت مثل هذه الأشياء قد حدثَت بالفعل.

•••

ذات صباح، مع ذلك، كان اثنان من مجموعة من الأطفال يقفون على قطعة أرضٍ عُشبية أمام منزل مُدرِّس الخط يتحدث كلٌّ منهما للآخر:

«لقد تلقَّيتُ توبيخًا مُهذبًا من رئيس الشرطة.»

قال الطفل الآخر الأكبر قليلًا: «لقد وبَّخكَ رئيس الشرطة؟»

«أجل! رميتُ حجرًا. لم أكن أعرف أن أحدًا كان هناك، لكن كان هو وثلاثة أو أربعة رجالٍ آخرين يختبئون عند ضفة البركة، محاولين القبض على الأشخاص الذين يستخدمون السُّم لصيد الأسماك.»

«ماذا قال لك بالضبط؟»

قال: «من هذا الذي يرمي الحجارة؟ ألا تعلم أننا نقضي النهار كله هنا بحثًا عن المجرم الذي يُخالِف المادة الأولى؟ لذلك اذهب بعيدًا ولا تُحدِّث أحدًا بالأمر أيضًا.»

قال الآخر: «حسنًا، إذَن، لن يمُر وقتٌ طويل قبل أن يُقبض على المجرم، أليس كذلك؟»

في الواقع، مرَّ نصف عام دون حدوث أي شيء، وبدأ الأطفال يتحدثون مرةً أخرى:

قال أحدهم: «اسمع. لديَّ دليلٌ قاطع! الليلة الماضية عندما كان القمر يظهر، رأيتُ رئيس الشرطة، مرتديًا عباءةً سوداء وغطاءَ رأس، يتحدث إلى رجلٍ غريب الشكل — أعني ذلك الرجل القصير الغريب الذي يذهب للصيد ببندقية — وكان يقول له: «انظر هنا … أريده أن يكون طحنُه ناعمًا أكثر قليلًا قبل أن تُحضِره.» حينها قال الصياد شيئًا، واستطرد رئيس الشرطة قائلًا: «ماذا، أتريد تيلَين ثمنًا للحُزمة بالرغم من أنك تخلِط رماد البلوط بها؟ دعك من ذلك!» أراهن أنهما كانا يتحدثان عن مسحوق لحاء شجر السانشو!»

عند ذلك صاح طفلٌ آخر قائلًا: «مهلًا، لقد تذكَّرتُ للتو! رئيس الشرطة … اشترى كيسَين من الرماد من عندنا. هذا يعني أنهم يخلطونه مع مسحوق اللحاء، أليس كذلك؟»

صاحوا وهم يصفِّقون بأيديهم ويلوِّحون بقبضاتهم المضمومة: «نعم! هذا كل ما في الأمر! هو كذلك بالتأكيد!»

ريتشيكي الحلَّاق، الذي لم يكن لديه كثير من الزبائن ولديه كثير من وقت الفراغ، سمع عن ذلك لاحقًا، وبدأ على الفور الحساب:

الميزانية العمومية لصيد الأسماك بأكياس السم
(١) المصروفات:
كيس من اللحاء ٢ تيل
كيس من الرماد ٣٠ ميسًا
الإجمالي تيلان، و٣٠ ميسًا
(٢) الدخل:
ثلاث عشرة سمكة أنكليس ١٣ تيلًا
أسماك أخرى مقدَّرة ﺑ ١٠ تيلات
الإجمالي ٢٣ تيلًا
(٣) ربح رئيس الشرطة ٢٠ تيلًا، و٧٠ ميسًا

انتشرَت الشائعات بشدة لدرجة أن الأطفال الصغار، عندما كانوا يرَوْن شرطيًّا، كانوا يسارعون بالهروب، ثم التوقف والانحناء إلى الأمام، والصياح من مسافةٍ بعيدة: «شرطي أكياس السم … دعنا على الأقل نحصُل على سمك السلور!»

في الواقع، أصبحَت الأمور خطيرةً للغاية، لدرجة أن عمدة بوهارا أخذ على مضَض ستةً من طاقمه، وذهب لمقابلة رئيس الشرطة.

بينما جلس الاثنان جنبًا إلى جنب على الأريكة في غرفة الزوار، كانت عينا رئيس الشرطة الذهبيتان تبدوان شاردتَين.

قال العمدة: «يا رئيس الشرطة، أتساءل عما إذا كنتَ على علم بالحديث الذي يدور حول أن شخصًا ما لا ينفك يُخالِف المادة الأولى من القانون؟ ما رأيك بذلك؟»

«عجبًا … هل هذا صحيح حقًّا، إذن؟»

«أخشى أن يبدو الأمر كذلك. إن شجرة السانشو في منزلي قد جُردَت من لحائها، ويقولون، كما تعلم، إن الأسماك الميتة كثيرًا ما يُعثر عليها عائمةً على سطح الماء.»

عندها ابتسم رئيس الشرطة ابتسامةً غريبة. أو ربما كان ذلك مجرد توهُّم من جانب العمدة.

«أوه، هل هذا ما يقوله الناس؟»

«إنهم بالتأكيد يفعلون ذلك. أخشى أن … الأطفال يقولون إنك المسئول. إنه أمرٌ محرج جدًّا، أليس كذلك؟»

قفَز رئيس الشرطة من كُرسيه.

«إنه أمرٌ مريع! أحد الأسباب أنه يطعن في سمعتي. سأعتقل الجاني على الفور.»

«هل لديك أي أدلة؟»

«دعني أفكِّر. أجل، بالطبع … في الواقع، لديَّ دليلٌ قاطع.»

«أنت تعرف، إذَن …؟»

«دون أدنى شك. إن رجل أكياس السم هو أنا!»

وأدار رئيس الشرطة وجهه نحو العمدة وكأنه يقول: انظر إليَّ جيدًا. أصيب العمدة بالذهول.

«أنت؟ إذَن كنتَ أنت، في النهاية؟»

«هذا صحيح.»

«أنت متأكد تمامًا، إذَن؟»

«قطعًا.»

وقارعًا بهدوءٍ الجرَس الذي على الطاولة، استدعى رئيس الشرطة أحد كبار المحققين الذي كان بلحيةٍ حمراءَ كثة.

•••

وهكذا قُبض على رئيس الشرطة، وحُوكم، وحُكم عليه بالإعدام.

في اللحظة التي كان السيف المقوَّس الكبير على وشك أن يقطع رأسه، ابتسم رئيس الشرطة وقال:

«حسنًا، لقد كان أمرًا ممتعًا! أنا شخصيًّا لم أستمتع بشيء أكثر من صيد الأسماك بأكياس السم طوال اليوم. والآن أعتقد أنني، على الأرجح، سأحاول فعل ذلك في الجحيم.»

لقد صُدم الجميع بشدةٍ من ردِّه.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤