الضفادع الثلاثون

منذ زمنٍ بعيد، كان هناك ثلاثون ضفدعًا شجريًّا صغيرًا يعملون معًا بسعادة.

كانوا يكسبون رزقهم بنحوٍ رئيسي من خلال العمل لصالح الحشرات في جمع بذور الفلفل والخشخاش المتساقطة وصُنع أحواض زهور، أو تجميع الأحجار والطحالب ذات الشكل الجيد وتنسيقها على هيئة حدائقَ جميلة.

لا تزال نتائجُ عملهم، الجذابة والمصنوعة بعناية، موجودةً في شتى أنواع الأماكن غير المتوقَّعة؛ تحت نباتات الفول في أحد الحقول، أو عند أسفل شجرة بلوط في الغابة، أو مُخبَّأة تحت أحد التكوينات الرسوبية بأحد الكهوف.

كان الضفادع الثلاثون يستمتعون بنحوٍ كامل بمهامهم اليومية. كانوا يُباشِرون العمل في وقتٍ مبكر من الصباح؛ آخذين أنفاسًا عميقة من الهواء البارد والنظيف بينما تُلقي أشعة الشمس الذهبية بظلالها الأولى البعيدة المدى لنباتات الذرة الممتدة على طول الأرض، وكانوا يعملون وهم يُغَنون ويضحكون ويُنادُون بعضهم على بعض طَوالَ الوقت إلى أن يأتي المساء، والذي تخلُد فيه أوراق الشجر والنباتات للسكون تحت الضوء الكهرماني.

في الأيام التي تلي العاصفة، كانوا منشغلين حقًّا: «تعالَوا في أقرب وقتٍ ممكن من فضلكم لإزاحة اللوح الذي يُخفي حديقتنا»، أو «هل يأتي خمسة أو ستة منكم على وجه السرعة لإقامة أشجار طحالب اليشعور التي كانت قد سقطَت؟» وكلما كانوا أكثر انشغالًا، كانوا أكثر سعادة؛ لأن العمل كان يجعلهم يشعُرون بأنهم كائناتٌ نافعة.

«حسنًا، دعُونا نسحب بقوة. هيا، اسحَبوا! يا بوتشكو، إن الحبل يرتخي! حسنًا، اسحَبوه. أنت، هناك، بيكيكو، اترُك ذلك. اربِط الحبل! اسحَب، هناك تقريبًا، اسحب! …» هكذا كانت تسير الأمور.

لكن في أحد الأيام كانت الضفادع الشجرية الثلاثون قد وضعت للتو اللمسات الأخيرة على حديقة لبعض النمل، وكانوا يتجهون إلى المنزل في حالة معنوية عالية عندما مروا من تحت شجرة خوخ، ورأَوا أن متجرًا جديدًا قد افتُتح. كان عليه لافتة تقول: «يُوجد ويسكي مستورد – الكوب باثنين ونصف رين.»

أثار ذلك فضول الضفادع، فاحتشدوا جميعًا في المكان. هناك وجدوا ضفدع ثورٍ لونُه أخضر زيتوني جالسًا على نحوٍ متبلد، وقد بدا عليه الملل، وكان يُسلي نفسه برؤية إلى أي مدًى يمكن أن يمُد لسانَه للخارج. عندما دخلوا عليه، قال بأحسن صوت لديه:

«مساء الخير، أيها السادة! هلا تجلسون وتروِّحون عن أنفسكم قليلًا؟»

فقال أحدُهم: «حسنًا، إذَن … أرى أن لديك شيئًا يُسمَّى الويسكروك المستورَد. ما هذا الشيء بالضبط؟ هل لي بكوب، من فضلك، لأرى كيف يبدو؟»

«الويسكي المستورَد، سيدي؟ بالطبع، يا سيدي. اثنان ونصفُ رين ثَمنُ الكوب … هل هذا مناسب لكَ يا سيدي؟»

«أجل، لا بأس.»

قام ضفدع الثور بسَكْب بعض من الويسكي في كوبٍ مصنوع من حبة دَخنٍ مُجوَّفة.

فصاح الضفدع الشجري: «أوه! إنه شرابٌ قوي! إنه يجعلك تشعُر بالحرقة في حلقك أثناء مروره به. واو! إن له المفعول نفسه مع بطنك أيضًا. آه، هذا شعورٌ جيد! هل لي بكوبٍ آخر من فضلك؟»

«حسنًا يا سيدي. سأكون معك حالما أنتهي من خدمة هذا الزبون هنا.»

«وواحد لي أيضًا.»

«أنا قادم يا سيدي، قادم. كما تعلم، من يأتي أولًا تكون له الخدمة أولًا. يا هذا، هذا لك يا سيدي.»

«شكرًا. واو! … هذا الشيء رائع!»

«يا هذا، أين كوبي؟»

«حسنًا … ها هو، يا سيدي.»

«أوه!»

«هنا … واحدٌ آخر من أجلي!»

«تعالَ هنا!»

«كوبٌ آخر … وجهِّزه سريعًا.»

«تحلَّوا بالصبر، أيها السادة. أنتم لا ترغبون بأن أسكُبه بعد أن صبَبتُه بدقة، أليس كذلك؟ دعونا نرى، الآن … هذا لكَ، يا سيدي.»

«شكرًا. أوه … إن الأمر يتحسَّن بنحوٍ كبير.»

وبهذه الطريقة، تناولَت الضفادع الشجرية كوبًا تِلو الآخر، حتى شربوا كثيرًا، وكانوا يُريدون المزيد كلما شربوا أكثر.

في الحقيقة، كان هناك برميل زيتٍ كامل مليء بويسكي الضفدع؛ لذلك كان بإمكانكَ طلبُ عددٍ كبير من أكواب ويسكي الدَّخن المجوَّف هذه دون أن تحدث أي مشكلة.

«يا هذا، واحدٌ آخر لي!»

«هنا … لقد طلبتُ كوبًا آخر، أليس كذلك؟ أسرع، هلا فعَلتَ؟»

«هيا، لن أنتظر إلى الأبد!»

«نعم يا سيدي، حسنًا، سيدي. سيكون هذا كوبك الثاني بعد الثلاثمائة؛ هذا صحيح، أليس كذلك؟»

«بالطبع لا بأس … عندما أقول كوبًا آخر، أعني كوبًا آخر.»

«حسنًا، يا سيدي، ستحصُل عليه إذا كان هذا ما تريده. ها هو …»

«آه، هذا أفضل!»

«يا هذا، لا تنسَ كوبي!»

لم يمضِ وقتٌ طويل حتى كانت الضفادع الشجرية في حالة ثُمالةٍ تامة، وغطُّوا جميعًا في النوم واحدًا تلو الآخر مطلقين شخيرًا بصوتٍ عالٍ كان أشبه بصفيرٍ طويل.

عندها، ابتسم ضفدع الثور ابتسامةً متكلَّفة، وأعاد تغطية البرميل بإحكام، وبسرعةٍ أغلق متجره. ثم أخرج من الخِزانة بدلةً واقية من الزَّرد وطرحَها بحذَر فوق رأسه، وجعلها تصل إلى أخمص قدمَيه. بعد ذلك جلب كرسيًّا وطاولة، وجلس بعنايةٍ أمام الطاولة. كانت الضفادع الشجرية لا تزال تملأ الغرفة بشخيرها العالي الرفيع؛ لذا أحضر مقعدًا صغيرًا بلا ظهر، ووضَعَه على الجانب الآخر المقابل له من الطاولة. ثم ذهب وتناول قضيبًا حديديًّا من الرَّف، وألقى بنفسه على الكرسي مرةً أخرى، ووجَّه للضفدع الأول ضربةً خاطفة على رأسه الأخضر.

وصاح به: «هيه، استيقظ، أنت! لقد حان وقت دفع الفاتورة. هيا!»

«خخ، خخ. … آه، هذا مُوجِع! ما الذي تقصده بحق الجحيم بضربي على رأسي هكذا؟!»

«هيا، ادفع فاتورتك.»

«إيه؟ … أوه أجل، بالطبع … كم تصل قيمتها؟»

«لقد تناولتَ ٣٤٢ كوبًا؛ لذلك تبلغ قيمتها ٨٥ سينًا، و٥ رينات. حسنًا … هل بإمكانك الدفع؟»

أخرج الضفدع الشجري محفظتَه وألقى نظرةً إلى داخلها، لكن كان معه فقط ٣ سينات ورينان.

«تعني أنَّ معك فقط ٣ سينات ورينين؟ أنت في ورطةٍ إذَن. حسنًا، كيف نعالج الأمر؟ هل أُبلِغ عنك الشرطة؟»

«لا، لا، لا تفعل أرجوك!»

«إذَن، هيا، ادفع!»

«أنا حقًّا ليس لديَّ هذا المبلغ. أعفِني منه من فضلك. إذا فعلتَ ذلك، فسأبقى هنا وأعمل لديك.»

«لقد فهِمتُ. حسنًا، إذَن … من الآن فصاعدًا عليك أن تخدمني.»

«أجل، سيدي، كما تريد يا سيدي.»

«حسنًا. اذهب إلى الداخل. …»

فتَح ضفدع الثور الباب المؤدي إلى الغرفة المجاورة، ودفع بالضفدع الشجري المذهول إلى الداخل وأغلق الباب. ثم ابتسم بتكلف، وألقى بنفسه على كرسيه. بعد ذلك، أمسك بالقضيب الحديدي مرةً أخرى، ووجَّه نقرةً خاطفة إلى الرأس الأخضر المُزرَق لضفدعٍ آخر.

وقال له: «هيه، أنت … حان وقت الاستيقاظ! إنه وقتُ دفع الفاتورة! وقتُ دفع الفاتورة!»

«خخ، خخ، نق نق، تبًّا. … الشيء نفسه مرةً أخرى، من فضلك.»

«أيها الأحمق، أنت ما زلتَ نصفَ نائم. استيقظ! حان وقت الدفع.»

«تبًا، يون، تبًّا. ما الأمر؟ لماذا تضربُني على رأسي؟»

«ما تزال ثَمِلًا، أليس كذلك؟ هيا، ادفع فاتورتك. أقول، فاتورتك!»

«أوه، بالطبع … أنت مُحقٌّ تمامًا … كم تبلُغ قيمتها؟»

«لقد شربتَ ٦٠٠ كوب، لذلك تبلغ قيمتها ين واحدًا و٥٠ سينًا. ماذا عن هذا … هل لديك هذا المبلغ؟»

شحَب الضفدع الشجري بشدة لدرجة أنه أصبح شبه شفَّاف. قلَّب محفظته رأسًا على عقب، لكن كل ما خرج منها كان مجرد سين واحد ورينين.

«سأُعطيك كل ما لديَّ … هل تعتقد أن ذلك سيَفِي بالغرض؟»

«مم … ين واحد، و٢٠ سينًا، أليس كذلك؟ لكن انتظر … هذا فقط سين و٢٠ رينًا! أيَّ نوعٍ من الحمقى تحسَبُني؟ ذلك المبلغ يُشكِّل واحدًا على مائة مما يجب أن تدفعَه لي، أيها الشيطان الصفيق! هيا، ادفَع كل ما عليك! بسرعة!»

«لكنني لا أملكُ هذا المبلغ.»

«إذَن، سيكون عليك البقاء والعمل هنا، ألن تفعل؟»

«بلى … أعتقد أنني سأفعل.»

«جيد. من هذا الطريق، إذَن. …» ودفع ضفدعُ الثور الضفدعَ الشجري الثاني إلى داخل الغرفة المجاورة أيضًا. وكان على وشك إغلاق الباب عندما بدا أن شيئًا قد خطَر له، فسار إلى حيث كانت الضفادع الأخرى تشخر شخيرها المصحوب بصفير، وأخرج محافظهم الواحدة تلو الأخرى ونظر بداخلها.

لم تحتوِ أيٌّ منها على أكثر من ٣ سينات. لكن بدت واحدةٌ فقط ممتلئةً وكبيرة الحجم، غير أنه عندما فتحَها لم يجد فيها عملةً واحدة، بل وجد ورقة كاميليا مطويةً أكثر من مرة. بابتسامة فرح، أخذ ضفدع الثور قضيبَه الحديدي ونقَر جميع الضفادع الشجرية بالترتيب على رءوسها الخضراء. ووفى هذا بالغرض.

صاحت الضفادع وهي تستيقظ: «تبًّا! آه! من الذي …؟»

لفترة من الوقت، اكتفَوا بالحملقة. لكن عندما أدركوا أن صاحب محل المشروبات كان المسئول عن ضربهم، أحاطُوا به من كل الجهات:

«أنت … ماذا تعني بضربنا هكذا؟! …»

لكن حجمه كان أكبر من حجمهم مجتمعين، هذا بالإضافة إلى أنه كان يرتدي بدلةً واقية من الزَّرد بينما كان الثلاثون ضفدعًا لا يزالون يترنَّحون تحت تأثير الويسكي المستورَد. لذلك طرحهم أرضًا الواحد تلو الآخر، قاذفًا بآخِرِ أحدَ عشَر منهم بعضهم فوق بعض في كومةٍ واحدة غيرِ منظَّمة.

مهزومين تمامًا الآن، تمدَّدَت الضفادع الشجرية على الأرض وهم يرتعدون وقد شحَبوا بشدة لدرجة أنهم بدَوا غير مرئيين.

قال ضِفدع الثور مُبررًا ما فعله: «لقد شربتم الويسكي الخاص بي. ولا تقلُّ قيمة أيٍّ من فواتيركم عن ٨٠ سينًا، غير أنْ لا أحد منكم لديه أكثر من ٣ سينات. حسنًا؟ هل لدى أيٍّ منكم أكثر؟ لا أظن ذلك. …»

لم يكن بمقدور الضفادع الشجرية الذين كانوا يلهثون سوى النظر بعضهم لبعض بلا حول ولا قوة.

قال ضفدع الثور وهو مسرور جدًّا من نفسه: «لن يكون بمقدوركم الدفع، أليس كذلك؟ الآن، لقد تعهَّد بالفعل اثنان من أصدقائكم بالعمل لديَّ بدلًا من الدفع. ماذا عن بقيَّتكم؟» في تلك اللحظة كان الضفدعان الموجودان، كما تعلمون، داخل الغرفة المجاورة، ينظران إليهم من خلال فتحة في الباب وهما ينوحان بصوتٍ منخفض.

نظروا جميعًا بعضهم إلى بعض.

«لا يُوجد سبيلٌ آخر. هل نوافق إذَن؟»

«أجل … من الأفضل أن نقبل عرضه.»

قالوا لضفدع الثور: «كما تريد، يا سيدي.»

وبهذه الطريقة فإن الضفادع الشجرية، المخلوقات اللطيفة والمستعدة لتقديم المساعدة، أصبحَت تابعة لضفدع الثور دون مقاومة على الإطلاق. لذا، فتَح ضفدع الثور الباب الذي يُوجَد خلفه وأخرج الضفدعَين الآخرين، وخطب بهم جميعًا بصوتٍ مهيب قائلًا:

«اسمَعوا. من الآن فصاعدًا سنُطلِق على أنفسنا «مجموعة ضفدع الثور». وسأكون أنا رئيسها. اعتبارًا من الغد ستتلقَّون الأوامر مني. حسنًا؟»

فأجابوا: «أجل، يا سيدي.»

•••

في اليوم التالي، ألقى ضوء الشمس الذهبي بظلال شجرة الخوخ خلف المنزل البعيد، وقد أضاءت السماء باللون الأزرق الفاتح، لكن لم يأتِ أحدٌ للعهد بأي عمل لمجموعة ضفدع الثور. لذلك دعاهم الرئيس جميعًا وقال لهم:

«لم يأتِ إلينا أيُّ زبائن. إذا لم نحصل على أي عمل، فما الفائدة من إطعامكم؟ ذلك يضَعُني بالفعل في ورطة. غير أنه عندما لا يكون هنالك عمل، فإن أفضل ما يمكن فعله هو التحضير لأوقات يتوفَّر فيها العمل بكثرة. لذلك هذه فرصة لجمعِ المواد للأعمال المستقبلية. …

أول مادَّة، إذَن، هي الخشب. اليوم أريدكم أن تخرجوا وتجلبوا لي عَشْر أشجارٍ جيدة. لا، انتظروا … هذا لا يكفي. دعونا نرى … مائة، لكن لا، حتى هذا عددٌ قليل جدًّا … ألف شجرة. إذا لم تُحضِروا ألفًا منها فسوف أقدِّم شكوى إلى الشرطة على الفور. عندها سوف يُحكَم عليكم جميعًا بالإعدام. ستُقطَع رقابكم السمينة. لا، لن تُقطَع فقط — إنها سمينةٌ جدًّا بحيث لا يمكن أن يُفعَل فيها ذلك — ستُقطع إربًا إربًا.»

ارتعدَت أذرُع الضفادع الخضراء وأرجلها، وارتجفَت من الخوف. تسلَّلَت الضفادع الشجرية للخارج بشكلٍ خفي، وبدأَت البحث عن العدد المطلوب من الأشجار بنشاط؛ تبعًا لحساباتهم، على كل واحد منهم إحضار ما يزيد قليلًا عن ٣٣٫٣٣ شجرة. لكنهم كانوا قد استنفَدوا بالفعل معظم الأشجار المتوفرة، وبالرغم من أنهم قد فتَّشوا في الأماكن المجاورة بحماسة شديدة، فإنهم لم يحصُلوا على أكثر من تسعِ أشجار بحلول المساء.

تسكَّعوا في المكان بلا حول ولا قوة والدموع تَنهمر من أعينهم؛ مما جعل الأمور تبدو أسوأ. لكن في ذلك الوقت، تصادف أنْ مرَّت بهم نملة، ورأتهم جالسين هناك يبكون ويبدو لونهم أخضرَ نصفَ شفاف تحت ضوء شمس المساء الكهرماني، فقالت في دهشة:

«مرحبًا أيتها الضفادع، شكرًا على العمل الذي قمتُم به في ذلك اليوم. لكن ما الأمر؟»

«كان من المفترض أن نأتي اليوم بألف شجرة لضفدع الثور. لكن حتى الآن، لم نجد سوى تِسع منها.»

«ها-ها-ها-ها!» هكذا ضحكَت عندما سمعَت ذلك، لكنها قالت بعد ذلك: «إذا أراد ألفًا، فأحضِروا له ألفًا. أترَون أشجار العفَن الموجودة هناك، تلك الجميلة للغاية التي تبدو وكأنها خيوط من الضباب؟ إن حَفنةً واحدةً منها ستعطيكم ٥٠٠ شجرة دفعةً واحدة.»

تساءلوا فيما بينهم بسرور: «لماذا لم نفكر بذلك؟» وعلى الفور جمع كل واحد منهم ما يزيد قليلًا عن ٣٣٫٣٣ من أشجار العفَن الرفيعة، ثم عادوا إلى مَقرِّهم الجديد بعد أن شكَروا النملة.

سُر الرئيس بشدة.

وضحك ضحكةً خافتة وقال: «جيد، جيد. حسنًا، إذَن … بإمكان كلٍّ منكم تناوُل كوبٍ واحد من الويسكي المستورَد قبل الذهاب إلى الفِراش.»

وهكذا تناوَل كل واحد منهم جُرعةً واحدة من الويسكي في أكواب حبوب الدَّخن، وغطُّوا في النوم مع دُوارٍ في الرأس وكثير من الشخير.

في صباح اليوم التالي، ومع شروق الشمس، دعاهم ضفدع الثور جميعًا معًا مرةً أخرى.

وقال: «لا تُوجد طلباتُ عملٍ اليوم أيضًا. لذا استمِعوا … ستذهبون إلى أحواض الزهور في الجوار وتعملون على التقاط البذور. أريد أن يجمع كل واحد منكم مائة — لا، مائةٌ قليلٌ جدًّا — حتى ألف ليست كافيةً ليومٍ طويل كهذا … عشرة آلاف بذرة لكل واحدٍ منكم. هل فهمتم؟ إذا لم تفعلوا ذلك، فسأُسلِّمكم على الفَور إلى الشرطة. وسوف يقطَعون رءوسكم في غضون وقتٍ قصير.»

مع أشعة الشمس الساطعة عليهم بالكامل، انطلقَت الضفادع الشجرية نحو أحواض الزهور.

لحُسن الحظ، كانت البذور تتساقط كالمطر في ذلك اليوم، وكان النحل يطنُّ حولهم بهمَّة؛ لذلك جلسَت الضفادع القرفصاء، وبدَءوا بالتقاطها بأسرعِ ما يمكنهم. وأثناء عملهم، تحدَّث بعضهم إلى بعض:

«يا بيتشكو … هل تعتقد أن بإمكانك جمع عشرة آلاف بذرة؟»

«لا يبدو ذلك ممكنًا ما لم أسرع بالعمل … جمعتُ ثلاثمائة بذرة فقط حتى الآن.»

«قال الرئيس مائة في البداية، أليس كذلك؟ أتمنى لو أنه ترك الأمر عند هذا الحد.»

«ثم قال ألف بذرة. لا يزال بإمكاننا تحقيق ذلك، أليس كذلك؟»

«بلى، بإمكاننا.»

«لكن أتساءل ما الذي جعلني أشرب هذا القَدْر من الويسكي؟ …»

«كنتُ أتساءل عن الشيء نفسه، أيضًا. كان الأمر كما لو كانت جميعًا مربوطة معًا على نحوٍ متتالٍ؛ الكوب الأول أدَّى إلى الثاني، والثاني إلى الثالث، وهلُمَّ جرًّا. بالنسبة لي، كان هناك ثلاثمائة وخمسون كوبًا مربوطةً جميعًا معًا.»

«أعلَم. … لكن من الأفضل أن نُسرع، وإلا فستكون هناك مشكلة.»

«أنتَ على حق.»

وهكذا استمرُّوا في جمع البذور، ومع حلول الغسَق كانوا قد حقَّقوا هدفهم. بعد ذلك عادوا بالبذور إلى منزل الرئيس.

كان الرئيس مسرورًا.

وقال لهم: «مم، جيد. حسنًا … بإمكان كلٍّ منكم تناوُل كوبٍ واحد من الويسكي المستورَد، ثم الذهاب للنوم.»

هذا جعل الضفادع تشعُر بالسرور أيضًا. شرب كل واحد منهم كوبًا مليئًا بالويسكي، ثم ذهبوا جميعًا للنوم وبدَءوا بالشخير.

عندما استيقظوا في صباح اليوم التالي، كان يُوجد ضفدع ثورٍ آخر يتحدث مع الرئيس:

«في كلتا الحالتَين، عليكَ أن تفعل ذلك على نحوٍ بارع، هذا إذا كنت ستفعله من الأساس. وإلا فسوف يضحك الناس عليك.»

«أعلَم. ما رأيك … ما رأيك في ٩٠ ين لكل ضفدع؟»

«مم. أعتقد أن ذلك سيكون مناسبًا.»

«أعتقد ذلك أيضًا. (هيه … لقد استيقظتم، أليس كذلك؟) الآن، ما العمل الذي سأكلفهم به اليوم؟ تبدو الأمور سيئة، كما تعلم؛ لقد مرَّ وقتٌ طويل بدون أي طلبات للعمل.»

«نعم، أعلم تمامًا كيف تبدو الأمور.»

«أعتقد أنني سأكلفُهم بحمل الحجارة اليوم. اسمعوا يا جماعة … اليوم أريد كل واحد منكم أن يذهب ويعود بثلاث أوقيات من الحجارة. لا … إن ثلاث أوقياتٍ قليلة جدًّا.»

قال ضِفدع الثور الآخر: «إن طنًّا واحدًا ملائمٌ أكثر.»

«إنك على حق؛ ملائمٌ أكثر بكثير. اسمَعوني، اليوم أريد أن يجمع كل واحد منكم طنًّا من الحجارة. إذا لم تفعلوا ذلك، فسأسلمكم إلى الشرطة على الفور. إن قاضي الدائرة القضائية يأتي إلى هنا دائمًا، كما تعلمون؛ لن تكون هناك مشكلة على الإطلاق في قطع رءوسكم.»

أصبحت الضفادع الشجرية شاحبين بشدة. لا عجب في ذلك أيضًا؛ فإن طنًّا من الحجارة كان سيكون ثقيلًا جدًّا حتى على الإنسان، فما بالك بالنسبة للضفدع الشجري، الذي لا يزن شيئًا تقريبًا؛ حوالي ثلث أوقية على الأكثر؟ كانت فكرة حمل كل واحد منهم لهذا القَدْر من الحجارة في يومٍ واحد كافيةً لأن تُصيبَهم بالدُّوار، وتجعلهم ينهارون وهم يُصدِرون نقيقًا يائسًا.

أخرج ضفدع الثور قضيبَه الحديدي بسرعة، وراح يضربهم به على رءوسهم، حتى ذهبوا في النهاية للعمل وهم يشعُرون كما لو أن العالم كله كان قد تحول إلى اللون الأزرق، وأخذ يدور ويدور. حتى الشمس بدت لهم وكأنها مثلثة الشكل، وتدور بجنون في زاويةٍ بعيدة من السماء.

عند وصولهم إلى المكان الذي كان يُوجد فيه كثير من الحجارة، ربطوا حبلًا بحجر لا يزيد وزنه عن أربع أوقيات، وبكثير من الرفع والتأرجح بدءوا بشَدِّه. استمَروا بالعمل إلى أن تصبَّب العرق من كامل أجزاء أجسادهم، وشعَروا بدُوارٍ شديد في رءوسهم، وكل شيء حولهم لاح لهم باللون الأسود. رغم ذلك، تمكَّن الثلاثون ضفدعًا من سَحْب الحجَر الذي يزن أربع أوقيات إلى مكان الرئيس بحلول وقت الظهيرة. حينئذٍ كانوا يترنَّحون من الإرهاق، وبالكاد استطاعوا الوقوف أو حتى المحافظة على عيونهم مفتوحة، ومع ذلك، إذا لم يُحضِروا ١٩٩٠ رطلًا آخر — ١٢ أوقية من الحجارة في نهاية النهار — فسوف تُقطع رءوسهم جميعًا!

في وقت وصولهم كان الرئيس نائمًا ويشخر في منزله، لكنه تمكَّن من الاستيقاظ والتجول في الخارج لإلقاء نظرة على ما يحدث. كانت بعض الضفادع الشجرية تجلس، وهي تتأوَّه، على الحَجَر الذي قد أحضروه للتو، وضفادعُ أخرى كانت مستلقيةً نائمة على الأرض. جميعهم كانت ظلالهم خضراء. بغضبٍ شديد، أسرع الرئيس إلى المنزل لجلب قضيبه الحديدي، لكن أثناء ذهابه أيقظ أحدُ الضفادع، والذي لم يكن نائمًا، الآخرين، بحيث عندما خرج الرئيس مرةً أخرى كانوا جميعهم يقفون ثانيةً على أقدامهم.

صاح الرئيس: «يا لكم من حَفنة من …! تقصدون أن تقولوا إنكم قد استغرقتم كل ذلك الوقت حتى الآن لتحملوا فقط هذا الحجر الصغير؟ أنا لم أرَ قَط ضعفاءَ مثلكم! عجبًا، سأحمل طنًّا من الحجارة في غضون ٣٠ دقيقة، لأريكم فقط كيف يكون الأمر!»

«لكن بالنسبة لنا هذا مستحيلٌ تمامًا. نحن كنا على وشك الموت من جرَّاء حمل هذا الحجر على صِغَر حجمه.»

«يا لكم من ضعفاء! الآن، اخرجوا وأحضروا الحجارة. إذا لم يجرِ ذلك بحلول هذا المساء، فسأسلمكم للشرطة. وستفقدون جميعًا رءوسكم، أيها الحمقى.»

هنا، صرخَت الضفادع الشجرية فجأةً معًا في يأس:

«حسنًا، إذَن … سلِّمنا إلى الشرطة، وكلما أسرعتَ كان ذلك أفضل! دعوهم يقطعون رءوسنا؛ فقد يكون ذلك ممتعًا.»

صاح الرئيس في غضب: «ماذا؟ عجبًا! أيها الحمقى، أيها الجبناء، أيها التااااااااااااا …»

فجأة، وبتعبيرٍ غريب علا وجهه، أغلق شفتَيه، غير أن اﻟ تاااااااااا استمر. لم يخرج من حلقه على الإطلاق. لقد كان صوت مكبر الصوت الذي كان عبارة عن صدفةٍ حلزونية، الذي يعلن دائمًا عن أحدث أمرٍ يُصدِره الملك، والذي يتردَّد صداه عَبْر السماء الزرقاء.

قال الضفادع والرئيس معًا وهم يقفون منتصبين على عَجَل للإصغاء: «اسمَعوا … إنه أمرٌ ملكي جديد!» بوضوح وهدوء كبيرَين، تردَّد صدى صوت مكبِّر الصدفة الحلزونية:

«أحدثُ أمرٍ من جلالة الملك، أحدثُ أمرٍ من جلالة الملك! فيما يتعلق بكيفية إصدار الأوامر للآخرين؛ أولًا: عند إعطاء الأوامر، اقسم وزنك على وزن الشخص المَعني بتنفيذ الأمر، وسجِّل الناتج. ثانيًا: اضرب مقدار العمل المطلوب في هذا الناتج. ثالثًا: حاوِل القيام بمقدار العمل الناتج بنفسك ولمدة يومَين. كل مَن لا يلتزم بهذه القاعدة سوف يُرسل إلى جزيرة الطيور.»

كانت فرحة الضفادع لا حدود لها. بدأ أحدهم، والذي كان يُدعى تشيكو، وكان جيدًا في الحساب، بإجراء عملية الحساب على الفور:

«دعُونا نرى … إن وزن الأشخاص الذين تلقَّوا الأوامر يبلغ ثلث أوقية، ووزن الشخص الذي أصدر الأوامر يبلغ أربع أوقيات. اقسم الثاني على الأول وستكون النتيجة ١٫٣ أوقية. مقدار العمل المطلوب يبلغ طنًّا واحدًا. إن حاصل ضرب طن في ١٫٣ أوقية هو ٢٦٠٠ رطل.

حسنًا! منذ الآن وحتى الليل عليك أيها الرئيس بسحب ١٣٠٠ رطل من الحجارة إلى هنا.

هيا، الآن، إنه أمرُ صاحب الجلالة. ابدأ العمل!»

هذه المرة كان دور ضفدع الثور ليشحب لونه تدريجيًّا؛ إذ سرعان ما أصبح ظلًّا شفافًا كهرمانيَّ اللون، وأخذ جسمه يرتجف بالكامل.

أحاطت به الضفادع الشجرية واقتادوه إلى مكان وجود الحجارة. ثم ربطوا حبلًا بحَجَر يزن حوالي رطلَين وقالوا: «هيا، عليك أن تحمل ٦٥٠ رطلًا من هذه الحجارة بحلول الليلة»، وألقَوا بالحبل على كتفه.

لا بد أن الرئيس قد استسلم لمصيره؛ فقد رمى جانبًا القضيبَ الحديديَّ الذي كان يُمسِكه، ووجَّه وجهه بثبات في الاتجاه الذي كان عليه أن يسحب الحَجَر فيه. لكنه كان لا يزال يبدو غير جاد بشأن نقله بالفعل؛ لذلك قالت الضفادع الشجرية في جوقةٍ غنائية من التشجيع:

«أنت، هيا، اسحب! أنت، هيا، اسحب!»

بعد أن حفزَته صيحات الضفادع غرس الرئيس أقدامه بالأرض وأعاد غرسها خمس مرات، ثم شدَّ الحبل؛ لكن الحَجَر لم يتزحزح.

تصبَّب العرق منه وبدأ يلهث بشدة، وانفتح فمه على مصراعَيه. وبدأ العالم يبدو أمام عينَيه مظلمًا ويدور حوله.

«أنت، هيا، اسحَب! أنت، هيا، اسحَب!»

غرس الضفدع الكبير أقدامه بالأرض، وأعاد غرسها أربع مراتٍ أخرى، لكن في المرة الأخيرة طقطَقَت سيقانه ثم الْتوَت.

لم تستطِع الضفادع الشجرية منع أنفسهم من الضحك.

لكن بعد ذلك، صمتوا جميعًا بنحوٍ غريب صمتًا مطبقًا. فقد خيَّم عليهم شعور بالبؤس، غير أنني لا أعرف تمامًا كيف أصفه. ربما تعرفون ما أعني؛ إنه الشعور البائس الذي يحدُث أحيانًا عندما تنفجر مجموعةٌ منكم بالضحك على شخصٍ ما، وفجأةً تتوقفون عن ذلك. …

لكن في تلك اللحظة تحديدًا، عاليًا في السماء، رنَّ مكبِّر الصدفة الحلزونية ثانيةً:

«أحدثُ أمر من جلالة الملك، أحدثُ أمر من جلالة الملك! كل كائنٍ حي هو حسن النية ويستحق الرحمة. ومن الخطأ أن يكرَهَه أحد.» ثم انحسر الصوت بعيدًا مرةً أخرى، وكان يمكن سماع صداه يتردَّد عَبْر السماء: «أحدثُ أمر من جلالة الملك …»

لذلك ركضَت الضفادع الشجرية نحو ضِفدَع الثور وقدَّمَت له بعض الماء، وجعلَت سيقانه الملتوية على استقامةٍ واحدة، ثم وجَّهَت ضرباتٍ خفيفة إلى ظهره لتُدلكه.

ذرف الضفدع الكبير دموعَ ندمٍ كثيرة.

وقال: «أيتها الضفادع الشجرية، لقد كنتُ مخطئًا. أنا لستُ رئيسكم أو أيًّا من هذا القبيل، أو لم أعُد كذلك. ففي النهاية أنا مجرَّد ضفدع. ومنذ الغد سأعمل في مجال الخياطة.»

صفَّق جميع الضفادع الشجرية فرحًا. وفي اليوم التالي انطلقوا بسعادة للعمل مجددًا، كما كانوا يفعلون دائمًا.

ربما تكون قد سمعتَها بنفسك: بعد هطول المطر، أو في اليوم الذي يلي العاصفة، أو حتى في يومٍ جميلٍ صافٍ، همهمة أصوات صغيرة في الحقول أو مخفية في أحواض الزهور:

«هيه، بيكو … سَوِّ الأرض هناك أكثر قليلًا، ألن تفعل؟ بالطبع من الجيد فعلُ ذلك! … هيه … ليس من المفترض أن تزرع هنا هذا النبات، بل ذلك النبات! نعم هذا صحيح. من السهل أن تخلط بينهما؛ فكلاهما متشابهان، هه، ها-ها! … بيتشكو … هيه، بيتشكو! املأ تلك الحفرة الموجودة هناك. … حسنًا؟ سأُلقي بها، ها هي قادمة! أوه، اللعنة! هيا، لنرفع جميعًا معًا الآن! …»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤