حجر النار

كانت الأرانب البرية مرتدية بالفعل ملابسها القصيرة ذات اللون البني.

كان العشب الطويل، على امتداد الأرض المكشوفة، يلمع تحت أشعة الشمس، وهنا وهناك كانت تُزهِر أزهار فاتحة اللون على أشجار البتولا. وكانت رائحة العطر تفوح من المكان بأكمله.

قال هوموي، الأرنب البري الصغير، وهو يقفز بسعادة: «مم، ما أجمل رائحة المكان! مم، إنها رائعة. إن زنابق الوادي نضرة جدًّا.»

هبَّ نسيم، وأصدرت زنابق الوادي حفيفًا عندما تلامسَت معًا أوراقها وأزهارها التي على شكل جرس.

كان هوموي فرحًا جدًّا، فراح يقفز فوق العشب دون أن يتوقف لالتقاط أنفاسه. ثم توقف للحظة وقال مبتهجًا وهو يطوي كفيه الأماميتَين: «إن هذا شبيه بالقفز فوق مياه النهر في الربيع.»

كان قد وصل، في واقع الأمر، إلى ضفة جدولٍ صغير. كانت المياه الباردة تُهمهِم إلى نفسها وهي تتدفق، وكان الرمل يلمع في القاع بالأسفل.

أمال هوموي رأسه جانبًا وقال محدثًا نفسه: «الآن، هل أقفز بطول هذا الجدول؟ بالطبع أستطيع فعل ذلك بسهولةٍ تامة. لكن بطريقةٍ ما العشب على الجانب الآخر لا يبدو جيدًا جدًّا.»

في تلك اللحظة، سمع صوت صيحةٍ عالية تصِرُّ وتُهمهِم آتيةً من أعلى الجدول، وإذا بشيءٍ مُسْوَد قليلًا وكثيف الشعر وأشبه بطائر يأتي مرفرفًا بجناحَيه ويصارع في التيار.

اندفع هوموي نحو الضفة وراح يراقب باهتمام إلى أن أصبح هذا الشيء بمحاذاته. لقد كان طائرًا — طائر قُبَّرة صغير السن ونحيفًا، في الواقع — جرَفَه التيار معه. دون تردُّد قفز هوموي في الماء وأمسكه من كفيه الأماميتَين. لكن ذلك جعل الطائر يخاف أكثر، وفتح منقاره الأصفر على مصراعَيه وصرخ حتى ظن هوموي بأنه سيُصاب بالصَّمَم. وبيأس، راح يخبط الماء برجلَيه الخلفيتَين.

قال هوموي وهو ينظر في وجه طائر القُبَّرة: «كل شيء على ما يُرام، على ما يُرام!» لكن ذلك سبَّب له صدمةً كبيرة لدرجة أنه كاد أن يُفلِته؛ فقد كان وجهه متغضِّنًا بالكامل، وكان منقاره كبيرًا جدًّا بالنسبة لحجمه، والأسوأ من ذلك أنه بدا أشبه إلى حدٍّ كبير بوجه السحلية.

لكن الأرنب الصغير كان حازمًا ولم يدَعْه يُفلِت من بين كفَّيه. كان فمه ملتويًا من الخوف، لكنه كبح خوفه بقوة، ورفع طائر القُبَّرة عاليًا خارج الماء.

سحبَهما التيار للأمام دون توقُّف. غاصت رأس هوموي مرتَين تحت سطح الماء الذي بلع كثيرًا منه، لكنه لم يُرخِ قبضته.

بعد ذلك، وعند منعطف للجدول شاهد غُصن صفصافٍ صغيرًا يصطدم بسطح الماء.

غرز هوموي أسنانه في الغصن على نحوٍ عميق جدًّا لدرجة أن لُبَّه الأخضر انفتح. ثم وبكل قوَّته ألقى بالطائر الصغير على العُشب الناعم للضفة، وبقفزةٍ واحدة أصبح هو خارج الماء أيضًا.

سقط طائر القُبَّرة على العشب ورقَد يرتجف، وكان بياض عينَيه باديًا.

كان هوموي يترنَّح من شدة التعب، لكنه أجبر نفسه على المضي قُدمًا، فانتزَع غصنًا من أزهار الصفصاف الباهتة وغطَّى الطائر الصغير به. لكن عندما رفع الطائر وجهه الرمادي كما لو كان ليشكره، أطلق هوموي صرخةَ خوف وفرَّ مسرعًا.

في تلك اللحظة جاء شيءٌ مندفع من السماء كالسهم. وقف هوموي ونظر للخلف. لقد كانت أم طائر القُبَّرة. لم تنطق الأم بأي كلمة، واكتفَت بأن قرَّبَته منها قَدْر الإمكان وهي ترتعش طوال الوقت. اطمأنَّ هوموي على الوضع، وجرى مباشرةً باتجاه منزله.

أصيبَت والدة هوموي، التي كانت داخل المنزل تحزم مجموعة من جذور العشب الأبيض، بالذهول عندما رأته. فقالت وهي تُنزِل صندوق الدواء من أحد الرفوف: «يا إلهي، هل حدث مكروه؟ إنَّ وجهك شاحبٌ بنحوٍ مرعب.»

قال هوموي: «أمي، لقد أنقذتُ طائرًا صغيرًا كثيف الريش من الغرَق.»

سألت الأم وهي تُخرِج جرعة من مسحوقٍ متعدد الأغراض وتُناوِله إياه: «طائرٌ صغيرٌ كثيف الريش؟ تقصد طائر قُبَّرة؟»

قال هوموي وهو يأخذ الدواء منها: «أعتقد ذلك. يا إلهي، أشعُر بدُوار في رأسي. أمي … أشعُر بزغللة في عينيَّ. …» وسقط على الأرض. فقد أصيب بحمَّى شديدة.

بحلول الوقت الذي استعاد فيه هوموي عافيتَه إلى حدٍّ كبير مرةً ثانية — بفضل جهود والدَيه والدكتور أرنب — كانت زنابق الوادي تحمل على أغصانها توتًا أخضر صغيرًا.

في إحدى الأمسيات الهادئة الصافية، حاول هوموي الخروج لأول مرة.

عندما نظر إلى أعلى، شاهد شيئًا يشبه نجمًا أحمر ينطلق بنحوٍ قُطري عَبْر السماء الجنوبية. كان يراقبه باستغراب، عندما، وبنحوٍ غير متوقع، كانت هناك رفرفةُ أجنحة وهبط طائران لأسفل. بعنايةٍ وضَع أكبرُهما، وكان أنثى، شيئًا مستديرًا وأحمر ولامعًا على العشب، ثم ضمَّت جناحَيها معًا بوقار وقالت:

«سيد هوموي، أنا وطفلي مدينان لك بدَين لا يمكننا سَدادُه أبدًا.»

ألقى هوموي نظرةً فاحصة على وجههما عَبْر ضوء الشيء الأحمر وسأل: «هل أنتما طائرا القُبَّرة اللذان التقيتُ بهما قبل وقتٍ قليل؟»

قالت القُبَّرة الأم: «أجل. أنا لا أعرف كيف أشكرك لإنقاذك حياة ابني. سمعنا أنك مرضتَ بسبب ما قمتَ به من أجله. لكن أتمنى أن تكون بصحةٍ أفضل الآن.»

انحنت له بشدة، ثم تابعَت حديثها: «كنا نطير في أنحاء هذه المنطقة كل يوم في انتظار خروجك مرةً أخرى. هذه هديةٌ من ملِكنا.» ووضعَت ذلك الشيء الأحمر اللامع أمام هوموي، وفكَّت غطاءه، الذي كان منديلًا رقيقًا جدًّا لدرجة أنه بدا مثل الدخان. كان بالداخل جوهرةٌ مستديرة الشكل تمامًا بحجم حبة كستناء حصان، يشعُّ منها وهجٌ أحمر أشبه بألسنة اللهب.

«هذه جوهرةٌ تُعرَف باسم حجر النار. طلَب مني الملِك أن أخبركَ بأنها ستصبح أكثر جمالًا إن اعتنيتَ بها جيدًا. أتمنى أن تقبلَها.»

ابتسم هوموي. وقال: «أنا لا أستحق هذه الجوهرة يا سيدة قُبَّرة. من فضلك خذيها معكِ. إنها جميلةٌ جدًّا ويكفي فقط أن أنظر إليها. سأذهب لأزوركِ عندما أريد رؤيتها.»

قالت القُبَّرة: «لا، أتوسل إليك أن تقبلها. كما ترى، إنها هديةٌ من ملكنا؛ إذا لم تقبلها، فسنُواجه مشكلة.» ثم استدارت نحو ابنها الصغير. وقالت له: «هيا يا بُني، قل وداعًا. انحنِ بشكلٍ لائق، الآن. حسنًا، يجب أن نذهب.»

وبانحناءتَين أو ثلاثٍ أخرى، انطلقَت القُبَّرة الأم وابنها على عَجَل.

التقط هوموي الجوهرة ونظر إليها. وبالرغم من أنها بدت تعجُّ بالحياة بألسنتها النارية الحمراء والصفراء، فإنها في الواقع كانت باردةً وشفافةً بشدة. عندما قرَّبها من عينَيه ونظر فيها، لم تكن هناك ألسنةُ لهب، واستطاع أن يرى درب التبانة كما لو كان داخل قطعة من الكريستال. وعندما أبعدَها عن عينَيه اشتعلَت ألسنة اللهب الجميلة مرةً أخرى.

حاملًا الجوهرة بكفَّيه برفق، دخل هوموي إلى المنزل، وأخذها مباشرةً إلى والده. خلع السيد أرنب نظَّارته ليفحص الجوهرة بعناية.

وقال في النهاية: «هذه هي الجوهرة الشهيرة المعروفة باسم حجر النار. ضع في اعتبارك أنها ليست جوهرةً عادية. يقولون إن طائرَين وسمكة هم الوحيدون الذين تمكَّنوا من الاحتفاظ بها طوال حياتهم. سيكون عليك أن تعتني بها جيدًا كي لا تفقد ضوءَها.»

قال هوموي: «لا تقلق يا أبي. لن أدع ذلك يحدث أبدًا. لقد قالت القُبرة الأم هذا الكلام نفسه أيضًا. سأنفخ فيها مائة مرة كل يوم وألمِّعها مائة مرة بريشة طائر حسون تفاحي.»

أمسكَت السيدة أرنبة أيضًا الجوهرة بكفَّيها وحدَّقَت بها لفترةٍ طويلة. ثم قالت: «يقولون إن هذا الحجر يتلف بسهولة جدًّا. ومع ذلك، عندما كان الوزير النسر الراحل مسئولًا عنها، حدث ثوَرانٌ بركانيٌّ كبير وأخذها معه بينما كان يتجول لمساعدة الطيور على الهروب بأمان. وبالرغم من أنها قد ارتطمَت بقِطعٍ من الصخور وحتى وقعَت في جدول من الحمَم البركانية الشديدة السخونة، فإنها لم تتعرَّض للخدش أو تُصبِح مُعتِمة؛ لا، في الحقيقة لقد أصبحَت أكثر جمالًا من ذي قبل.»

قال السيد أرنب: «هذا صحيح. إنها قصةٌ معروفة. أنا متأكد من أنك ستكون أيضًا رجلًا عظيمًا مثل الوزير يا هوموي. لكن يجب عليك أن تحرص بشدة على ألَّا تكون قاسيًا مع الآخرين.»

فجأة، شعر هوموي بالتعب والنُّعاس.

قال بهدوء وهو مستلقٍ على سريره: «لا تقلق. أعدُك بأنني سأكون رجلًا عظيمًا يا أبي. أعطني الحَجَر الآن … أريد أن أُمسِك به أثناء نومي.»

أعطَته السيدة أرنبة إياه. فضمَّه إلى صدره، ونام على الفور.

كانت الأحلام التي راودَته في تلك الليلة جميلة جدًّا — إذ رأى نيرانًا صفراء وخضراء تتوهج في السماء، وقد تحوَّل الريف بأكمله إلى بحرٍ من العشب الذهبي، وكانت جحافل من طواحين الهواء الصغيرة تطير عبر السماء وهي تطنُّ بصوتٍ خافت مثل النحل، وكان الرداء الفضي اللامع للوزير النسر، الحكيم واللطيف، يتحرك كالموج وهو يتفحص المكان — مما جعله يصيح أكثر من مرة من فرحه الشديد: «مرحى! مرحى!»

•••

في صباح اليوم التالي، استيقظ هوموي حوالَي الساعة السابعة، وقبل أن يفعل أي شيءٍ آخر ألقى نظرةً على الجوهرة. لقد كانت حتى أجمل مما كانت عليه في الليلة الماضية.

أمعَن النظر فيها. وقال في نفسه متعجبًا: «انظر، انظر! هناك فوَّهة بركان! إنها تثور! تثور! يا لها من متعة! إنها أشبه بالألعاب النارية. يا إلهي، إن النيران تخرج منها. لكنها الآن مقسومة قسمَين. أوه، هذا جميل! ألعابٌ نارية، ألعابٌ نارية! إنها تبدو الآن مثل البرق تمامًا. عجبًا، لقد بدأَت بالتدفق. لقد تحوَّلَت الآن تمامًا إلى اللون الذهبي. مرحى! عجبًا، لقد ثارت مرةً أخرى!»

كان السيد أرنب قد خرج من المنزل بالفعل. وجاءت السيدة أرنبة مبتسمة وهي تحمل بعض جذور العشب الأبيض وثمار شُجيرات الورد الخضراء الجميلة.

قالت مخاطبةً هوموي: «أسرِع، الآن. اغسِل وجهك، وبعد ذلك يُمكنكَ محاولة القيام بقليل من التريُّض اليوم. الآن دعني ألقي نظرة. حسنًا الآن، إن ذلك جميل بالفعل. هل لديك مانع بأن أتابع النظر أثناء اغتسالك؟»

قال هوموي: «بالطبع لا. هذا كنز عائلتنا؛ لذا فهو لكِ أيضًا يا أمي.» ثم قام وذهب ليجمع ست قطراتٍ كبيرة من الندى الموجود على أطراف أوراق زنابق الوادي النامي خارج مدخل منزلهم، وغسل بها وجهه جيدًا.

وبعد أن تناول الإفطار، نفخ هوموي في الجوهرة مائة مرة، ثم لمَّعها بريشة حسون تفاحي مائة مرة. وبعد ذلك لفَّها بعناية بريش صدر حسون تفاحي، ووضَعها في صندوق العقيق الذي كان يحتفظ فيه بتلسكوبه وأعطاه لوالدته لتحفظه له. ثم ذهب خارج المنزل.

كان النسيم يهب، وكان الندى فوق العشب يتساقط بقطراتٍ كبيرة. وكانت أزهار الجرس تعزف نغماتها الصباحية: دينج-دونج، دينج-دونج، دينج-دينج-ا-دونج. …

أخذ هوموي يقفز حتى توقف أخيرًا تحت شجرة بتولا.

في تلك اللحظة، جاء من الاتجاه العكسي حصانٌ بري عجوز. كان هوموي خائفًا منه بشدة، وكان على وشك الرجوع، لكن الحصان انحنى له بأدب وقال له:

«أنت السيد هوموي، على ما أعتقد؟ سمعتُ أن حجر النار في حوزة يدَيك الطيبتَين وأردتُ أن أهنئك. يقولون إنه قد مرَّت ١٢٠٠ سنة منذ آخر مرة أعطيتَنا هذه الجوهرة نحن الحيوانات. عجبًا، حتى هذا الكائن العجوز الذي أمامك قد بكى هذا الصباح عندما سمع الخبر.» وانهمرَت دموعٌ غزيرة من عينَي الحصان.

شعَر هوموي بالإحراج، لكن الحصان بكى بشدة لدرجة أنه وجد نفسه في النهاية قد بدأ يُخنفِر قليلًا.

قال الحصان وهو يُخرِج منديلًا ذا لونٍ أزرقَ فاتحٍ بحجم مفرشِ طاولةٍ صغير ويمسح دموعه به: «نحن جميعًا في غاية الامتنان لك. من فضلكَ اعتنِ جيدًا بصحتك.» وانحنى بأدب مرةً أخرى وانطلَق في الاتجاه الآخر.

عاوَد هوموي المشي، وهو شارد الذهن، وكان نصفَ مسرور ونصفَ فزع مما قد حدث، إلى أن وصل إلى شجرة بلسان. كان يجلس تحت الشجرة سنجابان صغيران يقضمان كعكة أرز بيضاء لزجة، لكن عندما شاهدا هوموي قادمًا، تصلبا في مكانهما في ذعر، وبسرعة عدَّلا من هندامهما ورمشا بعينَيهما أثناء محاولتهما بلع الكعكة اللزجة.

قال هوموي مُرحبًا بهما كالمعتاد: «مرحبًا، أيها السنجابان.» لكنَّ السنجابَين وقفا هناك جامدَين تمامًا، ولم يتمكنا من النطق بأي كلمة.

قال هوموي بانزعاج: «أيها السنجابان، دعونا نذهب إلى مكانٍ ما ونلعب مرةً أخرى اليوم، ما رأيكما؟» لكنهما اكتَفَيا بالتحديق أحدهما في الآخر بعيونٍ مستديرة كبيرة كما لو كانت الفكرة شائنة تمامًا، ثم فجأةً استدارا وركضا بأسرعِ ما يمكن.

أصيب هوموي بالصدمة. وعاد للمنزل في حالة ضيقٍ شديد، وقال للسيدة أرنبة: «أمي، هناك شيءٌ غريب في الطريقة التي يتصرَّف بها الجميع. فالسنجابان … لن يكون لهما أي علاقة بي.»

قالت السيدة أرنبة بابتسامة: «أنا لستُ مندهشة من ذلك. سيشعُران بالخجل منك لأنك قد أصبحتَ مهمًّا جدًّا. لذلك عليك أن تحرص جدًّا على ألا تقوم بأي شيءٍ مخجل.»

قال هوموي: «لا تقلقي يا أمي، لن أفعل. إذَن، هل هذا يعني أنني أبدو كجنرالٍ عظيم؟»

قالت السيدة أرنبة وهي تبدو سعيدة: «حسنًا … نعم، إن الأمر كذلك.»

قفز هوموي فرحًا.

«مرحى، مرحى! إذَن هم جميعهم جنودي الآن! لن أخاف أبدًا من الثعلب العجوز مرةً أخرى. أمي … أعتقد أنني سأجعل من السنجابَين لواءَين. والحصان … دعينا نرى، يمكن للحصان أن يكون كولونيلًا.»

قالت والدتُه بابتسامة: «نعم، لمَ لا؟ لكن يجب ألَّا تُصبِح متعاليًا جدًّا، كما تعلَم.»

قال هوموي: «لا تقلقي. أمي، سأذهب للخارج لبعض الوقت.»

ودون تأخير، قفز إلى الخارج حيث الحقول. وهناك التَقى الثعلب العجوز الشرير الذي جاء مندفعًا أمامه مباشرة.

ارتجف هوموي قليلًا، لكنه استجمع شجاعتَه وصاح: «أيها الثعلب! توقَّف! أنا جنرال الآن، ألا تعرف ذلك؟»

نظر الثعلب حوله وجَفَل وقال وقد أصبح شاحبًا: «عجبًا، يا إلهي، نعم! هل هناك ما يمكنني فعله من أجلك؟»

قال هوموي على نحوٍ مهيب قَدْر الإمكان: «كنتَ دائمًا تُخيفني، أليس كذلك؟ حسنًا، من الآن فصاعدًا أنت تحت إمرتي.»

وضع الثعلب إحدى كفوفه على رأسه كما لو أنه على وشك أن يُغمى عليه، وأجاب بلطف: «أنا حقًّا أعتذر لك بشدة. ألا تسامحني من فضلك؟»

تهلَّل وجه هوموي من السرور. وقال: «إذَن كمكافأة لك، سأعفو عنك. بإمكانك أن تكون ملازمًا عندي. أتمنى أن تكون مفيدًا.»

أخذ الثعلب يدور في دوائرَ أربع مرات؛ فقد كان مسرورًا جدًّا.

«شكرًا لك، شكرًا جزيلًا لك. سأقوم بأي شيءٍ تريده. هل أذهب وأسرق لك قليلًا من الذرة الحلوة؟»

«لا، لن يكون ذلك جيدًا. يجب ألَّا تقوم بأعمال كهذه.»

قال الثعلب وهو يخدش رأسه من الارتباك: «حسنًا يا سيدي. لن أفعل ذلك مرةً أخرى أبدًا. سأنتظر أوامرك في كل شيء.»

«جيد. سأستدعيك عندما أريد منك شيئًا؛ لذا لا تبتعِد كثيرًا.»

أخذ الثعلب يلفُّ مرةً أخرى، ثم انحنى وهروَل مبتعدًا.

كان هوموي سعيدًا بشدة. فأخذ يركض جيئةً وذهابًا عَبْر الريف المكشوف وهو يتحدث إلى نفسه ويضحك، ويفكِّر بكل أنواع الأشياء الجميلة إلى أن نزلَت الشمس، مثل مرآةٍ مكسورة، خلف أشجار البتولا البعيدة، وأسرع بالعودة للمنزل.

كان السيد أرنب قد وصل بالفعل للمنزل، حيث يُوجد في ذلك المساء كل أنواع الطعام اللذيذ. في تلك الليلة حلَم هوموي أحلامًا رائعة مرةً أخرى.

•••

في اليوم التالي، وبناءً على طلب والدته، أخذ هوموي سلة تَذْرية وخرج لقطف ثمار زنابق الوادي.

تمتَم في نفسه أثناء عمله: «حقًّا! ليس من الملائم أن يقوم جنرالٌ بمثل هذا النوع من الأعمال. أنا متأكد أنه إذا شاهدَني أحدٌ فسوف يسخر مني. أتمنى أن يأتي الثعلب.»

لكن حينها شعر بأن الأرض تتحرَّك تحت قدمَيه. لقد كان خلدًا يحفر ببطء حفرةً في الأسفل هناك ليتوارى عن هوموي.

صاح هوموي: «أيها الخلد، أيها الخلد، يا سيد خلد! هل تعلم أنني رجلٌ عظيم الآن؟»

قال الخلد من داخل الحفرة: «هل أنت السيد هوموي؟ نعم، أنا أعلم ذلك جيدًا.»

قال هوموي: «فهمتُ. لا بأس إذَن.» ثم أضاف بكل عظمة: «بإمكانك أن تكون رقيبًا أوَّل لديَّ. لكن سيكون عليك أولًا أن تقوم بعملٍ صغير من أجلي.»

سأل الخلد بعصبية: «عجبًا، بالطبع. وماذا قد يكون نوع هذا العمل؟»

«أريدك أن تجمع بعضًا من ثمار زنابق الوادي.»

قال الخلد من داخل الحفرة وهو يشعر بشدة بالحرج: «أنا آسفٌ جدًّا، لكنني لا أجيد العمل في وجود الضوء.»

صاح هوموي بغضب: «حسنًا جدًّا، إذَن. لن أطلب منك شيئًا ثانيةً. لكن انتظر فقط!»

قال الخلد وهو ينحني بشدة: «أنا حقًّا آسف جدًّا. التعرض الكثير لضوء الشمس يعني موتي، كما تعلم.»

قال هوموي وهو يلوِّح بكفَّيه الأماميتَين بانفعالٍ شديد: «حسنًا. حسنًا. اصمت الآن وارحل.»

لكن في تلك اللحظة تمامًا، خرج خمسة سناجب متسللين من تحت شجرة بلسان. خفَضوا رءوسهم في خضوع وقالوا:

«من فضلك سيد هوموي، ألا تسمح لنا بجمع ثمار زنابق الوادي من أجلك؟»

قال هوموي: «بالطبع. هيا اذهبوا. من الآن فصاعدًا بإمكانكم جميعًا أن تكونوا عُمدائي.»

انطلق السناجب للعمل، وهم يتحدثون بمرحٍ أثناء قيامهم بذلك.

ثم جاء ستة مهور قزمة يركضون مسرعين وتوقفوا أمامه.

قال أكبرهم: «سيد هوموي! من فضلك دعنا نقوم بعمل أيضًا.»

ابتهج هوموي. وقال: «بالتأكيد. سأجعل كل واحد منكم كولونيلًا لديَّ. احرصوا على أن تأتوا بسرعة جدًّا عند استدعائي لكم.»

قفزَت المهور من الفرح.

قال الخلد باكيًا من تحت الأرض: «سيد هوموي! ألن تتفضَّل وتكلِّفني بعمل بإمكاني القيام به؟ أعدك بأني سأقوم به على أكمل وجه.»

لكن هوموي كان لا يزال متضايقًا. وقال وهو يضرب بقدمَيه على الأرض: «ابقَ بعيدًا. سيأتي الثعلب إلى هنا قريبًا، وسأجعله يعتني بك وبأصدقائك. فقط انتظِر!»

لم تأتِ همهمةٌ أخرى من أسفل الأرض.

بحلول الغسَق كان السناجب قد جمعوا مقدارًا كبيرًا من ثمار زنابق الوادي، والتي حملوها إلى منزل هوموي مع قَدرٍ كبير من الجلبة والضجيج.

أصاب الذهول السيدة أرنبة من هذا الضجيج وخرجَت من المنزل. وقالت عند رؤيتهم: «يا إلهي، ما الذي حدث، يا سناجب؟»

قال هوموي: «أمي، أترَينَ ماذا بإمكاني أن أفعل؟ لا يُوجد شيء لا يمكنني القيام به في الوقت الحاضر.»

وقفت السيدة أرنبة وهي تحدِّث نفسها لبرهة دون أن ترُد.

لكن في تلك اللحظة عاد السيد أرنب إلى المنزل. وقف وحدَّق لمدة دقيقة، ثم قال: «هوموي … أتساءل عما إذا لم تزل مصابًا ببعض الحُمَّى حتى الآن؟ سمعتُ أنك تُخيف السيد خُلد بشدة؛ إنهم جميعًا يبكون بشدة في منزله. ومن تعتقد أنه سيأكل كل هذه الثمار؟»

بدأ هوموي بالبكاء. كان السناجب يشاهدون ما يجري باهتمام لفترة من الوقت، لكن في النهاية تسللوا بعيدًا.

تابع السيد أرنب الكلام: «لقد أخطأت. ألقِ نظرة على حجَر النار. أنا متأكد من أنه قد أصبح معتمًا بشدة.»

حتى السيدة أرنبة كانت تبكي، وكانت تمسح دموعها خلسة بمئزرها وهي تُخرج صندوق العقيق الذي يحتوي على الحجَر الثمين من الخزانة. أخذ السيد أرنب الصندوق منها ورفع الغطاء عنه، ثم حدَّق بدهشة.

كانت الجوهرة لا تزال تتوهَّج على نحوٍ أكثر احمرارًا وأكثر اتقادًا مما كانت عليه في الليلة السابقة. حدَّقوا بها جميعًا بنشوة لدرجة الطرب. ناوَل السيد أرنب الجوهرة إلى هوموي بصمت وبدأ بتناوُل الطعام. ثم سرعان ما جفَّت دموع هوموي، وتناوَلوا العشاء وهم يضحكون معًا بسعادة ثم ذهبوا للنوم.

•••

في وقتٍ مبكر من صباح اليوم التالي، خرج هوموي إلى الحقول مرةً أخرى.

كان الطقس لا يزال لطيفًا، لكن زنابق الوادي، التي قُطفَت ثمارها، لم تعُد تُصدِر حفيفًا كما كانت تفعل من قبلُ.

جاء الثعلب يركض بحماسة من الجانب البعيد للأرض العشبية الخضراء، وتوقَّف أمام هوموي.

وقال: «سيد هوموي، سمعتُ أنك قد سمحتَ للسناجب بأن تجمع لك ثمار زنابق الوادي أمس. ماذا لو ذهبتُ اليوم وجلبتُ لك شيئًا لذيذًا؟ شيئًا أصفر ومقرمشًا … شيئًا حتى أنت لم تسبق لك رؤيته من قبلُ، إذا سمحت لي بقول ذلك. هذا وقد سمعتُ أنك قلتَ بأنك ستُعاقِب الخلد، أليس كذلك؟ إنه مخادع، ذلك الخلد … هل أذهب وأرمي به في النهر؟»

قال هوموي: «لا، دعه وشأنه. سأعفو عنه هذا الصباح. لكن أحضِر لي قليلًا من ذلك الطعام اللذيذ، ألن تفعل؟»

قال الثعلب: «على الرُّحب والسَّعة. سيستغرق الأمر مني عشر دقائق فقط. عشر دقائق فقط!» وانطلق يجري بسرعة الريح.

نادى هوموي على الخلد بصوتٍ عالٍ: «أيها الخلد، أيها الخلد، يا سيد خلد! لقد سامحتُك الآن؛ لذا ليس عليك البكاء.»

لكن لم يصدُر أيُّ صوت من تحت الأرض.

وسرعان ما جاء الثعلب يركض عائدًا مرةً أخرى عَبْر الأرض العشبية الخضراء المكشوفة.

وقال: «هيَّا، جرب هذا. إنه حقًّا مميز جدًّا.» وقدَّم له شريحة مقرمشة من الخبز كان قد سرقها للتو.

أخذ هوموي قَضْمةً ووجدها لذيذةً جدًّا بالفعل.

«على أي شجرة ينمو هذا؟» هكذا سأل هوموي الثعلب الذي أدار وجهه جانبًا، وأخفى ضحكةً بقليل من السُّعال قبل أن يُجيب:

«عجبًا، شجرة المطبخ. نعم، شجرة «المطبخ». إذا أعجبك هذا الشيء، فسأجلب لك بعضًا منه كل يوم.»

قال هوموي: «إذَن، احرص على إحضار ثلاثِ قِطع منه، ألن تفعل؟»

قال الثعلب وهو يرمش بعينَيه ليُظهِر أنه قد فهم طلبه: «حسنًا يا سيدي. لكن إن فعلتُ ذلك من أجلك، فإنك لن تمنعني من اصطياد الدجاج، أليس كذلك؟»

قال هوموي: «بالطبع لا.»

قال الثعلب قبل أن يختفي بسرعة: «حسنًا، إذَن، سأذهب وأحضِر لك القطعتَين الأخريَين لهذا اليوم.»

كان هوموي يفكر بالطريقة التي سيأخذ بها القطعتَين للمنزل ويقدِّمهما لوالدَيه. قال مُحدِّثًا نفسه: «أنا متأكد من أنه حتى أبي لم يتناول شيئًا لذيذًا كهذا من قبلُ. أنا حقًّا ابنٌ بارٌّ بهما، أليس كذلك؟»

رجع الثعلب بشريحتَي الخبز يحملهما في فمه، ووضعَهما أمام هوموي، ثم ودَّعه على عَجَل واختفى.

غمغَم هوموي لنفسه وهو في طريقه للمنزل: «كيف يقضي الثعلب وقته كل يوم؟»

في ذلك اليوم، كان السيد أرنب والسيدة أرنبة يُجفِّفان ثمار زنابق الوادي في فرنٍ أمام منزلهما.

قال هوموي وهو يقدِّم الخبز: «أبي، لقد أحضرتُ لك طعامًا لذيذًا! جرِّب بعضًا من هذا.»

أخذه السيد أرنب منه، وخلع نظارته لإلقاء نظرةٍ فاحصة عليه، وقال: «لقد حصَلتَ على هذا من الثعلب، أليس كذلك؟». قال السيد أرنب: «إنه مسروق. لن آكله.» وخطف القطعة التي كان هوموي على وشك أن يُعطيَها لوالدته، وألقى بها على الأرض مع قطعته، وداسَ عليهما.

انفجر هوموي بالبكاء. بكت السيدة أرنبة معه.

قال والده وهو يَذرَع جيئةً وذهابًا: «هوموي، لقد شطَطتَ بعيدًا جدًّا هذه المرة. اذهب وانظر إلى الجوهرة … أنا متأكد من أنها قد تحطَّمَت الآن.»

أخرجَت السيدة أرنبة الصندوق وهي تبكي. لكن عندما سقط ضوء الشمس على الحجَر بالداخل، توهَّج على نحوٍ جميل جدًّا لدرجة أنه بدا على وشك أن يرتفع ويُحلِّق نحو السماء. أعطى السيد أرنب الجوهرة إلى هوموي دون أن يَنبِس ببنتِ شفة. وحدَّق هوموي بها ونسي دموعَه في الحال.

•••

في اليوم التالي، خرج هوموي إلى الحقول مرةً أخرى.

جاء الثعلب مُهرولًا، وعلى الفور قدَّم له ثلاث قِطعٍ من الخبز. ركض هوموي إلى المنزل ووضعها على الرف في المطبخ، ثم خرج مرةً أخرى، حيث وجد الثعلب لا يزال ينتظر.

قال الثعلب: «ما رأيك بقليل من المرح؟»

سأل هوموي: «أيَّ نوع من المرح تقصد؟»

«ما رأيك بمعاقبة الخلد؟ إنه مصدر إزعاجٍ حقيقي في هذا المكان. وهو كسولٌ أيضًا. لقد أخبرتُه بأنك ستدعُه يعيش في سلام؛ لذلك دعني أضغط عليه قليلًا، وأنت بإمكانك المشاهدة فقط. لمَ لا؟»

«حسنًا. إذا كان مصدر إزعاج، فأنا لا أفهم لماذا لا نكون سيئين معه بعض الشيء.»

لفترة من الوقت أخذ الثعلب يمشي ذهابًا وإيابًا، وهو يتشمَّم الأرض ويدوس عليها بقوة، ثم في النهاية رفع حجَرًا كبيرًا من مكانه. كان هناك تحته الخلد الأم وأطفالها الثمانية، والذين كانوا يرتجفون معًا في حشدٍ صامت.

قال الثعلب: «هيا، اركضوا! اركضوا وإلا فسأمزِّقكم إربًا!» وضرب الأرض بقدمَيه.

صاح أفراد عائلة الخلد وهم يحاولون الهرب: «لا تفعل، من فضلك لا تفعل!» لكنهم كانوا لا يستطيعون الرؤية، وسيقانهم رفضَت الحركة؛ لذلك كل ما فعلوه كان إنشاب مخالبهم في العشب.

كان الخلد الأصغر مستلقيًا على ظهره كما لو كان قد أُغمي عليه. صَر الثعلب بأسنانه. هوموي أيضًا، على الأغلب دون تفكير، قال: «هش، هش!» وضرب بقدمَيه الأرض.

فجأة، قال صوتٌ عالٍ: «الآن، ما الذي تفعلانه أنتما الاثنان؟» وقام الثعلب بالدوران والدوران أربع مرات وجرى مسرعًا على الفور.

كان والد هوموي يقف هناك يراقب. بسرعة، أعاد الخلد الأم وصغارها إلى الحفرة وغطَّاها بالحَجَر مرةً أخرى، ثم أمسك هوموي من مؤخرة عنقه وسحبه طوال الطريق إلى المنزل.

خرجَت والدته وتشبَّثَت بوالده وهي تبكي.

قال السيد أرنب: «هوموي، لقد فعلتَها حقًّا هذه المرة. أنا متأكد من أن حَجَر النار قد انكَسَر. أخرِجه وانظر إليه.»

كانت تنهمر الدموع من عينَيها عندما ذهبَت وأخرجَت الصندوق. فتحه السيد أرنب ونظر بداخله.

لكن والد هوموي كان مندهشًا للغاية. فحَجَر النار لم يسبق أن بدا جميلًا جدًّا هكذا قط. أشياءُ حمراءُ وخضراء وزرقاء كانت تتداخل معًا، وتنفجر بتدفق ووابل هائلَين من الضوء؛ للحظةٍ كان البرق يُومِض بداخلها والضوء الأحمر يتدفق مثل الدم، ثم كانت ألسنة لهب زرقاء باهتة تُومِض وتملأ الجوهرة، وفجأةً بدت وكأنها مليئة بزهور الخشخاش القرمزية وزهور التوليب الصفراء مع اهتزاز الزهور وعددٍ كبير من أزهار اليراع مع النسيم.

أعطى السيد أرنب الحَجَر إلى هوموي في صمت. ولم يمضِ وقتٌ طويل حتى نسي هوموي دموعه، وأخذ يُحدِّق فيها بسرور.

توقَّفت السيدة أرنبة أيضًا عن القلق أخيرًا، وبدأت بتحضير وجبة الظهيرة. جلسوا جميعهم وبدءوا بتناول خبزهم.

قال السيد أرنب: «هوموي، يجب أن تحذَر من هذا الثعلب.»

قال هوموي: «لا تقلق. ماذا يكون الثعلب بالنسبة لي؟ فأنا لديَّ حَجَر النار. إنه ليس ذلك النوع من الجواهر التي تنكسِر أو تُصبِح مُعتِمة!»

قالت السيدة أرنبة: «لا، بالطبع لا. إنها جوهرةٌ جميلة!»

قال هوموي وهو يمتلئ فخرًا: «هل تعلمين، يا أمي، أنني متأكد من أنني قد وُلدتُ لأحتفظ بحَجَر النار معي دائمًا. مهما فعلت، فلن تجديه يذهب إلى أي مكانٍ آخر! هذا بالإضافة إلى أنني أنفُخ فيه وألمِّعه مائة مرة كل يوم.»

قال والده: «أتمنَّى أن تكون على حق.»

في تلك الليلة حلَم هوموي. كان يقف على ساقٍ واحدة فوق قمة جبلٍ مرتفع جدًّا، ومدبَّب كالمِخرَز.

استيقظ وهو يبكي من الخوف.

•••

في صباح اليوم التالي، خرج هوموي مرةً أخرى إلى الأرض المفتوحة. في ذلك اليوم، كان ضباب رطب وكئيب ينتشر. وكانت الأشجار والأعشاب جميعها تنتصب ثابتةً وصامتة. وحتى أشجار الزان لم يصدُر عنها صوتُ حفيف أوراقها.

فقط نغمات أزهار الجرس الصباحية كانت ترنُّ عاليًا، عاليًا في السماء، دينج-دونج، دينج-ا-دونج، دونج، وآخر نغمة انتشر صداها في الأنحاء البعيدة.

جاء الثعلب، مرتديًا سروالًا قصيرًا، وحاملًا كالمعتاد ثلاث شرائحِ خبزٍ مقرمشة.

قال هوموي: «صباح الخير أيها الثعلب.»

ابتسم الثعلب ابتسامةً غير مريحة.

وقال: «لقد تلقيتُ مفاجأةً مزعجة البارحة. إن والدك متزمِّت نوعًا ما، أليس كذلك؟ لكنني أتوقع أنه سرعان ما تجاوَز الأمر. اليوم لديَّ فكرةٌ أفضل بكثير. هل لديك أي اعتراضات على حدائق الحيوان؟»

قال هوموي: «لا، ليس على وجه الخصوص.»

أخرج الثعلب شبكةً مطوية على نحوٍ صغير من جيبه.

وقال: «انظر! إذا استخدمتَ هذه، فبإمكانك اصطياد اليعاسيب، والنحل، والعصافير، وحتى طيور الزرياب وطيور أخرى أكبر. لماذا لا نجمعهم ونُنشئ حديقةَ حيوانات خاصة بنا؟»

تصوَّر هوموي حديقة الحيوانات، وفجأةً أراد واحدة بشكلٍ مُلِح.

قال: «نعم! دعنا نفعل ذلك. لكن هل أنت متأكد أنه بإمكانك صيدهم بهذه الشبكة؟»

قال الثعلب كما لو كان مستمتعًا بالسؤال إلى حدٍّ كبير: «أوه، متأكد تمامًا.»

«أسرِع أنت وأوصِل الخبز إلى المنزل. وبحلول الوقت الذي تعود فيه، أراهنك أنني سأصطاد على الأقل مائةً منهم.»

أخذ هوموي شرائح الخبز، وانطلق بها مسرعًا نحو المنزل، ووضَعَها على رف المطبخ، ثم أسرع راجعًا.

وجد أن الثعلب قد وضع الشبكة فوق شجرة بتولا كانت واقفةً هناك في الضباب، وكان يبتسم ابتسامةً عريضة وفمه مفتوح على مصراعَيه.

قال وهو لا يزال يبتسم، مشيرًا إلى صندوقٍ زجاجي كبير لا بد أنه قد أحضره من مكانٍ ما: «انظر! لقد أصبح لديَّ أربعة بالفعل.»

بالفعل، كان بإمكان هوموي رؤية طائر زرياب وعندليب وحسون تفاحي وعصفور سسكين يُرفرِفون بالداخل. لكن بمجرَّد أن تعرَّفوا عليه، هدَءوا وكأن مخاوفهم قد زالت.

نادى العندليب من خلال زجاج الصندوق: «هوموي! أرجو أن تُنقِذنا … أعلم أنه باستطاعتك ذلك. لقد اصطادنا الثعلب، وسوف يأكلنا غدًا بالتأكيد. أرجوك، يا هوموي!»

توجَّه هوموي مباشرةً لفتح الصندوق.

لكن الثعلب عبَس حتى ارتسمَت تجاعيدُ داكنةٌ فوق جبينه وضاقت عيناه من الغضب.

صاح الثعلب: «هوموي! انتبِه! إذا لمستَ هذا الصندوق، فسوف أمزِّقك إربًا!» كان فمه قد الْتَوى من الغضب.

شعَر هوموي بخوفٍ شديد لدرجة أنه ركَض مباشرةً إلى المنزل. كانت السيدة أرنبة في الحقول في ذلك اليوم، ولم يكن أحدٌ يُوجد في المنزل.

كان قلب هوموي ينبض بشدة، فأخرج الصندوق الذي يحتوي على حَجَر النار، وفتح الغطاء ليُلقي نظرةً عليه.

كان الحَجَر لا يزال يتوهَّج على نحوٍ لامع. لكن هل رأى عليه بقعةً صغيرةً معتمة وكأنه قد ثُقب بإبرة، أم إنَّ هذا كان من نسج خياله؟

لقد أزعجَته البقعة كثيرًا؛ لذلك نفَخ في الجوهرة كما كان يفعل دائمًا، وفرَكَها بلطفٍ بريشة من صدر حسون تفاحي. لكن البقعة لم تزُل.

في تلك اللحظة، وصل السيد أرنب إلى المنزل. وسرعان ما لاحظ من وجه ابنه أن أمرًا ما غير جيِّد قد حدث، فقال: «ما الأمر يا هوموي؟ تبدو شاحبًا جدًّا. هل أصبح حَجَر النار معتمًا؟ دعني أرى.» رفع الجوهرة تحت الضوء، ثم ضحك. وقال: «لماذا كل هذا الحزن إذَن؟ سنتخلص من ذلك قريبًا. عجبًا، إن ألسنة اللهب الصفراء تشتعل بتوهجٍ أكثر من أي وقتٍ مضى. أعطِني بعضًا من ريش الحسون التفاحي»، وبدأ بتلميع الحَجَر بانهماك، لكن عوضًا عن زوالها بدا أن الرقعة المُعتِمة أخذَت تكبر بشكلٍ متزايد.

وصلَت السيدة أرنبة إلى المنزل. ودون أن تقول أي شيء، أخذَت الحَجَر من زوجها ورفعَته نحو الضوء، ثم تنهَّدَت ونفخَت فيه وبدأَت تمسحه.

أخذوا يتناوبون على تلميعه بأقصى ما في وسعهم، وهم يتنهَّدون طوال الوقت دون أن ينطقوا بكلمةٍ واحدة.

بدأ الغسَق بالحُلول. وفجأة، وقف السيد أرنب كما لو أنه قد تذكَّر شيئًا ما على نحوٍ مفاجئ.

وقال: «هيا، دعُونا نتناول العشاء، ألن تفعلوا؟ سنُجرِّب ترك الحجر منقوعًا في الزيت هذه الليلة. يقولون إن هذا أفضلُ شيء.»

قالت السيدة أرنبة جافلةً: «يا إلهي! لقد نسيتُ أمر العَشاء تمامًا. لم أصنع أي شيء على الإطلاق. هل سنتناول فقط توت زنابق الوادي من أول أمس وخبز هذا الصباح؟»

نخر السيد أرنب. وقال: «هذا سيَفي بالغرض.» وضع هوموي الحَجَر في صندوقه متنهدًا، ووقف يُحدِّق فيه لفترةٍ طويلة.

تناولوا وجبتَهم بصمت.

قال السيد أرنب وهو يُنزِل زجاجة زيت جوز من الرف: «سأحضِر الزيت من أجلك.» سكب هوموي بعضًا منه في صندوق العقيق. ثم أطفَئوا الأضواء وذهَبوا إلى الفراش مبكرًا.

•••

استيقظ هوموي في الليل.

جلس خائفًا واختلس النظر إلى حَجَر النار الذي كان بجانب سريره. كان الحجر في الزيت يلمع باللون الفضي وكأنه عين سمكة. لم يعُد هناك ألسنةُ لهبٍ حمراء على الإطلاق.

انفجر هوموي بالبكاء.

نهض السيد أرنب والسيدة أرنبة مذعورَين وأضاءا المصباح.

بدا الحَجَر الآن ككُرة من الرصاص. أخبر هوموي والده، وهو يبكي، عن الثعلب وشبكته.

قال والده وهو يرتدي ملابسه على عَجَل: «هوموي، أنت أحمق. لقد كنتُ أنا غبيًّا أيضًا. لقد أُعطيتَ حَجَر النار لأنك أنقذتَ حياة طائر القُبَّرة الصغير، أليس كذلك؟ لكنك أولَ أمسِ كنتَ تتحدث عن كونك خُلقت لتحوزَه. هيا، دعنا نخرج؛ فربما لا يزال الثعلب ينصب شبكته. عليك أن تصارعه، حتى وإن قتلك. سأساعدك أنا أيضًا بالطبع.»

نهض هوموي وهو لا يزال يبكي وذهب معه. كانت السيدة أرنبة تبكي أيضًا وهي تتبعُهما.

كان الضباب يتساقط على شكل قطراتٍ رطبة كبيرة، وقد بدأ الفجر في البزوغ. كان الثعلب يجلس تحت شجرة البتولا وشبكتُه لا تزال منصوبةً عليها. وعندما رأى الثلاثة قادمين، ابتهج وضحك بصوتٍ عالٍ.

صاح والد هوموي: «أيها الثعلب! إنك ذكي، أليس كذلك، لخداعك هوموي بهذه الطريقة. تعالَ هنا وصارعه!»

قال الثعلب فعلًا بتعبيرٍ شرير بحق على وجهه: «ها! يمكنني بسهولةٍ تمزيق ثلاثتكم إلى أشلاء، لكنني لا أرغب في تضييع جهدي في ذلك. على أي حال، لديَّ أشياءُ أخرى أفضل لآكُلها.»

حمل الصندوق الزجاجي على كتفِه وتأهَّب للفرار.

قال والد هوموي وهو يضع كفَّه بقوة على الصندوق: «لا، لن تفعل!»

فقَد الثعلب توازُنه وتخلى عن حمولته، ثم فرَّ وركض مبتعدًا.

كان الصندوق مليئًا بنحو مائة طائر، الذين كانوا جميعًا غارقين في الدموع؛ ليس فقط العصافير وطيور الزرياب والعنادل، وإنما أيضًا ذكَر بومة كبير، وحتى القُبَّرة الأم وابنها.

رفع والد هوموي الغطاء.

طار الطيور جميعهم خارج الصندوق، وانحنَوا وقالوا معًا في جوقة: «شكرًا لكم كثيرًا. نحن ممتنُّون جدًّا لمساعدتكم لنا مرةً أخرى.»

ردَّ والد هوموي: «عفوًا. الحقيقة أننا لم نكن نعرف بأي وجهٍ سنقابلكم. كما ترَون، لقد جعلنا الجوهرة التي أعطانا إياها ملِكُكم تتحوَّل إلى جوهرةٍ مُعتِمة.»

قال الطيور معًا: «عجبًا، ما الذي يمكن أن يكون قد حصل؟ هل من الممكن أن نُلقيَ نظرةً عليها؟»

قال والد هوموي وهو يقود الطريق نحو المنزل: «تعالَوا معنا، إذَن.» كانت الطيور تسير خلفه. وكان هوموي يتبعُهم في الخلف وهو يتنشَّق ويبدو عليه الندم. مشى ذكَر البومة بخطواتٍ كبيرة وبطيئة وقد أخذ يُلقي نظرةً خاطفة على هوموي بين الحين والآخر في تجهُّم.

دخلوا جميعًا المنزل.

شغَل الطيور كل شبر من المساحة في المنزل؛ الأرضية، والرفوف وحتى الطاولة. أخذ ذكَر البوم يُدير عينَيه في اتجاهاتٍ غريبة وهو يُحدث نفسه ساخرًا من وقتٍ لآخر.

أحضر السيد أرنب الجوهرة التي بدت الآن ليست أكثر من حَجَرٍ أبيضَ صغير.

وقال: «هل ترَون! إذَن هيا اقسُوا علينا كما تريدون؛ فنحن نستحق ذلك.» وفي تلك اللحظة تمامًا، انقسم حجر النار إلى قسمَين بصوت انفلاقٍ حاد. في اللحظة التالية، صدر صوت طقطقةٍ عنيف، وأمام أعينهم مباشرةً تحطَّم الحَجَر وتحوَّل إلى سحابة من الغُبار.

صرخ هوموي في مدخل المنزل بصوتٍ عالٍ، وسقط على الأرض. كان الغبار قد دخل إلى عينَيه. أصيب الجميع بدهشةٍ شديدة، وكانوا يتوجَّهون جميعهم نحوه عندما صدر صوت فرقعةٍ هذه المرة؛ ذلك أن سحابة الغبار بدأَت تتكاثف بالتدريج إلى أن تشكَّل منها عددٌ من القِطع الصلبة مرةً أخرى. ثم حوَّلَت القِطع نفسها إلى قطعتَين فقط، واللتَين في النهاية اندمجتا معًا وأصبحتا مرةً أخرى حَجَر النار، تمامًا كما كان دائمًا من قبلُ. التمعَت الجوهرة مثل نيران البركان، وتوهَّجَت مثل الشمس عند غروبها، وبصوتِ حفيفٍ طارت للأعلى وخرجَت من النافذة وابتعدَت.

فقد الطيور الاهتمام بالأمر، وبدءوا بمغادرة المكان الواحد تلو الآخر، إلى أن لم يبقَ منهم في النهاية سوى ذكَر البوم. أمعَن ذكَر البوم النظر في الغرفة. وقال ساخرًا: «فقط ستة أيام، بو-هو! فقط ستة أيام، بو-هو!» ثم خطا خارج المنزل وهو يهزُّ كتفَيه.

لكن الأسوأ من ذلك أن عينَي هوموي أصبحتا شاحبتَين ومُعتِمتَين كما أصبح الحَجَر تمامًا، ولم يعُد يستطيع رؤية أي شيء على الإطلاق.

لم تتوقف السيدة أرنبة عن البكاء منذ البداية إلى النهاية. ووقف السيد أرنب لفترة من الوقت طاويًا ذراعَيه وهو يفكر، ثم ربَّت على ظهر هوموي برفق.

وقال له: «لا تبكِ. هذا النوع من الأمور يمكن أن يحدُث لأي شخص. أنت محظوظٌ أكثر من البقية. لأنك أصبحتَ تعرف الآن. سوف تتحسَّن عيناك، أنا متأكد من ذلك. سأعمل جاهدًا من أجل ذلك. لذا تشجَّع، وتوقَّف عن البكاء.»

من خلف النافذة كان الضباب قد تبدَّد وأوراق زنابق الوادي كانت تتلألأ في ضوء الشمس، وكانت أزهار الجرس تَرنُّ بنغماتها الصباحية الصافية والصاخبة، دينج، دينج، دونج، دينج-ا، دينج-ا-دونج.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤