الجنرال سون با-يو

الأطباء الثلاثة

منذ زمنٍ بعيد، في العاصمة لا-يو، عاش ثلاثة إخوة أطباء. كان الأكبر، لين با، طبيبًا بشريًّا عاديًّا. وكان شقيقه الأصغر منه لين بوو طبيبًا للخيول والأغنام، بينما كان لين بو، أصغرهم جميعًا، طبيبًا للأشجار والنباتات. كان الإخوة الثلاثة قد بنَوا ثلاثَة مستشفياتٍ ذات أسقفٍ قرميديةٍ زرقاء. انتصبَت جميعها في صفٍّ واحد على قمة تلٍّ أصفر في أقصى الطرف الجنوبي للمدينة، وكان فوق كل واحدة منها رايةٌ حمراءُ أو بيضاءُ تُرفرِف مع هبوب النسيم.

إذا وقفتَ عند سفح التل، كان بإمكانك رؤية المرضى وهم يصعدونه في تدفقٍ منتظم — قساوسةٌ مصابون بطفحٍ جلدي من جرَّاء لمس أوراق شجرة اللَّك، خيولٌ كانت تعرج قليلًا، بستانيون يجُرُّون عرباتٍ مُحمَّلة بأصصٍ من نبات عود الصليب الذابل إلى حدٍّ ما، أشخاصٌ يحملون أقفاصًا تُوجد بداخلها ببغاوات الباراكيت — وبعد ذلك، عندما كانوا يصلون إلى القمة، فإنهم كانوا ينقسمون إلى ثلاث مجموعات؛ الأشخاص المرضى يذهبون إلى الطبيب لين با على اليسار، والخيول والأغنام والطيور المريضة إلى الطبيب لين بوو في الوسط، والأشخاص الذين لديهم أشجار ونباتات بها مشكلة إلى الدكتور لين بو على اليمين.

كان الثلاثة جميعًا ماهرين في الطب بنحوٍ ملحوظ، وكانوا رجالًا ذوي قلوبٍ رحيمة؛ لذلك كانوا جميعهم يستحقون أن يُقال عنهم إنهم أطباءُ ممتازون. ومع ذلك، لم يكن الحظ في صالحهم بعدُ؛ فلم يحظَ أيٌّ منهم على أي منصبٍ رسمي، ولم تكن أسماؤهم معروفةً حتى الآن على نطاقٍ واسع. لكن في أحد الأيام حدث أمرٌ غريب غيَّر كل شيء.

حارس الحدود الشمالية

في ذلك اليوم، بينما كانت الشمس تُشرِق، سمع سكان مدينة لا-يو صوتًا غريبًا يشبه تغريد سربٍ كبير من الطيور، والذي كان قادمًا بنحوٍ متقطع من اتجاه السهل الممتد بعيدًا نحو الشمال. في البداية، لم يهتَم أحدٌ بأمره، واستمر الناس في تنظيف متاجرهم أو أي شيءٍ آخر كانوا يفعلونه. لكن بعد فترةٍ وجيزة من وقت الإفطار، أخذَت الأصوات تقترب تدريجيًّا، واتضح أنها أصواتٌ صادرة عن مزامير وأبواق. وفجأةً حدثَت ضجَّة في أنحاء المدينة. وعند اختلاطه مع صوت الآلات الأخرى، كان يمكن أيضًا سماع صوت طبول من مختلف الأنواع. لم يمضِ وقتٌ طويل حتى لم يعُد التجار والحرفيون على حدٍّ سواء قادرين على التركيز في أعمالهم. في البداية أغلق الجنود جميع البوابات التي كانوا يحرُسونها بإحكام، ثم وُضع حُراس على الأسوار المحيطة بالمدينة، وأُبلغ القصر بالأمر.

بحلول ظهر اليوم نفسه تقريبًا، كان بإمكان السكان سماع صوت حوافر خيول ورؤية بريق دروع، وسُمعَت أصواتٌ عالية تُصدِر الأوامر. إن هذا الشيء أيًّا كان بدا أنه قد أحاط بالمدينة بالكامل.

شعَر الرجال الذين كانوا يُراقبون المدينة من الأسوار وسكان المدينة العاديون أن قلوبهم تدق من الخوف وهم يُحدِّقون من خلال الفجوات المخصَّصة لإطلاق السهام. خارج الأسوار إلى الشمال كان هناك جيشٌ كبير مسلح. وقد ارتفعَت أمام أعينهم غابة من الرماح والرايات المتلألئة الخفاقة. ما جعل المشهد مدهشًا بنحوٍ خاص هو أن جميع الجنود كانوا يرتدون زيًّا رماديًّا وكانوا شُعثًا؛ لذلك بدَوا، إلى حدٍّ بعيد، وكأنهم عمودٌ كبير من الدخان. كان يترأسهم جنرال ذو نظرةٍ حادة، ولحيةٍ بيضاء بالكامل، وظهرٍ محني، وكان يمتطي حصانًا أبيض له ذيلٌ ممدود خلفه على نحوٍ أشبه بالمقشة. كان سيفه المهيب مرفوعًا عاليًا في يده، وبصوتٍ عالٍ كان يغني هذه الأغنية:

حارس الحدود الشمالية
الجنرال سون با-يو يعود
من الأراضي فيما وراء السور العظيم.
كنت أتمنى إعلان تحقيقي
لنصرٍ عظيم، لكن في الحقيقة
أننا جميعًا قد أصابنا الإنهاك تمامًا. الجو باردٌ هناك.
منذ ثلاثين سنة مضت،
متقدمًا عشرة آلاف جندي،
انطلقتُ بفخرٍ عَبْر هذه البوابة.
لأجد ماذا، رغم ذلك؟ سماءً وسماءً
والمزيد من السماء، ورياحًا جافة تثير الرمال
حتى الإوز البري يذبُل
ويسقط ميتًا.
طوال الوقت كنتُ أتقدم للأمام
حتى أصاب الإرهاق جوادي المخلص؛
فقد انهار مُنهَكًا مراتٍ عديدة.
حينها، كانت عيناه تمتلئان بالدموع
وتحدِّقان بعيدًا عَبْر الرمال،
وفي كل مرة كنتُ آخذ القليل
من الملح من تحت درعي
وأدعه يلعقه حتى يستعيد قوَّتَه.
لكنه الآن يبلغ من العمر خمسة وثلاثين عامًا،
وهو يستغرق أربع ساعات أو نحو ذلك
فقط ليقطع عدة أميال.
أنا نفسي، الآن، في السبعين.
لم أفكِّر مطلقًا في أنني سأعود للوطن،
لكننا كنا محظوظين لهلاك العدو؛
إذ لم ينجُ منهم أحدٌ من الهلاك
بمرض البري بري. لقد
كان الجو رطبًا بشكلٍ مخيف هذا الصيف،
والسبب الآخر هو أنهم
ركَضوا كثيرًا عَبْر الرمال أثناء مطاردتهم
لنا. في هذا الإطار، يمكن أن تُسمُّوا هذا
نصرًا بعد كل شيء.
أعتقد أن هناك شيئًا آخر
قد تعتبرونه جديرًا بالثناء.
لقد ذهبنا مائة ألف
ورجعنا تسعين ألفًا.
ننعى الرجال الذين ماتوا،
لكن حتى لو بقينا في الوطن،
فأنا متأكد من أن عُشرنا على الأقل كان سيموت
في غضون ثلاثين عامًا.
لذا، أصدقائي القدامى في لا-يو،
الأطفال أيضًا والأشقاء جميعًا،
ها نحن قد عُدنا إلى الوطن أخيرًا،
الجنرال سون با-يو وجيشه،
من الشمال. أعتقد أنه يمكنكم، الآن،
أن تتفضَّلوا بفتح البوَّابات.

حدثَت ضجةٌ كبيرة فوق أسوار المدينة. بكى البعض فرحًا، واندفع البعض مُلوِّحين بأذرعهم في الهواء، وحاول البعض فتح البوابات بأنفسهم فتعرَّضوا للنَّهر من قِبل الحُراس. بطبيعة الحال، ذهب رسولٌ على عَجَل إلى القصر الملكي، وفُتحَت بوابات أسوار المدينة مُحدِثةً ضجيجًا عاليًا. كان الجنود في الخارج سعداء للغاية لدرجة أنهم عانقوا خيولهم وبدءوا بالبكاء.

الجنرال سون با-يو، حارس الحدود الشمالية، الذي ظهرَت عليه علامات التقدم في السن، عبَس عمدًا لإخفاء مشاعره وهو يمسك بلجام حصانه بلطف ويقوده، ناظرًا مباشرةً أمامه، على رأس جيشه، تتبعُه الأبواق والطبول المختلفة، والرماح براياتها، والمطارد النحاسية الخضراء بفعل الزمن، والجنود بجعاب سهامهم البيضاء المُعلقة على ظهورهم. كانت الخيول تخطو على وقع ضرب الطبول، في حين كانت ركبتا حصان الجنرال الأبيض تنثنيان كما لو كان يُحاوِل أن يحافظ على وقع الطبول أيضًا. أثناء مسيرتهم، غنَّى الجنود نشيدًا عسكريًّا:

في اليوم الأول والأخير
قمرٌ أسود يسطع فوق الصحراء.
في ليالي هبوب الرياح الجنوبية والغربية
حتى في الشتاء القمر يكون أحمر.
عندما تطير الإوَزة البرية عاليًا،
يهرب العدو بعيدًا.
امتطِ حصانك لتُطارِده
وستتساقط الثلوج.

تقدَّم الجنود. إن مجرَّد رؤية تسعين ألفَ جندي كان أمرًا ساحقًا.

في الأيام التي تتساقط فيها الثلوج بشدة
تكون السماء غائمةً وقت الظهيرة،
وتظهر فقط صفوفٌ من الإوَز البَرِّي
الباهتة والبيضاء اللون في الظلام.
يطير الرمل متجمدًا في الهواء
ويرفع لأعلى الأعشاب الضارَّة الذابلة.
واحدةً تلو الأخرى، تُقتلع تلك الأعشاب
وتطير محلقةً نحو العاصمة.

الحشود التي تشكِّل حاجزًا قويًّا على جانبَي الطريق كانت تُتابِع بعيونٍ دامعة.

سار الجنرال سون با-يو، هو وجيشه، على هذا النحو حوالَي نصف ميل، وكادوا يصلون إلى ساحة المدينة عندما أنبأتهم راياتٌ صفراءُ خفَّاقة على بُعدٍ أن شخصًا ما كان قادمًا من القصر. يمكن أن يعني هذا شيئًا واحدًا فقط؛ وهو أنه قد أُخبر الملك بالأمر، وأن مبعوثًا كان في طريقه للترحيب بهم.

كبَح الجنرال جِماح حصانه، ورفع يده بطريقةٍ مهيبة إلى جبهته، وحدَّق بتمعُّن للتأكد من الأمر، ثم فجأةً ألقى بتحية، وحاول مسرعًا النزول عن حصانه. لكنه لم يستطِع النزول. بدا أن ساقَيه قد التصقتا بسَرْج الحصان، الذي كان بدوره ملتصقًا بقوة بظهر الحصان.

شعَر الجنرال الشجاع بالفزع الشديد رغمًا عنه. وبوجهٍ احمَرَّ خجلًا وفمٍ ارتعَش لأعلى في أحد جوانبه، بذل الجنرال قصارى جهده للقفز عن ظهر حصانه، لكن جسده رفض التزحزح. يا له من جنرالٍ مسكين! فنتيجة ثلاثين سنةً كاملة أمضاها في أداء واجبه الشاق على حدود الوطن، في الجو الجافِّ للصحراء، ودون أن يترجَّل ولو مرةً عن حصانه، توحَّد في النهاية معه. والأسوأ من ذلك، أنه نظرًا لأنه حتى العشب لا يمكن أن ينمو في وسط الصحراء، لا بد أن العشب قد اختار الجنرال بدلًا من ذلك؛ لأن وجهَه ويدَيه كانت مغطاةً بشيءٍ رمادي غريب. وقد كان هذا الشيء ينمو على الجنود، أيضًا.

في غضون ذلك، كان ممثل الملك يقترب أكثر فأكثر تدريجيًّا؛ فقد أصبحت الرماح والرايات الكبيرة التي تتقدم الموكب مرئيةً بالفعل.

قال أحد أفراد جيشه: «أيها الجنرال، انزل عن حصانك! إنه رسولٌ من الملك! أيها الجنرال، انزل عن حصانك!» لكن بالرغم من أنه حاول التحرر مستخدمًا ذراعَيه مرةً أخرى، فإنه لم يستطِع ذلك.

لسوء الحظ، كان الوزير المكلَّف بالترحيب به قصير النظر كالخلد، واعتقد أن الجنرال كان يتعمد رفض الترجُّل عن حصانه، وكان يُلوِّح بيدَيه كنوعٍ من الأوامر لرجاله.

قال الوزير بصوتٍ عالٍ للجمع الذي كان معه: «لنعُد أدراجَنا! إنه تمرُّد!» فاستداروا على الفور بخيولهم، وانطلقوا جميعهم في سحابةٍ من الغبار الأصفر.

عندما شاهد ما كان يحدُث، تهدَّل كتف الجنرال سون وأطلق تنهيدة. لفترة من الوقت جلس وحدَّق، ثم استدار فجأةً لاستدعاء كبير المخططين لديه.

وقال له: «أنت يا … انزع درعك في الحال، وخذ سيفي وقوسي، واذهب إلى القصر بأسرعِ ما يمكن. ثم أخبرهم بما يأتي: الجنرال سون با-يو، حارس الحدود الشمالية، قضى ثلاثين سنةً كاملة في الصحراء دون أن ينزل عن حصانه سواء في النهار أو في الليل. وفي النهاية أصبح جسده عالقًا في سَرج حصانه بحيث يستحيل عليه تمامًا المثول أمام الملك. أخبرَهم بكل احترام أنه سيذهب الآن إلى طبيب، ثم سيمثل أمام جلالة الملك في أقرب وقتٍ ممكن.»

أومأ كبير المخطِّطين برأسه، ونزع درعَه وخُوذتَه، وانطلَق نحو القصر ومعه سيف الجنرال سون.

التفَت الجنرال إلى رجاله.

وقال لهم: «أيها الجنود، سوف تترجَّلون عن ظهور خيولكم الآن، وتخلعون خُوَذَكم وتجلسون على الأرض. قائدكم على وشك القيام بزيارةٍ قصيرة إلى الطبيب. وأثناء غيابه، عليكم البقاء هنا دون التحرك أو إحداث أي ضوضاء. هل تفهمون؟»

صاح الجنود في وقتٍ واحد: «نعم نفهم أيها الجنرال!»

رفع يده كي يلتزموا الصمت، ثم ضرَب بخفَّة على حصانه بسوطه. الحصان الأبيض الشهير، الذي كان قد انهار كثيرًا من التعب في رمال الصحراء، استجمع ما تبقى له من قوة، وانطلق يعدو مع طقطقة في العظام. لمسافة تصل إلى ميلَين أخذ يحُثه الجنرال على المُضي قدمًا كما لو كان في حُلم، حتى وصلا أخيرًا إلى سفح تلٍّ كبير.

سأل قائلًا: «من أفضل طبيب هنا؟»

قال نجَّار: «عجبًا، إنه الطبيب لين با.»

«أين يعيش لين با هذا؟»

«هناك في أعلى التل. رايتُه هي الراية اليسرى من بين تلك الرايات الثلاثة.»

«حسنًا! هيا انطَلِق أيها الحصان!» ضاربًا بسوطه بخفة على حصانه الأبيض، سار الجنرال على طول الطريق المؤدِّي إلى أعلى التل دون توقف.

ترك النجار في حالة تذمُّر وهو يتمتم لنفسه.

قال متبرمًا: «إنه شخصٌ غير مهذب! لقد سأل رجلًا عن أمرٍ ما، ثم كل ما أمكنه أن يقوله هو: «حسنًا! هيا انطَلِق أيها الحصان!»»

لكن الجنرال سون با-يو لم يهتم كثيرًا بأمر النجار. وتجاوَز المرضى الآخرين الذين كانوا منتظرين هناك، ووصل مباشرةً إلى بوابة المكان. وبكل تأكيد، كانت هناك على البوابة لافتة تقول بأحرفٍ ذهبية: «الطبيب لين با.»

د. لين با

عبَر الجنرال البهو الكبير على ظهر حصانه، وتقدم بثبات على طول المَمَر. وعلى نحوٍ يليق بمستشفى طبيب مثل د. لين با، كانت جميع أسقف وأبواب الغرف يبلغ ارتفاعُها حوالَي عشرين قدمًا.

صاح الجنرال بصوتٍ آمر: «أين الدكتور؟ أريده أن يفحصني!»

قال أحد مساعدي الطبيب، وكان ذا رداءٍ أصفرَ طويل وحليق الرأس، عندما أمسك بشكيمة الحصان: «ومَن قد تكون؟ ألا تعتقد أنه من الغطرسة بعضَ الشيء أن تأتي إلى هنا على ظهر حصانك؟»

سأله الجنرال: «هل أنت الرجل الذي أريد أن أراه؟ إذا كان الأمر كذلك، فأسرِع وافحَصني.»

«لا. د. لين با في الغرفة هناك. لكن إذا كنتَ تريد أن تلقاه، فسيكون عليك النزول عن جوادك.»

«هذا بالضبط ما لا يُمكِنني فعله. لو كان بإمكاني النزول عندما أردتُ ذلك، لكنتُ الآن في حضرة الملك.»

«فهِمْت. إذَن أنت لا تستطيع النزول عن حصانك. لديك تصلبٌ في الساقَين. رائع جدًّا. اتبعني.»

فتح المساعد بابًا عند نهاية المَمَر. ودخل الجنرال سون راكبًا على وقع قعقعة حوافر حصانه. كانت الغرفة مليئة بالناس، الذين كان في وسطهم رجلٌ شابٌّ بدا أنه الطبيب يجلس على كرسي يفحص عينَي أحدهم.

قال الجنرال بطريقةٍ ودية: «يا هذا، أريدك أن تفحصني. لا أستطيع النزول عن حصاني، كما ترى.»

لم يتحرك د. لين با ولم ينظر باتجاهه، بل استمر في فحص عينَي الشخص بعناية كما كان من قبلُ.

صاح الجنرال: «يا هذا! أسرِع وألقِ نظرةً عليَّ!»

أصابت جميعَ المرضى حالةٌ من الذعر، لكن المساعد قال بصوتٍ هادئ: «تُوجد قائمة انتظار هنا. أنت رقم ستة وتسعين، والدكتور معه الحالة رقم ستة، إذَن تُوجد أمامك تسعون حالة.»

«اسكُت، يا هذا! هل تقول إنه يجب أن أنتظر اثنتَين وسبعين حالة؟ من تظنُّني أكون؟ أنت تتحدث إلى الجنرال سون با-يو، حارس الحدود الشمالية! لديَّ تسعون ألف جندي ينتظرون هناك في ساحة المدينة. إذا انتظرتُ حتى كشفًا واحدًا، فسيكون هناك اثنان وسبعون ألف جندي ينتظرون معي هنا. إذا لم تُجرِ معاينتي في الحال، فسوف أدمِّر هذا المكان تمامًا!»

رفَع سَوطَه، وشبَّ الحصان، وبدأ المرضى الآخرون بالبكاء. لكن الدكتور لين با-يو لم يُحرِّك ساكنًا أو يُلقِ حتى نظرةً عابرة على الجنرال. وقفَت امرأةٌ شابة ترتدي ملابسَ صفراء على يسار الطبيب، وأخذَت زهرةً من نوعٍ ما من زهرية، وغطَّسَت رأسها في الماء، ثم قدَّمَتها برفق إلى الحصان. فأكلها الحصان وتنهَّد بقوة. ثم فجأةً طوى أرجُلَه الأربعة تحته، ونخر بقوة، وأخفض رأسه وذهب في نومٍ عميق. كان الجنرال سون مستاءً للغاية.

«أوه، يا لأمر هذا الحصان! لقد خذلَني مرةً أخرى. تبًّا، تبًّا، تبًّا!» بسرعةٍ كبيرة أخرج كيس ملح من تحت درعه، وحاول أن يجعل الحصان يأكل البعض منه.

«هيا، الآن! هيا، استيقِظ! بعد كل الأوقات الصعبة التي مرَرْنا بها معًا، ماذا تقصد بترك نفسك تموت بمجرد عودتنا للعاصمة؟ هيا، استيقِظ! اصحُ، قم! هيا، خذ جرعة من هذا الملح.» لكن الحصان استمر في نومه العميق. وفي النهاية، انفجر الجنرال سون بالبكاء.

قال: «انظر هنا … أنا لا أهتم بشأني، لكن ألقِ نظرةً على الحصان، هلا فعَلْت؟ لقد عمل معي لمدة ثلاثين عامًا على الحدود الشمالية.»

ابتسمَت المرأة الشابة دون أن تنطق بكلمةٍ واحدة، لكن عند ذلك التفَت د. لين با فجأةً نحوه، وبنظرةٍ فاحصة بدا أنها شملَت كل شيء، من أعلى معدة الجنرال إلى رأس الحصان، قال بصوتٍ هادئ:

«سوف يتحسن الحصان قريبًا. لقد جعلناه فقط ينام حتى نتمكن من فحصك. والآن، هل سبق لك أن مرِضتَ من قبلُ بينما كنتَ في الشمال؟»

«لا. أنا لم أمرَض، لكن في بعض الأحيان كنتُ أتعرَّض لخداعٍ كبير من قِبل الثعالب.»

«كيف بالضبط؟»

«إن الثعالب هناك سيئة للغاية. يمكنها وضع جيشٍ كامل يقترب من عشرة آلاف تحت تأثير سِحرها. إنها تخدعُك بصنع الأضواء ليلًا، أو الإنشاء المفاجئ لبحرٍ كبير وسط الصحراء نهارًا. عجبًا، بل إنها تشيِّد مدنًا مَحُوطة بأسوار في بعض الأحيان. إنها سيئة حقًّا.»

«الثعالب تفعل كل ذلك، أأنت متأكد؟»

«الثعالب، وأحيانًا نوعٌ خطير من الطيور. إنه يطير عاليًا ما دام لا يُوجد أحد في الجوار، لكن عندما يرى أحدهم فإنه ينزل للتحقق. إنه ينتف الشعر من ذيول الخيول والأشياء المشابهة. إنه بإمكانه الوصول للعيون أيضًا؛ لذلك عندما تعلم بوجوده، ترتعش الخيول بشدة لدرجة أنها بالكاد تستطيع المشي.»

«في كل مرة يجري وضعُكَ تحت تأثير السِّحر، كم بالتقريب عددُ الأيام التي تستغرقها لتتحسَّن؟»

«دعني أتذكَّر. حوالَي أربعة أيام. على الرغم من أن الأمر كان يستغرق في بعض الأحيان خمسة.»

«والآن، كم مرةً قد تعرَّضتَ أنت لسِحر؟»

«ليس كثيرًا؛ حوالَي عشر مرَّات، ربما.»

«أوَدُّ أن أسألك شيئًا، إذَن. ما حاصل جمع مائة ومائة؟»

«مائة وثمانون.»

«ومائتان ومائتان؟»

«دعني أفكِّر. ثلاثمائة وستون، إذا لم أكن مخطئًا.»

«مسألةٌ أخرى فقط. ما حاصل ضرب عشرة في اثنين؟»

«ثمانية عشر، بالطبع.»

«لقد فهمت. نعم، لقد فهمتُ جيدًا. حتى الآن، أنت ما زلتَ تحت تأثير الصحراء بنسبةٍ قليلة. حوالي عشرة في المائة، في الواقع. حسنًا، إذَن، دعنا نُعيدُك للحالة الطبيعية.»

لوَّح د. لين با بيدَيه، وأمر مساعديه باتخاذ الاستعدادات. أحضروا وعاءً نحاسيًّا كبيرًا مليئًا بالدواء، مع قطعة قماش. مد الجنرال سون يدَيه، وأخذ منهم الوعاء بحذر. ثم شمَّر الطبيب كمًّا واحدًا، وغمَس قطعة القماش في الدواء، وعصَرَها على خوذة الجنرال، وراح يهزُّ الخُوذة بكلتا يدَيه؛ فانخلعَت دون أي عناء على الإطلاق. أحضر مساعدٌ آخر وعاءً آخر مليئًا بنوعٍ مختلف من الأدوية، وبدأ الطبيب في غمر جسد الجنرال بهذا الدواء الثاني. كان السائل أسودَ تمامًا.

سأل الجنرال بقلق وهو يفحص الطبيب بعينَيه: «هل فعلًا سيكون الحصان بخير؟»

قال الطبيب وهو يعمل: «نعم، سأنتهي قريبًا.» تحول السائل تدريجيًّا إلى اللون البني، ثم إلى الأصفر الفاتح. وبحلول الوقت الذي فقد فيه السائل لونَه في النهاية، كان لون شعر الجنرال سون بلون الثلج، مثل شعر الدب القطبي تمامًا. لذا ألقى د. لين با بقطعة القماش جانبًا، وغسل يدَي الجنرال، ثم غسل مساعدُه رأسَه ووجهَه. شعَر الجنرال بقُشَعريرةٍ كبيرة، وجلس منتصبًا على حصانه.

«كيف الوضع الآن؟ إنك تشعُر أنك بحالةٍ أفضل كثيرًا الآن، أليس كذلك؟ بالمناسبة، ما حاصل جمع مائة ومائة؟»

«عجبًا، مائتان بالطبع، أليس كذلك؟»

«حسنًا، ما حاصل جمع مائتَين ومائتَين؟»

«دعني أفكِّر. أربعمائة. أنا متأكد.»

«إذَن، ما حاصل ضرب عشرة في اثنين؟»

أجاب الجنرال بلا مبالاة، كما لو أنه نسي تمامًا ما قد قاله قبل ذلك بقليل: «عشرون، بالطبع.»

«لقد شُفيت. كانت هناك مشكلةٌ في رأسك، وكانت كل قدراتك مُعطَّلة بنسبة عشرة في المائة.»

«دعكَ من هذا، أنا لست مهتمًّا بالأرقام. لا أهتم كثيرًا ما إذا كانت عشرة أو عشرين. سأترُك ذلك لعلماء الرياضيات. ما يثير اهتمامي حقًّا في هذه اللحظة هو أن تفصل بيني وبين هذا الحصان.»

«نعم، حسنًا، من السهل جدًّا بالنسبة لي أن أفصل ساقيك وملابسك. في الواقع، يجب أن يكونا قد انفصلا بالفعل. لكن فصل بنطالك عن السرج وفصل السرج عن الحصان أمرٌ مختلف. يتعامل أخي في المستشفى المجاورة مع هذا النوع من الأشياء؛ لذلك ربما عليك الذهاب ورؤيته. إلى جانب ذلك، يحتاج هذا الحصان إلى العلاج أيضًا.»

«لكن ماذا عن هذه الأشياء الشعثاء التي تنمو على وجهي؟»

«أخي على الجانب الآخر سوف يعتني بذلك لاحقًا. سأدَع مساعدًا يذهب معك.»

«حسنًا، إذَن، أعتقد أنني سأكون على ما يُرام. الوداع، يا سيدي.»

نفس الفتاة ذات الرداء الأصفر نفخَت مرةً واحدة في أذن الحصان اليمنى. فقام الحصان، وعلى الفور استولى الجنرال، بعد أن أصبح في وضعٍ مرتفع ثانيةً، على زمامه مرةً أخرى، وغادر المكانَ والمساعدُ إلى جانبه. عبَروا الحديقة، ووجدوا أنفسهم في مواجهة جدارٍ ترابي سميك بداخله بابٌ صغير.

قال المساعد وهو يدخل من الباب: «سأدَعُهم يفتحون البوابة الخلفية.»

«أوه لا، ليست هناك حاجة لذلك. جدارٌ صغير مثل هذا لا يُعد عائقًا بالنسبة لحصاني.»

أنزَل الجنرال سوطه على الحصان، وبحث منه له، قفَز الحصان فوق الجدار الترابي وانتهى به المطاف في حديقة د. لين بوو المجاورة، مدمرًا رقعة زهور الخشخاش تمامًا.

د. لين بوو

كان الجنرال يخوض بحصانه ببطء عَبْر رقعة زهور الخشخاش عندما سمعا فجأةً صهيل خيولٍ أخرى من جميع الجهات. وما إن دخلا المبنى الكبير، حتى جاء ما لا يقل عن عشرين منها مهرولةً لتحيط بهما من كل مكان، وأخذَت تضرب بحوافرها وتُومئ برءوسها ترحيبًا بحصان الجنرال.

على الجانب الآخر من المكان، كان الدكتور لين بوو يضع أحد المراهم البيضاء على حصانٍ كستنائي ذي رقبةٍ ملتوية. عندما تقدَّم المساعد الذي رافق الجنرال وهمَس بشيء في أذن الطبيب، ابتسم الطبيب واستدار لمواجهة الجنرال. كان الطبيب يرتدي صُدرةً حديدية كبيرة تشبه كثيرًا الدرع، بدا أن الغرَض منه هو حمايتُه من ركل الخيول. تقدَّم الجنرال نحوه على صهوة حصانه.

سأله: «دكتور لين بوو؟ أنا الجنرال سون با-يو. أريد خدمة منك.»

«نعم، نعم، لديَّ فكرة عن الأمر. دعنا نرى، إن حصانك يبلغ من العمر تسعة وثلاثين عامًا، أليس كذلك؟»

«تقريبًا. أجل، لا بد أنه في التاسعة والثلاثين.»

«جيد جدًّا. سأُجري العملية على الفور. لكن يجب أن أحذِّرك أنك قد تجد المكان هنا مليئًا بالدخان قليلًا.»

«دخان؟ لماذا يجب أن يُزعجني قليل من الدخان؟ أريدك أن تعلم أنه عندما تهُب الريح في الصحراء عليك أن تجعل الخيول تقفز على الأقل خمسةً وأربعين مرةً في الدقيقة. إذا سمحتَ لها بالتوقف ولو لبضع ثوانٍ، فستُدفن حتى الرأس قبل أن تُدرِك ذلك.»

«هذا صحيح. حسنًا إذَن، دعنا نبدأ. هيا، يا فو-شو!» المساعد الذي لبَّى نداءه انحنى وأحضَر إناءً صغيرًا. أزال د. لين بوو الغطاء، وأخذ بعضَ الدواء ذا اللون البني، ووضَعه على عينَي الحصان.

ثم نادى مرةً أخرى: «يا بوو-شو!» انحنى مساعدٌ آخر، ودخل الغرفة المجاورة، وبحث في أنحاء الغرفة لبعض الوقت قبل أن يعود ومعه كعكةُ أرز حمراءُ صغيرة في طبق. التقط الطبيب هذه الكعكة، وأمضى بعض الوقت وهو يضغطها بين أصابعه ويشمُّها، حتى بدا أخيرًا أنه قد اتخذ القرار، وقدَّمها للحصان الذي ابتلعَها. تثاءب الجنرال سون الذي سئم الانتظار هناك على ظهر الحصان. لكن فجأةً بدأ حصانه الأبيض يرتجف ويرتجف، وبدأ الدخان والعرَق يتفجَّران من جميع أنحاء جسده. انسحَب الطبيب كما لو كان منزعجًا ووقف يُراقِب من بعيد. أخذَت أسنان الحصان وعظامه يَصدُر عنها صوتُ طقطقة، واستمر الدخان بالتصاعد منه. كانت رائحة الدخان حادة؛ في البداية، تحمَّل الجنرال سون الوضع جيدًا، لكن سرعان ما غطَّى عينَيه بكلتا يدَيه، وراح يسعُل في نوباتٍ شديدة. بعد فترة، خفَّت حدة الدخان تدريجيًّا، غير أن العرَق في هذه اللحظة بدأ يتساقط من على الحصان غزيرًا كالشلال.

عند هذه النقطة، ذهب الطبيب إلى الحصان، ووضع يدَيه على السرج، وهزَّه مرتَين. في الحال، انفصل السرج، وتفاجأ الجنرال بذلك، فسقط بخبطةٍ قوية على الأرض. لكن نظرًا لأنه كان مقاتلًا حقيقيًّا، فقد وقف منتصبًا على قدمَيه في لمح البصر. علاوةً على ذلك، انفصل الجنرال عن السرج تمامًا ثانيةً، وانهمَك الجنرال بالخبط بنشاط على رجلَيه المقوَّستَين، بينما كان الحصان يهزُّ جسده بلطف كما لو كان في حَيْرة من فقدان حِمله المفاجئ. بعد ذلك، أمسك الطبيب ذيل الحصان الشبيه بالمقشة وشدَّه بقوة، عندها سقطَت كتلةٌ بيضاءُ كبيرة على شكل ذيل على الأرض مصدرةً صوتًا عاليًا. أخذ الحصان يؤرجح ذيله الجديد من الشعر الخالص، كما لو كان مسرورًا لأنه وجده خفيفًا للغاية مرةً أخرى. ثم دلَّك ثلاثة مساعدين، يعملون معًا، جسده بالكامل.

«أعتقد أن هذا سيَفِي بالغرض. حاوِل الآن المشي.»

خطا الحصان بضعَ خطوات. هذه المرة، لم يصدُر صوتٌ عن ركبتَيه، اللتَين كانتا تُصدِران صريرًا مرعبًا قبل ذلك. رفع د. لين بوو يده لإعادة الحصان، ثم انحنى للحظةٍ للجنرال.

قال الجنرال: «أنا في غاية الامتنان، بكل تأكيد. حسنًا، إذَن، يجب أن أذهب.»

بخفة، أسرج حصانه، وألقى بنفسه على ظهره، بينما صهلَت خيولٌ حوله بصوتٍ عالٍ لتوديع الحصان. ثم خرج من المكان، ووثَب على الجدار وهبط في رقعة الأقحوان الخاصة بالدكتور لين بو في المكان المجاور.

د. لين بو

المكان الذي كان يُعالج فيه د. لين بو النباتات المختلفة بدا تقريبًا وكأنه غابةٌ طبيعية. كان مليئًا بالأشجار والأزهار من كل نوع يمكن تخيُّله، والتي قد زُرعَت في صفوف، والتي أُلحق بجميعها لويحاتٌ تعريفية فضية أو ذهبية. ترجَّل الجنرال سون با-يو عن ظهر حصانه، وشق طريقه ببطء عَبْر المكان نحو الطبيب. كان المساعد المرافق له قد سبقَه، وبدا أنه قد أخبر الطبيب بكل شيء؛ لأن الطبيب كان واقفًا منتظرًا بمظهر ينمُّ عن عظيم الاحترام، حاملًا صندوقَ دواءٍ ومروحةً حمراءَ كبيرة. رفع الجنرال سون إحدى يدَيه وأشار بها إلى وجهه وقال: «هنا.» أخرج الطبيب مسحوقًا أصفر من الصندوق ونثره على وجه الجنرال وكتفه، ثم بدأ بالتهوية عليه بحماسة. وأثناء قيامه بذلك، بدأ الشيءُ الذي كان يغطي جميع أنحاء وجه الجنرال بالتحوُّل إلى اللون الأحمر وراح يسقط مثل الزغب، وأصبح الجلد ناعمًا تمامًا. ولأول مرة منذ ثلاثين عامًا ابتسم الجنرال.

قال الجنرال بفرح: «حسنًا، إذَن، سوف أغادر. أشعر بأن جسدي أصبح أكثر خفةً أيضًا»، ثم غادر المكان بسرعةٍ شديدة، وقفز على ظهر حصانه الذي كان في انتظاره، وانطلق به بعيدًا. ركَضَ خلفهما ستة مساعدين يحملون أكياسَ دواء ومراوحَ لمساعدة الجنود على التخلص من نفس ذلك الزغب الرمادي.

حارس الحدود الشمالية يصعد إلى السماء

بسرعة الضوء، انطلق الجنرال سون با-يو عَبْر بوابة دكتور لين بو، ومثل الزوبعة، مَرَّ عَبْر مستشفى دكتور لين بوو المجاورة، ثم، تاركًا مستشفى لين با خلفه، عدا بحصانه مباشرةً أسفل التل مرةً أخرى. ونظرًا لأن الحصان كان أسرع خمس مرات من ذي قبل، فقد أصبح الجنرال على الفور تقريبًا على مرأًى من قواته المستريحة. أطلق الجنود، الذين كانوا لا يزالون ينظرون بقلق في الاتجاه الذي ذهب منه، صيحةَ فرح، ووقفوا جميعًا في نفس الوقت عندما رأوه. وفي نفس اللحظة تقريبًا، جاء كبير المخطِّطين، الذي كان قد أُرسل إلى الملك حاملًا رسالةً إليه، عَدوًا من القصر، متجهًا مباشرةً إلى مكان وجودهم.

قال: «إن الملك تفهَّم الوضع تمامًا. حتى إنه، من طيبة قلبه، ذرَف دمعةً عندما سمع عنكم، وهو الآن ينتظر وصولكم.»

في تلك اللحظة، حضر المساعدون ومعهم الأدوية. بفرحٍ نثَر الجنود المسحوق على أنفسهم، واستخدموا بقوةٍ المراوح. نتيجةً لذلك، استعاد جميع الرجال البالغ عددهم تسعين ألفًا على الفور كامل قدراتهم.

أمرهم الجنرال بصوتٍ عالٍ قائلًا: «اركبوا خيولكم!» امتطَوا جميعُهم ظهور خيولهم، وعلى الفور لم يُسمع شيءٌ سوى نخير اثنَين من الخيول المتأخرة.

«تحرَّكوا إلى الأمام!» دقَّت الطبول والأجراس، وتقدَّم الجيش في صمتٍ مهيب. وسُرعان ما تجمَّع التسعون ألف جندي على هيئة مربَّع، مُكوِّنين صفوفًا كلٌّ منها مكوَّن من ثلاثمائة رجل، في فِناء القصر الكبير.

ترجَّل الجنرال عن حصانه، وصَعِد درجات المنصة بهدوء، وسجَد على الأرض.

ثم قال له الملك بصوتٍ رقيق: «لقد جاهدتَ طويلًا وبإخلاص. ألن تبقى هنا من الآن فصاعدًا، لتكون جنرالًا من جنرالاتي، ونموذجًا حيًّا لهم للتفاني في الخدمة؟»

بدموع تنهمر من عينَيه، ردَّ الجنرال سون، حارس الحدود الشمالية، قائلًا: «لقد أسرَتْني كلمات جلالتك الكريمة. في الواقع، أنا لا أعرف في هذه اللحظة كيف يجب أن أرُد عليها. أنا الآن لستُ أكثر من ظل يمشي، شيء لا قيمة له على الإطلاق. طيلة فترة وجودي في الصحراء، كنتُ أمضي بصدر مرفوع بفخر للأمام وعينَين متيقظتَين، منتبهًا دائمًا خشية وقوع أي هجماتٍ مفاجئة علينا من الأعداء. لكن الآن في حضورك الكريم وبكلماتك اللطيفة التي سمعتُها بأذني، أجد نفسي فجأةً لا أستطيع أن أرى بوضوح. وقد أصبح ظهري مَحنيًّا. أتوسَّل لجلالتك أن تسمح لي بالعودة إلى بيتي في الريف.»

«اذكُر لي إذَن أسماء خمسة جنرالات يمكن أن يحلُّوا مكانك.»

على إثر ذلك، سمَّى الجنرال سون با-يو أربعة جنرالات. وبدلًا من الخامس، طلب أن يُعيَّن الإخوة لين الثلاثة كأطباء في الحكومة. وافق الملك على طلبه على الفور؛ لذا، في الحال خلع الجنرال درعه، ونزع خُوذته، ثم ارتدى ثوبًا من الكتَّان الخَشِن. بعد ذلك، عاد إلى القرية عند سَفْح جبل سو حيث وُلد، وقضى أوقاتَه في القيام بأشياءَ مثل زرع القليل من الدُّخْن، وفيما بعدُ، تقليم النبتات. وسرعان ما بدأ الجنرال تدريجيًّا في تناول كمياتٍ أقلَّ وأقلَّ من الطعام، وفي النهاية لم يعُد يأكل سوى كميةٍ صغيرة واحدة من الحبوب التي كان يصادف صعوبةً كبيرة في زرعها، ولكي يسُد جُوعه كان يشرب كمياتٍ كبيرةً من الماء.

بعد ذلك، ومع اقتراب فصل الخريف، توقف تمامًا عن شرب حتى الماء، وغالبًا ما كان يُرى وهو يحدِّق لأعلى في السماء ويُصيبه الفُواق، أو ما شابه.

بعد فترة، على الرغم من أن أحدًا لم يعرف مدتها بالضبط، اختفى عن الأنظار تمامًا. لذلك قال الجميع إن الجنرال الصالح قد ذهب إلى جنة الشباب الأبدي، وبنَوا مزارًا صغيرًا له على قمة جبل سو، ووضعوا نُصبًا تذكاريًّا لحصانه الأبيض هناك معتبرين إياه فرسًا مقدَّسًا. وكانوا يقدِّمون الشموع والدُّخن، ورفعوا راياتٍ من القنب على الأعمدة.

لكن د. لين با، الذي أصبح طبيبًا مشهورًا الآن، كان يقول لكل شخص يقابله: «والآن، أنت لا تعتقد أن الجنرال سون با-يو يمكن أن يعيش عن طريق تنفُّس السُّحب، أليس كذلك؟ لقد فحصتُ الجنرال بنفسي؛ لذلك أنا أعرفُه جيدًا. إن رئتَي الرجل وأمعاءه شيئان مختلفان تمامًا. أراهن أنه في مكانٍ ما، في غابةٍ ما، يمكن إيجاد رُفاته.»

وكان هناك كثير من الناس الذين اعتقَدوا أن الأمر قد يكون كذلك.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤