الكُمَّثرى البرِّية

كان سلطعونان صغيران يتحدَّثان معًا في أعماق المياه المُعتِمة.

«لقد ضحك كرامبون، كما تعلم.»

«لا، لقد قهقه.»

«كان يضحك وهو يرقص.»

«لا، كان يُقهقِه.»

كانت المياه من حولهما وفوقهما زرقاءَ وداكنة. وقد تدفقَت الفُقاعات الداكنة بطول السطح الأملس.

«كرامبون كان يضحك، كما تعلم.»

«لا، كان كرامبون يُقهقِه.»

«لكن لماذا كان يضحك، إذَن؟»

«لا أعرف.»

تدفقَت الفقاعات بعيدًا. السلطعونان الصغيران، أيضًا، أطلق كل واحد منها خمس أو فقاعات ستًّا على نحوٍ متوالٍ. متمايلةً وهي تلمع مثل الزئبق، صَعِدَت الفقاعات بشكلٍ قطري نحو السطح.

مرَّت سمكةٌ فوقهما، وهي منقلبة على بطنها الفضي.

«لقد مات كرامبون.»

«لقد قُتل كرامبون!»

«نعم، لقد قُتل!»

«لكن لماذا قُتل إذَن؟»

قال الأكبر سنًّا من بينهما، مُلقيًا اثنتَين من أرجله الأربعة على جانبه الأيمن أعلى رأس أخيه المُسطَّح: «لا أعرف.»

عادت السمكة مرةً أخرى وذهبَت في اتجاه التيار.

«لقد ضحك كرامبون!»

«نعم، ضحك.»

فجأة، انسكَبَت أشعة الشمس الذهبية داخل المياه كما في الحُلم.

حُزمة من الضوء المنبعث من الأمواج كانت تتمايل من فوق، وقد أخذَت تتمدد وتتقلص على الصخر الأبيض لقاع النهر. كانت الخطوط المستقيمة لظل الفقاعات وقِطع الحُطام تقف على شكل خطوطٍ مائلة ومتوازية في الماء.

في فَورةِ ماءٍ مفاجئة تداخلَت مع الضوء الذهبي من حولهم جميعًا، أخذَت السمكة تسبح عكس التيار مرةً أخرى، وجسدُها يتوهج ببريقٍ غريب له لون الفولاذ.

سأل السلطعون الأصغر محركًا عينَيه كما لو أن الضوء كان يبهره: «لماذا تستمر تلك السمكة في المجيء والذهاب بهذه الطريقة؟»

«إنها تقوم بشيءٍ غير جيد. إنها تصطاد شيئًا ما.»

«تصطاد شيئًا ما؟»

«مم.»

مرةً أخرى سبحَت السمكة في اتجاه التيار. في هذه المرة سبحَت ببطء وبهدوء دون تحريك الزعانف أو الذيل، مما سمح للتيار بسحبها معه وفمُها مفتوحٌ في حلقةٍ دائرية.

فانزلق ظلها أسودَ وساكنًا فوق حُزمة الضوء على مجرى النهر.

«لماذا تقوم السمكة …؟»

ولكن في تلك اللحظة حدث شيءٌ مدهش. مع وابلٍ من الرغوة على السطح، غطس في المياه ما بدا وكأنه رصاصةٌ زرقاء متلألئة.

إن الشيء، الذي رآه الأخ الأكبر بوضوحٍ تام، كان أسوَدَ اللون ومدبَّبًا من أحد طرَفَيه كساق البوصلة. لكن قبل أن يتمكن من فحصها بشكلٍ جيد، صدر من بطن السمكة الباهت وميضٌ من الضوء، وبدا أنها كانت تتجه لأعلى. ثم لم يكن هناك شيء؛ إذ اختفى كلٌّ من الشيء الأزرق والسمكة مُخلِّفَين وراءهما حُزمةَ الضوء الذهبية التي كانت تتمايل والفقاعات التي تتدفق بجانبها.

وقف الاثنان متحجِّرَين في مكانهما، غير قادرَين على قول أي شيء.

ظهر السلطعون الأب.

«ماذا حلَّ بكما، إذَن … لمَ كل هذا الارتعاش؟»

«شيءٌ غريب حدث هنا الآن.»

«أي نوع من الأشياء؟»

«إنه أزرق ولامع. لكن أسودُ ومدبَّب في أحد طرفَيه. مثل هذا. لقد غاص لأسفل وصَعِدَت السمكة لأعلى!»

«هل عيناه حمراوان؟»

«لا أدري.»

«لا تدري، ها؟ … حسنًا، إنه طائر … طائر الرفراف، هكذا يَدْعونه. كل شيء على ما يُرام ولا داعي للقلق. ليس له علاقة بنا.»

«لكن إلى أين ذهبت السمكة؟»

«السمكة؟ لقد ذهبَت إلى مكانٍ ما بغيض.»

«أبي، أنا خائف.»

«حسنًا، اهدأ. كل شيء على ما يُرام. توقف عن القلق. انظر هناك، بعض أزهار البتولا قد جاءت تطفو فوق. أليست جميلة؟»

كان حشدٌ من البتلات البيضاء ينساب مع الفقاعات.

قال الأخ الأصغر: «أبي، أنا خائفٌ أيضًا.»

تمايلَت حُزمة الضوء وهي تتمدَّد وتتقلَّص، وانزلَقَت ظلال البتلات بهدوءٍ فوق الرمال.

الشهر الثاني عشر

أصبح السلطعونان الصغيران أكبر بكثيرٍ الآن، وتغيَّر المشهد بشكلٍ كامل في قاع النهر من الصيف إلى أواخر الخريف.

كانت حصًى بيضاء ملساء قد انتهى بها الحال في القاع؛ وقد حمل التيار شظايا صغيرة وحادَّة من البلور وشظايا من الميكا وسقطَت هناك.

على السطح، بدت الأمواج وكأنها نيرانها الزرقاء الباهتة تُومض وتخمُد بالتناوب. وفي أعماق المياه الباردة كان ضوء القمر الذي يشبه لونُه لونَ زجاجةٍ خضراء يتخلل كل شيء. وكانت كل الأنحاء يسودها الصمت، باستثناء صوت الأمواج القادم من مسافةٍ بدت بعيدةً جدًّا.

كان ضوء القمر ساطعًا بشدة والمياه صافية جدًا لدرجة أن السلطعونَين الصغيرَين، بدلًا من الذهاب للنوم، خرجا وبقيا هناك بعض الوقت، صامتَين ينفُخان الفُقاعات ويراقب السطح أعلاهما.

قال الصبي الأكبر: «فقاعاتي أكبر، تمامًا كما تتوقع.»

قال شقيقه: «لا … أنت تنفُخها كبيرة عن قصد. أستطيع أن أنفُخها كبيرة أيضًا، إذا بذلتُ مجهودًا أكبر.»

«انطلِق، إذَن. أرِني … هذا كل ما تستطيع فعله. هيا، راقب، … سوف أنفُخ البعض الآن. هل ترى؟ إنها كبيرة، أليست كذلك؟»

«إنها ليست أكبر. إنها بحجم فقاعاتي.»

«فقاعاتك تبدو كبيرة لأنك قريبٌ منها. دعنا نحاول أن ننفُخها معًا. حسنًا؟ لنبدأ!»

«لكن فقاعاتي أكبر … انظر.»

«هل تعتقد ذلك؟ إذَن سوف أنفُخ مزيدًا منها.»

«هذا ليس عدلًا! يجب ألا تتمدَّد هكذا.»

ظهر السلطعون الأب مرةً أخرى.

«هيا تعالَا، لقد حان وقت الذهاب للفراش! الوقت متأخر … لن أدعكما تخرُجان غدًا.»

«أبي، أيٌّ منا ينفخ الفُقاعات الأكبر؟»

«عجبًا، أخوك، على ما أعتقد. أليس كذلك؟»

قال الأخ الأصغر وهو على وشك البكاء: «كلا، الأمر ليس كذلك! فُقاعاتي أكبر من فُقاعاته!»

في ذلك الوقت، حدث هناك تناثر كبير.

جسمٌ كبير، ومستدير وداكن سقَط من السطح، وغاصَ لأسفل، ثم طفا لأعلى مرةً أخرى، مصحوبًا بوميضٍ من البقع الصفراء.

صرخ السلطعونان الصغيران، مع جذب رأسَيهما للداخل: «طائر الرفراف!»

مد والدهما عينَيه وكأنهما تلسكوبان إلى أبعد نقطةٍ يمكن أن تصلا إليها، وألقى نظرةً فاحصة وقال:

«لا، ليس الأمر كذلك، إنها ثمرةُ كُمَّثرى برية. إنها تطفو بعيدًا … دعونا نلحق بها. مم، رائحتها طيبة!»

كانت المياه من حولهم بالفعل مليئة برائحة الكُمَّثرى البرية.

ذهبَت السلطعونات الثلاثة وراء ثمرة الكُمَّثرى وهي تطفو في الماء. بدت السلطعونات المائلة على جانب وكأنها تتمايل، في أزواج، برفقة ظلالها السوداء فوق قاع النهر، وهي تتبع الظل الدائري للكُمَّثرى البرية.

على الفور تقريبًا، بالرغم من ذلك، بدأَت المياه تُبقبِق، وأطلقَت الأمواجُ على السطح وميضًا أزرق أكثر من ذي قبل، ومالت الكمَّثرى على جانبها، ثم توقفَت؛ إذ علقَت في الأغصان المنخفضة لشجرة يلعب من حولها أقواس قزح ضوء القمر.

«هناك، انظرا … إنها كمَّثرى برية. إنها جميلة، وناضجة ورائحتها طيبة، أليس كذلك؟»

«تبدو جيدةً بما يكفي لتناوُلها الآن يا أبي.»

«انتظرا فقط بعض الوقت. يومان آخران وستنزل إلى القاع، ثم ستُنتِج بعض النبيذ اللذيذ … كل ذلك من تلقاء نفسها، دون أن نفعل أي شيء على الإطلاق. هيا، الآن، دعونا نعود إلى المنزل للنوم!»

عاد السلطعونات الثلاثة، الأب والابنان، إلى منزلهم حيث الحُفر التي يعيشون فيها.

ومضت الأمواج على نحوٍ أكثر سطوعًا، مصدرةً نيرانًا زرقاء شاحبة، تمامًا كما لو كانت تزفر غبارًا من الماس.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤