في أعماق الغابة

قال: «أسلافنا، الآن … في نحو الوقت الذي نزلَت فيه الطيور لأول مرة من السماء، كانت جميعها بيضاء تمامًا.»

كانت أمسيةً هادئة بلا رياح، والمنجل الذهبي كان يلمع عاليًا في السماء الغربية، وكان المتحدث ذكَر بومٍ عجوزًا يجلس على غصنٍ منخفض لشجرة صنوبر في الغابة.

لكنني لم أكن واثقًا كثيرًا فيما كان يقوله ذكَر البوم. للوهلة الأولى، بوجنتَيه المنتفختَين وميله لعدم الحديث ثم حديثه الجدي، وعيناه المفتوحتَين على مصراعَيهما طوال الوقت ورأسه الضخم الذي كان يومئ به هناك في ظلال الشجرة ذات اللون الأزرق المائل إلى الأسود — عجبًا — بدا صادقًا وموثوقًا به بشدة لدرجة أن أي شخص كان يمكن أن يُخدع في البداية. غير أنني لم أكن لأثق به بتلك السهولة.

بالرغم من ذلك، في هذا المساء الساكن، وتحت الوميض الفضي لضوء القمر، شعَرتُ بالفضول للتوقف والاستماع إلى ما كان على الطائر العجوز الكبير أن يقوله؛ إذ في ضوء ما سمعتُه بالفعل، قد تكون هي القصة الشهيرة عن طائر الحِدَأة الذي كان يمارس الصباغة. وقد كان من الممتع معرفةُ ما إذا كان بإمكانه المُضي فيها دون الوقوع في أي تناقُضات. لذلك حافظتُ على الجدية في وجهي قَدْر الإمكان وقلت:

«حسنًا … لقد تساقطَت الطيور من السماء كالمطر، أليس كذلك؟ وكل واحدٍ منها كان أبيض اللون، ها؟ إذَن كيف أصبحَت جميعها مختلفةً كما هي عليه الآن … أعني، بعضها بلون صدف السلاحف والبعض الآخر أحمر، والبعض الثالث أسود اللون؟»

عندما بدأتُ في الكلام، كان ذكَر البوم العجوز قد رمش بعينَيه بسرعة وكأنه يقول إنني ابتلعتُ الطُّعم بلطف، لكن عندما قلت «بلون صدف السلاحف»، تجهَّم فجأة.

«الآن لقد خرجت بعيدًا عن الموضوع. «لون صدف السلاحف» يُستخدم مع القطط. لا تُوجد أي طيور بلون صدف السلاحف.»

هذه المرة كان أنا من شعَر بأنه قد ابتلع الطُّعم.

لذلك قلتُ متعجرفًا: «لذا … كان لا يُوجد إذَن قططٌ بين الطيور؟»

عندها تمَلمَل البوم بامتعاض قليلًا، فاغتنمتُ الفرصة.

وقلتُ: «أنا متأكد بأنني قد سمعتُ بوجود قط بين الطيور. صقر الليل ذكَر واحدًا والغراب أيضًا.»

حاول البوم تجاوُز هذا بابتسامةٍ كئيبة.

وقال: «يبدو أن لديك معارفَ كثيرة.»

لكنني لم أكن لأدعه يُفلِت بهذا.

فقُلت: «على أي حال، هل كان يُوجد واحد؟ أم كان صديقك صقر الليل يكذب؟»

تمَلمَل البوم لبعض الوقت.

وقال فجأةً قبل أن يستدير جانبًا: «حسنًا، إنه لقب.»

صِحت متعجبًا: «أوه! لقب؟ أتساءل لمن كان. لمن، ها؟ هيا أخبرني من هو!»

كان ذكر البوم في ذلك الوقت قد أنزل أحد مخالبه من الفرع الذي كان يقف عليه، وكان يرفعه عاليًا ليفحصه في مقابل القمر، وهو يشعر بالضيق بشكل رهيب. لكن أخيرًا وبأكثر النظرات البغيضة التي يمكن أن يستجمعها، اضطُر إلى الاعتراف قائلًا:

«أنا.»

«لقد فهمت. إنه اسم شهرتك، ها؟ إذَن يُطلِقون عليك اسم «القط»، أليس كذلك؟ إنك لا تشبه القط ولو قليلًا.» وألقيتُ نظرةً طويلة على وجهه، معتقدًا طوال الوقت بأن هذا هو ما كان يبدو عليه بالضبط.

بدا فجأةً ذكَر البوم، الذي كان قد أشاح بوجهه عني، وكانت عيناه تطرفان كما لو كان بسبب الانبهار بضوء القمر، وكأنه على وشك البكاء.

شعرتُ بالخجل الشديد. لم أقصد أن أجعل هذا المخلوق المسكين يبكي بالفعل من جرَّاء مضايقتي الخرقاء له. علاوةً على ذلك، سيكون من المؤسف مضايقتُه بحيث لا يسردُ القصة التي كان قد بدأ فيها بسعادةٍ بالغة.

قلتُ له: «على الرغم من ذلك، إذا فكَّرتَ بالأمر فإنه بالفعل تُوجد كل أنواع الطيور بشتى أنواع الأشكال والأصوات، لكن من المحتمل جدًّا أنها كانت جميعُها بيضاء بالفعل يومًا ما. أتساءل كيف أصبحَت مختلفة جدًّا. من المعروف أن مالك الحزين واللقلق ناصعا البياض حتى الآن؛ لذا أعتقد أن بعض الطيور قد بَقيَت على حالها. …»

بينما كنتُ أتكلم، وجَّه ذكَر البوم وجهه نحوي تدريجيًّا، وكان الآن يومئ برأسه قليلًا بالموافقة.

وقال: «أنت مُحقٌّ تمامًا في افتراضاتك. كان يُوجد في الواقع قَدرٌ كبير من الارتباك، عندما كانوا جميعًا باللون الأبيض.

على سبيل المثال، كان طائر الدرَّاج يُنادي طائرًا آخر من الخلف قائلًا: «طاب نهارك، يا سيد قرقف»، وكان ينظر الطائر الآخر حوله بتعبيرٍ غريب، فيرى أنه كان طائر سسكين. أو ربما بعض الطيور الصغيرة كانت تقف على شجرة وتُنادي على طائرٍ آخر رأوه قادمًا من بعيد: «مرحبًا بك، يا سسكين!» فقط لجعل الطائر الآخر يطير في غضب لأنه في الواقع كان طائر دُرسة المرج.

لم يشعُر الطيور بالإهانة فحسب، لكن أيضًا شئونهم العملية كانت في بعض الأحيان تتعقد للغاية لدرجة أنهم كانوا يُضطرُّون إلى استدعاء القاضي كوندور، حسبما يُقال؛ وحتى هو لم يكن بإمكانه حل المشكلات.»

قُلت: «يمكنني تخيُّل ذلك. لا بد أنه كان أمرًا صعبًا للغاية. إذَن، ماذا حدث بعد ذلك؟» في الواقع، ما إن سألتُه هذا السؤال حتى لاحظتُ أن ورقة شجرة بلوط ليست ببعيدة، كانت تهتز وتلمع تحت ضوء القمر، فأخذتُ أتساءل لماذا تهتزُّ ورقة شجرة بلوط من تلقاء نفسها.

غير أن ذكَر البوم، الذي لم يلاحظ هذا الانقطاع في الانتباه، بدا سعيدًا، وواصل ببطءٍ سَرْد قصته.

«لذلك كانت جميع الطيور تقول في نفسها بيأس: ما لم نتمكن من إيجاد طريقة للخروج من هذا المأزق، فهذا سيعني نهاية حضارة الطيور.»

«مم، أعتقد أنها كانت ستعني هذا. على أي حال، ماذا حدث بعد ذلك؟»

«بدأ طائر الحِدَأة، الذي رأى كيف كانت تسير الأمور، عملَه كصبَّاغ.»

وجدتُ نفسي أبتسم، إذَن في النهاية كانت تلك هي قصة طائر الحِدَأة. بدا ذكَر البوم متفاجئًا بعض الشيء، فسألتُه على عَجَل:

«لقد بدأ طائر الحِدَأة متجرَه في مجال الصباغة، أليس كذلك؟ بلى، بالطبع … لديه سيقانٌ طويلة، تلك التي أتخيل أنها لا بد قد ساعدَتْه عندما كان يُمسك بالأشياء ويغمسُها في وعاء الصبغة.»

«هذا صحيح، وكان جيدًا جدًّا في ذلك أيضًا. بالطبع، بدأ بعمل كل ذلك بهدف تحقيق الربح، ولكن، نعم، كانت سيقانه تلك مناسبة تمامًا لوضع الطيور في وعاء الصبغة.»

أدركتُ بفزَع أن ما أسميتُها «الأشياء» التي كان يجب صبغها كانت بالطبع الطيور نفسها؛ كان هذا يكفي لإثارة غضب أي طائر بوم. شعَرتُ بالتوتر، لكن طائر البوم تابع حكايته. في الواقع، بدا أنه كان مستمتعًا بوقته؛ لأنه لم تكن هناك ريحٌ في تلك الليلة، وكانت الغابة ساكنةً مثل بركة طاحونة، وكان هناك منجلٌ فضي عجوز في السماء الغربية، بينما كانت أشجار البلوط والصنَوبَر وباقي الأشجار تقف صامتة؛ إنها لم تكن بنائمة لكنها كانت تستمع، كما بدا، لقصته.

«لن تتصور مدى سعادة الطيور. الطيور الصغيرة التي كان دائمًا يحدُث الخلط بينها — عصافير الدوري، وطيور القرقف، وطيور النمنمة، والطيور البيضاء العيون، وطيور الدُّرسة، وطيور البيوي، وطيور دخلة الأدغال — زقزقَت جميعُها بصوتٍ عالٍ، وقفزَت في أرجاء المكان بسرور، ثم انطلقَت مباشرةً إلى متجر طائر الحِدَأة الخاص بالصباغة.»

لقد أصبحتُ مهتمًّا بشدةٍ الآن بالقصة.

فقلتُ: «لقد فهمتُ. جميع الطيور ذهبَت لتصبغ نفسها، أليس كذلك؟»

«لقد فعلَت ذلك بالتأكيد! حتى الطيور الكبيرة كالنَّسر واللقلق، سارت جميعها إلى متجره. وأرادت كلها أن تُصبَغ بشكلٍ مختلف. كان أحدهم يقول: «بالنسبة لي أريد شيئًا بسيطًا للغاية يا صديقي الطيب.» وكان آخر يطلب قائلًا: «لا شيء مبهرج؛ فقط رماديٌّ ملائم على الأكثر.» وكان لدى طائر الحِدَأة من المهارة ما مكَّنه من أن ينجز كل شيء كما كان يُطلب منه دون إبعاد أي أحد.

لقد حفر خمس حُفَر مستديرة في الطين أمام ضفة التربة الحمراء بجوار النهر وأذاب الصبغات فيها. ثم كان يُمسك الطائر بإحكام في منقاره، ويغمسه، وهو واقف وساقاه متباعدتان، في السائل. الشيء الذي كان الأصعب على الاطلاق، والذي بدا أكثر سوءًا، كان صبغ الرأس والوجه. كان بإمكانك صبغ الرأس بغمس الطائر في وضع مقلوب، لكن عند صبغ الوجه كان عليك وضع المنقار في سائل الصبغة، وهو الأمر الذي بدا أن جميع الطيور كانت تجد صعوبة في تحمُّله.

إذا أخذتَ نَفسًا في اللحظة الخاطئة، فإن سائل الصبغة — الأسود أو الأحمر أو غيرهما — سيدخل إلى معدتك حتى يصل إلى أحشائك. لذلك كان لا يُوجد حل سوى أن تكون متأكدًا من ملء صدرك بكميةٍ جيدة من الهواء — كما هو الحال في تمارين التنفس العميق — قبل غمس وجهك في سائل الصبغة ثم إخراج الهواء الفاسد بمجرَّد الانتهاء من الأمر. ومع ذلك، يقولون إن الطيور الصغيرة، برئتَيها الصغيرتين جدًّا بحيث لا تستطيع حبس أنفاسها لفترة طويلة، كانت تدفع برءوسها إلى خارج السائل وهي تُزقزِق بذعر كما لو أنه كان يُحاوِل قتلها. لذلك بطبيعة الحال كان من الصعب صبغ وجوهها. فالطائر الأبيض العينَين، على سبيل المثال، ترك أجزاءً بيضاء حول عينَيه دون أن تُصبغ، وهكذا الحال بالنسبة لطائر الدُّرسة ولكن على خدَّيه.»

ظننتُ أنه من المُسلِّي لي التقاط قليل من الهفوات في هذا السرد.

فقلتُ: «أتساءل، على الرغم من ذلك. … أنا شخصيًّا أظن أن بعض أجزاء هذين الطائرَين تُركَت بيضاءَ لأنهما أرادا أن تكون كذلك.»

بدا ذَكَر البوم مرتبكًا قليلًا، وأنعم النظر في أعماق الغابة المظلمة من خلفه قبل أن يقول:

«لا، أخشى أنك مخطئٌ هنا. أنا متأكد من أن سبب ذلك هو أن لديهما رئتَين صغيرتَين.»

قلتُ في نفسي: لقد نلتُ منك.

سألتُه: «إذَن لماذا لدى هذين الطائرَين بُقعٌ بيضاء لها الشكل نفسه في المكان نفسه على جانبَيها؟ إنها مصادفةٌ عجيبة. إذا كانتا قد توقفتا عن الصباغة لأنهما لم تتمكنا من حبس أنفاسهما لوقتٍ أطول، فعليك أن تتوقع أن يكون لديهما، لنقُل، بياضٌ حول العين من جانبٍ واحد وعند أعلى الجبهة على الجانب الآخر.»

أغلق البوم عينَيه لبرهة. كان القمر شديد السطوع بلونٍ مائل إلى الأزرق كالرصاص.

في النهاية، فتح عينَيه وقال بصوتٍ أكثر هدوءًا:

«أتصوَّر أنهما قد صبغَتا الجانبَين بشكلٍ منفصل.»

ابتسمتُ. وقلت: «إذا فعلتا كذلك، فهذا يجعل الأمر أكثر غرابة، أليس كذلك؟»

قال ذكَر البوم بهدوء ورباطة جأشٍ شديدَين مرةً أخرى: «لا يُوجد ما هو غريب في ذلك. إن حجم الرئتَين يبقى كما هو طوال الوقت؛ لذا ينفَد الهواء منهما عند النقطة نفسها.»

قلتُ: «همم، أعتقد ذلك. …» من الناحية النظرية على الأقل كانت حُجَّته منطقية. لقد خرج الرفيق من المأزِق ببراعة.

بدأ ذَكر البوم الكلام مرةً أخرى: «وهكذا …»، ثم صمت. لقد شعرتُ أنه قد تضايق من الجدال، ولم يعُد يشعر بالرغبة في المتابعة. هذا جعلني أشعر بالأسف تجاهه مرةً أخرى.

قلتُ له: «إذَن فقد استمَرَّ في ذلك بثبات، ولم يترُك سوى طيور الغرنوق ومالك الحزين التي لم تُصبغ قَط، أليس كذلك؟»

«أوه، أنت مخطئٌ هنا أيضًا؛ بالنسبة لطائر الغرنوق، فقد طلب إضافة لطخةٍ سوداءَ صغيرة في الطرف العُلوي من ذيله. وقد حصل على ما أراده بالضبط.»

ابتسَم ذكَر البوم ابتسامةً عريضة. لقد استغل بمهارةٍ سؤالي لصالحه، هكذا اعتقدتُ وأنا أشعر ببعض الضيق. لكن في نهاية الأمر كنتُ قد طرحت السؤال بقصد أن أشجِّعه في المقام الأول؛ لذلك أومأتُ برأسي دون أن أقول أي كلمة.

«إن طائر الحِدَأة أصبح أكثر رضًا عن نفسه. لقد كسب كثيرًا من المال، وأخذ يتصرَّف بغرور؛ ففي الواقع، بدأ يتصرَّف كما لو كان أحد أعظم المحسنين الذين عرفَتْهم الطيور على الإطلاق، وفقد الاهتمام بعمله. لقد صبَغ نفسه، بالطبع، بخطوطٍ رائعة زرقاء وصفراء، وكان فخورًا جدًّا بها، أيضًا.

ومع ذلك استمَر، على مضض، في أداء مهمتَين أو ثلاث يوميًّا، لكن العمل كان غيرَ مُتقَن. ففي حال أنك طلبتَ منه أن يصبغك بنقشٍ جميل بألوان البني والأبيض والأسود، فإنه كان سيُغفِل اللون الأسود، أو إذا طلبتَ منه أن يصبغك بخطوطٍ حمراء وسوداء فإنه كان سيأتي بشيءٍ غير منسَّق كتلك العلامات الموجودة على طائر السنونو. كان العمل قد أصبح عبئًا كبيرًا عليه. وفي الواقع، في النهاية لم يتبقَّ سوى حَفنة من الطيور دون صبغ. الغراب، ومالك الحزين، والبجعة؛ فقط هؤلاء الثلاثة.

كان الغراب يأتي ليضايقه كل يوم: «ستفعل ذلك حقًّا اليوم، أليس كذلك؟»

فكان طائر الحِدَأة يرُد دائمًا: «تعالَ غدًا، وحاوِل مرةً أخرى.»

وهكذا استمَر طائر الحِدَأة في تأجيل صبغ الغراب حتى غضب الغراب أخيرًا، وذات يوم قال له بجدية: «ما الذي تعتقد أنك تفعله؟ لقد أتيتَ إلى هنا لأنك وضعتَ لافتةً مكتوبًا عليها «صبَّاغ». إذا كنتَ بصدد إغلاق المتجر، فأغلِقه. لا يمكنك الاستمرار في تأجيل الأمور إلى الأبد. إذا كنت ستصبغني، إذَن فتعالَ وافعل ذلك الآن. إذا لم يكن الأمر كذلك، إذَن … حسنًا، فستعرف ذلك قريبًا!»

كان طائر الحِدَأة يُماطِل كالمعتاد، لكن فَورة الغضب هذه جعلَتْه يفكر قليلًا. حتى وإن ترك عمله فلن يكون لديه نقص في المال، لكنه كان لا يزال يتُوق إلى الشهرة. من جهةٍ أخرى كان يشعر بأنه بحاجة للراحة. قال وهذه الأفكار تدور في رأسه:

«مم، دعنا نرى. كيف ترغب أن يُجرى صبغك بالضبط؟»

عند ذلك هدأ الغراب قليلًا.

وقال: «أرغب في بُقعٍ كبيرة باللونَين الأسود والأرجواني. نمط أنيق حقًّا، شبيه بذلك الذي يُوجد على ديباج كيوتو.»

ضايَق ذلك طائر الحِدَأة ثانيةً. فوقف على الفور وقال:

«حسنًا. سوف أصبغُك. خذ نفسًا عميقًا.»

وقف الغراب بسرور، وملأ صدره بالهواء بقَدْر ما يستطيع.

«تمام … جاهز؟ أغلق عينَيك.» أمسك طائر الحِدَأة الغراب بإحكام بمنقاره، وغمسه كله مباشرةً في وعاء الحبر الصيني. كافح الغراب وكافح خوفًا من ألا يحصل على البقع الأرجوانية التي كان يريدها، لكن طائر الحِدَأة ما كان ليسمح له بالإفلات؛ وعندما تمكَّن الغراب أخيرًا من الخروج، وهو يبكي ويصرخ، كان أسود بالكامل. وفي حالة من الغضب طار مباشرةً من متجر الصباغة وذهب باتجاه منازل كل معارفه، وأخبرهم كم كان طائر الحِدَأة فظيعًا. بحلول ذلك الوقت، كانت قد سئمَت معظم الطيور الأخرى أيضًا من طائر الحِدَأة، فساروا جميعًا إلى متجره، ووضعوه هذه المرة في وعاء الحبر الصيني. تركوه لفترةٍ طويلة فيه إلى أن فقد وعيه في النهاية. ثم وبعد سحبه خارج الحبر وهو لا يزال فاقدًا للوعي، حطَّموا لافتتَه إلى قِطعٍ صغيرة، وذهبوا في طريقهم وهم يضحكون.

في وقتٍ لاحق، تمكَّن طائر الحِدَأة من استرداد عافيته بعض الشيء؛ لكنه كان قد أصبح عندها أسودَ تمامًا.

وتُرك مالك الحزين والبجعة باللون الأبيض الناصع.»

عندما توقف عن الحديث، التفَت ذكَر البوم بصمت لمواجهة القمر.

فقلتُ له: «لقد فهمتُ. لقد فهمتُ الآن. لكن إذا تأملنا الأمر، فقد كنتَ محظوظًا لأنك صُبغتَ في وقتٍ مبكر، أليس كذلك؟ أعني أن النمط الذي حصَلتَ عليه كان رائعًا بشدة. …»

أثناء حديثي نهَضتُ، وتركتُ ذكَر البوم، وتوجَّهتُ مباشرةً إلى المنزل عَبْر ضوء القمر الزئبقي اللون الشديد السطوع والظلال السوداء للأشجار.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤