اللعب بورق موسوم

قال ميليش في الصباح الباكر لأحد الأيام مُحدِّثًا المقامر المحترف بوني رويل: «يزعجني أمر ذلك الشاب اليافع.»

«لماذا؟»

«إنه يأتي إلى هنا الليلة تلو الأخرى، وأرى أنه يَخسر من المال أكثر مما يُمكنه أن يتحمَّل. ولا دخلَ لديه — حسبما استطعتُ أن أجمع من معلوماتٍ عنه — إلا ما يَتقاضاه كراتب له، والأمر يتطلب راتبًا أكبر بكثير مما يَتقاضاه لكي يَتمكَّن من تحمُّل وطأة الضغط المادي الذي يضعه على نفسه.»

«وماذا يعمل؟»

«إنه صرَّاف في بنك ناينث الوطني. ولا أعلم مقدار ما يتحصَّل عليه من المال، لكن لا يمكن أن يكون كافيًا ليسمح له بالمضيِّ قدمًا على هذا النحو.»

هزَّ بوني رويل كتفيه.

«إن كنت مكانك يا ميليش، فلا أعتقد أنني كنت سأدع أمره يُزعجني.»

«لكنه يُزعجني على أيِّ حال. لقد نصحتُه بأن يتوقَّف عن المقامرة، لكن لا فائدة من ذلك. وإذا أمرت حارس الباب ألَّا يُدخِله، فإنَّ كل ما هنالك أنه سيذهب إلى مكان آخر لا يكون صاحبه مدققًا مثلي.»

«ينبغي أن أعترف بأنني لا أفهمك يا ميليش، وذلك بقدر معرفتي الطويلة بك. لو كنت مكانك الآن، لهجرتُ أمرًا من اثنين: إما امتلاك صالة قمار وإما الاتجاه نحو الإصلاح الأخلاقي. لم أكن لأحاول امتطاء صهوة جوادَيْن مُختلفَي الطباع في آنٍ واحد.»

قال ميليش بنبرة توبيخ في صوته: «لم أُحاول قطُّ إصلاحك أخلاقيًّا يا بوني.»

«لا، أقرُّ لك بالفضل في حصافة ما فعلت.»

«لا بأسَ مع أشخاص محنَّكين مثلي ومثلك يا بوني، لكن بالنسبة إلى شابٍّ في مُقتبَل حياته، فالأمر مختلف. والآن خَطرَ لي أنك ربما تستطيع أن تُساعدَني في هذا الأمر.»

قال رويل وهو يدسُّ يديه عميقًا في جَيبَي بنطاله: «أجل، هذا هو ما اعتقدتُ أنك ترمي إليه. تذكَّر أنني لست بمُبشِّرٍ. ماذا تُريدني أن أفعل؟»

«أريدُكَ أنْ تُلقِّنه دَرْسًا قاسيًا. ألَا تستطيع أنْ تُعلِّم مجموعة من الأوراق وتجعله يُقامر بمبالغ كبيرة؟ وبعدها، عندما تأخذ كلَّ ما لديه من مالٍ ويصبح مَدينًا بِدَين ثقيل، ترد إليه مالَه إذا قطع على نفسه عهدًا بألَّا يعود إلى المقامرة مجددًا.»

أشاحَ رويل بنظره نحو الشخص موضوع محادثتهما. وقال: «لا أظنه ماهرًا للدرجة التي تجعلني في حاجةٍ إلى تمييز أوراق اللعب. سأكتسحُه إذا ما أردت. لكن، لن يُجدي الأمر نفعًا يا ميليش. انظر إلى عينَيه. إنَّ الولعَ بالمقامرة واضحٌ فيهما. كنت أعتقدُ أنني إذا حصلتُ يومًا على مائة ألف دولار فسوف أتوقَّف عن المقامرة. والآن أنا ناضجٌ بما يَكفي لأعلم بأنني لن أتوقَّف أبدًا. سأظلُّ أقامر حتى ولو كنت أملك مليون دولار.»

«لقد توقفتُ عن القمار بعد أن أصبحت في عمرك.»

«أوه، أجل يا ميليش، أنت الاستثناء الفاضل الذي يثبت القاعدة. لقد توقفت عن القمار بنفس الطريقة التي تُدير بها النساء المتقدمات في العمر إحدى الحانات.» ثم جالَ رويل بنظرِه في الغرفة التي تعجُّ بالرجال.

ابتسم ميليش ابتسامة مُتجهِّمة نوعًا ما ثمَّ أطلق تنهيدة وقال: «أتمنَّى لو أنني كنت بعيدًا عن هذا الأمر تمامًا. لكن، فكِّر فيما كنت أحدثك بشأنه على أيِّ حال، وفيما إذا كنت تستطيع أن تُلقِّنه الدرس القاسي الذي أريد.»

«حسنًا، سأفعل، لكنَّني سأفعل ذلك لكي أُريحَ ضميرك المرهف يا ميليش، ليس إلا. وصدقني أن الأمر لن يُجدي نفعًا. فحين تلدغُ الأفعى لدغتها، يكون ضحيتها هالكًا لا محالة. والقمار ليس بشيء بسيط كإدمان الأفيون.»

•••

نهضَ صرَّافُ البنك ريجي فورم أخيرًا من مقعده على طاولة الروليت. وكان يغمره إحساسُ الفوز، ذلك أن المبلغ الذي أتى به قد زاد زيادةً كبيرة الآن. وقد أطرى على نفسه بأنَّ ذلك الفوز كان نتيجة النهج الذي درسه جيدًا.

ولا شيءَ يستدرج المرءَ أسرع إلى الهلاك من نهج يُمكن إثباته رياضيًّا. فهذا النهج يضفي على المقامرة طابعًا مهنيًّا، وهو أمر مريح لضمير شخص نشأ على دراسة الإحصاء. ومثل هذا النهج عادةً ما يعمل على نحو جيد في البداية، ثم يَنزلق أحد التروس فتجد نفسك عالقًا في الآلة قبل أن تعرف أين موضعك. ندمًا غادر فورم الشاب طاولة الروليت، شعرَ بيدٍ على كتفه، فالتفتَ ليجد بوني رويل ينظر إليه نظرة هادئة.

وعلَّقَ المقامر المحترف بنبرةٍ هادئة قائلًا: «أرى أنكَ حديث العهد بالأمر.»

فسأله الشابُّ: «لماذا تعتقد ذلك؟» وقد تغيَّر لونه؛ ذلك أن المرءَ يحب أن ينظر إليه الآخرون على أنه مخضرم، لا سيَّما حين يكون غير محترف.

«لأنك تهدر وقتك على طاولة الروليت. تلك لعبة للصبيان والنساء. هل لديك الشجاعة والثقة الكافيتان لكي تخوض لعبة حقيقية؟»

«وما هي تلك اللعبة الحقيقية؟»

«لعبة ورق في حجرة خاصة على مبالغ أكبر من نصف دولار.»

«أكبر من كم؟»

«هذا حسب ما تملك من مال. كم تملك من المال؟»

تردَّدَ الصرَّاف لحظةً وأشاحَ بنظره بعيدًا عن عين رويل الحازمة الهادئة، التي بدَتْ وكأنَّ لديها عادةً مزعجةً وهي النظر في أعماق المرء وبواطنه.

«يُمكنني أن أحضر ألف دولار مساء يوم السبت.»

«حسنًا. سيكون هذا كافيًا كبداية. أهذا موعدٌ إذن؟»

«أجل، إذا أردت ذلك. في أي وقتٍ إذن؟»

«إنني آتي في الغالب متأخرًا، لكن يمكنني أن أقوم باستثناءٍ من أجلك. ما رأيُك في العاشرة مساءً؟»

«سيُناسبني هذا.»

«حسنًا، إذن. لا تُبدد أموالك أو رباطة جأشك حتى آتيك. ستكون في حاجة إلى كليهما.»

•••

بدأ المُقامر المحترف والشاب الهاوي سلسلة جولاتٍ من اللعب بعد بضع دقائق من تمام العاشرة في حجرة خاصة صغيرة. وزاد شعور الشاب بالإثارة مع استمرار لعبهما معًا. أما بالنسبة إلى بوني، فقد كان هادئًا في ظل أي ظروف. وقبل أن تنقضي ساعة على ذلك، تحوَّل مبلغ الألف دولار من ملكية فورم إلى جيب المقامر المُحترِف، وبحلول منتصَف الليل كان الشاب يَدين لرويل بألف دولار أخرى.

قال رويل بنبرةٍ هادئة: «ليس من عادتي أن ألعب مع رجل إلا إذا كنتُ أرى المال في حوزته. وقد منحتُكَ استثناءً في ذلك؛ إذ لم يكن الحظ في صالحك الليلة، لكن أعتقد أنَّ هذا يكفي. يُمكنك أن تحضر لي مبلغ الألف دولار الذي تَدين لي به في أي يوم خلال الأسبوع القادم. لست في عجلة من أمري، كما تعلم.»

بدا الشاب اليافع مذهولًا. مسحَ بيده على جبهته وقال بنبرة آلية وكأنه استمع إلى تعليق خصمه للتو:

«لست في عجلة من أمرك؟ حسنًا. الأسبوع القادم. بكل تأكيد. أظن أنني سأذهب إلى المنزل الآن.»

غادر فورم المكان، تاركًا رويل جالسًا إلى الطاولة الصغيرة يخلط الورق بفتور وعدم اكتراث. وفي اللحظة التي اختفى الشاب فيها اختفى فتور رويل وتلاشى. هبَّ رويل من مكانه وارتدى معطفه ثم انسلَّ من المخرج الخلفي إلى الشارع. كان قد تخيَّل ما سيقوم به فورم تمامًا. وقد تتبَّعه ذهنيًّا من غرفة المقامَرة إلى النهر، بل إنه ذهب إلى أبعد من ذلك فتخيَّل أنه سيسلك شوارع بعينها في طريقه إلى هناك. ولا يكون المقامر مقامرًا إذا لم يكن يؤمن بالخرافات؛ ولذا لم يُفاجأ رويل على الإطلاق عندما رأى الشاب وهو يخرج من السُّلَّم المظلم، ويقف مترددًا للحظة بين الاتجاهين السانحَيْن أمامه، وفي النهاية يختار الاتجاه الذي توقَّع المقامر أنه سيَسلُكُه. كانت الشوارع الباردة خالية من المارَّة؛ ومن ثمَّ واجَهَ رويل صعوبةً أكبر في تعقبه عمَّا لو كان يتعقبه في وقتٍ سابق من المساء. وظنَّ الرجل لمراتٍ عديدة أنَّ الشابَّ قد أدرك أنَّ هناك مَنْ يتعقبه؛ ذلك أن فورم توقَّف ونظر حوله؛ بل إنه في مرة من ذات المرات عادَ أدراجه ليسلك شارعًا آخر وكأنه يُحاول أن يُضلِّل الرجلَ الذي يتعقبه.

•••

بدأ رويل يُدرك صعوبة المهمة التي أوكَلَها إلى نفسه، ونظرًا لأنه لم يكن يؤمن بها على أيِّ حال، بدأ يشعر بالانزعاج وبدأ يلعن رقة قلب ميليش. وإذا تبادر إلى ذهن الشابِّ أنَّ هناك مَنْ يتعقبه، فقد يفلح في الفرار من مُتعقِّبه وتضليله، وحينها سيجد رويل نفسه غبيًّا، والأسوأ من ذلك كثيرًا بالنسبة إليه أنه سيجد في حوزته ألف دولار فازَ بها بأسلوب غير عادل. وقد جعلته تلك الفكرة يلعن ميليش من جديد. كان اللَّعب بورق موسوم أمرًا على غير رغبته تمامًا، لكنَّ ميليش كان قد أصرَّ على ألَّا يُخاطرا بأي شيء، وكان المقامر المخضرَم يعلم تمامًا احتمالات خوض لعبة عادلة حيث ينبغي إعطاء درس موضوعي. وكما قال ميليش، فإنهما كانا سيظهران كما لو كانا مغفلَيْن، إذا فاز فورم بالمال. وقد ردَّ عليه رويل بأنهما مُغفَّلان على أيِّ حال، لكنه في النهاية استسلمَ لرغبة ميليش، ذلك أنَّ الأمر برمته كان من تدبير ميليش من البداية. وفيما كان رويل يُفكِّر في كل تلك الأشياء في مرارة وأسى، انصرفَ انتباهه عن الأمر الذي يقوم به. فقليلٌ هم مَنْ يستطيعون تتبع مسار معين من الأفكار وشخصٍ بعينه في آنٍ واحد. أدركَ رويل فجأة أنَّ فورم الشاب قد هرب منه. وقفَ رويل وحيدًا في الشارع الساكن ذي الإضاءة الخافتة وراحَ يسبُّ غباءه ويلعنه في صمت. ثم فجأة، صدحَ صوتُ رجل من أحد المداخل المظلمة.

«لماذا تتعقَّبني بحق السماء؟»

قال بوني في هدوءٍ: «أوه، هذا أنت، أليس كذلك؟»

«هذا أنا. والآن ماذا تُريد مني؟ ألم تقنع بما فعلتَ الليلة؟»

«بالطبع لا، وإلا فما كنتُ ذلك الأحمق الذي يتعقبك في مثل هذه الساعة.»

«إذن أنت تقرُّ بأنكَ كنت تتعقبني؟»

«لم أُنكر ذلك قطُّ.»

«ماذا تريد مني؟ هل أنا حرُّ نفسي أم أنك تظنُّ أنك تَملكني؛ لأنني أدين لك بالمال؟»

تشدَّق رويل بكلامه قائلًا: «أنا واثق من أنني لا أعرف إجابة ذلك. ولكنني أشكُّ بأن رجال شرطة المدينة، الذين يَندُرون في مثل هذه الساعة، هم مَنْ سوف يُريدونك أولًا. ماذا أريدُ منك؟ أريدُ أن أطرح عليك سؤالًا. من أين حصلت على المال الذي لعبتَ به الليلة؟»

«هذا ليس من شأنك.»

«أعتقد أن لا شأن لي بذلك. ولكن، بما أنَّه لا يُوجد شهودٌ على هذه المحادثة المثيرة للاهتمام، سأتجرَّأ وأقول بأنك سرقت البنك.»

تقدَّم الشابُّ خطوة إلى الأمام، لكن بوني ظلَّ في مكانه وأشعلَ سيجارة أخرى.

«سأتجرَّأ أنا أيضًا يا سيد رويل وأقول بأن المال دخل جيبي بكل إنصاف كما دخَلَ إلى جيبك.»

«ليست هذه هي الإجابة الكاملة. غير أنني لديَّ أفضلية عليك؛ لأن النقاط التسع في صالحي. وأنا مَنْ أملك المال.»

«إذن لماذا تتعقَّبني؟ لكي تشيَ بي؟»

«إذن، أنت تعترف بالسرقة.»

«أنا لا أعترف بأي شيء.»

«لن يُستخدَم الأمرُ ضدك. وكما قلت لك، ليس هناك شهود. سيكون من الأفضل لك أن تصارحني. من أين حصلت على المال؟»

«من حيث يحصل عليه الكثيرون. من البنك.»

«هذا ما كنت أعتقد. والآن يا فورم، أنت لست غبيًّا كما يبدو عليك من هيئتك، أو تصرفك. أنت تعرف إلى أين سيُؤدِّي بك هذا الأمر. ليس لديك أي فرصة. كل قواعد اللعبة تقف ضدك. وليس لديك فرصة أكبر من تلك التي حصلت عليها الليلة. لِمَ لا تُعيد المال إلى البنك قبل فوات الأوان؟»

«من السهل عليك أن تتحدث على هذا النحو ومالي في جيبك.»

«لكن هذه قاعِدة أخرى من قواعد اللعبة. إنَّ أموال اللص لا بد أن تذهبَ حتمًا إلى جيب شخصٍ آخر. وأيًّا كان من يَنعم بالمال في النهاية، فإن اللص لا ينعم به أبدًا. والآن، إذا أصبح المال في حوزتك مرةً أخرى، فماذا ستفعل؟»

«سأعودُ إلى نادي ميليش للقمار، وأجرِّب حظي مجددًا.»

قال رويل بنبرة ود للمرة الأولى: «أُصدِّقُكَ.» أدرك رويل وجود تشابه بين روح ذلك الشاب وروحه. ثم قال: «لكن سيكون من الغباء فعل هذا. أمامك خياران. يُمكنك أن تُصبح مقامرًا مثلي وتقضيَ حياتك في أندية القمار. أو يُمكنك أن تصبح ما يطلق عليه رجل أعمال محترم. لكن لا يُمكنك أن تصبح الاثنين معًا في آنٍ واحد. وخلال وقتٍ قصير للغاية، لن يكون الخياران مُتاحَيْن أمامك. سيُكتشَف أمرك وحينها لن يسعك سوى أن تكون مثلي، وربما لن تكون ناجحًا مثلي. وإذا أضفت سرقة البنك إلى إنجازاتك الأخرى، فسيكون مصيرك إذن إلى السجن، أو ربما الأسوأ من ذلك، إلى كندا. والآن، أيُّ النجدَيْن تختار؟»

«فلنتحدَّث بصراحةٍ ووضوح. إلامَ ترمي بكل حديثك هذا؟ إذا قلتُ إنني سأتوقَّفُ عن المقامرة، فهل تعني أنكَ ستعيد إليَّ الألف دولار ولن تطالبني بالألف الأخرى؟»

«إذا أعطيتَني كلمة شرف بأنك ستتوقَّف عن المقامرة.»

«وإذا لم أفعل، فماذا ستفعل إذن؟»

«إذن، سأذهب يوم الإثنين إلى البنك وأُعطيهم المال وأبلغهم أن يبحثوا في حساباتك.»

«ولنفترض بأن حساباتي صحيحة، ماذا إذن؟»

هزَّ رويل كتفَيه. وقال: «لو حدثَ هذا الاحتمال، وهو احتمالٌ بعيد، فسأعطيك الألف دولار وسألعب معك عليها مرة أخرى.»

«فهمت. وهذا يعني أنك غششتَ الليلة.»

«صحيح، إذا كنت ترغب في تسمية الأمر هكذا.»

«وماذا إذا اتهمتُكَ بأنك غشاش معترف على نفسه؟»

«لن يعنيني ذلك كثيرًا. ولن أزعج نفسي حتى بمحاولة إنكار ذلك. لن يصدقك أحد.»

«أنت تتمتع بثقة نفس كبيرة يا بوني، وأنا معجب بوقاحتك. ولكن، هناك بعض الصفات السخيفة التي تتحلى بها.»

«أوه، أتقصد محاولتي إصلاحك؟ لا تخطئ الظن في ذلك. إنها فكرة ميليش. أنا لا أومن بك قيد أنملة.»

ضحكَ الشاب. وراحَ يفكر للحظاتٍ، ثم قال: «سأقبل عرضك. أعِدْ إليَّ المال وسأعِدُكَ ألَّا أُقَامر مرةً أخرى بأيِّ حال من الأحوال.»

«وهل ستُعيد المال إلى البنك إذا أعدتُه إليك؟»

«بكل تأكيد. سيكون أول شيءٍ أفعله صباح يوم الإثنين هو إعادة المال.»

قال رويل وهو يُسلِّمه لفافة المال: «إذن، هاكَ مالك.»

أخذَ فورم المال في حماسةٍ ووقفَ تحت الضوء يَعُدُّه، في حين نظر إليه رويل في صمتٍ وقد ارتسمت على شفتيه ابتسامة ساخرة.

قال الشاب: «شكرًا لك. أنت رجلٌ صالح يا رويل.»

«أنا ممنون لرأيك هذا. آمل أنك وجدت المال مضبوطًا؟»

قال فورم خجلًا بعض الشيء: «مضبوط تمامًا. آمل أنكَ لم تمانع فِعلي ذلك. إنما هي عادة لديَّ بحُكم عملي، كما تعلم.»

«إذن، ثابر في عملك يا سيد فورم. طابت ليلتك.»

سار رويل في نشاطٍ وحيويةٍ إلى منزل ميليش. وتوجَّه فورم نحو محطة السكة الحديد ووجدَ قطارًا متجهًا إلى شيكاغو في الرابعة صباحًا. كان أمامه يوم واحد بطوله وجزء من اليوم التالي قبل أن يلحظ أحد غيابه، وقد ضاعَ كل أثر له فيما بعد في تلك المدينة الكبيرة. وجدَ البنك أنَّ مبلغًا من المال مفقود وقدره ستة آلاف دولار. وبعد مرور عامَيْن، وصلت أخبار تفيد بأنَّ فورم أُردِيَ قتيلًا بالرصاص في إحدى صالات القمار جنوبي تكساس.

قال رويل إلى ميليش: «نحن أحمقان من الدرجة الأولى، ومن جانبي لست فخورًا بما حدث؛ ومن ثمَّ فلن نتحدَّث مرةً أخرى عن هذا الشأن. كان هَوَسُ القمار يجري في دمائه. والقمار ليس ذنبًا أو رذيلة؛ إنما هو مرض يكمن فينا جميعًا.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤