الفصل الحادي عشر

كارنينيش

حصل جرانت على القليل من المعلومات من آندي، سائق سيارة البريد، ليس لأن السائق كان جاهلًا — فبرغم كل شيء، من المفترض أنه قد قاد لامونت طوال ٣٦ ميلًا فوق التِّلال منذ يومين فقط — ولكن بسبب أن رغبةَ آندي في معرفة كلِّ شيء عنه، بشكل مثير للدهشة بما يكفي، كانت بمثلِ قوة رغبته في معرفة المزيد عن لامونت، وتجاهل أدلة جرانت الواعدة بكلمةٍ ذات مقطع واحد أو بحركةِ رأس، وقدَّم بدلًا منها أدلةً خاصة به. لقد كانت لعبةً سرعان ما أصبحت مملَّة، وفقد جرانت الأملَ فيه قبل مدةٍ طويلة من استسلامه لعدم معرفة المزيد عن جرانت. والآن أثبتَ مالكُ فندق جارني، الذي قابَله في الشُّرفة بعد الإفطار، أنه غير مفيد أيضًا، وهذه المرةَ بسبب جهلٍ حقيقي. وبينما كان سائق عربة البريد يهتمُّ بشدةٍ بكل ما يحدث في كارنينيش، التي كانت موطنَه ومكانَ استراحته كلَّ ليلة، لم يكن المالكُ مهتمًّا بشيء إلا بجارني؛ وذلك لتأثيرها على فندقه.

قال: «تعالَ لنصطادَ السمك يا سيدي!» ووافق جرانت، حيث كان لديه أفكارٌ ليصطاد في نهر فينلي إذا كان ذلك ممكنًا.

قال الرجل: «نعم، هذا على بُعد أربعة أميال فقط خلف التل. هل أنت على دراية بالمنطقة؟» ظن جرانت أنه من الأفضل التنصُّلُ من أي معرفةٍ بالمنطقة. «حسنًا، هناك قرية صغيرة على الجانب الآخر، على بُحيرة فينلي، لكنك أفضلُ حالًا هنا. فالفندق هناك صغير ضيق، وليس لديهم ما يأكلونه سوى لحمِ الضأن.» قال جرانت إن هذا أمر جيد جدًّا. «نعم، هذا ما ستعتقده في اليوم الأول، وربما في اليوم الثاني، ولكن بحلول نهاية الأسبوع، سيكون مشهدُ الخروف على التل أمرًا لا يُطاق بالنسبة إليك. يمكننا أن نُرسل إليك سيارة فورد كلَّ يوم إذا لم تكن مغرمًا بالمشي. لديك تصريح، أليس كذلك؟» قال جرانت إنه كان يعتقد أنه سيكون هناك مياهٌ خاصة بالفندق. «لا؛ كل تلك المياه تخصُّ السيد الذي يملك فندقَ كارنينيش هاوس. وهو سمسار بورصة في جلاسجو. نعم، إنه هنا — على الأقل جاء منذ أسبوع، إذا لم يكن قد رحل مرةً أخرى.»

«حسنًا، إذا كان بإمكاني الحصولُ على السيارة الفورد الآن، فسأذهب لمقابلته.» كان الصيد هو العذرَ الوحيد الذي يسمح له بالتجوُّل في المنطقة دون تعليق. سأل، وهو يركب سيارة فورد مخبوطة إلى جانب سائق متهور كثيف الشعر بعين تُحدق بشراسة: «قلتَ ما اسمه؟».

قال المالك: «اسمه السيد درايزديل. إنه ليس كريمًا فيما يخصُّ الماء، لكن ربما ستتمكن من تدبُّر أمرك معه.» انطلق جرانت، بقليلٍ من الراحة، في رحلةٍ تفتقر إلى الراحة أيضًا عبر التلال إلى وادي فينلي.

سأل الرجل ذو الشعر الكثيف، الذي علم أن اسمه كان رودي، أثناء تقدُّمِهما: «أين الفندق؟».

«في كارنينيش.»

«هل تقصد في القرية؟» لم يكن لدى جرانت أيُّ نية في الظهور علنًا بهذه السرعة.

«لا؛ إنه على الجانب الآخر من النهر من ناحية القرية.»

«ألن نمرَّ عبر القرية؟»

«لا؛ فالجسر مكانه قبل وصولك إلى القرية من الأساس.»

عندما وصلا إلى حافة الحدِّ الفاصل، امتدَّ الوادي الجديد بالكامل مثل الخريطة أمام عينَي جرانت المنبهرتين لعدة مئاتٍ من الأقدام بالأسفل. لم تكن هناك حقول، ولا أيُّ مناطق خضراء على الإطلاق باستثناء تلك التي على حدود النهر التي كانت تمر، مثل خطٍّ فِضي، عبر أشجار البتولا المتناثرة متجهةً نحو البحيرة البعيدة. لقد كانت منطقةً ريفية يكسوها اللونُ البني، وأضافت حدةُ لون البحر الأزرق طابعًا غريبًا — أراضٍ خياليَّة مهجورة، بشدة، كما ظن جرانت. وبينما كانا يتَّجهان نحو البحر أسفلَ جانب التل لاحظ كنيستين، واغتنم فرصته.

«لديكم عددٌ كبير من الكنائس بالنسبة إلى حجم القرية.»

قال رودي: «حسنًا، لا يمكنك توقُّع ذَهاب أتباع كنيسة الوي فري إلى الكنيسة الحرة المتحدة. هناك بالأسفل كنيسةٌ حرة متحدة — ملك للسيد لوجان.» أشار إلى اليمين فوق حافة الطريق، حيث كانت كنيسةٌ بسيطة ومنزلٌ للقس مربَّع وصُلب مخفيٌّ في بعض الأشجار بجانب النهر. «تقع كنيسة الوي فري في الطرف الآخر من القرية، بجانب البحر.»

نظر جرانت باهتمام بطرْفِ عينه إلى المنزل ذي المنظر المريح الذي يحمي طريدته. قال: «مكان جميل. هل يستقبلون نزلاء؟»

لا، لم يظنَّ رودي ذلك. فقد تركوا المنزل مدةَ شهر في الصيف. وكان الكاهن أعزَب، وكانت أخته الأرملة، السيدة دينمونت، تحافظ على المنزل من أجله. وعادت منذ مدةٍ قصيرة ابنةُ أخته، ابنة السيدة دينمونت، لقضاء العُطلات. كانت ممرضةً في لندن.

لم يتحدث عن أي نزيل آخر، ولم يتمكَّن من متابعة الموضوع دون جعلِ ساكن المناطق الجبلية الدائم الفضول مرتابًا. «هل هناك الكثير من الناس في الفندق هنا؟»

قال رودي: «ثلاثة.» وكما يليق بعاملٍ في مكان منافس، لم يكن هناك شيء لا يعرفه عن النزل في كارنينيش. لكن على الرغم من أن الثلاثة كانوا رجالًا، لم يكن أيٌّ منهم لامونت. وكان لدى رودي تاريخهم وميولهم جميعًا.

يقع فندق كارنينيش هاوس على الجانب الآخَر من النهر من ناحية القرية، بالقرب من البحر، ويقع الطريق السريع شمالًا عند الجزء الخلفي. عندما توقف رودي أمام الباب، قال جرانت: «من الأفضل أن تنتظر»؛ وبالجلالة التي توقف بها رودي، نزل إلى عتبة الباب. كان في القاعة رجل نحيف، مكفهرٌّ، يرتدي سروالًا جيدًا من الصوف الخشن. ظن جرانت أن سمسار البورصة يقيم حفلة. لقد تصور دون وعي أن سمسار البورصة النبيل رجلٌ سمين بوجهٍ وردي اللون ويهتمُّ جدًّا بمظهره. لذلك كانت صدمة عندما تقدَّم الرجل النحيل وقال: «كيف يمكنني مساعدتك؟»

«أريد أن أقابل السيد درايزديل.»

قال الرجل: «تفضل» وأرشدَه إلى غرفةٍ مليئة بمُعدات الصيد. الآن كان جرانت يعتزم بلا خجلٍ محاولةَ أن يرويَ قصة من خياله تثير شفقة السمسار، مناشدًا كرمه ألا يُفسد إجازته؛ لكن منظر الرجل الحقيقي جعله يغير رأيه. أخرج بطاقته المهنية، وسعد بمفاجأة الرجل. لقد كانت مجاملةً لإتقان التنكُّر الذي وفَّرته ملابسُ الصيد القديمة.

«حسنًا أيها المفتش، ماذا يمكنني أن أفعل من أجلك؟»

«أريدك أن تتكرمَ بالسماح لي بالصيد في فينلي قليلًا. يومان على الأكثر، على ما أعتقد. أظن أن هناك رجلًا أريده موجودًا في الحي، والطريقة الوحيدة التي يُمكنني التجوُّل بها دون لفتِ الانتباه هي الصيد. اعتقدت أن الفندق في جارني سيكون لديه بعضُ المساحة الخاصة به المخصصة للصيد، لكن يبدو أن هذا غيرُ متوفر. لن أصطاد أي سمكة، ولن أخيفَ أيَّ شيء في النهر، إذا حصلت على صفقة جيدة.»

ولدهشتِه علَت ابتسامة وجه السيد درايزدال القاسي. وقال: «أيها المفتش، لا أعتقد أنه يمكن أن يكون لديك أيُّ فكرة عن مدى تميز هذه المناسبة، وعن مدى تميُّزك أنت تمامًا. فحتى في تمرد عام ۱٧٤٥، لم يأتوا إلى هنا بحثًا عن أي شخص، وبالتأكيد لم يفعل أحدٌ ذلك منذ ذلك الحين. إنه أمر لا يُصدَّق ببساطة. مجرم في كارنينيش، ومفتش من إدارة التحقيقات الجنائية يبحث عنه! يا إلهي، إن أفظع جريمة عرَفها هذا الحيُّ منذ الطوفان هي الثمالة وعدم القدرة على التصرف.»

قال المفتش بجفاءٍ: «ربما فكر الرجل الذي أريده في ذلك. على أي حال، أعدُك بأنني لن أزعجَك مدةً طويلة إذا سمحتَ لي بالصيد.»

«بالتأكيد يمكنك الصيد. في أي مكان يعجبك. أنا ذاهب إلى النهر الآن. أتودُّ المجيء معي لأُعرِّفك بأفضل البحيرات؟ قد يكون لديك أيضًا نصيبٌ جيد من صيد اليوم إذا كنت ستصطاد على الإطلاق. أعِدْ هذا الرجل المجنون إلى جارني»، كان رودي يُقهقه مع خادمةٍ بلهجة أهل المناطق الجبلية عاليةِ النبرة خارجَ النافذة المفتوحة، غيرَ مُبالٍ تمامًا بقربها المحتمل من «الرجل النبيل»، «وأخبره أنه لا يحتاج إلى الرجوع مرة أخرى. سأرسل إليك عربةً في المساء وقتما تريد الذَّهاب.»

كان جرانت مسرورًا بالكرم غير المتوقَّع من جانب الشخص العابس المعروف عنه البخل، وصرف رودي الذي استقبل خبرَ صرفه باحترام شديدٍ وكأنه ضابطٌ معاون، لكنه غادر في موجةٍ من الثرثرة العالية غير المفهومة بينه وبين الخادمة. بدا الأمر وكأنه شجار احتجاجيٌّ لدجاجة مذعورة وهي تقفز من فوق سياجٍ إلى برِّ الأمان. عندما تلاشت الضوضاء، بدأ درايزديل في صمتٍ في تجميع مُعدَّاته من أجل النهر. لم يطرح المزيد من الأسئلة، وكان جرانت مُمتنًّا له مرةً أخرى. ولكسر الصمت الذي من الواضح أن درايزدال لم يكن لديه نيةٌ لكسره، سأل عن حالة النهر، وسرعان ما كانا يتحدَّثان عن الصيد بحريةِ اثنين من المتحمِّسين. تقدَّما نحو الضفة اليُمنى للنهر — أي الضفة المقابلة للقرية ومنزل القس — وأشار درايزدال إلى البحيرات وخَصائصها. لم يتعدَّ طولُ النهر الضيق ذي اللون البنيِّ المصفر الذي تتناثر فيه الصخور ستة أميال. وقد كان يندفع من بحيرةٍ في التل إلى البحر في كارنينيش، وتتخلله بحيراتٌ ساكنة.

قال درايزدال: «أتوقع أنك ترغب في أن تكون بالقرب من القرية»، واقترح ترك المفتش في النصف السفلي من النهر بينما يصعد هو إلى نهاية التل، حيث من المحتمل أن يقضيَ اليوم؛ ووافق جرانت بامتنان على ذلك. عندما مرَّا أمام منزل القس، قال جرانت: «هل هذا منزل القس؟ يبدو أن الكهَنة الاسكتلنديِّين مرتاحون للغاية.»

قال درايزدال بتأكيد: «إنهم كذلك»، لكنهما لم يُتابعا الموضوع. علق جرانت على الحجم الظاهري للمنزل، وسأل عما إذا كانوا يستقبلون نزلاء. قد يكون مكانًا جيدًا للإقامة. قال درايزدال إنهم لم يستقبلوا أحدًا على حدِّ علمه، وكرَّر قصة رودي عن تركه في الصيف. ترك جرانت في عُجالةِ رجلٍ خَجول، وغادر ليُشاهد المنظر الطبيعي، تاركًا جرانت يشعر بالراحة لمعرفته أن لديه حليفًا يتمتع بنفس اهتماماته إذا دعَت الحاجة إلى ذلك.

قرر جرانت أنه سيبدأ في الصيد ربما على ارتفاع ٢٠٠ ياردة فوق منزل القس والعملَ ببطءٍ لأسفل، واتخذ مكانه وراقب حركة السير من المنزل وإليه. على الجانب المجاور له من النهر كان هناك مسارٌ وَعْر بالكاد يمكن أن يُطلَق عليه اسم طريق، ولكن على الجانب الآخر كان هناك، بقدرِ ما يمكن أن يراه، فقط ممرٌّ يُشبه ممرَّ الأغنام الذي تصنعه أقدام الصيادين والمرشدين؛ لذلك كان أيُّ شخص يأتي من أعلى النهر سيمرُّ من جانبه. كان منزل القس محاطًا بجدارٍ حجري، وواجِهتُه بعيدة باتجاه الطريق السريع على الجانب الآخر من النهر. داخل الجدار كان هناك صفٌّ من أشجار الصنوبر النحيلة التي تُخفي بفعالية تفاصيلَ المنزل. ولم يُعلن عن وجوده سوى بريقِ طِلاء الجدران الأبيض ومداخنه الثمانية. في الخلف، كان جدار الحديقة يمتدُّ حتى ضفة النهر، وفي منتصف الجدار الذي يحيط بالنهر كانت هناك بوابة حديدية صغيرة ذات النمط النفعي الصارم الذي اشتُهر في المناطق الجبلية. وعلى الرغم من أنه لم يستطع رؤية الطريق السريع أمام المنزل مباشرة، فإنه كان يتمتع بإطلالةٍ لا يعوقها شيءٌ على الطريق على كِلا الجانبين. لا يمكن لأحدٍ أن يأتيَ إلى المنزل أو يخرج منه دون علمه. ويمكنه البقاءُ هناك طَوال اليوم دون أن يُلاحظه أحد أو يشكَّ في أمره. كان الوضع مثاليًّا. ألقى جرانت صنارتَه لأول مرة وأصدرت هسهسةً فوق الماء البنيِّ اللامع، وشعر أن الحياة كانت جيدة. كان الجوُّ مشمسًا أكثرَ من اللازم بحيث يتعذَّر الصيد وكانت احتمالاته في اصطياد أيِّ شيء ضئيلةً للغاية؛ لكن هناك فريسة أكبر في متناوَل يده. لم يذكر أحدٌ أن شخصًا غريبًا قد وصل إلى منزل القس، ولكنه مثلما كان يعلم تمامًا عند بسطة السلَّم ببريكستون أن الشقة كانت فارغة، كان لدى جرانت الآن شعورٌ بأن الرجل الذي يبحث عنه كان هنا.

كانت الساعة الحادية عشرة قبل أن يبدأ في الصيد، ولمدة ساعة أو أكثر لم يكن هناك أيُّ نشاط بشَري سوى نشاطِه الذي كسَر هدوء الصباح التام. وواصل الدخانُ في الانبعاث من مدخنتَي منزل القس بتكاسلٍ في الهواء الساطع. كان النهر يُتمتم بأنشودة الأطفال الأبدية عند قدمَيه، وانزلق الماء أمام عينَيه بسرعةٍ خلَّابة. بعيدًا على جهة اليمين وراء الجسر البعيد، ظهرَت المنازل المطلية باللون الأبيض على الشاطئ فوق الارتفاع الطفيف للمستنقَع، هادئةً ومضاءة بنور الشمس مثل ديكور مسرحي. بدأ جرانت يشعر أن الأمر برُمَّته كان صورة، مثل الرسم التوضيحي الذي تعلم منه الفرنسية لأول مرة في شبابه، وأنه كان فقط عالقًا هناك بجوار النهر حتى تكتمل الصورة. لم يكن جرانت الذي يعمل لدى إدارة التحقيقات الجنائية؛ كان صائدَ سمك، يُشار إليه بعصًا خشبية تُدغدغه، من أجل تعليم شخص غير معروف. كسر اللعنةَ ساعي بريد قادمٌ من القرية، يضغط بشدة وبالتناوب على بدَّالَي دراجةٍ هوائية. لا يزال المشهد مثل الصورة، لكنه لم يَعُد ينتمي إليها. لقد كان ديكورًا مسرحيًّا — ذلك الخاص بالعروض الصغيرة — وكان هو العملاقَ الذي كان على وشك أن يقلبَ صندوق الحيل بأكمله. وأثناء انخراطه في هذا التفكير، انفتحت البوابة الحديدية في الجدار المنخفض لمنزل القس، وخرجَت فتاة، يتبعها رجل. أغلقا البوابة بصعوبةٍ وبعضِ الضحك، ومشى أحدُهما وراء الآخَر في الممرِّ الضيق باتجاه الجسر. كان جرانت لا يزال فوق المنزل بنحو ١٠٠ ياردة، ولم يُلاحظه أيٌّ منهما. كان الرجل يرتدي سروالًا خفيفًا ومعطفَ مطرٍ قديمًا، وقبعة، وباستثناء خفَّته، لم يُشبه الشخص الذي انطلق في دوامة حركة المرور بشارع ستراند. كان جرانت مدركًا لمفاجأةٍ طفيفة. فخلال رحلته الطويلة إلى الشمال، كان يظن أنه من المسلَّمِ به أن الرجل سيبدو غريبًا على المكان. فلن يتمَّ إلقاء وكيل مراهنات في لندن في المناطق الجبَلية الغربية دون سابق إنذار ويبدو كأنه من روَّاد المكان. حسنًا، قد لا يكون الرجلَ، رغم كل شيء. كان يأمُل أن يتَّجها نحو الجسر وجانبه من النهر، وليس القرية. بالتأكيد، لو كانا قد خطَّطا للذَّهاب إلى القرية، لكانا قد خرجا من الطريق الأمامي وسارا على طول الطريق السريع، راقب متشوقًا حتى رأى الفتاةَ تستدير إلى الجسر. ولكن كانت لا تزال هناك فرصةٌ أن يسيرا بشكل مستقيم ومباشر على جانب الطريق السريع مرورًا بفندق كارنينيش هاوس. تنفَّس جرانت الصُّعَداء حيث استدارت الفتاة مرةً أخرى في اتجاه النهر وانضم إليها رفيقُها. كانا يتجهان نحو النهر إليه. كانا سيمران من خلفه على بُعد بضع ياردات فقط. ألقى بحذرٍ صنارته اللامعة إلى الجانب البعيد من البحيرة. يجب ألا ينظر ناحيتهما مرة أخرى. ففي غضون دقيقةٍ أو دقيقتين، كانا سيُلاحظانه. شعر بالامتنان للقبعة القديمة التي غطَّت وجهه، وللملابس العديمة الشكل التي كانت تكسوه. كان حذاؤه أيضًا مقنعًا حتى للعين الأكثر ريبة. لم يكن الموضوع يتعلق بهيئته هذه المرة؛ فقد كان يبدو حقيقيًّا، وكان سعيدًا بذلك. لن تشك العين المتمرسة للآنسة دينمونت — لا بد أن تكون الآنسة دينمونت — في حِرفية إلقاء الصنارة. عدم إيحاء ملابسه انتماءه «للمدينة» لم يستدعِ التعليقَ والاهتمام الفوريَّ لشريكها. وفجأةً فوق دوامة المياه تمكَّن من سَماع أصواتهما المرتفعة بسبب وجود النهر. كانا لا يزالان يضحكان ويتحرَّكان، ويبدو أنهما صديقان جيدان للغاية. لم ينظر جرانت حوله أثناء مرورهما، ولم ينظر حوله فورَ مرورهما. فلو كان نظر حوله الآن، لاكتشفَت نظرةٌ فضولية من الرجل وجهَه. ولكن عندما ابتعَدا نحو منبع النهر كان يُراقبهما. هل كان لامونت؟ حاول تصوُّرَ طريقةِ مشي الرجل مرةً أخرى. باستثناء تمثيل العرَج، يكاد يكون من المستحيل إخفاء طريقة المشي بنجاح. لكنه لم يكن متأكدًا. ثم نظر الرجل إلى الوراء فجأة. كان جرانت بعيدًا جدًّا لرؤية وجهه، لكن الحركة أخبرته بكلِّ ما كان يريد معرفته. كان واضحًا جدًّا، قبل أن يُتاح الوقت لقدرته على التفكير ملاحظةُ ذلك، أن عقله قد عاد إلى نهاية شارع بيدفورد. لم يكن هناك شكٌّ في ذلك — كان الرجل لامونت. قفز قلبُ جرانت من الفرحة. هل عرَفه لامونت؟ لم يعتقد ذلك. كيف يمكنه ذلك؟ لقد كان تأنيبُ الضمير هو الذي جعله يستدير. إذا سأل الآنسة دينمونت عنه، فسوف يسمع أنه لم يُسمح لأي شخص لا يقيم في فندق كارنينيش هاوس بالصيد في الماء، وسيطمئن.

والآن ما العمل؟ هل يذهب إلى المنزل عندما يعود ويعتقله على الفور؟ كان لديه مذكرة توقيفٍ في جيبه. لكنه أراد فجأة أن يتأكد — يتأكد بما لا يدعُ مَجالًا للشك — أن لامونت هو الرجل الذي قتل سوريل. كانوا يعرفون أنه الرجل الذي تشاجر مع سوريل قبل وفاته. لكن هذا لم يكن دليلًا. وعلاقته بالخنجر لا تزال مفقودة. قبل أن يُخاطر بتنفيذ أمر القبض، أراد معرفةَ ما إذا كانت يدُ لامونت اليسرى تحمل الندبة التي أحدَثَها الخنجر. إذا لم يكن الأمر كذلك، فإن قضيته ستنهار. وبغضِّ النظر عن مدى تأكُّده، يجب ألا تكون هناك ثغراتٌ في الأدلة التي ستُعرض على هيئة المحلفين، وما دامت هناك فجوة محتملة في الأدلة، لم يكن لدى جرانت أيُّ نية في اعتقال أي شخص. يجب أن يُدعى إلى منزل القس. ينبغي ألا يكون هذا أمرًا صعبًا. وإذا فشل كلُّ شيء آخر، يمكنه أن يسقط في النهر ويُناشدهم لتجفيفه.

كان يأكل الشطائر التي قدَّمها فندق جارني، على صخرة نصفها داخل الماء والنصف الآخر خارجه، عندما عادا. مرَّا من أمامه يتمايلان إلى أسفل الجسر متجهَين إلى القرية، وبعد قليل رآهما يُعاودان الظهور ويعودان إلى منزل القس على الطريق السريع. كان وقت الغداء. لقد انشغلا بأمانٍ لمدة ساعة على الأقل، وأمام عينَيه مباشرة.

كان يُغلف بعناية ما تبقَّى من الشطائر للأوقات الصعبة عندما ظهر رجل الشرطة المحليُّ من أعلى النهر يدفع دراجة هوائية مثقوبة. تباطأ عندما رأى جرانت — إذا كان تقدُّمُه السابق المُتروِّي يمكن أن يوحي بأي تباطؤ دون توقُّفِه — وعندما نظر جرانت لأعلى، توقف آخر مظهر للتقدم.

سأل الشرطي: «هل حالفك الحظُّ يا سيدي؟» كان لديه وجه وردي للغاية مثل تمثال شمع، مستدير وخالٍ من التعبير، وكانت نظرة واحدة إليه كافيةً لأن تجعل جرانت ممتنًّا لاكتشاف درايزدال. كانت عيناه الزرقاوان الشاحبتان مهدبتَين مثل دمية، مع رموش سوداء ناعمة، وشارب أسود حريري غير مقنع يرسم خطًّا على شفَتِه العليا. لم يستطع جسدُه السمين الطري أن يسرع أو يختبئ؛ لن يكون لهذا العقل البطيء أيُّ فائدة مهما كانت حالة الطوارئ.

اعترف جرانت أنه لم يصطَدْ شيئًا، لكنه أضاف أنه لم يكن يتوقع أن يصطاد شيئًا في مثل هذا الصباح المشرق.

قال الرجل: «نعم، هذا صحيح؛ لكن الطقس لن يطول هكذا. لا يمرُّ يوم دون سقوط بعض المطر هنا. ستصطاد سمكةً قبل حلول الليل.»

أدرك جرانت أن هذه هي رغبة ساكني المناطق الجبلية المعتادة في قول الشيء الذي يعتقد أنه سيكون مقبولًا لدى مستمِعِه. قال مشيرًا إلى الإطار: «لم يُحالفك الحظُّ أيضًا.»

«في الواقع، لا. هذه الطرق تُفسد الإطارات بشدة. ولكني أحصل على بدلٍ لتصليحها، كما تعلم، غير أن هناك آخَرين ليسوا محظوظين جدًّا. السيد لوجان، الكاهن» هز رأسه ناحيةَ منزل القس «كان يقول لي قبل أيامٍ فقط إن الكهنة يجب أن يحصلوا على بدل لتصليح الإطارات مثل رجال الشرطة. ففي أسبوع واحد ثُقبت ثلاثة إطارات لسيارته. هذا أمر سيجعل حتى الكاهنَ يفقد أعصابه.»

«هل هناك العديد من السيارات في كارنينيش؟»

«حسنًا، السيد درايزدال لديه اثنتان، كما أتوقَّع أن تعرف، والسيد لوجان لديه واحدة، لكن هذا كل شيء. الكاهن الآخر لديه دراجة بعربة جانبية.»

لكن عندما يريد شخصٌ ما أن يستأجرَ سيارة، ماذا يفعلون؟

أوه، بالنسبة إلى ذلك، كان الفندق لديه سيارة فورد للزوار. كانوا يؤجِّرونها عندما لم يكونوا بحاجةٍ إليها. من الواضح أن السيارة الفورد في رأي الشرطي لم تندرج تحت مسمى «سيارات».

بعد قليل قال الشرطي: «ها قد ذهب السيد لوجان لرؤية التوءم الجديد شرقًا عند أركلس»، ورأى جرانت جسدًا سَمينًا يظهر على الطريق السريع على الجانب المطلِّ على جارني من منزل القس ويَمضي قُدمًا نحو أعلى النهر بوتيرة عملية.

قال جرانت: «اعتقدتُ أن هذا الطريق يؤدي فقط إلى أعلى التل المتجهِ إلى جارني.»

«أوه نعم، الطريق السريع. ولكن حيث يبدأ الطريق السريع في الصعود إلى أعلى التل، هناك مسارٌ ينطلق على طول النهر إلى المزارع الصغيرة التي يمكنك رؤيتها من الطريق. هذا هو المكان الذي يذهب إليه السيد لوجان من حينٍ إلى آخَر. وهذا هو السبب في أنه يمشي. إنه ليس مغرَمًا بالمشي.»

ظل الشرطي مدةً طويلة يُراقب أسماك جرانت بسرور، ومن الواضح أنه سعيدٌ بالعثور على ما يحظى باهتمام عينَيه في مكانٍ شاغر عادة، وفكر جرانت فيما سيفعله إذا ظهرَت سيارة لوجان فجأةً على الطريق السريع وراء منزل القس، متجهةً إلى جارني والجنوب. لم يكن لديه ما يضمنُ أن لامونت كان الراكب. لقد كان بعيدًا جدًّا للتعرف على أي شخص. كان عليه التأكدُ من ذلك قبل أن يفعل أي شيء. وحينها سيكون الاختيار بين الانشغال بمكالمة هاتفية أو المطاردة. اعتقد أنها السيارة الفورد الخاصة بالفندق. أو ربما أقرض درايزدال سيارته؟ لكن انقضى وقتُ ما بعد الظهر، وكان الضوء يبدو أبيضَ قاسيًا غير متعاطف كما لو كانت الساعة الرابعة صباحًا، وسحب الشرطيُّ دراجته بعيدًا إلى القرية حيث يمكنه الحصول على أدوات التصليح التي كان من الواضح أنه قد نسيها، وما زال لم يخرج أحدٌ من منزل القس. في الساعة الخامسة، تناول جرانت شطائره المتبقِّية، وبدأ التفكير في الاحتمالات الأخرى الموجودة للتطفُّل ودخول منزل القس. فكرة الغطس في النهر — حتى لو كان لمدةٍ وجيزة — أصبحت أقلَّ إمتاعًا مع حلول المساء. انقطعت أفكاره وحُلَّت مشاكله بأعجوبةٍ عند سماع صوت وقع أقدامٍ وراءه. نظر حوله ليرى السيد لوجان خلفه.

حيَّاه الكاهن بتحية صادرة من قلبه، ووجهُه الأحمر البدين بأنفه المعقوف يتألَّق بسخاءٍ. قال: «لا يبدو أن الحظ قد حالفك كثيرًا اليوم.»

قال جرانت لا؛ لقد قضى يومًا كاملًا، ولم يصطَدْ شيئًا. سيسخَرون منه عندما يعود إلى جارني.

«أوه، ألا تقيم في فندق كارنينيش هاوس؟»

قال جرانت لا؛ كان يقيم في فندق في جارني، لكن السيد درايزدال تكرَّم بمنحه إذنًا بالصيد في فينلي لمدة يوم أو يومين.

«هل سيرسل العاملون في جارني سيارة من أجلك؟»

قال جرانت لا؛ لقد كان ينوي العودة عندما يسأم الصيد. كان الفندق يبعد أربعة أميال فقط أو نحو ذلك، وأي سمكة يصطادها ستبقى بالطبع مع السيد درايزدال.

قال الكاهن: «إنه أمر شاقٌّ جدًّا ومثبِّط للهمم عندما لا تصطاد شيئًا. ألا تريد الدخولَ واحتساء كوب شاي ساخن في منزل القس؟ اسمي لوجان. يُقدَّم الشاي بين الخامسة والنصف والسادسة، ومن المفترض أن يكون جاهزًا الآن.»

شكره جرانت، وحاول ألا يُظهِر درجةً غير لائقة من الفرح عند الدعوة. كان القدَرُ في صفه. بمجرد أن يدخل بيت القس، سيتولَّى زِمام الأمور. كان من الصعب عدمُ حزم أغراضه بسرعة، وجذب ذراع الكاهن، وسحبه مسافةَ نصف ميل أسفلَ النهر عائدًا إلى المنزل. لذا حزَم أغراضه بمزيد من التأنِّي، ومشى بنفس وتيرة الكاهن البطيئة، التي ضعفت بشكل كبير منذ وقتٍ مبكر من بعد الظهر، على المسار، عبر الجسر، وعلى طول الطريق السريع إلى واجهة منزل القس. عندما قاده الكاهن إلى الطريق الواسع، المزين بقطع من العشب إلى الباب، تسارعَت نبضات قلب جرانت بشكل ملحوظ، ولأول مرة لم يضحك على ضعف حاله. فقبل ١٠ أيام، سلَّمه باركر هذه القضية، وقدَّم إليه منديلًا، ومسدسًا، وخنجرًا ملطَّخًا بالدماء. الآن، في الطرف الآخر من المملكة، كان على وشك لقاء الرجل الذي يريده وجهًا لوجه.

خلَعا معطفَيهما وقبَّعتَيهما في القاعة، واستطاع جرانت أن يسمع من خلال الباب المغلق ثرثرةَ وصلصلة أفراد يحتسون الشاي. ثم تقدم السيد لوجان إلى الباب وسبقه إلى الغرفة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤