خزينة بلا مفتاح!

ألقى «أحمد» نظرةً حَذِرة على غرفة «مارتينز». كان المليونير جالسًا إلى مكتبه، وكان «أحمد» يَراه من ظهره، وكان ثمَّة شخص يقف إلى جانب شاشة بيضاء مُعلَّقة على الحائط، ثم اتجه هذا الشخص إلى آلة عرضٍ سينمائية، وأخذ يضع فيها شريطًا، وسرعان ما انطفأ النور ودار شريط سينمائي على الشاشة البيضاء الصغيرة … وللأسف قام «مارتينز» بإغلاق ستائر النافذة، فلم يَعُد في إمكان «أحمد» أن يرى شيئًا، وأخذ يبحث عن أيِّ ثُقب ينظر منه، حتى عثر على فتحة صغيرة، واستطاع أن يرى جزءًا صغيرًا من الشريط … وكم كانت مفاجأة له أن يعرف أن هذا الشريط قد التقط في منطقة القطب؛ فقد شاهد الثلوج تُحيط بمبنى ضخم مقام وسط مساحة شاسعة، مسورة بسور من الأسلاك الشائكة … ولم يشكَّ «أحمد» لحظة واحدة في أن هذا الفيلم يُصوِّر مراحل العمل في المركز الذري الذي أقامه اتحاد العصابات في القطب، وعرف أنه لو استطاع أن يحصل على هذا الفيلم، فمن المؤكد أن الشياطين سيتمكَّنون من تحديد مكان هذا المركز في الأصقاع الجنوبية …

استمر عرض الفيلم نحو عشرين دقيقة، ولكن «أحمد» لم يستطع أن يرى شيئًا ذا قيمة … وأضيئت الأنوار، واستطاع أن يرى حركة «مارتينز» في الغرفة، ولاحظ أنه اتجه ناحية الخزينة الضخمة التي يضع فيها كل مستنداته الهامة، وأدرك أنه وضع الفيلم فيها …

قفز «أحمد» من أفريز النافذة سريعًا، ثم دار حول القصر مُبتعِدًا عن غرفة مكتب «مارتينز» وسرعان ما كان يدخل غرفته، وقد قرَّر أن يستولي على الفيلم مهما كانت العقبات، وسرعان ما استلقى على فراشه، وذهب في سبات عميق.

في صباح اليوم التالي استيقظ «عثمان» مبكرًا، وانتظر فترةً تَناول فيها إفطاره ثم ذهب لإيقاظ «أحمد»، وكم كانت دهشتُه ألا يجده في فراشه، فاتجه سريعًا إلى غرفة «كاردوفا» … كان ثمَّة اجتماع معقود لتشديد الحراسة بعد سرقة الماشية، وكان الاجتماع يضمُّ كل الحراس العاملين في مراعي «مارتينز»، وجلس «عثمان» جانبًا يستمع إلى الحديث الدائر، بينما كان «أحمد» يجلس في المقدمة، وتبادلا معًا النظرات … كان واضحًا أن «أحمد» مُهتمٌّ جدًّا بنظام الحراسة الذي يُناقَش، فمن خلال الثغرات الخافية عليهم سوف يتمكَّنون من تنفيذ ما يشاءون من خطط … وبعد أن انتهى الاجتماع، خرج الجميع، وسار «أحمد» و«عثمان» معًا في الحديقة، وفي كلمات سريعة تحدث «أحمد» عن الفيلم الذي شاهده ليلًا، والخزينة التي وُضع فيها، وضرورة الحصول على هذا الفيلم لمعرفة مكان المركز الذري.

قال «عثمان»: أي نوع من الخزائن هي؟

أحمد: إنها خزينة من نوع حديث. ولكني لم أدرسها بعد …

عثمان: تعرف أن «إلهام» تستطيع معالجتها؛ فضمن تخصصات «إلهام» فتح الخزائن.

أحمد: أعرف هذا، ولكن المشكلة كيف تدخل القصر؟!

عثمان: بما أنك حارس خاص ﻟ «مارتينز»، وأنا من حراس القصر، ففي إمكاننا تدبير وسيلة لدخول «إلهام» …

أحمد: هذا ما كنت أفكر فيه … ولكن ذلك سيتم بعد أن أدرس الخزينة جيدًا، وما دمتَ ستَعمل معنا داخل القصر؛ فسوف تقوم الليلة بمحاولة إبعاد «مارتينز» عن غرفة المكتب …

عثمان: ولماذا أنت مُتعجِّل هكذا؟!

أحمد: لا أدري لماذا يحدثني قلبي أنهم سيَكتشفُون حقيقتنا قريبًا، فلا تنس أن زيارة زعيم «الورلد ماسترز» ورؤيته لنا هنا لن تمر ببساطة … إنني في انتظار مفاجأة قاسية، لهذا يجب أن نتصرف بسرعة …

وافترق الزميلان … مضى «عثمان» يتجول في القصر ومضى «أحمد» إلى غرفة المكتب … كانت مهمته الرئيسية حراسة «مارتينز»، وكان «مارتينز» يحب البقاء طويلًا في مكتبه الذي يشبه القلعة الحصينة.

بعد نحو نصف ساعة خرج «مارتينز»، وابتسم «لأحمد» عندما وجده يجلس قريبًا من باب المكتب، وقال له: سأتغيَّب الليلة عن القصر بعض الوقت. لا تترك باب المكتب يغيب عن عينَيك …

أحنى «أحمد» رأسه علامة الإيجاب، وهو يُخفي ابتسامة تلاعبَت على شفتيه، فهم ليسوا في حاجة إلى إبعاد «مارتينز»؛ فلقد أبعد نفسه في الوقت المناسب …

عندما هبط الظلام في ذلك اليوم، وقف «أحمد» يَرقُب «مارتينز» وهو يركب سيارته من طراز «رولزرويس» الفضية، ثم ينطلق به السائق … وانتظر «أحمد» فترة من الوقت، ثم ذهب إلى مكان «عثمان» وأخبره بخروج «مارتينز»، وقال له: ستقف أنت لتراقب الباب، وسأدخل لفحص الخزينة …

لم يكن شيئًا غريبًا أن يدخل «أحمد» مكتب «مارتينز»؛ فقد كان جزءًا من عمله أن يراقب كل شيء في القصر، وهكذا لم تمض ساعة على خروج المليونير حتى كان «أحمد» يدخل غرفة المكتب، ويتجه رأسًا إلى الخزينة …

أخرج من جيبه قفازًا من المطاط الخفيف وأخذ يتحسَّس الخزينة … كانت طرازًا نادرًا من الخزائن، وقدَّر «أحمد» أن أية وسيلة لاقتحامها هي في حكم المستحيل، ولكن القرار في النهاية سيكون ﻟ «إلهام» … وأخرج ورقة وقلمًا، ورسم رسمًا تخطيطيًّا للخزينة وتقديرًا لسمك الحوائط، وكل المعلومات التي تُهمُّ «إلهام»، وقضى في هذه المهمة نحو نصف ساعة دون أن يعكر عليه أحد خلوته، ثم خرج فوجد «عثمان» يتمشى في الحديقة الداخلية للقصر، ومنها يُمكن مراقبة باب غرفة المكتب …

انضمَّ «أحمد» إلى «عثمان»، وقال «عثمان»: لا أظن أن هناك ما يدعو لبقائنا داخل القصر، تعالَ نتمشَّ حوله …

أحمد: إنني أفكر في أن نأخُذ حصانين ونذهب لزيارة «إلهام» و«هدى» …

عثمان: في هذا الوقت؟!

أحمد: اطمئن إنَّ «مارتينز» لن يعود قبل منتصف الليل … وليس من الغريب — حتى لو شاهدنا أي شخص — أن نذهب لزيارة «فيجو» العجوز بعد حوادث المستنقَعات، وفي نفس الوقت أتحدث مع «إلهام» عن الخزينة، ونُدبِّر طريقة لدخولها القصر …

توجَّها إلى إصطبلات القصر، واختارا جوادين أسودين ثم انطلقا عبر المراعي … كانت السماء ملبدة بالغيوم، والقمر يظهر للحظات ثم يختفي، والريح هادئة ثقيلة تنذر بمطر قريب …

وعندما اقترب «أحمد» و«عثمان» من كوخ «فيجو»، شاهدا النيران المشتعلة أمامه، وحولها جلس «فيجو» و«إلهام» و«هدى» وقد وضعوا لحمًا للشواء، تصاعدت رائحته، وكانت «هدى» تعزف لحنًا شجيًّا على «الجيتار» …

كان مشهدًا رومانسيًّا حالمًا كالذي يرونه في السينما، فقال «عثمان» وهو يجذب لجام الحصان حتى لا يتقدم: إنه مشهد لا يُنسى!

أحمد: لقد أحسستُ بالجوع وأنا أرى اللحم، وأشم رائحته!

عثمان: إنهم لم يسمعوا صوت الجوادين … صوت الجيتار غطَّى على صوت الحوافر!

وقد كانت المفاجأة كاملة حقًّا ﻟ «إلهام» و«هدى» و«فيجو» عندما وجدوا الشابين يقفان أمام النيران … وكان لقاءً مؤثرًا بين الشياطين الأربعة، وجلسوا جميعًا حول النيران، وسرعان ما كان «فيجو» يخرج خنجره ويبدأ في تقطيع اللحم المشوي، ثم يقدم لكل من الشبان قطعة ساخنة تَقطر دسمًا …

استمر العشاء والحديث نحو ساعة، ثم طلب «أحمد» من «إلهام» أن ينتحيا جانبًا لحديث خاص، واختارا داخل الكوخ حتى لا يسمعهما «فيجو»، وأخرج «أحمد» رسم الخزينة من جيبه، ووضعه أمام «إلهام»، وأخذ يُحدِّثها عن مكان الخزينة، وتفاصيلها … وابتسمت «إلهام» وقالت: هذه خزينة لا يُمكن فتحها …!

بدت علامات الذهول على وجه «أحمد»، وقال: غير معقول يا «إلهام»!

إلهام: ألم تلاحظ أنه ليس هناك فتحة واحدة في الباب يُمكن أن تكون سبيلًا إلى فتحها؟!

أحمد: نعم، لاحظت … ولكن ألا يفتح هذا النوع من الخزائن بالأرقام؟!

إلهام: هذا صحيح. والمشكلة ليست في عملية معرفة الأرقام فقط رغم صعوبتها، ولكن في توقيت الفتح والإغلاق …

أحمد: لا أفهم ماذا تقصدين؟

إلهام: هذا النوع من الخزائن لا يفتح إلا في مواعيد معينة، يحددها صاحب الخزينة، ولا يُمكِن فتحها في مواعيد أخرى …!

أحمد: حتى صاحبها؟!

إلهام: حتى صاحبها … فمثلًا، إذا ضبط ساعة الفتح على الثامنة والواحدة والثالثة، فإنه لا يستطيع أن يفتحها في غير هذه الساعات الثلاث، ولو حاول أن يفتحها في العاشرة أو الثانية مثلًا لما انفتحت!

أحمد: هل يعني هذا أننا لن نحصل على الفيلم؟!

إلهام: لم أقل هذا … ولكننا في حاجة إلى تخطيط دقيق، فأمامنا ثلاث مشكلات؛ المشكلة الأولى هي معرفة أرقام فتح الخزينة، ومعي جهاز إلكتروني صغير يمكن أن يحدد هذه الأرقام … والثانية مشكلة الوقت الذي تفتح فيه الخزينة، ومن الممكن وضع جهاز خاص وضبط هذا التوقيت إذا فتح «مارتينز» الخزينة في فترة وضع الجهاز، والمشكلة الثالثة هي كيفية دخولي القصر، وإتاحة الفرصة لي للقيام بالمحاولة.

فكر «أحمد» لحظات … لقد اكتشَف أن العملية ليسَت سهلة، ولكن لم يكن هناك بديل، فقال ﻟ «إلهام»: أين الجهاز الإلكتروني؟

إلهام: في الفندق ضمن حاجياتنا هناك …

أحمد: أرجو أن تحضريه غدًا صباحًا، وأحضري معك بعض الأسلحة … إن الحصول على الفيلم سوف تتبعه معركة عنيفة، إذا شكَّ «مارتينز» فينا …

إلهام: ومتى تتوقع أن يَحدُث هذا؟

أحمد: ذلك يتوقف على حركة «مارتينز» … إنه يحب غرفة مكتبه، ويقضي أغلب الوقت فيها، ولا يمكن دخولها طالما هو في القصر … كوني على استعدادٍ، وسوف أرسل لك «عثمان» …

تمنَّت له «إلهام» التوفيق في مهمته القادمة، ثم خرجا إلى حيث الشواء والأصدقاء، وكان صوت الجيتار الشجي يملأ الليل الهادئ بالموسيقى، وفجأة حدث ما لم يكن في الحسبان … سمعوا صوت جواد يقترب، ثم ظهر شبح فارس أسود من بعيد … وأشار «أحمد» إلى «هدى» فتوقفت عن العزف وأخذ الشبح يقترب، وكانت المفاجأة طيبة، فلم يكن القادم سوى «قيس»، الذي أخذ يقبل مسرعًا حتى وصل إليهم … ونظر إليه «أحمد» متوجسًا فقد بدت على وجهه علامات التوتر، وقال «أحمد»: ماذا حدث؟

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤