شبح في الحديقة …

في المساء كان «تختخ» يقف في حديقة فيلا الخبير الأجنبي «مايزر»، ودُهِش «تختخ» لأنها فيلا قديمة تكاد تنهدم، وكان معه الحاج «حسين» صاحب محل «الوفاء» للتخديم …

وتقدَّما من باب الفيلا، ودقَّ الحاج «حسين» الجرس … وبعد لحظات فُتِح الباب، وظهر رجل طويل القامة بشكل غير عادي … في نحو الخامسة والخمسين من العمر … حليق اللحية والشارب، يضع على عينَيه نظارةً سوداء.

حيَّاه الحاج بهزة من رأسه … وببضع كلمات إنجليزية مُكسَّرة أفهمه أنه يُرشِّح هذا الولد «توفيق» للعمل عنده … نظر «مايزر» إلى «تختخ» نظرةً مباشرة … ثم سأله: هل تعرف بعض الكلمات الإنجليزية؟

ردَّ «تختخ» بإنجليزية قصد أن تكون مكسرةً أيضًا: نعم … فقد عملتُ من قبلُ عند عددٍ كبير من الأجانب.

عاد «مايزر» يسأل: وهل تُجيد التنظيف؟

تختخ: طبعًا. وأقوم ببعض أعمال الطهي أيضًا.

مايزر: تفضَّلا إذن.

دخل الحاج ومعه «تختخ» إلى الفيلا … كانت مكوَّنةً من صالة وثلاث غرف، يتفرَّع من الصالة دهليز طويل، على جانبه الأيمن المطبخ … وعلى الجانب الأيسر الآخر غرفة مغلقة … وعند بداية الدهليز سُلَّم من الرخام، يصعد إلى الدور الثاني للفيلا، حيث كانت توجد غرف النوم.

كان «مايزر» رجلًا عمليًّا؛ فقد أشار إلى المطبخ وطلب من «تختخ» أن يُعِد له والحاج «حسين» قدحَين من الشاي … ودخل «تختخ» إلى المطبخ، وأحسَّ أنه مرتبك قليلًا، ولكنه سيطر على أعصابه وبدأ يُعِد الشاي. ومن بعيد كان يسمع حديث «مايزر» والحاج «حسين»، وفي الوقت نفسه كان يتأمَّل المطبخ … وشطح خياله إلى إمكان وجود أجهزة سرية في المطبخ … جهاز إرسال … أو استقبال … كاميرات سرية … أجهزة تصوير دقيقة … أشياء كثيرة ممَّا يستخدمها الجواسيس. خطرت برأس «تختخ»، ولكنه استردَّ خواطره بسرعة؛ فقد يكون «مايزر» هذا بريئًا … ولا علاقة له بالأفلام التي حدَّثه عنها المفتش «سامي».

وضع الشاي في صينية وبجواره كوب من الماء المثلَّج، ثم حمل الصينية إلى حيث كان يجلس «مايزر» والحاج «حسين»، وبيد ثابتةٍ قام بتقديم الشاي … وكان متأكِّدًا أن «مايزر» يرقبه … وأنه يقوم باستكشاف طريقته في تقديم الشاي … وعلى حسب رأي «تختخ» كان الامتحان ناجحًا … فقد سمع الخبير الأجنبي وهو يقول للحاج «حسين»: إنه موافق على عمل «تختخ» عنده، مقابل خمسة عشر جنيهًا في الشهر … ثم مدَّ يده في محفظة نقوده … وأعطى للحاج خمسة جنيهات، تقبَّلها الحاج شاكرًا، وتركهما وخرج بعد أن شرب كوب الشاي بسرعة.

قام «تختخ» بنقل أدوات الشاي مرةً أخرى إلى المطبخ … وقام بغسلها جيدًا … كان يُحس طول الوقت أن «مايزر» يُراقبه … وأنه يجب أن يُتقن دوره كخادم …

وسمع «مايزر» يُناديه فأسرع إليه … قال «مايزر»: إنني خارج الآن … ضَع لي طعام العشاء على المائدة، وتستطيع أن تنام في أي وقت؛ إنني قد أتأخر.

قال «تختخ»: أمرك يا سيدي.

ومرةً أخرى أحسَّ بنظرات «مايزر» الفاحصة، خلف نظَّارته السوداء، ثم رآه وهو يُغادر الفيلا … وسمع صوت أقدامه في الجراج، ثم سمع صوت السيارة وهي تدور وتنطلق.

عندما ابتعد صوت السيارة، وأدرك «تختخ» أنه أصبح وحيدًا … أسرع على الفور في البدء بالمهمَّة التي جاء من أجلها … كان عليه أن يُفتِّش كلَّ ركن في الفيلا تفتيشًا جيدًا؛ لعله يعثر على شيء يُثبت به صلة «مايزر» … بعملية التجسُّس.

وقرَّر أن يُقسِّم الفيلا إلى أقسام … وأن يبدأ بالدور العلوي حيث غرف النوم … وأخذ يصعد السلالم ببطء … وبرغم أنه كان وحيدًا في البيت فقد كان يُحس بنظرات «مايزر» وهي تُطارده … وأدهشه أن يكون لنظرات هذا الرجل الطويل مثل هذا التأثير عليه.

كان نظام الغرف في الدور الثاني مثل الدور الأول تمامًا … الاختلاف كان في مكان المطبخ؛ فقد كان الحمَّام بدلًا منه.

كان الأثاث بسيطًا كما هو الحال … في أغلب الشقق المفروشة … فلم يستغرق تفتيش «تختخ» للغرف والأثاث أكثر من ساعة … كان يُلقي نظرةً فاحصةً على الغرفة قبل أن يبدأ في تفتيشها … ثم يُفتِّش كلَّ شيء ويُعيده إلى مكانه … وبعد أن انتهى من التفتيش كانت عنده عدة ملاحظات:
  • الأولى: أن «مايزر» رجل مُنظَّم، رائع النظام … فكل شيء في مكانه تمامًا بلا زيادة ولا نقصان.
  • الثانية: أن «مايزر» رجل شديد البساطة في ملبسه وحاجيَاته … فلم يكن فيها شيء فاخر أو مُبالغ فيه.
  • الثالثة: أن «مايزر» لا يستخدم أي نوع من أجهزة التصوير الفوتوغرافي … فليس في الفيلا كلها كاميرا من أي نوع.
  • الرابعة: أن الشيء الوحيد الذي يجوز أن يكون موضع شبهة هو جهاز راديو فخم، من طراز «ستلايت» عظيم الحساسية …

وقد حاول «تختخ» أن يستمع إليه فلم يستطع … فقد كانت أجهزته معقَّدة … وأثار ذلك انتباه «تختخ» تمامًا … ولكنه لم يعتبره على كل حال … دليلًا يمكن به إدانة «مايزر»؛ فوجود جهاز راديو مهما كان متقدِّمًا ومعقَّدًا لا يُعَد دليلًا على شيء …

انتهى «تختخ» من تفتيش الغرف … وأعاد كل شيء إلى مكانه … ونظر نظرةً أخيرة … وقال إنه حتى لو اكتشف «مايزر» شيئًا ليس في مكانه، ففي إمكان «تختخ» أن يقول له إنه كان يُنظِّف الأشياء ويُرتِّبها.

نزل «تختخ» إلى الدور الأول … كان يُحس بنوعٍ من خيبة الأمل … فقد كانت جولته الأولى فاشلة … فلا شيء هنا يُثير الريبة … كان واضحًا أنه سينام في الغرفة الصغيرة الملحقة بغرفة الطعام … فقد وجد فراشًا بسيطًا استلقى عليه، وأطلق لتفكيره العِنان … ماذا يفعل المغامرون الآن، والكلب «زنجر»؟ … وفكَّر طويلًا، ثم قرَّر أن ينام بعد أن يتناول طعامًا خفيفًا … ودخل المطبخ … وأعد بعض الساندويتشات تناولها بشهية، وشرب كوبًا من اللبن، ثم عاد إلى غرفته … كانت الساعة العاشرة تقريبًا … وأخرج من حقيبته كتابًا واضطجع في سريره وأخذ يقرأ … كان كتابًا شيِّقًا عن التحوُّلات القادمة في المستقبل … كيف سيُصبح شكل الحياة بعد التغيُّرات الهائلة في كل شيء …

واستغرق «تختخ» في القراءة … ولكن فجأةً أحسَّ بحركةٍ ما … حركةٍ تختلف عن ما تسمعه أذنه طول الوقت … ليست حفيف ورق الشجر … ولا صوت السيارات البعيدة … وتنبَّه على الفور فوضع الكتاب جانبه، وجلس في سريره وأخذ يُركِّز سمعه وانتباهه، حتى استطاع أن يُحدِّد مكان الصوت، كان قادمًا من الحديقة قريبًا من غرفته.

لم يكن قد خلع ثيابه بعد … فقفز من الفراش في هدوء كالقط … وأسرع إلى النافذة ووضع أذنه عليها … كان صوت أقدام تتحرَّك في الحديقة لا شك … ودقَّ قلبه بعنف … من هناك؟

ترك نور الغرفة مضاءً وخرج إلى الصالة … ثم وقف بجوار الباب الخارجي برهة، وفتحه بهدوء وخرج … وانحنى جانبًا، ثم تسلَّل تحت إحدى الأشجار.

كانت الحديقة كثيفةً بأشجارها وأزهارها … وببعض الأقفاص التي يحتفظ فيها «مايزر» ببعض النسانيس والقطط البرية والزواحف … وبكشك كبير تُحيط به شجرة ضخمة تكاد تُخفيه عن العيون.

ربض «تختخ» في الظلام فترةً يستمع … وكانت النسانيس تُطلق صفيرها الحاد بين لحظة وأخرى … وانحنى «تختخ» وانبطح على الأرض ووضع أذنه عليها … كانت هذه أفضل وسيلة لسماع صوت أقدام أو حركة فوق الأرض … وسرعان ما التقطت أذنه صوت الأقدام … فوقف واتجه إليها بهدوء … واستطاع برغم الظلام الذي يُخيِّم على الحديقة من أن يرى في الأضواء البعيدة شبح شخصٍ يقف بجوار نافذة غرفته … وكان واضحًا أن الشبح يُحاول النظر … من خلال المصراع الخشبي ليرى ما يدور في الداخل … كان من الصعب جدًّا أن يتبيَّن ملامح الشبح … وأخذ يُفكِّر بسرعة فيما ينبغي عمله … هل يتركه ينصرف حتى يرى ماذا يُريد؟ هل يلتحم معه؟ هل يصرخ في طلب النجدة؟

ووازن بين الاحتمالات الثلاثة … إن الالتحام معه ليس مضمونًا … فهو يبدو ضخمًا … وقد ينتهي هذا الالتحام بهزيمته … وإذا صرخ ففي الأغلب سوف يتنبَّه الشبح … وربما يتمكَّن من الفرار قبل أن يصل إليه أحد …

وهكذا تغلَّب الاحتمال الأول … وظلَّ يرقب الشبح لحظات، وهو يُحاول أن ينظر من خلال المصراع الخشبي … ثم تنازل عن المحاولة وأخذ يدور في الحديقة لحظات، ثم خرج من الباب … وأسرع «تختخ» يقف بجوار السور ليرى أين سيذهب الشبح … ولكنه اختفى تمامًا كأنما انشقَّت الأرض وابتلعته! … ودُهِش «تختخ» لهذا الاختفاء المثير … وفكَّر أن يخرج إلى الشارع، ولكن بعد لحظات من التفكير عاد إلى داخل الفيلا … وأغلق الباب خلفه، ثم دخل إلى غرفته … وقرَّر أن يستيقظ مبكِّرًا في الصباح؛ ليرى آثار تحرُّك الشبح في الحديقة … ربما استطاع أن يعرف شيئًا عنه عن طريق آثار أقدامه …

اضطجع في فراشه مرةً أُخرى وقرَّر أن يستسلم للنوم … ولم يكَد يُطفئ النور ويتمدَّد في فراشه، حتى سمع صوت سيارة يقترب، ثم تدخل إلى الجراج الملحق بالفيلا … وعرف أنها سيارة «مايزر»؛ فقد سمع صوت بابها يُفتَح ثم يُغلَق، وسمع صوت المفتاح وهو يُولَج في القفل، ثم فُتح الباب … لم يسمع صوت أقدام «مايزر» وهو يدخل؛ لعله يلبس حذاءً من المطاط …

وفضَّل «تختخ» أن يتظاهر بالنوم، وخُيِّل إليه أنه يسمع صوت أقدام «مايزر» وهو يتجه إلى غرفته مباشرةً في الدور العلوي … ثم خُيِّل إليه أنه يعود مرةً أخرى … إلى الطابق الأرضي … وتوقَّع أن يذهب إلى المطبخ ليتناول عشاءه … ولكن بدلًا من ذلك سمع صوت قدمَيه بمنتهى الخفة تتجهان إلى غرفته هو … وأحسَّ بقلبه يدق بعنف، ثم توقَّف «مايزر» … أمام غرفته، وخُيِّل إلى «تختخ» أنه يضع أذنه على الباب، كأنه يستمع إلى ما يدور في الغرفة.

أخذ «تختخ» يتنفَّس طبيعيًّا كشخص نائم، وهو شديد الدهشة لما يفعله «مايزر»، ونتيجةً لهذا التنفُّس المنتظم فقد استغرق في النوم … وظلَّ نائمًا حتى الصباح … وعندما استيقظ نظر إلى ساعته … كانت تُشير إلى السادسة صباحًا، وهو الموعد الذي قرَّر أنه يستيقظ فيه … فقد كان من عادته إذا نام وهو مشغول بموعد محدَّد أن يستيقظ في الوقت المناسب.

قفز من فراشه … وأسرع يُعِد الفطور للرجل الذي يعمل عنده … وقد كان يعمل بدقة حتى لا يقع في خطأ ما … وعندما انتهى من إعداده … صعد السلالم إلى غرفة نوم «مايزر»، وأخذ يدق بخفةٍ على الباب … وعندما لم يسمع إجابةً مدَّ يده بهدوءٍ ليفتح الباب … وكم كانت دهشته أن وجده مغلقًا من الداخل!

دقَّ البابَ بعنف أكثر … وسمع صوت «مايزر»: من الداخل؟ … وقف ساكنًا بجوار الباب. مرَّت لحظات قبل أن يفتح الرجل الباب، ثم يقول: صباح الخير … لقد استيقظت … سأنزل حالًا.

عاد «تختخ» إلى الدور الأرضي، ومضت نحو عشرين دقيقة، بعدها نزل «مايزر» … وقد ارتدى ثيابه الكاملة، وكان يبتسم، ولكن عين «تختخ» الخبيرة أدركت أن «مايزر» لم ينَم طويلًا.

تناول الرجل إفطاره وهو ينظر إلى ساعته بين لحظة وأخرى … وعندما انتهى منه … لاحظ «تختخ» أنه يأكل كثيرًا بالنسبة للإفطار كعادة الأوروبيين … ثم غادر المائدة وهو يشكر «تختخ» … ويُثني على إعداده للإفطار.

وغادر الرجل الفيلا مسرعًا في السابعة والنصف … وأخذ «تختخ» يُنظِّف المائدة، وكانت له ملاحظة على طريقة «مايزر» في الأكل.

عندما انتهى «تختخ» من كل شيء … نظر في المرآة ليتأكَّد من تنكُّره … ثم حمل سلة الخضار وخرج إلى السوق ليشتري طعام الغداء … ولكنه قبل أن يذهب إلى السوق تسلَّل إلى حديقة منزلهم … كان والداه مسافرَين، والشغَّالة فقط في المنزل … وقد وجدها تقف أمام الباب وتنظر إليه في دهشة.

ولكن «زنجر» لم ينظر في دهشة، ولم ينتظر لحظةً واحدة … فقد قفز من مكانه، وانطلق إلى المغامر السمين يقفز عليه، ويلعق وجهه … ومن ترحيب «زنجر» ﺑ «تختخ» أدركت الشغَّالة أن «توفيق» يقوم بإحدى مغامراته، وقالت: «توفيق»؟! لقد شغلتَني عليك! …

تختخ: آسف جدًّا … إنني مشغول بعملية ما.

دخل «تختخ» إلى الفيلا وخلفه «زنجر»، وأسرع إلى التليفون. اتصل بالمفتش «سامي» … الذي ردَّ عليه على الفور قائلًا: صباح الخير … كيف حال خادمنا العزيز؟

تختخ: كل شيء بالنسبة لي على ما يُرام … المهم أنني لم أحصل على معلومات بعد.

المفتش «سامي»: إنك لم تقضِ إلا يومًا واحدًا، ومثل هذه المهام قد يستغرق العمل فيها شهورًا … بل سنوات!

قال «تختخ»: سنوات؟! … معنى ذلك أن أتخرَّج من جامعة الخدم والحشم! …

ضحك المفتش وهو يقول: إذا شعرت في أية لحظة بالضيق فيمكنك أن تترك العمل فورًا.

تختخ: على العكس … إنني مستمتع تمامًا بدوري … كل ما هنالك أنني مُتعجِّل أن أعثر على شيء.

المفتش: لا تقلق …

تختخ: لقد لاحظتُ شيئًا ولكني لست متأكِّدًا أنه ذو أهمية.

المفتش: ما هو؟!

تختخ: إنه شيء يتعلَّق بطريقة أكل «مايزر»!

المفتش: طريقة أكله! … لا أفهم ماذا تقصد بالضبط.

تختخ: إنني نفسي لست متأكِّدًا … ومن الأفضل أن أنتظر حتى أتأكَّد، ثم أتصل بك.

المفتش: إذن إلى اللقاء في مكالمة أخرى.

تختخ: إلى اللقاء.

وضع «تختخ» السمَّاعة، ثم فكَّر لحظات، ثم اتصل ﺑ «محب» الذي صاح: أين أنت؟! إن المغامرين يسألون عنك.

تختخ: إنني في مهمة بسيطةٍ تحتاج لمغامر واحد … ولكن أحتاج لمساعدتكم!

محب: يُسعدنا طبعًا أن نشترك معك.

تختخ: إنك تعرف شارع ١٩ … في نهايته فيلا قديمة تُحيط بها حديقة واسعة … إنني أعمل في هذه الفيلا كخادم … ولاحِظ أن مُهمَّتي سرية جدًّا … ولن أقول لكَ أكثر من ذلك … وأمس ليلًا وأنا متمدِّد في الفيلا ظهر شخص لا أعرفه في الحديقة وطاف حول الفيلا … وقد تسلَّلتُ خلفه في الظلام … ولكني لم ألتحم معه … وقد اختفى دون أن يترك أثرًا.

محب: ثم ماذا؟

تختخ: إنني سأعود إلى البيت لتفتيش الحديقة؛ لعلني أعثر على أثر له … ولكن ما أطلبه منك هو أن تكون بجوار التليفون ليلًا … وتكون جاهزًا للحركة … فإذا ظهر الشبح في الحديقة فسوف أطلب منكَ الحضور.

محب: هل أحضر وحدي إذا دعوتَني؟

تختخ: يمكن أن تُوزِّعوا أنفسَكم حول الفيلا.

محب: هل أُحضر «نوسة» و«لوزة» أيضًا؟

فكَّر «تختخ» لحظات، ثم قال: لا … لا داعي لهما … إن الرجل يحضر في ساعة متأخِّرة … يكفي أنت و«عاطف» …

محب: إذن سأكون في انتظار تليفونكَ في أية لحظة.

دخل «تختخ» غرفة التنكُّر … وأخذ يُصلح من تنكُّره وهو غارق في التفكير … كان يُفكِّر في طريقة «مايزر» في الأكل … شيء ما لفت نظره، ولكن ليس له تبرير. ثم انتقل تفكيره إلى الموقف الذي هو فيه … إنه لم يحصل على شيء … ولعل «محب» و«عاطف» يتعرَّضان للخطر ليلًا … وتعليمات المفتش «سامي» واضحة، في أنه يجب أن يعمل وحده.

أحسَّ «تختخ» أنه مرتبك … وغادر المنزل وهو يحمل سلة الخضار … ويحمل في رأسه عشرات الأفكار … وحاول «زنجر» أن يتبعه … ولكنه حدَّثه قائلًا: لستُ في حاجة إليكَ الآن يا «زنجر» … ولكن ربما بعد ساعات أو أيام أحتاج إليك.

وفهم الكلب الذكي ما يُريده صاحبه … فأحنى رأسه، وأدخل ذيله بين ساقَيه، ثم عاد إلى كوخه الخشبي في نهاية الحديقة، وأخذ ينظر إلى صاحبه بنظرات كلها لوعة وأسًى.

ذهب «تختخ» إلى سوق الخضار في وسط «المعادي» … وأخذ يشتري لوازم الطعام، كأي ربة بيت عاقلة … ثم أخذ طريقه إلى الفيلا مسرعًا … كان يُريد أن يبحث عن آثار للرجل الذي حضر ليلًا … ربما ترك شيئًا، أي شيء يدل على شخصيته.

وصل إلى الفيلا في نحو الساعة العاشرة … وكان أمامه بعض الوقت قبل أن يبدأ في إعداد الطعام … فخرج إلى حديقة الفيلا … وأخذ يلف ويدور فيها وعيناه تبحثان عن شيء … أي شيء، يمكن أن يدلَّه على شخصية شبح الليل … وطال الوقت وهو يلف ويدور، ودون أن يرى أي شيء … أكثر من الأوراق المتساقطة على الأرض. وخطر له شيء مدهش … إن «مايزر» لا يستخدم أحدًا للعناية بالحديقة … برغم أنه يعلم حب الأوروبيين عمومًا للحدائق والورود والأشجار … كان خاطرًا مثيرًا … واقترب من الكوخ القديم في طرف الحديقة … ودار حوله … كان مبنيًّا بالحجر الأبيض الذي أحالت الأيام لونه إلى الاصفرار … وقد غطَّته الأشجار المتسلِّقة … واختفى بابه ونوافذه خلف الأشجار والأوراق … وكان واضحًا أنه لم يُستخدم منذ زمن طويل.

أحسَّ «تختخ» بعد ساعة من المشي والبحث بخيبة الأمل … لقد عاد باستنتاج سلبي واحد … أن «مايزر» لا يستخدم أحدًا للعناية بالحديقة … فهل يعني هذا شيئًا؟

عاد إلى الفيلا … واهتمَّ أن يُنظِّف حذاءه جيدًا من آثار الحديقة … ثم وقف أمام المرآة لحظات أصلح فيها من تنكُّره … ثم انهمك في تقشير البطاطس … وإعداد اللحم … ووضع كلَّ ذلك على «البوتاجاز» … وهو يدعو الله أن تخرج «الطبخة» جيدة، حتى لا يتعرَّض موقفه عند «مايزر» … لأي مضايقات.

جلس في مقعده أمام «البوتاجاز» يُفكِّر … إن الحادث الذي وقع للرجل الذي هرب … يدل على أنه كان قادمًا من «المعادي» … وأنه كان يحمل معه الأفلام الدقيقة، التي تكشف عن أسرار خطيرة … ومعنى ذلك أن الجاسوس الذي قام بالتصوير موجود في «المعادي» … فهل هو «مايزر»؟

إن هذه هي مُهمَّته … أن يعرف إذا كان «مايزر» أو لا … وشكوك المفتش «سامي» في «مايزر» لها ما يُبرِّرها … فهو يعيش وحده تمامًا … وهو يطلب خادمًا صغيرًا فهو يخشى الكبار؛ لأنهم قد يكونون من رجال الأمن … إذن فشكوك المفتش «سامي» لها ما يُبرِّرها … خاصةً إذا أُضيف إليها شبح الحديقة الذي جاء أمس … ربما يكون لصًّا عاديًّا، وربما يكون رجلًا له صلة بعملية التجسُّس …

وخطر بباله شيء مدهش … استنتاج آخر بعد استنتاجه الأول، وهو عدم استخدام «مايزر» لرجل يعتني بالحديقة … وهذا الاستنتاج الثاني هو إذا كان الرجل الذي أُصيب في الحادث قد هرب من مستشفى «المعادي» … فأين ذهب؟ إنه مصاب بجروحٍ خطيرة، كما قال الأطباء … وليس باستطاعته الذهاب إلى القاهرة وهو بهذا الحال … والحل الوحيد أن يذهب إلى «المعادي» لأنها قريبة … نحو كيلومتر واحد ويصل إليها … إذن فقد عاد المصاب إلى «المعادي»، فإلى أين يذهب؟ المعقول جدًّا أن يذهب إلى الرجل الذي يتعامل معه … إلى الجاسوس.

فهل هذا الجاسوس هو «مايزر»؟ إن الحادث مضى عليه أربعة أيام، وهي مدة لا تكفي لشفاء المصاب … فأين هو؟ … إذا كان عند «مايزر» فأين يُخفيه؟ … الحل الوحيد أن يُخفيه في كوخ الحديقة … ولكن من الواضح جدًّا أن الكوخ لا يُستخدم أبدًا … فالباب غائص في الأرض، والنوافذ مغلقة وعليها الصدأ، والأتربة وأوراق وأغصان الشجر … إذن أين يختفي الرجل الهارب؟!

وفجأةً خطرت بباله الغرفة المغلقة في الدهليز … نعم الغرفة المواجِهة لغرفته … وللمطبخ مباشرة … لماذا هي مغلقة؟ استولى على «تختخ» نوع من الرعب … هل من الممكن أن يكون الرجل المصاب معه في الفيلا نفسها؟ معه الآن، على بعد خطوات منه؟! … وتذكَّر تحرُّكات «مايزر» في الليل … إنه ليس متأكِّدًا تمامًا ممَّا حدث … ﻓ «مايزر» يستعمل حذاءً من المطاط من الصعب سماع صوته … ولكن ما توهَّم أن ما سمعه أمس عند عودة «مايزر» … ليلًا، زاد من شكِّه في الغرفة المواجهة لغرفته … لقد خُيِّل إليه أن «مايزر» وقف أمام غرفته … ولكن لعله وقف أمام الغرفة الأخرى … وربما دخلها … فقد استغرق «تختخ» في النوم، ولم يعرف ماذا فعل «مايزر».

أخذ ذهن «تختخ» يعمل بسرعة الصاروخ وهو جالس في مكانه … هل يقوم الآن ويُحاول فتح الغرفة المواجهة له؟ هل يجد فيها الرجل الهارب؟! إن ذلك سيكون «خبطة العمر» بالنسبة له … ففي يومٍ واحدٍ استطاع أن يحلَّ لغز الجريح الهارب … والجاسوس المجهول. ولكن إذا كان الرجل الجريح موجودًا في الغرفة … وسمع وشاهد محاولة فتح الباب، فسوف يُخبر «مايزر» بالطبع … وتكون كارثة!

ماذا يفعل بالضبط؟!

وشمَّ رائحة الطعام تتصاعد … وقفز على الفور … لقد خشي أن يحترق الطعام … ورفع غطاء حلة الطعام … وتصاعدت رائحة البطاطس واللحم، وأحسَّ «تختخ» برغم الموقف أن ريقه يجري … فهو يُحب الطعام، وهو جائع … وملأ طبقًا بالبطاطس، وأخذ يلتهمه سعيدًا … لقد وصل إلى استنتاجات مهمَّة … ولم يبقَ إلا أن يستخدمها جيدًا ليصل إلى حلِّ لغزٍ من أهم الألغاز التي اشترك فيها.

قرَّر «تختخ» بعد أن ملأ بطنه بالطعام … أن يتصرَّف بشكل طبيعي جدًّا … فخرج من المطبخ وهو يُصفِّر في هدوء … كأي شخص يُؤدِّي واجبه، ومشى أمام الغرفة، وأخذ ينظر إلى بابها، وتجاوزها ببضعة أمتار، ثم خلع حذاءه بهدوء شديد … وعاد على أطراف أصابعه، ووقف أمام الباب ووضع أذنه عند مكان المفتاح، وأخذ يُنصت باهتمامٍ شديدٍ وبتركيز … ولكنه لم يسمع شيئًا مطلقًا، ومدَّ يده ليُدير مقبض الباب، ولكنه تردَّد.

وبعد لحظات قرَّر ألَّا يفعل هذا؛ إن أي خطأ يقع فيه سوف يُنهي مغامرته بفشل ذريع.

وعاد إلى حذائه يلبسه … ودخل إلى المطبخ مرةً أخرى، وأخذ يُنظِّف الآنية والأطباق حتى انتهى من كل شيء … ثم أعدَّ لنفسه كوبًا من الشاي، وخرج من الفيلا إلى الحديقة، واختار كرسيًّا قريبًا من الباب، ثم جلس … وأخذ يشرب الشاي باستمتاع، وهو يتأمَّل سور الفيلا الضخم، إنه يُشبه أسوار القلاع بضخامته غير العادية … وقد التفَّت حوله أغصان الأشجار العجوزة، فبدا المشهد كله … كأنه عالم بعيد وليس في «المعادي» …

واستمرَّ «تختخ» في جلسته، وقد بدأت سلسلة الاستنتاجات تترابط … وسرعان ما وصل إلى قرار هام … أن يُحاول الحصول على سلسلة مفاتيح «مايزر» … إنه بالطبع لا يستطيع أن يستبقيها عنده أكثر من لحظات قليلة … وهو لا يحتاج إلا لهذه اللحظات … فيقوم برسم كلِّ مفتاح على ورقة، ويطلب من المفتش «سامي»، أن يُعِد له مجموعةً من المفاتيح … سيكون بالتأكيد بينها مفتاح الغرفة … وبعد أن يدرس كلَّ احتمال، يُغامر بفتحها.

لم يكَد «تختخ» ينتهي من كوب الشاي … حتى سمع صوت سيارة «مايزر» «المرسيدس» … وهي تدور حول الفيلا ثم تدخل … وقام «تختخ» مسرعًا فدخل إلى الفيلا … وبعد لحظات كان «مايزر»، يفتح الباب بمفتاحه الخاص ويدخل … وبخطواته غير المسموعة أحسَّ به «تختخ» وهو يقف على باب المطبخ ويقول «هالُّو».

استدار «تختخ» وقال: مرحبًا يا سيد «مايزر» … هل تتغدَّى؟

مايزر: بعد ربع ساعة بالضبط!

تختخ: سيكون كل شيء مُعدًّا!

واختفى «مايزر» … وأخذ «تختخ» يُعِد الأطباق ويضع الطعام وهو يستعين بكلِّ ما يذكره عن والدته، من أناقة في تقديم الطعام … وأسرع يجمع بعض الزهور من الحديقة، ونسَّقها بسرعةٍ في زهرية بيضاء وضعها على المائدة … وبعد ربع ساعة بالضبط كان «مايزر» ينزل السلَّم الرخامي الداخلي، ويتجه إلى قاعة الطعام … ووقف «تختخ» جانبًا، وسمع «مايزر» وهو يُصفِّر في سعادةٍ قائلًا: إنكَ ولد شديد المهارة … منذ مدة طويلة … لم أُشاهد مائدةً بهذا الجمال … أرجو أن يكون الطعام لذيذًا.

تختخ: أرجو ذلك يا سيدي.

جلس «مايزر» إلى المائدة، وأخذ يتذوَّق الطعام بسرعة، ثم صاح: هائل!

وانسحب «تختخ» وهو يشعر بالسعادة … لقد أدَّى دوره جيدًا … وسوف يكون في إمكانه الاستمرار في العمل فترةً أخرى.

جلس «تختخ» في المطبخ، وأخذ يُفكِّر كيف سيستولي على سلسلة مفاتيح «مايزر» … هل يصعد إلى الطابق العلوي الآن؟ إن «مايزر» سينتهي من طعامه في دقائق … وقد يصعد إلى فوق فجأة … ليترك هذا إذن إلى وقت مناسب.

انتهى «مايزر» من طعامه في نحو نصف ساعة … ثم استدعى «تختخ» وقال له: سوف أنام بعض الوقت … أرجو ألَّا يوقظني أحد قبل الخامسة … وسكت لحظات، ثم قال: إنني سوف أزيد مرتبك إلى عشرين جنيهًا شهريًّا … فأنت طبَّاخ ماهر فعلًا.

شكَره «تختخ» ونظر إلى مائدة الطعام … ومرةً أخرى لاحظ الملاحظةَ نفسها التي سبق أن أحسَّ بها بعد إفطار «مايزر» … إن هناك شيئًا غير طبيعي في هذا الرجل … ولكن ما هو؟

أخذ يرفع الأطباق … ثم غسلها … ونظر إلى ساعته … كانت تُشير إلى الثالثة، معنى هذا أن أمامه ساعتَين يقضيهما بلا عمل … فماذا يفعل؟ شيء ما دفعه لأن يخرج مرةً أخرى إلى الحديقة … وأخذ يتمشَّى فيها وهو يتطلَّع إلى الأرض مفكِّرًا … وفجأةً أحسَّ أن هناك من يُراقبه … وتوقَّف لحظات، ثم استمرَّ في السير؛ حتى لا يشعر من يُراقبه أنه عرف … وأخذ يُفكِّر فيمن يُراقبه … من أين؟

كانت الفيلا ملتصقةً بالسور … فاضطُر للعودة، واتجه إلى ناحية بعيدة من الفيلا، وتظاهر أنه يتطلَّع إلى الأشجار … ورمق نوافذ غرفة «مايزر» بلمحةٍ سريعة، وخُيِّل إليه أنه يرى شبحًا خلف الستائر … إنه «مايزر» … إذن فهذا الرجل الطويل هو في الأغلب الجاسوس … ولإبعاد أي شكٍّ فيما يفعل في الحديقة، أخذ يقطف بعض الزهور … ويُزيل بعض الأوراق اليابسة … واستمرَّ في عمله فترةً طويلة، ثم جمع الزهور ودخل إلى الفيلا … غسل يدَيه ووجهه … ونظر في المرآة ليطمئن على تنكُّره …

جلس في كرسيه واستغرق في التفكير … حتى إذا أشرفت الساعة على الخامسة، قام واتجه إلى غرفة «مايزر»، ودقَّ الباب مرتَين … وسمع «مايزر» بعد أن استيقظ يطلب إعداد فنجانٍ من القهوة.

نزل «تختخ» إلى المطبخ وقام بإعداد القهوة، وهمَّ بالصعود إلى الطابق الثاني، فوجد «مايزر» يهبط السلَّم … وسمعه يقول له: إنكَ تُحب الزهور.

ردَّ «تختخ»: نعم يا سيدي.

مايزر: إنني أيضًا أحبها؛ لهذا لا أستأجر بستانيًّا للعناية بالحديقة، وأقوم بالعناية بها في أيام إجازتي … أليس هذا شيئًا مسليًا؟

تختخ: بالطبع يا سيدي.

مايزر: بالمناسبة … متى تأخذ إجازتك؟

تختخ: ليس من المهم عندي أخذ أي إجازة.

مايزر: لا … لا بد أن تحصل على إجازة … وستكون يوم الأحد؛ لأنني أيضًا آخذ إجازتي في هذا اليوم … وكل ما أرجوه منكَ أن تُعد لي كميةً كبيرةً من الطعام، تكفي في أثناء غيبتك.

دخل «مايزر» إلى الصالون … حيث تناول القهوة، وتحدَّث تليفونيًّا، ثم غادر المنزل.

كان اليوم هو يوم الجمعة، ومعنى ذلك أن إجازة «تختخ» ستكون بعد غد … وعليه أن يُحاول الحصول على سلسلة المفاتيح اليوم أو غدًا … فالوقت يمضي سريعًا، وكلما مرَّ الوقت تضاءلت فرصة العثور على الجريح الهارب … وقرَّر أن يقوم بتفتيش الفيلا مرةً أخرى.

صعد إلى الطابق الثاني … ومرةً أخرى قسَّم الغرف، وأخذ ينظر في كل غرفة جيدًا، قبل أن يقوم بالتفتيش … حتى يُعيد كلَّ شيء إلى مكانه، دون أن يُحس «مايزر» …

وانتهى من تفتيش الغرف دون أن يعثر على شيء … ولم يبقَ سوى الحمَّام … وفكَّر ألَّا داعي لتفتيشه … ولكن حاسة المغامر فيه دفعته إلى الدخول … كان الحمام كأي حمام آخر … وأدوات «مايزر» كالمشط، وماكينة الحلاقة، والفرشاة، ومعجون الأسنان، والكولونيا … كلها عادية … ولكن ثمة شيء جديد لفت نظر «تختخ» إلى هذه الأدوات العادية … شيء لم يرَه من قبلُ عندما قام بالتفتيش في المرة السابقة.

كانت علبة صغيرة … تُرِكت مفتوحةً دليلًا أن «مايزر» قد نسي أن يُغلقها، ويضعها بعيدًا عن الحوض … وأخذ «تختخ» يتأمَّل العلبة دون أن يمد يده … كانت علبةً زرقاء مستديرة … وبها نوع من الكريم أصفر اللون … فهل يعني هذا أي شيء؟

لم يكن بالطبع يعني شيئًا … وأمسك «تختخ» بغطاء العلبة وأخذ يقرأ ما عليه … ولكنه كان باللغة الألمانية التي لا يعرف عنها شيئًا، وفكَّر لحظات، وأسرع يُحضر ورقةً وقلمًا، ثم نقل الكلمات المكتوبة على العلبة … ثم ترك الغطاء مكانه بالضبط … وأسرع ينزل إلى الطابق الأول.

أمسك بسمَّاعة التليفون واتصل بالمفتش «سامي»، وردَّ المفتش على الفور سائلًا: هل هناك جديد؟

تختخ: للأسف … ليس هناك أي جديد … ولكن …

وصمت «تختخ» لحظات، فقال المفتش يستحثه: ولكن ماذا؟

تختخ: ولكن أُحسُّ بشيء ما … أُحِسُّ أن «مايزر» هو رجلنا.

قال المفتش: إنني أثق في إحساسك كمغامر … ولكن أليست هناك أية وقائع؟

تختخ: لا وقائع … ولا حتى استنتاجات مؤكَّدة … إنني أُريد خدمة.

المفتش: ما هي؟

تختخ: بضع كلمات باللغة الألمانية، أُريد أن أُترجمها.

المفتش: قلها لي … وستحصل على الترجمة فورًا.

وأملى «تختخ» الكلمات الألمانية على المفتش الذي قال: اتصل بي بعد عشر دقائق فقط.

ووضع «تختخ» السمَّاعة وجلس مُفكِّرًا، ما معنى اهتمامه بعلبة صغيرة، بها كريم ربما للبشرة أو الشعر، أو مرهم للجلد؟ … ما معنى هذا؟! إنه بدأ يخرف … وكانت عيناه على عقرب الدقائق، حتى إذا أتمَّ عشر لفَّات رفع سمَّاعة التليفون، وطلب المفتش الذي قال له: مكتوب على العلبة … مرهم خاص بالعين … من إنتاج شركة «باير» في ألمانيا، هذا كل ما هنالك.

سكت للحظات لا يرد … كانت الكلمات تدور في ذهنه كالبرق … خاص بالعين … بالعين … العين …

وشكر المفتش ووضع السمَّاعة، وما زالت الكلمة تدور في رأسه … العين … العين …

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤