سلسلة المفاتيح …

اتصل «تختخ» ﺑ «محب» تليفونيًّا … كان يُحس بالضيق ويُريد أن يُنفِّس عمَّا بصدره … وردَّ «محب» متلهِّفًا: هل من جديد؟ هل نقوم الليلة بالمراقبة؟

تختخ: لا … ولكن اسمع يا «محب» … إنني أُحس أنني مقدم على مغامرة رهيبة … وأحتاج إلى أن تُتابعني … إن مواعيد الرجل الذي أعمل عنده، من السابعة صباحًا … وهو يخرج حوالي السابعة والنصف، ويعود في الثالثة، ثم يخرج في الخامسة ويتأخَّر بعد ذلك في العودة … فأرجو أن تدق لي التليفون كل يوم، في هذه المواعيد التي يكون «مايزر» فيها خارج المنزل … فإذا لم أردَّ عليك في أية مرة … فلا بد أن شيئًا سيئًا قد حدث لي …

محب: لِمَ تقول هذا الكلام؟! هل تُحس بالخوف من شيء؟

تختخ: لا شيء … إنه فقط مرهم للعين.

محب: ماذا تقول؟

تختخ: آسف … إن الكلمات خرجت بالرغم عني …

محب: مرهم للعين؟! …

تختخ: نعم … إن لهذا دلالةً كبيرة … وربما لا تكون له دلالة على الإطلاق.

محب: إنك اليوم في منتهى الغموض.

تختخ: لأن القضية في منتهى الغموض أيضًا.

محب: ألَا نستطيع أن نُساعدك في شيء؟

تختخ: لا … شكرًا … شكرًا … فقط اتصل بي في المواعيد التي قلتُ لكَ عنها … ولا تنسَ ذلك.

محب: هذه مسألة مُهمَّة.

تختخ: وكيف حال «عاطف» و«نوسة» و«لوزة»؟

محب: كلنا على ما يرام … ولكن «لوزة» متضايقة جدًّا لأنك تعمل وحدك … إنها تُريد أن تشاركك.

تختخ: قد أحتاج إليها قريبًا … إلى اللقاء.

وضع «تختخ» السمَّاعة … ثم نزل إلى المطبخ … كان المساء قد هبط … فأضاء النور، وأخذ يُعِد بعض الطعام على حسب اتفاقه مع «مايزر» ليوم إجازته … يوم الأحد … ومرَّ الوقت سريعًا، وأشرفَت الساعة على التاسعة والنصف … وكان قد انتهى من عمله، فوضع الطعام على المائدة حتى يبرد، ثم يضعه في الثلاجة … ودخل الحمَّام فاغتسل، وبعد ساعة كان كلُّ شيء في مكانه … الطعام في الثلاجة … وعشاء «مايزر» الخفيف في غرفة المائدة، وأوى «تختخ» إلى فراشه متعبًا، وما تزال الكلمات التي وجدها على العلبة الصغيرة، في حمَّام «مايزر» ترن في أذنه …

هبَّت الريح قويةً تلك الليلة … وأخذَت تعبث بالأشجار والنوافذ … ولأن الفيلا كانت قديمةً جدًّا … فقد استطاعت الرياح أن تهز كلَّ شيء فيها … حتى خُيِّل ﻟ «تختخ» وهو على وشك النوم أن الفيلا سوف تسقط، ولكنه استغرق في النوم … فقد تغلَّب تعبه على خوفه …

لا يدري «تختخ» كم فترةً من الوقت قضاها نائمًا … ولكنه كعادته استيقظ في الوقت المناسب، وبرغم ضآلة الصوت … أدرك أن ثمَّة أقدامًا تمشي في الممرِّ أمام غرفته … استيقظ فورًا … وتنبَّهت حواسُّه كلها، وأصغى السمع لحظات، ثم قام من فراشه بهدوء، وأسرع إلى الباب ووضع أذنه على فتحة المفتاح، كان من المؤكَّد أن ثمَّة شخصًا يفتح باب الغرفة المواجهة لغرفته مباشرة … سمع الباب القديم يُفتَح … ثم يُغلَق بعد لحظات … وعلى الفور خرج من غرفته محاذرًا، وعلى ضوء الممرِّ الخافت لاحظ سلسلة مفاتيح في الباب، ما زالت تهتز … ولم يشكَّ لحظةً أنها سلسلة مفاتيح «مايزر»؛ فقد شاهدها من قبل.

دقَّ قلب «تختخ» سريعًا … لقد وقع على أول دليل ملموس، للحياة السرية التي يعيشها «مايزر» … فالغرفة المغلقة إذن فيها سر … وخلف هذا الباب تقع أحداث غامضة، فماذا يفعل؟

كالعادة … دارت الأحداث في ذهنه سريعًا … وأخذت القرارات تتضارب … هل يفتح الباب ويرى؟ … من المؤكَّد أن هذا سيكون أكبر خطأ ارتكبه في حياته … فلا شكَّ أن «مايزر» أقوى منه، وفي إمكانه التغلُّب عليه … وقد يكون مع «مايزر» آخرون، يمكن أن يشتركوا في القضاء عليه في لحظات.

هل يتصل بالمفتش «سامي» … إن الوصول إلى التليفون يستغرق وقتًا، والساعة الآن نحو الثانية صباحًا، والمفتش نائم … وحتى يوقظه، ويقوم المفتش بالاتصال برجاله، ووصوله إلى الفيلا، يكون «مايزر» قد أفلت … هل يُغلِق الباب بالمفتاح على «مايزر» في الغرفة؟ … إن ذلك سيلفت نظر «مايزر»، ويستطيع هو ومن معه كسر الباب والهرب … الحل … أين الحل؟!

ووجد الحل … مدَّ يده بهدوء شديد وسحب المفتاح من الباب، وفي خطوات قليلة كان في غرفته، وأخرج دفتر مذكراته وقلمه … ووضع المفتاح على الصفحة البيضاء، ودار حوله بالقلم … وحصل بهذا على المقاسات الدقيقة للمفتاح، ثم فعل الشيء نفسه لبقية المفاتيح … وعاد مسرعًا إلى الممر ونظر … كان كل شيء على ما يرام، وأسرع يدس المفتاح مكانه، ثم يعود إلى غرفته ويُغلق الباب عليه ويتمدَّد.

ظلَّ متمدِّدًا في فراشه طويلًا … ينظر إلى ساعته بين لحظةٍ وأخرى، ومرَّت ساعة من غير أن يخرج «مايزر» من الغرفة السرية، وأخرج «تختخ» نماذج المفاتيح التي رسمها، وأخذ على ضوء مصباحه الصغير يتأمَّلها … كانت هذه مفاتيح … مفتاحان للسيارة … مفتاح لباب الفيلا، مفتاح صغير رقيق، مفتاح كبير من النوع القديم، ومفتاح الغرفة …

كان يُفكِّر في المفتاح القديم … والمفتاح الصغير الرقيق، ما هي مهمتهما في حياة «مايزر»؟ وهل يُخفي كلٌّ منهما سرًّا، كمفتاح باب الغرفة؟ هذا ما ستكشف عنه الأيام … ظلَّ مستيقظًا حتى الرابعة والنصف، ثم عاود النوم …

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤