تختخ والشاويش «فرقع»

استيقظ «تختخ» في صباح اليوم التالي … في السادسة كعادته … وقام بواجباته في الفيلا … واستيقظ «مايزر» في موعده … وبرغم محاولته التظاهر بالنشاط والمرح، فإنه بدا متعبًا … من أثر سهرته الطويلة في الغرفة المغلقة. وتناول إفطاره مسرعًا، ثم غادر الفيلا …

جلس «تختخ» يتناول إفطاره وهو مستغرق في خواطره … ومضت نحو ساعةٍ بعد أن شرب الشاي، وهو جالس في مكانه …

وفجأةً دقَّ جرس التليفون … وكان «محب» هو المتحدِّث على حسب اتفاقهما، وقال «تختخ»: اسمع يا «محب»، قابِلني بعد ساعة بالضبط في سوق الخضار.

محب: أين بالضبط؟

تختخ: عند الست «أم سيد» التي تجلس في بداية السوق، هناك شيء هام أُريد أن تتولَّاه.

ووضع السمَّاعة وفكَّر … هل يعتمد على «محب» في إعداد المفاتيح المصطنعة أو يُرسلها للمفتش «سامي»؟

وقرَّر أن يُرسل نماذج المفاتيح مع «محب» للمفتش «سامي» … وأخذ النماذج معه وأعاد النظر في تنكُّره، ثم حمل سلَّة الخضار وخرج. مشى هادئًا حول سور الفيلا يتأمَّله، وفي ذهنه عشرات من الخواطر، لماذا اختار «مايزر» هذه الفيلا القديمة؟ ولماذا السور الضخم الذي يُشبه سور قلعة حصينة؟ وماذا تُخفي الغرفة المغلقة من أسرار؟ وقبل كلِّ هذا كيف يتمكَّن «مايزر» من تصوير الرسومات السرية؟ وأين الرجل الجريح؟ عشرات الأسئلة مثل هذه كانت تخطر على بال «تختخ» وهو يمشي في طريقه إلى السوق، وقد استغرق في خواطره تمامًا، حتى إنه لم يلتفت إلى شيء، ويصطدم به … فيوقعه أرضًا، ويُطيح بالسلَّة إلى الشارع … ورفع «تختخ» عينَيه وهو واقع على ظهره، ينظر إلى راكب الدرَّاجة … ولكي تكتمل دهشته … وجد الشاويش «فرقع» ينظر إليه بحدة.

تجمَّع الناس حول «تختخ» والشاويش … وبرغم أن «تختخ» كان غاضبًا، ويُريد أن يُرسل بعض قذائفه الكلامية إلى الشاويش، إلا أن المهمَّة التي يقوم بها جعلته ينظر إليه في سخط دون أن ينطق بكلمة.

قام أحد الواقفين بالإمساك بالسلَّة … وتقدَّم آخر يُساعد «تختخ» على النهوض، في حين كان بعض المارة يتحدَّثون عن الحادث قائلين: الحمد لله … بسيطة … لم يُصَب أحد بسوء.

صاح الشاويش فجأة: إنني أعرف هذا الولد!

سقط قلب «تختخ» بين ضلوعه، إنه لا يُريد أن يُعطِّله شيء عن مُهمَّته، وإذا لم يذهب للقاء «محب»؛ فسوف ترتبك خطته، فقال بصوتٍ مغاير لصوته: تعرفني أنا؟! قال الشاويش وهو يتقدَّم منه: نعم … إنني أعرفك … وأنتَ الذي قصدتَ أن تقف أمامي حتى تُعطِّلني عن عملي!

تختخ: هل تظن يا حضرة الشاويش أنني أُعرِّض نفسي للموت أو للإصابات … لمجرَّد أني أُريد أن أُعطِّلك عن عملك الذي لا أعرف عنه شيئًا!

أمسك الشاويش بشاربه، وأخذ يبرمه وهو مستغرق في التفكير … يُغمغم بين لحظةٍ وأخرى … نعم … نعم … إنني رأيتُك من قبل، ولكن لا أذكر أين … إن وجهك ليس غريبًا عني … إنني …

أدرك «تختخ» أنه في مأزق … فلو عرفه الشاويش ما تركه، وسوف يسأله لماذا هو متنكِّر، وسيظن أنه مشترك في مغامرة، وسيتبعه … وستُصبح المسألة كارثةً محقَّقة، خاصةً أن إجازته غدًا … وسوف ينفصل عن المغامرة، وقد يعود إلى الفيلا يوم الإثنين، فلا يجد «مايزر» ويخسر كلَّ شيء.

كان يُفكِّر في سرعة وهو يُحاول أن يتحرَّك … ولكن الشاويش مدَّ يده يستوقفه وهو يقول: قد تكون من بين المشتبه فيهم، لا بد أن تأتي معي إلى القسم!

أحسَّ «تختخ» بالدنيا تدور حوله … القسم … القسم … معناه أن موعده مع «محب» سيمر، وأن «محب» سيتصل به في الفيلا فلا يجده، ويُخبر المفتش «سامي»، وتنقلب الدنيا ويخسر كلَّ ما فعل … وإذا شرح المسألة للشاويش، فسوف يُقيم الشاويش الدنيا ويُقعدها؛ لأن الأولاد — كما اعتاد أن يُسمِّي المغامرين الخمسة — يُعطِّلون سير العدالة … وفي حين هو في هذه الدُّوامة الرهيبة، شاهد وجهًا صغيرًا يُطل من بين الواقفين، وتلاشى خوفه … وابتسم.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤