عندما تظهر «لوزة»

لم يكن الوجه الصغير إلا وجه «لوزة» … وعندما شاهدها «تختخ» وهو يُنظِّف ملابسه، ابتسم … فقد أدرك أنه قد تمَّ إنقاذه من براثن الشاويش.

وقالت «لوزة» موجِّهةً حديثها إلى الشاويش «فرقع»: إنني أعرف هذا الولد يا حضرة الشاويش … أعرفه جيدًا …

نظر إليها الشاويش بارتياب شديد وقال: ما دخلك أنتِ في هذا الموضوع؟!

ردَّت «لوزة» بثبات: لقد سمعتُ صوتك وأنت تتحدَّث إليه، وتقول إنك تعرفه … فدخلت بين الواقفين، ونظرت إلى من تتحدَّث وعرفته على الفور.

الشاويش: من هو؟

لوزة: إنه «عبد التواب» الذي يعمل عند السيدة «ليلى» جارتنا.

عاد الشاويش يبرم شاربه في ارتياب وقال: «عبد التواب» … «عبد التواب» … إنني لا أعرف السيدة «ليلى» التي تتحدَّثين عنها!

لوزة: «ليلى» زوجة الأستاذ «خالد» … ألَا تعرفه؟!

ثار الشاويش فجأةً وقال: ما لكِ أنتِ وما لي؟! … لا تتدخَّلي في عملي … سآخذه إلى القسم وسأتحرَّى عنه!

قال «تختخ» بصوته المزيَّف: ليس لكَ الحق في ذلك … أنتَ الذي أخطأت، وسأجعل الأستاذ «خالد» يشكوك إلى رؤسائك!

زادت ثورة الشاويش واحمرَّ وجهه، وارتعش شاربه … وقال: أنت تشكوني أيها الصعلوك الصغير؟! … إنني سأضعك في السجن!

تختخ: لا أحد يدخل السجن بدون تهمة … وأنا لم أفعل شيئًا.

الشاويش: فعلتَ أو لم تفعل … ستأتي معي إلى القسم … فإذا اتضح أنكَ لم تفعل شيئًا حقًّا كما تقول؛ أفرجت عنك!

تختخ: ووقتي الذي سيضيع؟

قال الشاويش وهو في غاية الغضب: وقتك! … هل أنت مهم إلى هذا الحد؟ هل تظن نفسك مدير الأمن العام؟

تدخَّلت «لوزة» في الحدي، وقالت: ونقوده التي ضاعت؟! …

أدرك «تختخ» أن «لوزة» تُدبِّر خطةً فقال: نعم … نقودي … نقودي … سوف تتهمني السيدة «ليلى» … بأنني أضعتها … أو سرقتها … أين نقودي؟

وفي هذه اللحظة ظهرت «نوسة» ثم «عاطف»، ورقص قلب «تختخ» طربًا … إن المغامرين حوله … وسوف يُخرجونه فورًا من هذا المأزق المخيف.

قال «عاطف»: لقد شاهدتُ نقودًا معدِنية تقع على الأرض!

صاح الشاويش: أنت … أنت أيضًا … كيف شاهدت ذلك وأنت لم تحضر إلا الآن؟

عاطف: إنني كنتُ أقف على الرصيف عندما صدمتَ هذا الولد الغلبان بدرَّاجتك … إنني أشهد أنكَ أنتَ المخطئ.

كانت ثورة الشاويش قد بلغت قمتها … وزاغت عيناه، وهو يُمسك بدرَّاجته التي التوى إطارها الأمامي … في حين قالت «نوسة»: لنبحث عن النقود!

وانحنى جميع الواقفين يبحثون عن النقود … وبينهم انحنى «تختخ» أيضًا … ثم أخذت الدائرة تتسع … وصاح أحد الباحثين: وجدت هذه القطعة!

كانت قطعةً من ذات العشرة القروش … وابتسم «تختخ»؛ فقد أدرك أن أحد المغامرين هو الذي ألقاها …

وصاح آخر: قطعة أخرى!

وقال أحد الرجال: إنكَ ظلمتَ هذا الولد أيها الشاويش.

وخلفه تصايح الواقفون: لقد أوقعتَه أرضًا! لقد أضعت نقوده! لقد جرحته! … لقد عطَّلته عن عمله! …

أخذَت الصيحات تُحيط بالشاويش، الذي انقلب من الثورة إلى الذعر، أمام هذا الهجوم غير المتوقَّع … وفي هذه اللحظات الحاسمة … كان «تختخ» يتسلَّل بهدوء متظاهرًا بالبحث عن النقود خارج دائرة الواقفين … ثم مضى سريعًا حتى إذا غادر المكان بمسافة كافية، أطلق ساقيه للريح.

وصل «تختخ» إلى سوق الخضار في الوقت المناسب … ووجد «محب» يقف عند بائعة الخضار العجوز، وهو يتلفَّت حوله قلقًا … وعندها شاهد «تختخ» ابتسم … ولكن لم يتقدَّم منه … وتلفَّت «تختخ» حوله … وتأكَّد أن لا أحد يتبعه، ثم تقدَّم من «محب» ومدَّ يده في جيبه، وأخرج الورقة وأعطاها ﻟ «محب» وهمس: خُذ هذه الورقة واذهب بها الآن إلى المفتش «سامي»، إنها نماذج مرسومة لمجموعةٍ من المفاتيح … أُريده أن يقوم بعمل نُسَخٍ مقلَّدة ومتقنة، ويُعيدها لكَ … واطلب منه أن يشتري لي مبردًا صغيرًا.

محب: مبرد؟!

تختخ: نعم مبرد … سأحتاج إليه … واتصل بي تليفونيًّا إذا حصلتَ عليها اليوم … فإذا ردَّ «مايزر» فقل: إنكَ طلبتَ رقمًا خاطئًا … وسأكون في إجازة غدًا فأحضرها لي بمنزلي.

وأسرع «محب» مبتعدًا … وأخذ «تختخ» في شراء اللوازم التي يُريدها … وهو يبتسم كلَّما فكَّر فيما حدث بينه وبين الشاويش «علي»، حتى إذا انتهى من شراء كل شيء، اتخذ طريقه عائدًا إلى الفيلا … وقصد أن يمر قريبًا من المكان الذي اصطدم هو والشاويش «علي» … فيه، فلم يجِد أحدًا … وكانت حركة المرور في الشارع عادية، فعرف أن المغامرين قد استطاعوا التخلُّص من الشاويش، وأخذ يهز جيبه وبه النقود المعدِنية التي جمعها الواقفون، وقد كان متأكِّدًا أن «لوزة» و«عاطف» و«نوسة»، هم الذين قاموا بإلقائها.

عاد إلى الفيلا مرهقًا … كانت السقطة التي سقطها على أرض الشارع، قد بدأت تؤلمه في أماكن كثيرة من جسمه، فقرَّر أن يأخذ حمَّامًا … ولكن بعد أن دخل الحمَّام، تذكَّر التنكُّر … وأنه لن يستطيع إعادته؛ فأدوات التنكُّر في منزله، وهكذا غادر الحمَّام آسفًا … واكتفى بغسل يدَيه وقدمَيه، ثم تمدَّد على الفراش ليرتاح.

في موعد الغداء بالضبط حضر «مايزر»، وتناول طعامه بسرعة … دون كلمة واحدة، ثم صعد إلى غرفته وطلب من «تختخ» أن يوقظه في السادسة مساءً … وعندما بدأ يصعد السلَّم، دقَّ جرس التليفون … وبدت الدهشة لحظات على وجه «مايزر»، ودقَّ قلب «تختخ» بعنف، وأسرع «تختخ» للرد على التليفون؛ فقد كان أقرب … ولكن «مايزر» أشار له أن يتوقَّف، وأسرع هو إلى سمَّاعة التليفون، فاستمع لحظات، ثم وضع السمَّاعة، ونظر إلى «تختخ» بطرف عينه، وخُيِّل ﻟ «تختخ» أنه ينظر إليه بريبة.

في الموعد المحدَّد أيقظ «تختخ» «مايزر»، الذي كان في حالةٍ نفسية حسنة، فأخذ يُبدي إعجابه بنشاط «تختخ»، وأسلوبه في إدارة العمل في الفيلا … ثم وضع يده في جيبه، وقال: خذ هذا المبلغ، وعد الآن إلى منزلك.

تختخ: ولكن إجازتي غدًا يا سيدي!

أفلتت الجملة من فم «تختخ»، وأدرك أنه أخطأ … فليس من المعقول أن يرفض إجازةً إضافية … وأحسَّ مرةً أُخرى أن «مايزر» يرمقه بارتياب، فأسرع يقول: شكرًا لكَ يا سيدي … المسألة أنني لم أنتهِ بعد من إعداد طعام الغد … وأنوي أن أنتهي منه الليلة.

كان تبريرًا معقولًا … فقال «مايزر»: لا بأس، انتهِ من عملك وغادر الفيلا إلى منزلك … ولا تنسَ أن تُغلق الأبواب والنوافذ جيدًا.

انصرف «مايزر» … وأسرع «تختخ» إلى التليفون، وطلب «محب» الذي ردَّ عليه فورًا، قال «تختخ»: أنتَ الذي طلبتَ منذ دقائق؟

محب: نعم … وقد ردَّ الرجل الذي تعمل عنده.

تختخ: كنتُ سأرد أنا ولكنه أسرع هو بالرد … وقد أثار ذلك ريبته … ماذا فعلت؟

محب: ذهبت … قابلتُ المفتش «سامي»، الذي قال إنه سينتهي من عمل المفاتيح اليوم … ولكن عندما علم أنكَ ستكون في إجازة غدًا، فضَّل أن يأتي بالمفاتيح بنفسه. …

تختخ: لماذا؟! … إن هذا سيُعطِّلني … ولو كانت المفاتيح معي الآن … لفتحتُ الغرفة المغلقة، وعلمتُ ماذا يدور خلف بابها!

محب: قال لي المفتش «سامي» إنه لا يستطيع أن يتركك تواجه الخطر وحدك … إنه يُفضِّل أن يسمع منكَ كلَّ شيء … وأن يضع معك تقديرًا للموقف.

أحسَّ «تختخ» بضيقٍ مفاجئ … فهو يخشى من هذه الإجازة المفاجئة، التي أعطاها له «مايزر» … ربما شكَّ فيه الرجل وقرَّر أن يرحل الليلة أو غدًا … فإذا ما ذهب يوم الإثنين وجد العصفور قد طار! …

فقال ﻟ «محب»: لا بأس … سأتصل بالمفتش «سامي» الآن.

محب: أرجو أن تتصل بي مرةً أخرى.

تختخ: بالتأكيد.

وضع السمَّاعة، ثم رفعها وجلس لحظات يُفكِّر … الحل الأفضل بالتأكيد أن يتصل بالمفتش «سامي» … ورفع سمَّاعة التليفون وطلب المفتش، ولكنه للأسف لم يجده … وألحَّ في أن يعرف مكانه، ولكن من ردَّ عليه … أكَّد له أن المفتش في مهمَّة سرية، لا أحد يعرف إلى أين.

وضع «تختخ» السمَّاعة يائسًا … وقرَّر أن يتصرَّف فورًا، وفي أثناء إغلاقه النوافذ، خطر له أن يترك إحدى النوافذ مغلقةً دون مزلاج … بحيث إذا أراد فتحها من الخارج دفعها بيده … واختار نافذةً في الطابق الأرضي، تُغطِّيها شجرة عجوز من أشجار الحديقة، وأغلقها دون أن يضع خلفها المزلاج …

وأعجبته الفكرة، وأعادت إليه قدرًا من الحماس.

غادر «تختخ» الفيلا في نحو الساعة السابعة والنصف، وأسرع إلى منزله، لم يكد يدخل حتى أخذ بعض الثياب النظيفة، وأسرع إلى الحمَّام … واستلقى في الماء الدافئ.

استراح تمامًا بعد أن أخذ حمَّامه … وخرج منه إلى الفراش، ورفع سمَّاعة التليفون وطلب «محب» وقال له: «محب» تعالَ الآن … أظنك تُحب أن تسمع القصة كاملة.

محب: طبعًا.

تختخ: لا بد أن تعرف كل شيء … فلا أحد يدري ماذا يحدث غدًا … أو حتى هذا المساء … ولا بد أن يوجد من يعرف كلَّ ما رأيتُه وفكَّرتُ فيه …

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤