الحمد لله … انقطع التيَّار …

في صباح اليوم التالي وصل المفتش «سامي» مبكِّرًا إلى حديقة منزل «تختخ» … وهو يحمل سلسلة المفاتيح المصطنعة … ودُهِش ألَّا يجد أحدًا في انتظاره كالعادة … لا «تختخ» ولا «محب»، ولا حتى «زنجر» … وجلس لحظات، ثم أحسَّ أن الأمور لا تسير على ما يرام، وكمفتش شرطة اشتُهر على كشف الجرائم المستعصية، قام فورًا واتجه إلى فيلا «تختخ»، حيث دقَّ الجرس، وفتحت الشغَّالة «حسنية» الباب … كانت تعرف المفتش.

فقالت مرحِّبة: صباح الخير يا سيادة «المفتش».

ردَّ المفتش: صباح الخير يا «حسنية» … أين «توفيق»؟

حسنية: إنه في غرفته … ولا أدري لماذا تأخَّر في النوم …

المفتش: دعيني أصعد لأراه.

وأسرع المفتش خلف «حسنية» إلى غرفة «تختخ»، وفتح الباب … وبنظرةٍ واحدةٍ عرف ما حدث؛ كان واضحًا أن الفراش قد استُخدِم؛ معنى هذا أن «تختخ» قضى فترةً من الوقت في فراشه … وكانت النافذة مفتوحة، وعرف المفتش على الفور أن «تختخ» غادر المنزل …

وشاهد «محب» يدخل من باب الحديقة متعجِّلًا، فصاح به: … «محب» صباح الخير، أين «توفيق»؟

محب: صباح الخير يا سيادة المفتش … لم أرَه منذ أمس مساءً، وقد تركته لينام، على أن نلتقي في الصباح معك.

المفتش: ألم تُبلِّغه تعليماتي؟

محب: أبلغتها طبعًا … وطلبتُ منه ألَّا يتحرَّك من مكانه حتى تحضر.

نزل المفتش مسرعًا وقال: أين التليفون؟

واتصل المفتش تليفونيًّا برجاله … ثم أخذ «محب» معه، وذهبا لركوب سيارته، ووصل في تلك اللحظة بقية المغامرين، ولم يكن هناك وقت … فقفزوا جميعًا إلى السيارة من غير أن ينطقوا بكلمة واحدة … وانطلقت السيارة السوداء في شوارع «المعادي» إلى فيلا «مايزر» … وسرعان ما كانوا يقفون أمام الباب الخارجي للحديقة، ومدَّ المفتش يده ودفع الباب، ودخل الجميع إلى الحديقة … كان كل شيء هادئًا.

وقال «محب»: يمكننا الدخول من نافذة مفتوحة قال عنها «تختخ».

واتجه الجميع إليها، وقال المفتش: انتشروا في الحديقة، وابحثوا عن أي أثر ﻟ «تختخ»!

لوزة: إن زنجر متغيِّب أيضًا!

وفي هذه اللحظة سمعوا نباح الكلب الوفي … ثم ظهر وهو يجري من ناحية الكوخ القديم في الحديقة … وأسرع إلى «لوزة» وأخذ يدور وهو ينبح نباحًا حزينًا، واتجه الجميع إلى النافذة المفتوحة … وقفز المفتش وخلفه «محب»، في حين انتشر الباقون في الحديقة، و«زنجر» يشد بثياب «لوزة» بأسنانه إلى حيث الكوخ … وذهبت معه «لوزة»، وأخذت تدور حول الكوخ فلم تجِد منفذًا إليه … في حين «زنجر» يقفز على باب الكوخ … وأدركت «لوزة» أن «تختخ» بالداخل، فصاحت ﺑ «نوسة» و«عاطف»: «توفيق» في هذا الكوخ!

في هذه الأثناء كان المفتش ومعه «محب» قد دخلا الدهليز، واتجها إلى الغرفة المغلقة، وأخرج المفتش سلسلة المفاتيح المصطنعة، وفتح باب الغرفة، وكما حدث مع «تختخ» … أصابته هو و«محب» دهشة بالغة؛ فقد كانت الغرفة خالية، وقال «محب»: لا بد أن هناك دهليزًا يتصل بهذه الغرفة!

وأخذ المفتش يدق على الجدران، حتى وصل إلى المقبض السري الذي استخدمه «تختخ» في الدخول … وأداره، وانفتح الباب في الجدار … ودخل المفتش وخلفه «محب»، وسارا في تجويف السور المظلم، حتى وصلا إلى باب الكوخ الخلفي، وكان مغلقًا … ولم يتردَّد المفتش، وتراجع إلى الخلف … ثم دفع الباب بكتفه فكسره ودخلا … كان الكوخ مظلمًا … ودقَّ المفتش يده يبحث عن مفتاح النور، وأداره ولكن النور لم يُضئ … وقال المفتش: إن النور مقطوع عن المكان.

وأخرج مصباحه الكهربائي وأطلقه … وشاهد منظرًا جعله يصيح: ألم أَقُل لكَ لا تخالف تعليماتي!

كان «تختخ» مُلقًى على الأرض، مُوثق اليدَين والقدمَين، ومُكَمَّم الفم … وعلى الفراش كان الرجل الجريح راقدًا على ظهره، موثقًا أيضًا.

أسرع المفتش يفتح النوافذ القديمة … وتدفَّق نور النهار … وأخذ المفتش يفك وثاق «تختخ» بمساعدة «محب» … كان في حالة يُرثى لها من الإعياء، وكان يُردِّد كلمةً واحدة … لم تنفجر … لم تنفجر!

المفتش: ما هي؟

تختخ: قنبلة زمنية في الكوخ.

ودار المفتش بعينَيه وسرعان ما وجدها … كانت قنبلةً زمنيةً كهربائية، وكانت موضوعةً على رفٍّ صغيرٍ في الجدار، وأسلاكها مُوصلة بفيشة الكهرباء، وقال «تختخ»: لماذا لم تنفجر؟!

ردَّ المفتش: لحسن حظك فقط … إن النور انقطع في الوقت المناسب. لقد كانت ستنفجر في الخامسة والنصف صباحًا … ولكن في الخامسة وخمس وعشرين دقيقة، انقطع النور كما هو واضح من عدَّاد القنبلة!

تختخ: لقد أنقذ انقطاع التيار حياتي وحياة هذا الجاسوس.

المفتش: أين «مايزر»؟ وماذا حدث؟ …

تختخ: لا أدري أين هو … لقد غادرَنا حوالي الساعة الخامسة … وكنتُ قد تصرَّفتُ بحماقة.

كان المفتش يفصل أسلاك القنبلة … عندما أضاء النور، كانت ثوانٍ قليلة هي الفاصلة بين الحياة والموت!

المفتش: وماذا بعد أن تصرَّفت بحماقة؟ …

تختخ: استطعت الدخول إلى الممر السري في الجدار … ووصلتُ إلى الكوخ، ولكن «مايزر» فاجأني … فقد كان هناك جرس إنذار يدق في الكوخ إن دخل أحد من الباب السري في الجدار …

كان المغامرون «عاطف» و«نوسة» و«لوزة»، ينظرون من النافذة إلى داخل الكوخ … و«زنجر» يقفز كالمجنون، يُريد الدخول، ومضى «تختخ» يقول: كان في يد «مايزر» مسدس ضخم، فاضطُررتُ للاستسلام … وأخذ يستجوبني ويُحاول معرفة الجهة التي أعمل لحسابها … ولكني رفضتُ طبعًا الحديث … وحاول معي بكل الوسائل، ثم شدَّ وثاقي.

وأشار المفتش إلى الرجل الجريح وقال: وهذا الرجل؟

تختخ: إنه الرجل الذي كان يركب السيارة، وأُصيب في الحادث، وكان معه الأفلام التي صُوِّرت للنماذج السرية. لقد حاول أن يذهب مع «مايزر»، ولكنه رفض. إنه رجل لا قلب له … فقد أسرع إلى شد وثاق الرجل الجريح … وتركه معي، بعد أن أعد القنبلة لتنفجر بعد مغادرته الفيلا بنصف ساعة … لولا أن الله سلَّم وانقطع التيار وأنقذ حياتي.

التفت المفتش إلى الرجل الجريح … وأخذ يفك وثاقه، وهو يسأله بالإنجليزية: أظن لا داعي لأن تُنكر شيئًا … ما حكايتك أنت و«مايزر»؟

كان الجريح يهذي بكلمات غير مفهومة … وكان واضحًا أنه لم يلقَ عنايةً طبيةً حقيقية … وأنه على وشك أن يموت، ووصل رجال المفتش «سامي» في هذه اللحظة، وأخذوا في تفتيش الفيلا، والحديقة والكوخ.

قال «تختخ» وهو يخرج إلى الحديقة مع المفتش والمغامرين: لقد عرفتُ سر «مايزر»، سر الكاميرا السرية التي يُصوِّر بها الأفلام.

التفت المفتش إليه فمضى يقول: مفاجأة لا تخطر على بال إنسان. لقد قلتُ لكَ إن شيئًا ما في سلوك «مايزر» شدَّ انتباهي … أسلوبه في الأكل وفي السير.

المفتش: نعم … أذكر لكَ الكلام الذي ردَّدته كثيرًا.

تختخ: إن «مايزر» أعور … له عين واحدة فقط.

المفتش: وماذا يعني هذا؟

تختخ: إن الأعور لا يمكن أن يتصرَّف أو يمشي كالمُبصر … إن ثمَّة أشياء صغيرةً لا يراها إذا كانت بجوار عينه المفقودة … وقد لاحظتُ أنه أحيانًا لا يرى الملح ويطلبه مثلًا … إذا وضعتُه إلى يساره، وهي ناحية عينه المفقودة.

المفتش: وما دخل هذا بالكاميرا السرية؟

تختخ: إن عين «مايزر» المفقودة هي الكاميرا السرية … لقد قامت الجهة التي يعمل بها بوضع كاميرا شديدة الدقة مكان عينه المفقودة، ولم يكن عليه إلا أن يُحرِّك أجفانه حتى تقوم الكاميرا بعملها.

توقَّف الجميع في الحديقة … مبهورين بحديث «تختخ»، الذي مضى يقول: وهكذا كنتم تُفتِّشون «مايزر» مع بقية الخبراء … وبالطبع لا يمكن أن يخطر على بالكم أن تُفتِّشوا عينه … وفي هذه العين المفقودة كان السر الكبير، سر «مايزر» … سر الكاميرا السحرية!

المفتش: وكان يعود إلى الفيلا ويدخل الكوخ، ويُخرج الكاميرا الصغيرة، ويُخرج منها الأفلام ويقوم بتسليمها إلى هذا الرجل الجريح!

تختخ: بالضبط … إن الرجل الجريح اسمه «كادوجان» … وكان هو الذي يأتي لأخذ الأفلام، والسفر بها إلى الخارج … ولكن حادث السيارة الذي تعرَّض له كان البداية … وعندما هرب من المستشفى لم يكن له مأوًى إلا هذا المكان … ولكن جراحه كانت كبيرةً فلم يُشفَ، وهو الآن في حالة سيئة.

المفتش: سأُرسله إلى المستشفى فورًا … وسنبدأ استجوابه بمجرَّد تحسُّن حالته.

لوزة: و«مايزر» يا سيادة المفتش؟

المفتش: إنه لن يذهب بعيدًا فعندنا أوصافه … ورقم سيارته، وسنُصدر تعليمات إلى جميع المطارات والموانئ بالقبض عليه، بمجرَّد ظهوره في أي مكان!

نوسة: إنه جاسوس داهية.

المفتش: فعلًا … ولكن هذا المغامر الذكي استطاع الوصول إليه … ببعض الملاحظات، وبعلبة مرهم العين التي كانت في الحمام.

ابتسم «تختخ» وهو يربت رأس «زنجر» ويقول: أنت صاحب الفضل الأول، لقد وضعتني في الطريق الصحيح …

وفي هذه اللحظة ظهر الشاويش «فرقع» … وأخذ ينظر بدهشة شديدة إلى الجميع.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤