رثاء

نصيب الحي والميت

يا صديقي لنا البكاء
ولك الموت والسلام
عندنا النور والعناء!
عندك النوم والظلام!
ليس يأسى أخو فناء
بل أخٌ بعده إقام

•••

أتبعُ الصحبَ في القبور
ببكائي، وما اهتديتْ
أنا لو دام لي الشعور
بعد موتي لما بكيتْ
عالمٌ كله غرور
عشتُ ما عشت أو قضيتْ

•••

هالكٌ كلُّ ما يكون
تستوي النفس والصفاة
فلمن تحصد المنون
ولمن تزرع الحياة؟
بدأت حكمة الجنون
وانتهت حكمة الهداة

رفيق الصبا١

رفيق الصبى المعسول أبكيك والصبا
وما كان أغلى ما بكيت وأطيبا
وآذن فيك الصبر أن لا يعينني
وآذن فيك الحزن أن يتغلبا
أألقاك عند النيل إن عدت في قنا
وأرعاك عند الجسر إن سرت مغربا؟
ونستنشد الأشعار في كلِّ ليلة
ونطلب في كل الأحاديث مطلبا
ونحسب أن الله لم يخلق امرءًا
على الأرض إلا كي يقول ويخطبا
ونحصي على الدهر البريء ذنوبه
وما كان إلَّا مازحًا حين أذنبا
أألقاك؟ بل هيهات قد حالت المنى
فأقربُ منها أن أصافح كوكبا
إذا عدت أستحيي الشبابين في قنا
وجدتك رسمًا في التراب مغيبا
وساءلت عنك الصحبَ: أين مزاره؟
وأذريت دمعًا عند قبرك صيِّبا

•••

عجيبٌ لعمري موتُ كلِّ محبَّب
إلينا، وقد كان التعجب أعجبا
حسين! عرفت الموت فيك غريبة
وما تعرف الدنيا سوى الموت مذهبا
أمَنْ هو في ذِكري فتى العمر ينطوي
كما طوت الأسقام شيخًا معذَّبا؟
نعم ينطوي الشبان والشيب في الردى
ورب فتيٍّ في الردى فات أشيبا
وسيان في عقبى الطريقين من مشى
على عصويه من عياء، ومَن حبا
عهدتك في شرخ الصبى ناضر الصبى
وفاجأني الناعي فأجفلت مُكْذِبا
ألا ليته لم يعرف الصدق عمره
ولم يكُ إلا كاذب الظن مُغربا

•••

رفاق حسين أبِّنوه وأطنبوا
فما يخطئ الباكي سجاياه مطنبا
لقد كان ميمون النقيبة صالحًا
وكان أمين السر والجهر طيِّبا
وكان عفيف القول لا يقرب الأذى
ولا يذكر الإخوان إلَّا تحبُّبا
وكان على كنز القناعة آمنًا
وإن قصر المسعى بدنياه أو نبا
إذا استمرأت مرعى الخيانة أنفسٌ
تحرَّج منها مُعرضًا وتحوَّبا
وكان عزيز النفس في غير جفوة
ولا صلف منه، إذا صد أو صبا
وكان سميرًا يملك السمع كلَّما
تبسَّط في أسماره وتشعَّبا
أديبًا يصوغ الشعر والنثر فطرة
ويؤثر في الآداب من كان معربا
أليفًا وفيًّا لا يفارق صاحبًا
ولا منزلًا إلا انثنى فتقرَّبا
أحبَّ قنا واستعذب العيشَ في قنا
فلم يُغرِهِ عيش، وإن كان أعذبا
لئن ذكر الوافون عهد ولائه
لما ذكروا إلَّا الوفيَّ المهذَّبا

•••

رفاقَ حسينٍ أسهِبوا فيه واذكروا
رفيقًا له يعتاده الحزن مسهبا
على كثبٍ منه اجتمعتم فليت لي
مكانًا من الجمع القنائيِّ مكثبا
كأني وقد فارقته قبل يومه
سمعت له نعيين يوم تغيَّبا

•••

إذا ما رثى المحزون إلف شبابه
رثى قلبهُ شطرًا من القلب مخصبا
وودَّع من عهديه في العمر قبلة
أخف على الروَّاد زادًا وأرحبا
إذا جازها أودى بمختار عيشه
ولم يبقَ إلا ما اتَّقى وتهيَّبا

•••

أليف الصبى لا تشكُ في الموت وحشة
فما زال ركب الموت أحفل موكبا
تعاقبت الأجيال تحت لوائه
وإن بعدوا دارًا وعهدًا ومأربا
وما الزمن المحضور إلا بقيةٌ
من الزمن الماضي تلاقت لتذهبا
عليك سلام الله حتى يظلنا
سلامٌ أظلَّ الناس شرقًا ومغربا
١  رثاء الصديق «حسين الحكيم» من أدباء قنا المعروفين بالورع.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤