المسئول

لا أكذبُ اللهَ فقدتُ الرَّمَقا
ولاشتِ الأيامُ قلبي النَّزِقا
وصرتُ إن ألقَى المساءَ آتيًا
أخافُ لا ألقى الصَّباحَ مُشرِقا
وإن رأيتُ النجمَ رقَّ نورُه
فغازلَ الدُّنيا به والأُفقا
رأيتُ في نفسي المُنى غوارِبًا
كالماءِ لا يُسيغُه من شرِقا
يرُوعني البحرُ إذا أمواجُهُ
اربدَّتْ وطاف ظِلُّها مُسترِقا
أراقبُ الموجَ بعيدًا إنني
لا أركبُ البحرَ فأَخشَى الغرَقا
من يسبرُ الغورَ ومن يعرِبُه
قد أعجمَ الهولُ العقولَ فرَقا
يعترض الهلالُ في الجوِّ إذا
ما اعترضَ الليلُ الوجودَ انطَلقا
يطلُع في جنح الظلام خافِقًا
كأنه قلبُ محبٍّ خفَقا
يُشوِّقُ النجمَ بعيدًا وهو في
مَرقَبه ملتهبٌ تشَوُّقا
والزهرُ قد أغضى الجفونَ نعَسًا
والمندلُ الطِّيبُ منه عبِقا
والغصنُ قد أذهله السِّحرُ وفي
مَسارحِ المياه تسكبُ الرُّقَى
والطيرُ أخفى رأسَه تحت جَنا
حيِّه ونامَ لا يبالي أَرَقا
ولاحظَ النسيمُ ما في المحفِل الْـ
ـمعقود من أنسٍ فوافى شيَفا
يحمِل في أردانه قطرَ الندَى
ينثُره منتظمًا متَّسِقا
والنورُ من فوقَ ومن تحتَ وما
بينَهما مدَّ الإلهُ الغسَقا

•••

يا قومُ ناموا في أمانٍ إنَّني
أساهرُ الأكوانَ وحدي مُشفِقا
أسأَل هل تحنُو القلوبُ مرَّةً
فالنورُ رمزٌ للحنانِ خُلِقا
وهل بها صَفحٌ وإغضاءٌ ففي
زَهر الرياض الصفحُ بادٍ طلقا
وهل بها ذكرى ففي الماءِ جرَت
ذكرى نفَت عنه القذَى والرَّنَقا
وهل بها تأَلُّفٌ فالطَّير في
مَبيتها تُقسِمُ لن تفتَرِقا
وهل بها عَهدٌ جميلٌ فالنَّدَى
على الأزاهير صفا مؤتَلِقا
وهل لها من العمَى انتباهةٌ
فالليلُ زال والصَّباح انبَثقا

•••

قولوا لسُعدي والقلوبُ أصبَحت
فوضَى هو اللهُ بنا قد رَفقا
ما أجمل الإحسانَ بالناسِ وما
أبهجَه إن كان عَفوًا مُطلَقا
إن الحِفاظَ في الورَى وثيقةٌ
بينهمُ وحافظٌ من وَثِقا
من لي بان أراك لي ذاكرةً
أطردُ عن نفسي الأسَى والقلَقا
هل كنتُ يومًا في الهوى مقصِّرًا
أو كنتُ بين الناس شيئًا خَلَقا
في الحُسن جاوزتُ المدَى وفي الهوَى
قلبي جاراكِ فنال السَّبَقا
أعملتُ رأيي في حياتي ناجِحًا
حتى رأَيتُ الحبَّ سرًّا مُغلَقا
سرٌّ تولَّاني فأَصبحتُ كما
ترَين نزَّاعًا لجوجًا قلِقا
أُعالج الحبَّ ولا أعرِف إلَّا
أَن لي قلبًا إلى الحبِّ ارتقَى
مشرَّدُ الإدراك موكُولٌ إلى
هواكِ أن يكون حرًّا لبِقا
في كل يومٍ تعتريه هزةٌ
يكادُ إذ تنتابُه أن يُصعقا
كأَنه النبتةُ في تُربتِها
تكاد في الهجَير أَن تحتَرِقا
منتفضٌ كالطير في وُكنَته
إذا الشتاءُ بالسُّيول أَغرَقا
منقبضُ الصَّدرِ حزينٌ صابرٌ
من غُصَصي أكادُ أن أختَنِقا
والناس راحُوا في الزمان شِيعًا
شتى وساروا في الحياة فِرَقا
إلَّا فؤادِي فهو عنهُم راغِبٌ
إليكِ عبدٌ كارهٌ أَن يُعتَقا
سعَى كما يسعَى الكرامُ جهدَهُم
ماذا عليه إن يكُن قد أخفَقَا
الحبُّ حبي فليكُن لي الوَفا
والوجدُ وَجدي فليكُن لي الشَّقا
والحظُّ حظِّي فليكُن لي الهنا
والعمرُ عُمري فليكُن لكِ البَقا
ماذا على الفِراش إذ تَيَّمه الــ
مِصـباحُ إن طاف به فاحترَقا
أنا الذي أُسأَلُ عن نفسِي وما
غَيريَ إذْ عشقتُ قالوا عشِقا
والله لا أطلبُ إلَّا أَن أرَى
منك الرِّضى رغم الوَرى بي لحِقا
وأَنْ يقولَ الناسُ عنَّا مرَّةً
هذانِ قد تصاحبَا فاتَّفقا
١٦ يونيو سنة ١٩١٥

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤