المنفرد

عدمتُكَ قلبًا لا يجيبُ وقد دَعا
إلى العقل داعٍ بالهِداية أسمَعا
إذا لجَّتِ الذكرى فما العذلُ نافعًا
وما كان مرجوَّ الشِّفاءِ لِينفعا
وما اللومُ إلَّا باعث الوَجد والأسَى
يجدِّد ذِكرًا في الفُؤاد ملوِّعا
تسيل جراحاتُ الفؤادِ إذا الهوَى
أثار به الداءَ الدفينَ فَأَوجَعا
وإن لم يُصبْ قلبُ المحَب شِفاءَه
أصابَ ولكنْ في الملامَة مصرَعا
فَقدتُ أمانيَّ الشباب فخلَّفت
فؤاديَ لكنْ خافتًا متقطِّعا
وألفيتُ عُمري في الوجيعةِ ضائعًا
فلِلَّه عمرٌ في الوجيعة ضُيِّعا
أردِّد في الدنيا شَكاتي وإنها
تردِّدُ في الدنيا عليَّ التَّفَجُّعا
لقد كان لي عند الحبيبِ وديعةٌ
هي القلبُ في سرِّ الهوى كان مُودَعا
فما حُفِظَتْ تلك الأمانةُ بل غدَت
لِضَيعَتِها نفسي تضِجُّ تَفَزُّعا
وتنظِم هذا الشعرَ يجرِي به الأسَى
كما تسكُب العينانِ في الحُزن أدمُعا
لقد خُلِقَتْ بعضُ النفوس طَموحةً
إلى النُّور إن تفقدْه لن تتمَتَّعا
ويؤلِمُها في صُبحها ومَسائِها
من الناس إغلاقُ العقول تَمنُّعا
وإظلامُ إحساسِ القلوب صلابةً
فلستَ ترى فيها إلى اللِّين مَوضعا
ألَا إن بعضَ الناس يشقى ببَعضهم
وأشقاهمُ مُستوعِبٌ ما بهمْ وعَى
تَقحَّمتُ أهوالَ الحياة لغايةٍ
بقِيتُ إلى تحقيقها مُتتبِّعا
وشفَّعت فيها اللهَ سبحانَه وقد
أبى الله لي في كَونها أن يُشَفِّعا
طويتُ عليها العمرَ لو كان بعدَه
مجالٌ لها عَالجتُه متوسِّعا
فرُحتُ وراحَتْ لا بها أنا غانمٌ
ولا سلَكَت نحوي إلى الغُنم مَهيَعا١
أَإِخفاقُ سعيٍ في الحياة ملازِمٌ
وغُلَّةُ صدرٍ لا تُفارق من سعَى
وتصريمُ آمالٍ وتَطويحُ رَغبةٍ
وتبعيدُ أسبابٍ تقرِّب مَطمَعا
فلا كانتِ الدُّنيا ولا كان أهلُها
ولا كانَ يومٌ عابسًا باسمًا معا
همُ أبصروا للجَهل جاهًا ورَونقًا
وهمْ رفَعوه بينهمْ فترفَّعا
وهم قلَبوا معنى الحِجا فتقلَّبت
وآمَنُ وجهَ العمر أصبحَ مُفزِعا
وهمْ كذبوا حتى فشَا الكِذب وادَّعَوا
فَأَيقن بالنُّجح الغَبيُّ الذي ادَّعى
وهم هزءُوا بالحق فارتدَّ ساخِطًا
وهم زعزَعوا رُكنَ الهدى فتَزعْزعا
وما كنتُ إلَّا واحدًا في جماعةٍ
على نفسِه إذ أفردوه تجمُّعا
فأَصبحتُ في عَين السموات عالَمًا
وفي عينِ هذا الناس فردًا مُضيَّعا
وسِرتُ وفي قلبي عَواصفُ جمَّةٌ
تُعيدُ رياضَ العمر في الصَّدر بلقَعا
ولو سالمتْ سلمَى لكنتُ بنانَها
طواعيةً بل ربَّما كنتُ أطوَعا
ولكنها آلتْ عليَّ قطيعةً
وآلتْ على قلبي بأَن يتقطَّعا
فبتْنا كِلانا في الحياة مخيَّبًا
يَرى شملَه بعد التئامٍ تَصدَّعا
١٧ يونيو سنة ١٩١٧

هوامش

(١) أي: طريقًا واضحًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤