لو …

هدية الفن إلى الصديق الشاعر العربي صالح المصري.

لو أنَّ لي الأرضَ والسماءَ
عفتُهما في سَبيل نَظرَة
أرضَى بها في الهوى رجاءَ
أحيَا به والحياة فَترَة

•••

لو كنتُ أرضًا نفحتُ طِيبا
يُنعِشه نائيًا قَريبا
وكل ما شاءَه عجِيبا
أخرجتُه زاهيًا ليَرضى
لو كنتُ أرضا

•••

لو كنت روضًا زدْتُ زهورا١
يحسَبها في الجِنان حُورا
وسِلتُ ماءً يروي الطُّيورا
وهي ترُوض الألحانَ روضا
لو كنت رَوضا

•••

لو كنتُ زهرًا نظمتُ تاجًا
لرأسِه يُشرق ابتِهاجا
ولحتُ تبرًا ولُحتُ عاجا
أنفثُ في النَّاظرين سِحرا
لو كنتُ زهرا

•••

لو كنتُ غصنًا رَقصتُ تِيها
حتى يرَاني غرًّا نَزيها
عساهُ يدنو مني بَديها
يُبصِر أني رَقَصتُ حزنا
لو كنت غُصنا

•••

لو كنتُ طيرًا أَنشدتُ لحنا
يهزُّ منه شوقًا وحُزنا
لعلَّه إن صَبا وحنَّا
أصيب منه غُنمًا وخيرا
لو كنتُ طيرا

•••

لو كنتُ حقلًا فرشْتُ عشبًا
يَلين وطئًا له وعُجبا
وزدتُ كلَّ النبات خصبا
فيه يلاقي أهلًا وسهلا
لو كنتُ حقلا

•••

لو كنت طودًا صدَّع رأسي
سُقْمي منه وهدَّ بأسِي
لو كان يدري الذي أقاسِي
لعادني في السِّقام عَودا
لو كنتُ طَودا

•••

لو كنتُ ماءً لمَعتُ آلا
أَسقِيه سَلساليَ الزُّلالا
إن انتَشى يَنثَني دَلالا
يَزيدني في الهَوى ظَماءَ
لو كنتُ ماءَ

•••

لو كنتُ نهرًا جريتُ أبهَى
من كلِّ نورٍ ماءً وأزهَى
إذا أتاني قبَّلت وَجْها
يراهُ في الماءِ مُستقرَّا
لو كنتُ نهرا

•••

لو كنتُ بحرًا ثُرتُ حَزينا
أُسمِعه البثَّ والأَنينا
مجاملًا رقَّة ولِينا
وكيفَ لي أن أُلِين صَخرا
لو كنتُ بحرا

•••

لو كنتُ ريحًا ضَممتُ قدَّا
له وداعَبْته مُجِدَّا
مبرِّدًا من هَواي وَقْدا
عسايَ أُشفى لأَستَريحا
لو كنتُ ريحا

•••

لو كنتُ أُفقًا لحتُ عَقيقا
شعاعه يسكُب الرَّحيقا
وهو دَمي عنده أُرِيقا
عسى يُوالي عَطفًا ورِفقا
لو كنتُ أُفقا

•••

لو كنتُ بُرجًا لكان شَمسي
ونجمَ سعدي وبدرَ أُنسي
وكان يَومي وكان أَمسِي
فهل غَدِي عنده يُرجَّى
لو كنتُ برجا

•••

لو كنتُ شمسًا أضرمتُ نارا
تبعَثُ في قلبه الأُوارا
مخالِسًا روحَه سَرارا
أُنبتُ فيها للحُبِّ غَرسا
لو كنتُ شَمسا

•••

لو كنتُ بدرًا بقِيت تَمًّا
حتى يُسَرِّي مَرآي غمَّا
عنه وأحنُو عليه أمَّا
أُلبسه النورَ مُسبطِرَّا
لو كنتُ بَدرا

•••

لو كنتُ نجمًا ثبتُّ لَحظا
يحرُسه في الدُّجى ويحظَى
بحُسنه والعيونُ يقظَى
غَيرى بكُحل السُّهاد تدمَى
لو كنتُ نجما

•••

لو كنت لو كنتُ والأماني
خوادعٌ كلها يفوتُ
نعيش في الخوفِ والأمان
وإنما في غدٍ نمُوتُ
١٤ ديسمبر سنة ١٩٢٠

هوامش

(١) قال إمام المحققين الشيخ إبراهيم اليازجي في مجلد السنة الرابعة من مجلة الضياء صفحة ٤٠١ ما نصُّه: «الظاهر أن جمع زَهر على زُهور لا يمتنع؛ لأنه القِياس الغالبُ في جمع فَعْل بفتح فسُكون مثل قَلب وقُلوب، وقد ورد مجموعًا كذلك في كلامِ كثيرٍ من كُبراء أهل الأدب.» ثم أورد الشيخ شواهد لابن الرومي، والحائك الأمي، والشيخ عبد الغني النابلسي، وابن حجة الحموي، والمسعودي، وأبي الفداء.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤