فلما كانت الليلة ٦٧٠

قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الرجلين لما حكيَا للملك غريب على قصة فخرتاج وقالا له: تركناها على شاطئ بحر جيحون. فلما سمع غريب منهم هذا، دعا بالمنجمين فحضروا، فقال لهم: اضربوا لي تخت رمل وانظروا حال فخرتاج، هل هي في قيد الحياة أو ماتت؟ فضربوا تخت رمل وقالوا: يا ملك الزمان، ظهر لنا أن الملكة في قيد الحياة، وقد جاءت بولدٍ ذَكَر، وهما عند طائفة من الجان، ولكن تغيب عنك عشرين سنة، فاحسب كم لك في سفرتك؟ فحسب مدة الغيبة فكانت ثماني سنين، فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وبعث رسلًا إلى القلاع والحصون التي في حكم سابور، فأتوا طائعين. فبينما هو جالس في قصره إذ نظر غبارًا ثار حتى سدَّ الأقطار وأظلم الآفاق، فصاح على الكيلجان والقورجان وقال: ائتياني بخبر هذا الغبار. فسار الماردان ودخلا تحت الغبار وخطفا فارسًا من الفرسان، وأتيا به إلى غريب وأوقفاه بين يديه وقالا له: اسأل هذا فإنه من العسكر. فقال له غريب: لمَن هذا العسكر؟ فقال: يا ملك، إن هذا الملك وردشاه صاحب شيراز أتى يقاتلك.

وكان السبب في ذلك أن سابور ملك العجم لما وقعت الوقعة بينه وبين غريب، وجرى ما جرى، قد هرب ابن الملك سابور في شرذمة من عسكر أبيه، فسار حتى وصل إلى مدينة شيراز، ودخل على الملك وردشاه وقبَّلَ الأرض ودموعه نازلة على خدوده. فقال له: ارفع رأسك يا غلام وقل لي ما يُبكِيك؟ فقال: يا ملك، ظهر لنا ملك من العرب اسمه غريب، أخذ مُلْكَ أبي، وقتل الأعجام وسقاهم كأس الحمام. وحكى له ما جرى من غريب من أوله إلى آخره. فلما سمع وردشاه كلام ابن سابور قال: هل امرأتي طيبة؟ فقال له: أخذها غريب. فعند ذلك قال: وحياة رأسي ما بقيت أُبقِي على وجه الأرض بدويًّا ولا مسلمًا. ثم كتب الكتب وأرسلها إلى نوَّابه فأقبلوا، فعدَّهم فوجدهم خمسة وثمانين ألفًا، ثم فتح الخزائن وفرَّق على الرجال الدروعَ وآلاتِ السلاح، وسار بهم حتى وصلوا إلى إسبانير المدائن ونزلوا جميعهم قبال باب المدينة، فتقدَّمَ الكيلجان والقورجان وقبَّلَا ركبة غريب وقالا: يا مولانا، اجبر قلوبنا واجعل هذا العسكر من قسمنا. فقال لهما: دونكما وإياهم. فعند ذلك طار الماردان حتى نزلا على سرادق وردشاه، فوجداه على كرسي عزِّه، وابن سابور جالس على يمينه، والمقدمون حوله صفَّان، وهم يتشاورون على قتل المسلمين؛ فتقدَّمَ الكيلجان وخطف ابن سابور، والقورجان خطف وردشاه وسارا بهما إلى غريب، فأمر بضربهما حتى غابا عن الوجود، ثم عاد الماردان وسحبا سيفين، كل سيف لا يقدر أحد أن يحمله، وحطَّا في الكفار وعجَّلَ الله بأرواحهم إلى النار وبئس القرار، فلم تنظر الكفار سوى سيفين يلمعان ويحصدان الرجال حصد الزرع ولا يرون أحدًا، ففاتوا خيامهم وساروا على مجرد الخيل، فتبعاهم يومين وقد أفنيَا منهم خلقًا كثيرًا، ورجع الماردان فقبَّلَا يد غريب، فشكرهما على ما فعلَا وقال لهما: غنيمة الكفار لكما وحدكما لا يشارككما فيها أحد. فدعوَا له وانصرفا ولمَّا أموالهما واطمأنَّا في أوطانهما. هذا ما كان من أمر غريب وقومه. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤