فلما كانت الليلة ٦٩٨

قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الوزير أبا عامر لما أُهدِيت إليه الجارية، خاف أن يصل خبرها إلى الملك الناصر وتكون قصتها مثل قصة الغلام؛ فاحتفل في هدية أعظم من الأولى وأرسلها وصحبتها الجارية، وكتب معها هذه الأبيات:

أَمَوْلَايَ هَذِي الشَّمْسُ وَالْبَدْرُ أَوَّلًا
تَقَدَّم إِلَيْهَا يَلْتَقِي الْقَمَرَانِ
قِرَانٌ لَعَمْرِي بِالسِّعَادَةِ نَاطِقٌ
فَدُمْ مِنْهُمَا فِي كَوْثَرٍ وَجِنَانِ
فَمَا لَهُمَا وَاللهِ فِي الْحُسْنِ ثَالِثٌ
وَمَا لَكَ فِي مُلْكِ الْبَرِيَّةِ ثَانِ

فتضاعفت مكانته عنده، ثم وشى به بعض أعدائه عند الناصر بأن عنده من الغلام بقية حرارة، وأنه لا يزال يلهج بذِكْره حين تحركه الشمول، فيقرع السن على إهداء الغلام. فقال الناصر: لا تحرك به لسانك وإلا أطرتُ رأسك. وكتب إليه على لسان الغلام ورقةً فيها: يا مولاي، أنت تعلم أنك كنتَ لي على الانفراد، ولم أزل معك في نعيم، وأنا وإنْ كنتُ عند السلطان فإني أحب انفرادي بك، ولكنني أخشى من سطوة الملك؛ فتحيَّلْ في استدعائي منه. ثم بعثها مع غلام صغير وأوصاه أن يقول: هي من عند فلان، وإن الملك لم يكلمه قطُّ. فلما أوقف عليها أبو عامر ودلَّس عليه الخادم أحس بالشربة، فكتب على ظهر الورقة هذه الأبيات:

أَمِنْ بَعْدِ إِحْكَامِ التَّجَارِبِ يَنْبَغِي
لِذِي الْحَزْمِ أَنْ يَسْعَى إِلَى غَابَةِ الْأَسَدْ
وَلَا أَنَا مِمَّنْ يَغْلُبُ الْحُبُّ عَقْلَهُ
وَلَا جَاهِلٌ مَا يَدَّعِيهِ أُولُو الْحَسَدْ
فَإِنْ كُنْتَ رُوحِي قَدْ وَهَبْتُكَ طَائِعًا
وَكَيْفَ تُرَدُّ الرُّوحُ إِنْ فَارَقَتْ جَسَدْ

فلما وقف الناصر على الجواب، تعجَّب من فطنته ولم يَعُدْ إلى استماع واشٍ فيه بعد ذلك. ثم قال له: كيف خلصت من الشَّرَك؟ قال: لأن عقلي بالهوى غير مشترك. والله أعلم.

حكاية دليلة المحتالة

وحُكِي أيضًا أيها الملك السعيد، أنه كان في زمن خلافة هارون الرشيد رجلٌ يُسمَّى أحمد الدنف، وآخر اسمه حسن شومان، وكانا صاحبا مكر وحيل، ولهما أفعال عجيبة، فبسبب ذلك خلع الخليفة على أحمد الدنف خلعة وجعله مقدم الميمنة، وخلع على حسن شومان خلعة وجعله مقدم الميسرة، وجعل لكل واحد منهما جامكية في كل شهر ألف دينار، وكان لكل واحد منهما أربعون رجلًا من تحت يده، وكان مكتوبًا بأعلى: أحمد الدنف درك البر. فنزل أحمد الدنف ومعه حسن شومان، ومن تحت أيديهما راكبين، والأمير خالد الوالي بصحبتهم، والمنادي ينادي حسبما رسم الخليفة أنه: لا مقدم بغداد في الميمنة إلا المقدم أحمد الدنف، ولا مقدم بغداد في الميسرة إلا حسن شومان، وإنهما مسموعان الكلمة واجبان الحرمة، وكان في البلدة عجوزٌ تُسمَّى دليلة المحتالة، ولها بنت تُسمَّى زينب النصابة، فسمعتَا المناداة بذلك، فقالت زينب لأمها دليلة: انظري يا أمي، هذا أحمد الدنف جاء من مصر مطرودًا، ولعب مناصف في بغداد إلى أن تقرَّب عند الخليفة، وبقي مقدم الميمنة، وهذا الولد الأقرع حسن شومان صار مقدم الميسرة، وله سماط في الغداة وسماط في العشي، ولهما جوامك لكل واحد منهما ألف دينار في كل شهر، ونحن قاعدون معطلون في هذا البيت، لا مقام لنا ولا حرمة، وليس لنا مَن يسأل عنَّا. وكان زوج دليلة مقدم بغداد سابقًا، وكان له عند الخليفة في كل شهر ألف دينار، فمات عن بنتين؛ بنت متزوجة ومعها ولدٌ يُسمَّى أحمد اللقيط، وبنت عازبة تُسمَّى زينب النصابة، وكانت دليلة صاحبة حِيَل وخداع ومناصف، وكانت تتحيل على الثعبان حتى تطلعه من وكره، وكان إبليس يتعلَّم منها المكر، وكان زوجها براج عند الخليفة، وكان له جامكية في كل شهر ألف دينار، وكان يربي حمام البطاقة الذي يسافر بالكتب والرسائل، وكان عند الخليفة كل طير لوقت حاجته أعز من واحد من أولاده، فقالت زينب لأمها: قومي اعملي حيلًا ومناصف؛ لعل بذلك يشتهر لنا صيت في بغداد، وتكون لنا جامكية أبينا. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤