فلما كانت الليلة ٧٠٣

قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الصباغ تعلَّق بالحَمَّار، والحَمَّار تعلَّق بالصباغ، وتضاربا وصار كلٌّ منهما يدَّعِي على صاحبه، فاجتمعت عليهم الخلائق، فقال واحد منهم: أي شيء الحكاية يا معلم محمد؟ قال له الحمَّار: أنا أحكي لكم الحكاية. وحدَّثَهم بما جرى له، وقال: إني أظن أني مشكور عند المعلم. فلما رآني دقَّ صدره وقال لي: أمي ماتت. وأنا الآخَر أطلب حماري منه؛ لأنه عمل عليَّ هذا المنصف لأجل أن يضيع حماري عليَّ. فقالت الناس: يا معلم محمد، وهذه العجوز أنت تعرفها لأنك استأمنتها على المصبغة والذي فيها؟ فقال: لا أعرفها، وإنما سكنت عندي في هذا اليوم هي وابنها وبنتها. فقال واحد: في ذمتي أن الحمار في عهدة الصباغ. فقيل له: ما أصله؟ فقال: لأن الحمَّار ما اطمأنَّ وأعطى العجوز حماره إلا لما رأى الصباغ استأمَنَ العجوز على المصبغة والذي فيها. فقال واحد: يا معلم، لما سكنتها عندك وجب عليك أنك تجيء له بحماره. ثم تمشوا قاصدين البيت ولهم كلام يأتي.

fig15
فأخذَت الحوائجَ وحملَتها فوق الحِمَار، وستَرَ عليها الستَّار.

وأما ابن التاجر فإنه انتظر مجيء العجوز فلم تجئ ببنتها، وأما الصبية فإنها انتظرت العجوز أن تجيء لها بإذن من ابنها المجذوب الذي هو نقيب الشيخ أبي الحملات فلم ترجع إليها؛ فقامت لتزوره، وإذا بابن التاجر يقول لها حين دخلت: تعالي أين أمك التي جاءت بي لأتزوَّج بك؟ فقالت: إن أمي ماتت، فهل أنت ابنها المجذوب نقيب الشيخ أبي الحملات؟ فقال: هذه ما هي أمي، هذه عجوز نصَّابة نصبتْ عليَّ حتى أخذتْ ثيابي والألف دينار. فقالت له الصبية: وأنا الأخرى نصبتْ عليَّ وجاءت بي لأزور أبا الحملات وأعْرَتْني. فصار ابن التاجر يقول للصبية: أنا ما أعرف ثيابي والألف دينار إلا منك. والصبية تقول: أنا ما أعرف حوائجي وصيغتي إلا منك، فاحضر لي أمك. وإذا بالصباغ داخل عليهما، فرأى ابن التاجر عريانًا والصبية عريانة، فقال: قولا لي أين أمكما؟ فحكت الصبية جميع ما وقع لها، وحكى ابن التاجر جميع ما جرى له. فقال الصباغ: يا ضياع مالي ومال الناس! وقال الحمَّار: يا ضياع حماري! أعطني يا صباغ حماري. فقال الصباغ: هذه عجوز نصَّابة، اطلعوا حتى أقفل الباب. فقال ابن التاجر: يكون عيبًا عليك أن ندخل بيتك لابسين، ونخرج منه عريانين. فكساه وكسى الصبية وروَّحَها بيتها. ولها كلام يأتي بعد قدوم زوجها من السفر.

وأما ما كان من أمر الصباغ، فإنه قفل المصبغة وقال لابن التاجر: اذهب بنا لنفتِّش على العجوز ونسلِّمها للوالي. فراح معه وصحبتهما الحمَّار، ودخلوا بيت الوالي وشكوا إليه، فقال لهما: يا ناس، أي شيء خبركم؟ فحكوا له ما جرى، فقال لهم: وكم عجوز في البلد؟ روحوا وفتِّشوا عليها، وامسكوها وأنا أقرِّرها لكم. فداروا يفتِّشون عليها. ولهم كلام يأتي.

وأما العجوز دليلة المحتالة، فإنها قالت لبنتها زينب: يا بنتي، أنا أريد أن أعمل منصفًا. فقالت لها: يا أمي أخاف عليك، فقالت لها: أنا مثل سقط الفول عاص على الماء والنار. فقامت ولبست ثياب خادمة من خدَّام الأكابر، وطلعت تتلمَّح لمنصف تعمله، فمرت على زقاق مفروش فيه قماش، ومعلَّق فيه قناديل، وسمعت فيه مغانيًا ونقر دفوف، ورأت جارية على كتفها ولد بلباس مطرَّز بالفضة، وعليه ثياب جميلة، وعلى رأسها طربوش مكلَّل باللؤلؤ، وفي رقبته طوق ذهب مجوهر، وعليه عباءة من قطيفة، وكان هذا البيت لشاه بندر التجار ببغداد، والولد ابنه، وله أيضًا بنت بكر مخطوبة، وهم يعملون أملاكها في ذلك اليوم، وكان عند أمها جملة نساء مغنيات، فكلما تطلع أمه أو تنزل يشبط معها الولد، فنادت الجارية وقالت لها: خذي سيدك لاعبيه حتى ينفضَّ المجلس. ثم إن العجوز دليلة لما دخلت رأت الولد على كتف الجارية، فقالت لها: أرى شيئًا عند سيدتك اليوم من الفرح. فقالت: تعمل أملاك بنتها وعندها المغاني. فقالت في نفسها: يا دليلة، ما منصف إلا أخذ هذا الولد من هذه الجارية. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤