فلما كانت الليلة ٥٩٠

قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملك لما أخذ الشاب سار هو وإياه بالموكب حتى دخلا القصر، ويد الشاب في يد الملك، ثم أجلسه على كرسي من الذهب وجلس عنده، فلما كشف ذلك الملك اللثامَ عن وجهه، وإذا هو جارية كالشمس الضاحية في السماء الصاحية؛ حُسْن وجمال وبهاء وكمال وعجب ودلال، فنظر الشاب إلى نعمة عظيمة وسعادة جسيمة، وصار الشاب متعجبًا من حُسْنها وجمالها، ثم قالت له: اعلم أيها الملك أني ملكة هذه الأرض، وكل هذه العساكر التي رأيتها وجميع ما رأيته من فارس أو راجل فهن نساء ليس فيهن رجال، والرجال عندنا في هذه الأرض يحرثون ويزرعون ويحصدون، ويشتغلون بعمارة الأرض وعمارة البلاد ومصالح الناس من سائر الصناعات، وأما النساء فهنَّ الحكَّام وأرباب المناصب والعساكر. فتعجَّب الشاب من ذلك غاية العجب، فبينما هم كذلك وإذا بالوزير قد دخل، وإذا هي عجوز شمطاء وهي محتشمة ذات هيبة ووقار، فقالت لها الملكة: أحضري لنا القاضي والشهود. فمضت العجوز لذلك، ثم عطفت الملكة على الشاب تنادمه وتؤانسه، وتزيل وحشته بكلام لطيف، ثم أقبلت عليه وقالت: أترضى أن أكون لك زوجة؟ فقام وقبَّلَ الأرض بين يديها فمنعته، فقال لها: يا سيدتي، أنا أقل من الخدم الذين يخدمونك. فقالت له: أَمَا ترى جميع ما نظرته من الخدم والعساكر والمال والخزائن والذخائر؟ فقال لها: نعم. فقالت له: جميع ذلك بين يديك تتصرف فيه بحيث تعطي وتهب ما بَدَا لك. ثم إنها أشارت إلى باب مغلق وقالت له: جميع ذلك تتصرف فيه إلا هذا الباب فلا تفتحه، وإذا فتحته تندم حيث لا ينفعك الندم. فما استتم كلامها إلا والوزيرة والقاضي والشهود معها. فلما حضروا وكلهن عجائز ناشرات الشعر على أكتافهن، وعليهن هيبة ووقار. قال: فلما حضرنَ بين يدي الملكة أمرتهن أن يعقدن العقد بالتزويج، فزوَّجنها الشاب وعملت الولائم وجمعت العساكر، فلما أكلوا وشربوا دخل عليها ذلك الشاب فوجدها بكرًا عذراء، فأزال بكارتها، وأقام معها سبعة أعوام في ألذ عيش وأرغده وأهناه وأطيبه.

فتذكر ذات يوم من الأيام فتح الباب وقال: لولا أن يكون فيه ذخائر جليلة أحسن مما رأيت ما منعتني عنه. ثم قام وفتح الباب وإذا داخله الطائر الذي حمله من ساحل البحر وحطَّه في الجزيرة، فلما نظر ذلك الطائر قال له: لا مرحبًا بوجه لا يفلح أبدًا. فلما نظره وسمع كلامه هرب منه، فتبعه وخطفه بين السماء والأرض مسافة ساعة، وحطَّه في المكان الذي خطفه منه، ثم غاب عنه، فجلس مكانه، ثم رجع إلى عقله وتذكَّر ما نظره قبل ذلك من النعمة والعز والكرامة وركوب العسكر أمامه، والأمر والنهي، فجعل يبكي وينتحب، ثم أقام على ساحل البحر الذي وضعه فيه ذلك الطائر مدة شهرين وهو يتمنى أن يعود إلى زوجته.

فبينما هو ذات ليلة من الليالي سهران حزين متفكر، وإذا بقائل يقول وهو يسمع صوته ولا يرى شخصه وهو ينادي: ما أعظم اللذات! هيهات هيهات أن يرجع إليك ما فات، فأكثِرِ الحسرات. فلما سمعه ذلك الشاب يئس من لقاء تلك الملكة، ومن رجوع النعمة التي كان فيها إليه، ثم دخل الدار التي فيها المشايخ، وعلم أنهم قد جرى لهم مثل ما جرى له، وهذا الذي كان سبب بكائهم وحزنهم، فعذرهم بعد ذلك. ثم إن الشاب أخذه الحزن والهم ودخل ذلك المجلس، وما زال يبكي وينوح، وترك المأكل والمشرب والروائح الطيبة والضحك إلى أن مات، ودفنوه بجانب المشايخ. فاعلم أيها الملك أن العجلة ليست محمودة، وإنما هي تورث الندامة، وقد نصحتك بهذه النصيحة. فلما سمع الملك ذلك الكلام اتَّعَظَ به وانتصح، ورجع عن قتل ولده. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤