يا بنت لبنان

امْحِي السَّوَادَ عَنِ الْأَهْدَابِ فِي الْمُقَلِ
وَامْحِي احْمِرَارَ اللُّمَى الْمَمْزُوجِ بِالْقُبَلِ
فَلَسْتُ أَرْغَبُ جَفْنَ الْعَيْنِ مُكْتَحِلًا
وَلَسْتُ أَنْشُدُ إِلَّا حُمْرَةَ الْخَجَلِ
وَلَا تَوَدُّكَ نَفْسِي غَيْرَ طَاهِرَةٍ
كَأَدْمُعِ الْقَلْبِ فِي قَارُورَةِ الْغَزَلِ

•••

يَا بِنْتَ لُبْنَانَ يَا نِبْرَاسَ إِظْلَامِي
كُونِي حَيَاةً تَمْشِي بَيْنَ أَعْظَامِي
وَفِي عُيُونِيَ مِرْآةٌ أَرَاكِ بِهَا
وَفِي فُؤَادِي مُؤَاسَاةٌ لِآلَامِي
فَأَنْتِ رَمْزٌ لِإِيحَائِي وَإِلْهَامِي
أَبْصَرْتُهُ مِنْ كُوَى حُبِّي وَأَحْلَامِي

•••

يَا بِنْتَ لُبْنَانَ كُونِي الْجُزْءَ مِنْ كَبِدِي
وَامْشِي مَعِي فِي ذِهِ الدُّنْيَا يَدًا بِيَدِ
فَأَمْسِ كُنْتِ فَتَاةً تَلْعَبِينَ دَدًا
لَكِنْ شَبَبْتِ وَأَمْسَى الْيَوْمُ غَيْرَ دَدِ
فَأَنْتِ أُخْتٌ تُؤَاسِينَ الْحَيَاةَ غَدًا
وَأَنْتِ أُمٌّ لَهِذَا الْكَوْنِ بَعْدَ غَدِ

•••

يَا بِنْتَ لُبْنَانَ بِنْتَ الْمَجْدِ وَالشَّانِ
يَا ظَبْيَةً مَرِحَتْ فِي جَنَّةِ الْبَانِ
خُذِي احْمِرَارَكِ مِنْ زَهْرِ الْمُرُوجِ فَفِي
الْمُرُوجِ أَزْهَارُ طُهْرِ الْعَالَمِ الثَّانِي
وَكَحِّلِي الْجَفْنَ بِالْآدَابِ وَافْتَخِرِي
بِأَنَّ كُحْلَكِ مِنْ جَنَّاتِ لُبْنَانِ

•••

دَعِي سُوَاكِ تَبِيعُ الثَّغْرَ بِالذَّهَبِ
فَالثَّغْرُ مَا انْشَقَّ كَيْ يَجْنِي عَلَى الْأَدَبِ
وَلَمْ يَكُنْ ضَرَبُ الْأَفْوَاهِ ذَا ثَمَنٍ
فَلَا تَبِيعِي الْهَوَى مِنْ ذَلِكِ الضَّرْبِ
عُرِفْتِ طَاهِرَةً فَابْقَي مُثَابِرَةً
لَا تُبْدِلِي الْفُلَّ بِالْأَشْوَاكِ وَالْحَطَبِ

•••

يَا بِنْتَ لُبْنَانَ مَا أَسْمَى مُسَمَّاكِ!
فَالزَّهْرُ يَجْنِي شَذَاهُ مِنْ مَزَايَاكِ
أَنْتِ ابْنَةُ الْكَرَمِ الْمَوْرُوثِ مِنْ قِدَمٍ
وَحَيْثُ تَأْوِي ظِبَى الْمَرْدِيتِ مَأْوَاكِ
فَإِنْ تَعَالَى إِلَيْكِ النَّوْحُ مِنْ تَعَسٍ
ارْمِي «لِعَازِرَ» شَيْئًا مِنْ عَطَايَاكِ

•••

فِي ذَاتِ لَيْلٍ وَقَدْ فَاتَ الْكَرَى عَيْنِي
خَرَجْتُ أَسْرَحُ فِكْرِي مَعْ صَدِيقَيْنِ
فَشِمْتُ نَجْمَ الدُّجَى تَنْضَمُّ سَارِيَةً
وَبِائْتِلَافٍ تَمَشَّى كُلَّ نَجْمَيْنِ
وَغَيْمَتَيْنِ أَطَلَّ الْبَدْرُ بَيْنَهُمَا
شَبِيهُ جَوْهَرَةٍ مَا بَيْنَ نَهْدَيْنِ

•••

فَقُلْتُ وَالنَّفْسُ تَعْدُو رَائِدَ الْأَمَلِ
الِائْتِلَافُ أَسَاسُ الْجِدِّ وَالْعَمَلِ
فَفِي الْفَتَاةِ دُرُوسٌ نَسْتَنِيرُ بِهَا
إِنَّ الْفَتَاةَ حَيَاةُ الْقَلْبِ فِي الرَّجُلِ
إِذَا اسْتَنَارَتْ وَآخَتْهُ مُصَافَحَةً
تَجْرِي دِمَاءُ الْقُوَى فِي مُهْجَةِ الدُّوَلِ
في ٢٣ ك١ سنة ١٩٢٣

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤