أودُّكِ مَيتةً

أَوَدُّكِ جَاحِظَةَ الْمُقْلَتَيْنِ
وَطَيْفُ الْحِمَامِ عَلَى كُلِّ خَدْ
أَوَدُّكِ غَائِبَةً فِي ضَرِيحٍ
تَنَامِينَ فِي تُرْبِهِ لِلْأَبَدْ
وَلَا تَعْذِلِينِي عَلَى مَا وَدَدْتُ
فَفِي ذِمَّةِ الْحُبِّ مَا قَدْ أَوَدّْ

•••

أَوَدُّكِ فِي خَاطِرِ الْقَبْرِ سِرًّا
يُرَدِّدُ ذِكْرَاكِ فِي مَسْمَعِي
فَيَهْرُبُ مِنْكِ الْعَذُولُ وَآتِي
أُبَلِّلُ خَدَّيْكِ مِنْ أَدْمُعِي
وَأَنْزِعُ مِنْ جَانِبَيْكِ الْفُؤَادَ
وَأُخْبِئُهُ فِي دُجَى أَضْلُعِي

•••

فَأَبْلُغُ إِذْ ذَاكَ قَلْبَ الْحَبِيبِ
وَأُنْعِشُهُ بِلَظَى زَفْرَتِي
وَأَحْمِلُ قِيثَارَتِي لِلنَّشِيدِ
وَأُلْقِي عَلَى الْحُبِّ أُغْنِيَّتِي
وَمَا مِنْ سَمِيرٍ يُصِيخُ لِلَحَنِي
سِوَى الْبَدْرِ فِي اللَّيْلِ وَالنَّجْمَةِ

•••

أَوَدُّكِ مَدْفُونَةً فِي جِنَانٍ
تُضَمِّخُهَا نَفَحَاتُ الزُّهُورْ
فَيَلْعَبُ بِالْقُرْبِ مِنْكِ النَّسِيمُ
وَتُنْشِدُ بِالْقُرْبِ مِنْكِ الطُّيُورْ
وَيَلْوِي التُّرَابُ يُقَبِّلُ فَاكِ
فَكَمْ فِي التُّرَابِ ثَوَى مِنْ ثُغُورْ

•••

وَلَكِنْ وَلَكِنْ أَغَارُ عَلَيْكِ
مِنَ التُّرْبِ إِنْ وَدَّ أَنْ يَلْثِمَا
فَلَا أَرْتَضِي غَيْرَ لَثْمِكِ وَحْدِي
حَرَامٌ لِغَيْرِيَ ذَاكَ اللُّمَى
فَمِنْ أَجْلِهِ قَدْ ذَرَفْتُ الدُّمُوعَ
وَمِنْ أَجْلِهِ قَدْ هَرَقْتُ الدِّمَا

•••

لُمَاكِ لُمَاكِ مِنَ الْجُلَنَّارِ
وَفِيهِ الْهَوَى قَامَ بِالْبَيِّنَاتْ
لَعَلَّ التُّرَابَ يَضُمُّ شِفَاهًا
ثَمَنَّتْ تُقَبِّلُهُ فِي الْحَيَاةْ
فَمَا بَلَغَتْ حِينَذَاكَ مَرَامًا
فَتَبْلُغُ مَا تَشْتَهِي فِي الْمَمَاتْ

•••

لِهَذَا أَوَدُّكِ فَوْقَ الْوُجُودِ
وَفَوْقَ عَنَاصِرِ هَذَا الْفَلَكْ
وَرُوحُكِ هَائِمَةٌ كَالسَّرَابِ
تَضُمُّ مَلَاكًا أَتَى فِي الْحَلَكْ
فَأَغْتَنِمُ اللَّثْمَ مِنْهَا لِأَنِّي
أَكُونُ وَلَا رَيْبَ ذَاكَ الْمَلَكْ

•••

أَوَدُّكِ فِي قَبْضَةِ الْمَوْتِ صَرْعَى
لِأَنَّ حَيَاتَكِ تَقْضِي عَلَيَّ
وَمَوْتُكِ يَا مَيُّ عَذْبٌ لَدَيَّ
فَبِالرَّغْمِ يُلْقِيكِ بَيْنَ يَدَيَّ
وَإِذَ ذَاكَ أَقْضِي سَعِيدًا لِأَنِّي
أَكُونُ وَصَلْتُ إِلَى قَلْبِ مَيَّ
في ٢٧ ت١ سنة ١٩٢٢

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤