إلى مصر

خَفَفْتُ إِلَى أَوْجِ الْعُلَى بِمَقَاصِدِي
فَأَرْجَعَنِي صِفْرَ الْيَدَيْنِ حَوَاسِدِي
وَكَمْ فِي رُبَى لُبْنَانَ مِنْ ذِي مَكِيدَةٍ!
وَمَا رَائِدُ الْحُسَّادِ غَيْرُ الْمَكَائِدِ
يَقُولُونَ عَنِّي عِنْدَ أَوَّلِ نَظْرَةٍ
هُوَ الْحُزْنُ فِي جِسْمٍ مِنَ السُّقْمِ وَارِدِ
أُصِيبَ بِمَسٍّ مِنْ جُنُونٍ مُزَاوِلٍ
يُرَأْرئُ بِالْعَيْنَيْنِ نَحْوَ الْفَرَاقِدِ
كَأَنَّ الْعُلَى فِي مَضْرِبِ النَّجْمِ رَابِضٌ
يُخَالُ إِلَيْهِ هَابِطًا بِقَلَائِدِ
فَيَنْظِمُ فِيهِ لِلْوُجُودِ قَصَائِدًا
أَلَسْنَا نَرَاهُ ذَائِبًا فِي الْقَصَائِدِ؟

•••

أَجَلْ إِنَّنِي لِلْمَجْدِ أَسْعَى وَمَوْطِنِي
يُقَصِّرُ عَنْ إِدْرَاكِ مَجْدِيَ سَاعِدِي
وَفِيهِ رِجَالٌ كَالْأَسَاوِدِ شِيمَةً
وَمَاذَا أُرَجِّي مِنْ سُمُومِ الْأَسَاوِدِ؟

•••

رَأَتْنِي خَرِيدٌ عِنْدَهَا مِنْ جَمَالِهَا
طَلَائِعُ لَيْسَتْ فِي الْحِسَانِ الْخَرَائِدِ
مُنَهَّدَةُ الثَّدْيَيْنِ بَاسِمَةُ اللُّمَى
وَلَيْسَتْ عَلَى ضَعْفِ الثَّدِيِّ النَّوَاهِدِ
فَقَالَتْ لِمَاذَا لَا نَرَى لَكَ بَسْمَةً
تُعَوِّدُكَ الدُّنْيَا عَلَى ذِي الْعَوَائِدِ؟
كَأَنَّكَ مَوْلُودٌ لِتَلْبَثَ شَارِدًا
وَمَا رَاقَتِ الْأَكْوَانُ يَوْمًا لِشَارِدِ
فَقُلْتُ لَهَا لَا أَعْرِفُ الْخُبْثَ وَالرِّيَا
لِأَسْلُكَ مَعَ رَهْطٍ بِلُبْنَانَ فَاسِدِ
وُلِدْتُ وَفِي صَدْرِي مَزِيجٌ مِنَ الْعُلَى
وَمَا رَائِدِي إِلَّا كَرَائِدِ وَالِدِي
إِلَى مِصْرَ رَحْلِي يَا ابْنَةَ الْجَارِ إِنَّنِي
سَأَتْرُكُ أَهْلِي فِي الْحِمَى غَيْرَ وَاجِدِ
فَفِي أَبْطُحِ الْأَهْرَامِ يَبْسُمُ لِي غَدٌ
وَإِنَّ هُنَا يَوْمِي يَجُورُ عَلَى غَدِي
لَقَدْ حَانَ بُعْدِي عَنْ بِلَادٍ خَبُرْتُهَا
وَكَمْ رَاقَ عَيْشٌ لِلْفَتَى الْمُتَبَاعِدِ
فَيَا حَبَّذَا تِلْكَ الْكِنَانَةُ مَوْرِدًا
تَحَدَّرَ فِيهَا النِّيلُ عَذْبَ الْمَوَارِدِ
هُنَاكَ أَبُو الْخَيْرَاتِ فِيهِ فَوَائِدٌ
تَفِيضُ عَلَى مَنْ جَاءَهُ لِلْفَوَائِدِ
وَلَيْسَ يَضِيعُ السَّعْيُ فِيهِ لِجَاهِدٍ
وَكَمْ ضَاعَ فِي لُبْنَانَ سَعْيٌ لِجَاهِدِ
غَدَا وَطَنُ الْأَحْرَارِ سِلْعَةَ تَاجِرٍ
تُبَاعُ وَتُشْرَى خِلْسَةً فِي الْمَعَابِدِ
وَلِلْحُرِّ آمَالٌ يَرَاهَا مُشَاهِدًا
تُرِيهِ بِأُمِّ الْعَيْنِ أَنْكَى الْمَشَاهِدِ
هُوَ الْحُرُّ فِي لُبْنَانَ أَصْبَحَ جَانِيًا
يَجُورُ عَلَيْهِ ظُلْمُ تِلْكَ الْعَقَائِدِ
تَبِيدُ مَبَادِي الْكُلِّ مَعَ كُلِّ بَائِدٍ
وَلَكِنَّ مَبْدَا الْحُرِّ لَيْسَ بِبَائِدِ
زَهِدْتُ بِلَادِي فَاتْرُكِي لِي لُبَانَةً
أَمُدُّ إِلَيْهَا فِي شُسُوعِ الْمَدَى يَدِي
لَعَلَّ بِلَادِي إِنْ رَأَتْنِيَ نَائِيًا
تَحِنُّ إِلَى مَرْأَى الْهَوَى فِي نَشَائِدِي
في ٢٧ آب سنة ١٩٢٣

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤