المَجْدِلِيَّة والمسيح

غَسَلَ الْبَدْرُ بِالضِّيَاءِ الظَّلَامَا
وَبَكَى وَالدُّمُوعُ كَانَتْ هَيَامَا
وَمَشَى النُّجْمُ خَلْفَهُ بِخُشُوعٍ
فَكَأَنَّ النُّجُومَ صَارَتْ يَتَامَى
وَحْشَةُ اللَّيْلِ وَالسَّكِينَةُ وَالصَّمْـ
ـتُ وَمَرُّ النَّسِيمِ كَانَ كَلَامَا
فَكَأَنَّ الْوُجُودَ أَنْطَقَهُ الْحُزْ
نُ فَجَاءَتْ أَلْفَاظُهُ آلَامَا
وَالْفَضَا شَاخِصٌ إِلَى الْجَبَلِ الْعَا
لِي يُنَاجِي الرُّبُوعَ وَالْآكَامَا
فَتُجِيبُ الرُّبُوعُ بِالصَّمْتِ وَالدَّمْـ
ـعِ وَلَا تَنْبِسُ الشَّفَاهُ احْتِرَامَا
مَاتَ فَوْقَ الصَّلِيبِ مَنْ كَانَ يَهْوَى
وَيَرَى الْحُبَّ لِلنُّفُوسِ سَلَامَا
فَصَلِيبُ الْآثَامِ مَا زَالَ حَيًّا
وَصَلِيبُ السَّلَامِ صَارَ رُغَامَا

•••

مَا وَرَاءَ الْأَدْغَالِ مَرَّ خَيَالٌ
حَمَّلَ الْقَلْبَ أَدْمُعًا وَكَلَامَا
كَانَ يَمْشِي الطَّرِيقَ مَهْلًا وَلَكِنْ
عِنْدَمَا قَارَبَ الصَّلِيبَ تَرَامَى
هَذِهِ مَجْدِلِيَّةُ الْحُزْنِ جَاءَتْ
تَطْرَحُ الْحُبَّ لِلْمَسِيحِ طَعَامَا
طَالَمَا فِي الْحَيَاةِ غَذَّتْهُ بِالْحُبِّ
وَرَوَّتْهُ مِنْ هُوَاهَا مُدَامَا
إِنَّ لِلْمَوْتِ مُهْجَةً وَفُؤَادًا
يَنْشُدَانِ الْحَيَاةَ عَامًا فَعَامًا
لَا تَمُوتُ الْقُلْوبُ إِنْ سَكَبَتْ فِي
جَوْفِهَا أَنْمُلُ السَّمَاءِ غَرَامَا
نَظَرَتْ نَظْرَةَ الْوَدَاعِ إِلَيْهِ
فَبَكَتْ أَدْمُعُ الْهُيَامِ سَجَامَا
وَرَأَتْ مِنْ جَبِينِهِ الْجُرْحَ يُدْمِي
وَرَأَتْ فَوْقَ وَجْنَتَيْهِ الْحِمَامَا
وَرَأَتْ يَا لَهَوْل مَا قَدْ رَأَتْهُ!
شَبَحَ الرُّوحِ دَامِعًا بَسَّامَا
شَبَحَ الْحُبِّ حَامِلًا فِي يَدَيْهِ
قَلْبَ حَسْنَاءَ خَافِقًا مُسْتَهَامَا
هُوَ رَمْزٌ لِقَلْبِ مَرْيَمَ رَمْزٌ
لِغَرَامٍ رَأَى الْحَيَاةَ سَآمَا
فَتَوَارَى يَنَامُ فِي الْمَوْتِ لَكِنْ
قَدْ أَعَدَّ الْخُلُودَ فِيهِ مَنَامَا
صَرَخَتْ مَرْيَمٌ بِقَلْبٍ جَرِيحٍ
أَبِظُلْمٍ قَدْ نَفَّذُوا الْإِعْدَامَا
جِئْتَ تُوحِي رُوحَ السَّلَامِ إِلَيْهِمْ
مَا لَهُمْ عَزَّزُوا بِكَ الْآثَامَا
يَا حَبِيبِي اجْعَلْ جُرُوحَ فُؤَادِي
أَنْ تَبُلَّ الدِّمَاءُ مِنْهَا أَوَامَا
فَأُرَوِّيكَ مِنْ دِمَائِي بِكَأْسٍ
حَمَلَتْ فِي شُعَاعِهَا الْأَيَّامَا
يَا حَبِيبِي مَا لِلزُّهُورِ حَزَانَى
مُطْبِقَاتٍ عَلَى الْجَمَالِ الْكِمَامَا
وَالْغَدِيرُ الْمُنْسَابُ يَجْرِي رَهِيبًا
مُنْشِدًا فِي نَحِيبِهِ الْأَنْغَامَا
مَا لِعَيْنَيَّ تَغْشَيَانِ رُوَيْدًا
وَرُوَيْدًا تُطَارِدَانِ الْأَنَامَا
آهِ إِنَّ الْعُيُونَ بِالْحُبِّ تَحْيَا
فَإِذَا فُورِقَتْ تَصِيرُ أَيَامَى
سَأُوَافِيكَ عَنْ قَرِيبٍ فَهَيِّئْ
خَيْمَةَ الْحُبِّ بَيْنَ زَهْرِ الْخُزَامَى
فَتُعِيدُ الزُّهُورُ ذِكْرَ حَيَاةٍ
سَنَّ فِيهَا لَنَا الْغَرَامُ نِظَامَا

•••

عِنْدَ هَذَا رَأْسُ الْمَسِيحِ اسْتَقَامَا
فَإِذَا الشَّوْكُ قَدْ تَخَطَّى الْعِظَامَا
وَالْجَبِينُ الْمَشُوكُ يَنْسِجُ لِلْوَجْـ
ـهِ مِنَ الْمَصْلِ وَالدِّمَاءِ لِثَامَا
وَبِجُنْحِ الدُّجَى أَفَاقَ مِنَ الْمَوْ
تِ بَكِيًّا وَالدَّمْعُ كَانَ هُيَامَا
وَلَدُنْ أَبْصَرَ الْحَبِيبَةَ تَبْكِي
أَطْبَقَ الْجَفْنُ فِي الْخُلُودِ وَنَامَا!

بعد عشرين جيلًا

فِي سَمَاءِ الْخُلُودِ خَيْمَةُ زَهْرٍ
حَيْثُ عِيسَى وَمَرْيَمٌ قَدْ أَقَامَا
خَيْمَةٌ لِلْهَوَى يُبَطِّنُهَا الْحُبُّ
وَيَأْبَى وُجُودُهَا الِانْصِرَامَا
نَعِمَ الْعَاشِقَانِ فِيهَا طَوِيلًا
وَتَنَاسَى قَلْبَاهُمَا الْأَسْقَامَا
فَعَذَابُ السَّاعَاتِ كَانَتْ خُلُودًا
أَبَدِيًّا وَلَمْ تَكُنْ أَحْلَامَا
وَاسْتَفَاقَ الْمَسِيحُ مِنْ سَكْرَةِ الْحُبِّ
يِخَالُ السَّمَاءَ أَمْسَتْ ضِرَامَا
فَرَأَى الْكَوْنَ بِاضْطِرَابٍ عَظِيمٍ
وَرَأَى فِي شُعُوبِهِ الْإِجْرَامَا
سُنَّةُ الظُّلْمِ سَارَ كُلٌّ عَلَيْهَا
وَغَدَا الْعَدْلُ شِرَّةً وَغَرَامَا
وَاسْتَمَرَّ اللَّئِيمُ فِي حَوْبَةِ اللؤْ
مِ فَأَمْسَتْ كُلُّ الشُّعُوبِ لِئَامَا
فَرَّقَ النَّاسُ دِينَهُمْ لَا سَلَامٌ
يَجْعَلُ الرِّفْقَ بَيْنَهُمْ وَالْوِئَامَا
فَسَلَامُ الْوِفَاقِ صَارَ حُرُوبًا
وَصَلِيبُ الْوِئَامِ صَارَ حُسَامَا
فَبَكَى الْيَوْمَ لِلسَّلَامِ وَلَكِنْ
مَا بَكَاهُ بِالْأَمْسِ كَانَ خِصَامَا
في ١١ تشرين٢ سنة ١٩٢٣

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤