الدمعات الثلاث

الدمعة الأولى

الدَّمْعُ مِنْ عَيْنَيَّ لَمْ يَذْرُفِ
إِلَّا عَلَى وَرْدِ الْهَوَى الْأَشْرَفِ
تِلْكَ دُمُوعُ الْقَلْبِ ذَوَّبْتُهَا
وَفِي دُمُوعِ الْقَلْبِ سِرٌّ خَفِي
كَمْ لَيْلَةٍ أَحْيَيْتُهَا سَاهِرًا
مَا مِنْ سَمِيرٍ لِي سِوَى مُصْحَفِي!
طَوْرًا أُنَاجِي نَارَ سِيكَارَتِي
وَتَارَةً أَرْنُو إِلَى الْأَحْرُفِ
وَفِي فُؤَادِي مِنْ شُجُونِ الْهَوَى
مَا فِي فُؤَادِ الشَّاعِرِ الْأَحْنَفِ
يَا مَيُّ مَا لِلْأَهْلِ مِنْ مَدْخَلٍ
بَيْنَ كَسِيرِ الْجَفْنِ وَالْمُدْنِفِ
نَحْنُ لَنَا فِي حُبِّنَا شِيمَةٌ
بِغَيْرِ هَذَا الْحُبِّ لَمْ نَكْلَفِ
فَلْيَتْرُكُونَا فِي مُنَاجَاتِنَا
وَلْيَحْفَظُوا حُرْمَةَ حُبٍّ وَفِي
فَلْيَتْرُكُونَا نَجْتَنِي حُلْمَنَا
بَيْنَ زُهُورِ الْفُلِّ وَالْمَضْعَفِ
يَا دَهْرُ إِنِّي لَمْ أَزَلَ أَمْرَدَا
أَمَتَّ لِي حَظِّي وَلَمْ تَكْتَفِ
مَا فُتِّحَتْ أَزْهَارُهُ فِي الضُّحَى
حَتَّى أَحَالَتْهَا يَدُ الْحَرْجَفِ
لِي نَفَسٌ يَعْسُرُ تَرْدَادُهُ
كَنُورِ مِصْبَاحٍ بَدَا يَنْطَفِي
وَجَسَدٌ أَبْلَى بِهِ سُقْمُهُ
يَكَادُ لَوْلَا ثَوْبُهُ يَخْتَفِي
وَلِي حَيَاةٌ حَظُّهَا أَسْوَدٌ
نَظِيرَ لَيْلِي الْمُظْلِمِ الْمُسْدِفِ
أَمْسَيْتُ مِنْ يَأْسِي أُحِبُّ الدُّجَى
فَفِي الدُّجَى رَسْمُ الْحَمَامِ الْخَفِي
حَتَّى إِذَا أَلْفَيْتُهُ رَاحِلًا
أَقُولُ لِلظُّلْمَةِ فِيهِ قِفِي
رَبَّاهُ لِمْ تَخْلُقُنِي تَاعِسًا
أَشْكُو وَمَا مِنْ سَامِعٍ مُنْصِفِ؟
كَأَنَّنِي فِي الْكَوْنِ جَانٍ أَتَى
بِحَادِثٍ أَعْيَبَ مُسْتَنْكَفِ
وَلَيْسَ ذَنْبِي غَيْرَ أَنِّي فَتًى
أَحْبَبْتُ فِيهَا حُسْنَهَا الْيُوسُفِي
أَحْبَبْتُ فِيهَا رُوحَهَا سَاقِيًا
وَرْدَتَهَا مِنْ أَدْمُعِي الذُّرَّفِ
إِنْ كَانَ عَارًا مَا دَعَوْهُ الْهَوَى
فَإِنَّ هَذَا الْعَارَ مَا أَصْطَفِي
في ٥ أيار سنة ١٩٢٢

الدمعة الثانية

١

كَيْفَ لَا أَنْدُبُ أَمْسِي
وَمَمَاتِي فِي غَدِي؟
فَأَنَا مُذْ حَلَّ تَعْسِي
فَرَّ حَظِّي مِنْ يَدِي

٢

ضَعُفَتْ رُوحِي بِصَدْرِي
وَتَلَاشَتْ فِي الْفُؤَادْ
فَانْطَفَتْ جَذْوَةُ عُمْرِي
وَاسْتَحَالَتْ لِرَمَادْ

٣

مُنْيَتِي هَلْ تَذْكُرِينَا
وَقْفَةً قُرْبَ الْغَدِيرْ؟
حَيْثُ أَلْفَيْنَا الْغُصُونَا
هَامِسَاتٍ فِي الْأَثِيرْ

٤

وَالسُّنُونُ رَاحِلَاتُ
تَلْمَسُ الْمَاءَ الرَّكُودْ
مِثْلُهَا تِلْكَ الْحَيَاةُ
مخَرَتْ بَحْرَ الْوُجُودْ

٥

يَا لَهُ وَقْتًا تَقَضَّى
بَيْنَ لَهْوٍ وَدَدِ
يَوْمَ كَانَ الْحُبُّ فَرْضًا
صَافِيًا كَالْعَسْجَدِ

٦

أَيُّهَا الْمُنْشِدُ رِفْقًا
فَلَقَدْ وَلَّى الشَّبَابْ
مَنْ قَضَى فِي الْكَوْنِ عِشْقًا
لَا يُؤَاسِيهِ الرَّبَابْ

٧

إِنَّمَا قَبْلَ الْمَمَاتِ
ذَكِّرِ الصَّبَّ بِمَيّْ
غَنِّ لِي لَحْنَ الْحَيَاةِ
ظَبْيَةَ الْأُنْسِ إِلَيّْ
في ٣ أيلول سنة ١٩٢٢

الدمعة الأخيرة

مَا لِسَلْمَى الَّتِي اسْتَبَدَّتْ وَمَا لِي!
أَنَا فِي الْحُبِّ مَيِّتُ الْآمَالِ
كُنْتُ أَمْشِي مَعَ الْهُيَامِ وَلَكِنْ
كُنْتُ أَمْشِي عَلَى طَرِيقِ الضَّلَالِ
ذَلِكَ الْحُبُّ كَانَ بِالْأَمْسِ بَدْرًا
فَغَدَا الْيَوْمَ نَاقِصًا كَالْهِلَالِ
ذَلِكَ الْحُبُّ كَانَ رَسْمًا شَرِيفًا
فَغَدَا الْيَوْمَ سِلْعَةَ الدُّلَّالِ
يَا لَسَلْمَى! كَيْفَ اسْتَبَدَتَّ وَأَذْرَتْ
بِحَيَاتِي وَمَدْمَعِي الْهَطَّالِ؟
مَا كَفَاهَا أَنِّي هَزِيلٌ وَلَكِنْ
سَمَّرَتْ نَعْلَهَا وَدَاسَتْ هُزَالِي
بِنْتَ حَوَّاءَ إِنَّ قَلْبَكِ صَخْرٌ
كَيْفَ عَدُّوكِ مِنْ ذَوَاتِ الدَّلَالِ؟
لَوْ حَبَاكِ السُّلْطَانَ رَبُّكِ يَوْمًا
لَاسْتَحَلَّيْتِ مَصْرَعًا لِلرِّجَالِ

•••

يَا صَدِيقِي خُذِ الرَّبَابَ وَأَنْشِدْ
«كُلُّ حَيٍّ مَصِيرُهُ لِلزَّوَالِ»
فَأَنَا رَاحِلٌ عَنِ الْكَوْنِ عَلِّي
أَجِدُ الْمَكْرَ نَائِيًا فِي ارْتِحَالِي
لَا أَرَى فِي الْمِرْآةِ وَجْهِيَ حَتَّى
يَعْتَرِينِي خَوْفٌ لِفَرْطِ اعْتِلَالِي
آهِ! وَا سُوءَ حَالِيَ الْيَوْمَ! إِنِّي
أَطْلُبُ الْمَوْتَ، آهِ! وَا سُوءَ حَالِي!
يَا صَدِيقِي مَاضِيَّ كَانَ جَمِيلًا
فَاسْتَبَدَّ الْهَوَى بِذَاكَ الْجَمَالِ
أَطْرِبِ الْحُبَّ كَيْ يُكَفَّنَ مَاضِيـ
ـهِ بِثَوْبٍ مِنْ جِنْسِهِ غَيْرِ بَالِ
في ١٩ ك١ سنة ١٩٢٢

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤