تمهيد

بسم الله الرحمن الرحيم

التاريخ قائل الخبر، وحافظ الأثر، بل هو أعدل شاهد، وأصدق راو. يروي لأهالي الأجيال القادمة ما حدث قبلهم من الحوادث العظام والعبر الجسام.

حدث في ختام عام ١٩١٤ في مصر حادث عظيم دخلت على أثره في دور حياة جديدة، فقد أشرقت عليها أنوار السعادة وفاضت عليها أنهر الصفاء وتوطدت دعائم السلام ورفلت بحلل الفخار. وهذا الحادث المجيد هو انتقال مصر من خديوية إلى سلطنة وتولية سمو البرنس حسين كامل سلطانًا عليها.

للعلم على مصر وأهلها في هذه النهضة الحاضرة حق كبير يجب عليها أداؤه بالشكر للعلم وبالمواظبة على خدمة العلم؛ ذلك لأن العلم هو الذي كونها وجمع أجزاء قواها بعضها إلى بعض، حتى أصبحت جسمًا متحدًا وأصبح لبنيها مقام محمود بين الأمم الراقية، وهذا العلم هو نفسه أيضًا مدين لصاحب العظمة مولانا السلطان الكامل: هبات وافرات دائمًا وأبدًا للعلم يفيض بها الندى عن غيره ووطنية على إنشاء وتعضيد معاهد علمية وتنشيط الكتاب وتشجيع المؤلفين، فعظمة مولانا السلطان يضع بيده في كل يوم حجرًا في بناء استقلال البلاد من ربقة الجهل وفي سبيل تشييد صرح مجدها وسعادتها.

عظمة مولانا السلطان يعمل بروية وحكمة ولكنه يعمل مشتغلًا حبًّا في بلاده وغيرة عليها، وقد رأينا من آثار عظمته الغراء وباكورة أفعاله الزهراء ما جعلنا نتوقع للبلاد خيرًا أكيدًا، بل جعلنا واثقين بأن مناهل حسناته وحكمته وينابيع مبراته ورويته ستفيض على البلاد والعباد بأنهار السعادة وتقودها إلى قمة المجد والكمال، وقد أدركت الأمة الفرق بين ما كانت عليه وما أصبحت فيه، وغدت تنشد متفاخرة بسلطانها.

لنا والد لو كان للناس مثله
أب آخر أغناهم بالمناقب

فما جلس عظمته على أريكة السلطنة المصرية حتى عمت الأفراح جميع أنحاء البلاد من شمال الدلتا حتى أقاصي الصعيد، وتجاوزتها إلى أرجاء السودان، وفاضت قرائح الشعراء بالقصائد الرنانة يهنئون مصر بسلطانها ويهنئون سلطانها بسلطنته ورعيته.

وقد رأيت تذكارًا لهذا الانقلاب المجيد واليوم السعيد، أن أضع كتابًا أضمنه ترجمة صاحب العظمة والجلال مولانا السلطان الأعظم قبل ارتقائه عرش السلطنة، ثم أجمع في هذا الكتاب ما سبق هذا الانقلاب من المكاتبات الرسمية وأقوال السلطان المأثورة وحِكمه المنثورة ومبراته العظيمة التي أذكرتنا عهد الرشيد والمأمون، ثم قصائد الشعراء وفيها كثير مما لم يظهر على صفحات الصحف؛ ليكون هذا الكتاب أثرًا خالدًا وتاريخًا مجيدًا للأجيال القادمة وحلية نفيسة تزدان بها المكاتب العامة والخاصة، وخزانة أدب يستخرج منها طلاب العلم كنوز الحكمة ونفيس الكلام.

وإني أسأل المولى المتعال ذا العزة والجلال أن يطيل بقاء عظمة مولانا السلطان الكامل حسين الأول لينفع هذه الأمة ويسير بها في مراقي الكمال، فقد عاهد ربه ورعيته أن يجعل خير الوطن كعبة آماله وغاية أفعاله.

أدام الله عظمته غرة في جبين الدهر وجوهرة ساطعة في تاج المحامد والفخر آمين.

العبد الخاضع الأمين
سليم قبعين

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤