كيف تعالج قرف الديناصور؟

حادثني الديناصور — بقرف حارق — أن الأيام لم تعد كريمةً معه كما كانت زمان. فالكائنات مقهورة جاهز. والقتال انتهت منه المتعة، أو انتهى. وافقته محاولًا الشعور بمأساته. هممم، المفترس يعاني مللًا … ملل سهولة الافتراس. تقمصت وجهة نظره؛ كما اعتدت طيلة عمري حتى قبل أن أصبح مؤلفًا، وأكثر من ذلك عبَّرت عن مشكلته كأنها مشكلتي. لا أدري من علَّمني هذا الفعل الشنيع؛ أن أتقرَّب إلى عدوي، باحترام جم. هل الغاية خبيثة، وراءها تعقُّل بعيد، كي أكسب ثقته، ثم أنفذ إليه من حيث لا يتوقع؟ أم أنه غباء صرف، وخنوع بغيض، هدفه مكسب القرب لآخر؟! ما وصلت إليه أن لا أحد علَّمني ذلك، أنا من سعيت إليه كثيرًا رغم شمي رائحة النفاق فيه. شرحت له ما حدث، ويحدث. لا أحد يريد أن يقاتل. ليس لاقتناعهم بالسلام، وإنما لضعفهم من كثرة الحروب. النزول إلى الغابة لشراء غرض من السوبر ماركت صار رحلةً مفعمةً بالمخاطر. هناك الموتوسيكل الذي يجتاح الرصيف. وهناك السيارة التي تنطلق في الاتجاه العكسي بسرعة عمياء. وهناك الشحاذ اللحوح، العنيف. وهناك تلال القُمامة المتوحشة. وهناك طوفان الأمطار، أو المجاري، الذي يغرق الشارع في انطلاق. وهناك الكلاب الضالة. وهناك الحفر والنقر، المختلفة الأحجام والأعماق. وهناك الرصيف الذي احتله الباعة ليعرضوا فيه بضاعتهم المستوردة الفقيرة. وهناك ذلك المخلوق المتضخم، الذي ينفث فينا نارًا لا آخر لها، واسمه الزحام. وهناك البرود الإنساني الغليظ، الذي سيجعل البائع إذا ما سمعك لا يرد عليك. وهناك الأسعار التي تتجاوز السحب في مَسخية تتزايد يوميًّا. وهناك تاريخ الصلاحية الذي سيكون إما ممسوحًا، وإما مزيفًا، وإما — في أحسن الاحوال — منتهيًا بعد أيام. هذه خمس دقائق من حياتهم يا سيادة الديناصور، فما بالك بأعمار وحَيَوات؟! لقد أرهقتهم غابتهم، واستنفدت طاقتهم. وأنت تتحدث عن فنون الحرب، ومناهج القتال، ولذة النديَّة. كل الرائع موجود بالخارج الآن، أو بالداخل زمان. لذلك لا تطمح في رائع هنا حاليًّا، وإلا استنفد هذا طاقتك أنت أيضًا. بدا وكأن الديناصور يزن كلماتي. وفي ارتفاع حاجبه الأيسر، وتقدم شفته السفلى، وهزة رأسه الخفيفة، أدركت استحسانه للوزن. أطلقت زفرة راحة غير مسموعة، وخرج الاطمئنان مع أولاده في رحلة خلوية داخل صدري. لكن في أقل من ثانية، كان الديناصور قد اختطفني من مطرحي، وبلعني في بطنه. طبعًا أنا لست سيدنا يونس، وإنما ماسح جوخ غير موهوب. ليتني قلت إن الكائنات تخافه لأنه الأقوى، أو إنهم صاروا يحبون افتراسه لهم بمرور الوقت!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤