برنامج الطبيخ

الشيف الذي يسكن التليفزيون يوزِّع نفسه بين عرض مقادير الطبخة، وتنفيذ خطواتها، والرد على هواتف المشاهدين. ميَّزت على مريلته القاتمة كلمة «القاضي» مكتوبة بخط الثُّلُث؛ تذكرت أنه مطعم شهير، وعرفت أنها دعاية أخرى. خلال مكالمة مع أم أصرَّت أن يتحدث أولادها الستة إلى الشيف، توالى العجب العجاب، في سرعة وعادية. البوتاجاز الراقد في جانب الكادر اشتعل في لهب مروع. الأكلة خرجت من الفرن، متفحمةً متضخمةً، وهاجت في هيئة بين الإنسان والغوريلا، مبتلعةً مساعد الشيف الدائم الصمت. الأولاد الستة ظهروا، مقتحمين المكان، عابثين بديكور المطبخ، ومفرقعين «بمب» بدا كالقنابل. أمهم هاجمت واحدًا من عمال الاستوديو، دخل الكادر في محاولة للسيطرة على الأمر، لتدكه بلكمة من يدها، متحولًا إلى عصفور دائخ. سقطت الجدران الملونة في الخلفية، لتتعرى جدران أقدم، شروخها نهش أظافر وحش مهول كيف لا يخاف منه أحد؟! كل ذلك، والكاميرات دائرة، والصور تتابع في آلية، والشيف يتصرَّف كأنما لم يحدث شيء، مُحافِظًا على إيقاعه الخفيف، ولغته المهزارة، بينما تأكدت عيناي — بعد فحص — أن الكلمة على مريلته تحولت من «القاضي» إلى «الفوضى». التفتُّ إلى زوجتي الجالسة على الأريكة تشاهد حينًا، وتقلِّب مجلةً في يديها حينًا آخر، واستشرتها بتراخٍ: «إيه رأيك؟!» فأشاحت بيدها في غير اكتراث، ثم عرضت أن أحوِّل إلى قناة المسلسلات القديمة، مبديةً اهتمامًا بتنحيتها المجلة جانبًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤