الفصل الثاني

جمهورية السودان

(١) إقليم السودان الطبيعي

يمثِّل السودان قطاعًا هامًّا في إقليمين أفريقيين هما: حوض النيل والإقليم السوداني الطبيعي، وهو في الإقليم الأول يحتل القلب من حوض النيل؛ ففيه تنصرف مياه الهضبة الحبشية من الشرق، ومياه هضبة البحيرات من الجنوب، ثم يلتقيان معًا وينصرفان في نهر النيل الرئيسي صوب الشمال، وهو في الإقليم الثاني يحتل الركن الشرقي من الإقليم السوداني الطبيعي الممتد من السنغال حتى الحبشة. ونظرًا للامتداد الطولي الكبير (قرابة ألفَيْ كيلومتر من الحدود المصرية إلى الحدود المشتركة مع أوغندا)، فإن جمهورية السودان تمتد في الحقيقة عبر عدة أقاليم طبيعية؛ فهي في الشمال تشتمل على قسم من الإقليم الصحراوي، وفي معظم القسم الباقي تشتمل على قسم من إقليم السودان الطبيعي ذي المطر الفصلي وحشائش السفانا بجميع درجاتها، وفي الأطراف الجنوبية ينتمي السودان إلى الإقليم الاستوائي.

وبذلك فإن دراسة السودان توضِّح لنا عدة أنماط طبيعية، كما أن دراسته توضِّح إمكانات إقليم السودان الطبيعي من ناحية استثمار موارده الزراعية والرعوية استثمارًا حديثًا وعلميًّا، وكذلك توضِّح دراسته فقرَ إقليمَيِ السودان الطبيعي وحوض النيل من الناحية المعدنية، وإن كان هذا الفقر رهنًّا بزيادة البحث الجيولوجي الذي قد يكشف عن مصادر معدنية غير معروفة الآن.

وعلى هذا فإن النمط السكني المستقر في إقليم السودان مرتبط بمصادر الماء الجاري في صورة النيل أو شاري أو النيجر أو السنغال، حيث تُمارَس الزراعة في صورة مختلفة؛ من زراعة الفأس إلى المحراث البلدي إلى المحراث الآلي. أما النمط السكني غير المستقر فينتشر مع الرعاة في هجراتهم المتصلة بين الانكماش حول مراكز الماء الدائمة — الآبار والأنهار والخيران — وبين الانتشار مع الأمطار الصيفية في اتجاهات عديدة تملأ إقليم السودان الطبيعي بمظاهر الحياة.

ومشكلة الإقليم السوداني الأساسية في الوقت الراهن تتلخص في ضبط مياه الأنهار من أجل التقدم الزراعي، والعناية بصورة أكثر بمشكلات الرعي من حيث حفر آبار عديدة لسقاية الحيوان، وخلق وعي جديد في تربية الحيوان لزيادة وزنه، وتحويل الحيوان إلى ثروة قومية بدلًا من كونه رأسمال مجمَّد داخل إطار نظام الرعي التقليدي السائد حاليًّا.

(٢) جمهورية السودان

تكون جمهورية السودان أكبر دولة أفريقية بمساحتها الواسعة التي تبلغ ٢٥٠٥٨٢٠ كيلومترًا مربعًا، ولكنها من حيث أعداد السكان لا تكون الدولة الأولى؛ فإن عدد السكان حسب تقديرات الأمم المتحدة لعام ١٩٧٠، قد بلغ ١٦٠٩٠٠٠٠ شخص فقط، وبذلك تحتل المركز السادس من حيث السكان بعد نيجيريا والجمهورية العربية المتحدة وإثيوبيا وجنوب أفريقيا والكنغو، ومعظم سكان السودان مركَّزين حول النيل وروافده.

ولقد كان السودان جزءًا من مصر منذ عام ١٨٢٠، ثم أصبح بعد الثورة المهدية (١٨٨١–١٨٩٨) خاضعًا للحكم الثنائي المصري الإنجليزي من عام ١٨٩٩، ثم استقل عام ١٩٥٦. ولا شك أن ارتباط السودان في تاريخه الحديث بمصر حتى حصوله على الاستقلال كان له عدة فوائد، أهمها عدم إمكان نزع أية مساحةٍ تُخصَّص للأوروبيين؛ لأن الطرف المصري في الحكم ما كان له أن يوافق على ذلك، وبالتالي لم يتمكن أي أوروبي من الاستيطان الدائم إلا في حدود محدودة، وجذوره في هذه الحالة قامت على التجارة فقط — المثال على ذلك اليونانيون — وبهذا اختلف مصير السودان عن مصير عدد من الدول الأفريقية التي استعمرتها الدول الأوروبية منفردةً، كذلك من الفوائد التي جناها السودان الاستفادة من خبرات ومشروعات الري المصرية التي أدَّتْ إلى دخول المحاصيل النقدية وخاصة القطن إلى السودان، ولا زال السودان يستفيد من مشروعات الري المصرية في أعالي النيل، وكذلك من مشروع السد العالي.

ويُقسَّم السودان إداريًّا إلى تسع مديريات معظمها ذات مساحات شاسعة، لكنها إما مناطق صحراوية جافة في الشمال، وإما مناطق من السفانا غير المأهولة إلا في أوقات محدودة من السنة، حينما ينتقل إليها الرعاة في تجوالهم الموسمي، ويوضح الجدول التالي مساحات المديريات وأعداد سكانها حسب تقديرات ١٩٦٩، الذي بلغ فيه مجموع سكان السودان ١٤٧٩١٠٠٠ شخص.

figure
خريطة رقم (٥٥).
جدول ٢-١: أقسام السودان الإدارية (١٩٦٩).
المديرية المساحة كم٢ عدد السكان عاصمة المديرية
الشمالية ٤٧٧٠٦٠ ١٠٦٨٠٠٠ الدامر
كسلا ٣٤٠٦٥٥ ١٥٧٣٠٠٠ كسلا
الخرطوم ٢٠٩٧١ ٩٠٥٠٠٠ الخرطوم
النيل الأزرق ١٤٢١٠٥ ٣١٦٦٠٠٠ ودمدني
كردفان ٣٨٠٥٣٤ ٢٣٣٨٠٠٠ الأبيض
دارفور ٥٠٩٠٥٨ ١٧٠٦٠٠٠ الفاشر
أعالي النيل ٢٣٦٢٠١ ١٢٩٠٠٠٠ ملكال
بحر الغزال ٢٠١٠٤١ ١٤٣٨٠٠٠ واو
الاستوائية ١٩٨١١٤ ١٣١١٠٠٠ جوبا

(٣) الدراسة الطبيعية

(٣-١) التضاريس

يتكون السودان أساسًا من سهل تحاتي كبير أرسبت عليه في أجزاء كثيرة منه إرسابات طميية سميكة، مما أدى إلى انحدار النيل وروافده — وخاصة في الجنوب — انحدارًا بطيئًا جدًّا. وتتخلل هذا السهل عدة جبال منعزلة يمكن أن يُطلَق عليها «إنسلبرج» عبارة عن بقايا الصخور المقاومة للتعرية وغالبها من الجرانيت، كما هو الحال في جبال النوبا في كردفان أو تلال الداجو في جنوب دارفور، ويرتفع السهل تدريجيًّا إلى الغرب حتى يصل إلى كتلة جبال «مرة» البركانية الأصل في دارفور، كما يرتفع السهل تدريجيًّا صوب الجنوب حتى يصل إلى هضبة الزاندي أو خط تقسيم المياه بين النيل والكنغو وتشاد، ولكن السهل ينتهي فجأة، أو يكاد، في اتجاه الجنوب الشرقي، حيث يصل إلى الحافة الشمالية لهضبة البحيرات، وينتهي أيضًا فجأة في اتجاه الشرق حيث يصل إلى حافة الهضبة الحبشية. وتتوغل ألسنة من المرتفعات من كل هضبتَيِ البحيرات والحبشة إلى داخل السودان لمسافات قصيرة، كما هو الحال بالنسبة لجبال إيماتونج في الجنوب الشرقي التي ترتفع في نقط عديدة منها إلى ١٩٠٠ متر، وتصل أعلى نقطة فيها إلى ٣٣٥٠ مترًا في جبل كنيتي Kinyeti قرب حدود أوغندا.
أما هضبة الزاندي فلا تبلغ هذه الارتفاعات، ومتوسط ارتفاعها بين ٥٠٠ متر وألف متر، وأعلى نقاطها تصل إلى ١٣٠٠ متر فقط، وتتدرج هضبة الزاندي وحافة هضبة البحيرات في الهبوط إلى أن تصل إلى حوض السودان الجنوبي الذي يقع على ارتفاع تتراوح بين ٣٠٠ متر، و٥٠٠ متر، وهذا الحوض مثلث الشكل رأسه في الجنوب عند مدينة جوبا (٤٥٥ مترًا)، وقاعدته في الشمال ترتكز على حافة هضبتَيْ دارفور وكردفان، وينفتح الحوض في الشمال الشرقي عند مدينة ملكال (٣٨٥ مترًا). ويتميز هذا الحوض باستواء شديد في السطح مما أدَّى إلى ضعف الانحدار، وعدم استطاعة الماء في النيل وروافد بحر الغزال الجريان إلا تحت تأثير المياه المتدافعة فقط، وقد أدت هذه الحالة إلى تكوين مستنقعات شاسعة في حوض بحر الجبل وبحر الغزال تُعرَف باسم منطقة السدود، تبدأ من بور (٤١٩ مترًا)، وتنتهي قرب ملكال. وأصل التسمية راجع إلى أن النباتات كثيرًا ما تنمو في مجرى الأنهار في صورة جزر نباتية تمنع الملاحة وتسدها، ومن هنا كانت التسمية. ويخترق هذا الحوض عدة مجاري أو مجموعات من المجاري النهرية هي:
  • (١)

    مجرى النيل الذي ينحدر على شلالات فولا ويتجه شمالًا حتى بحيرة «نو»، ومن منطقة مستنقعات وسدود شامبي ينبع رافد صغير هو بحر الزراف الذي يتجه إلى شمال الشمال الشرقي، مبتعدًا عن مجرى بحر الجبل وملتقيًا مع مجرى النيل شرقي بحيرة «نو»، ويظهر بحرَا الجبل الأدنى والزراف على الخرائط غير التفصيلية كما لو كانا يكونان دلتا داخلية للنهر الكبير في السودان الجنوبي. ومن بحيرة «نو» يتجه مجرى النيل الأبيض إلى الشرق حتى التقائه برافده الحبشي الأول «السوباط»، ثم ينحرف في زاوية شبه قائمة إلى الشمال.

  • (٢)

    مجموعة بحر الغزال: وهذه تتكون من عدة أنهار تنبع من هضبة الزاندي، نذكر منها أنهار تونج وواو وسويح وبونجو ولول وبحر العرب — الذي ينبع من دارفرتيت وجنوب دارفور — وتجتمع مياه هذه الأنهار في مجرى واحد يُسمَّى بحر الغزال يصب في بحيرة «نو».

  • (٣)

    مجموعة السوباط: وهذه المجموعة هي أولى روافد الحبشة التي تتصل بالنيل، وتتكون من التقاء عدة روافد من أهمها: البيبور (ينبع من مستنقعات جنوب شرق السودان)، وأكوبو (ينبع من جنوب غرب الحبشة)، وبارو (ينبع من منطقة كافا)، وتلتقي هذه الأنهار في نقطة على الحدود السودانية الإثيوبية، وتتجه باسم السوباط إلى الشمال الغربي داخل السودان حتى تتصل بالنيل الأبيض جنوبي مدينة ملكال بقليل.

وهكذا تتحد مياه هضبة البحيرات وهضبة الزاندي ومياه جنوب غرب الحبشة لتنتقل في مجرى نهري واحد، هو النيل الأبيض الذي يجري في حوض سهلي منبسط قليل الانحدار جدًّا (ملكال ٣٨٥ مترًا – الخرطوم ٣٧٦ مترًا)، وهذا الحوض السهلي الكثير المستنقعات والجزر النهرية الطولية — من أهمها جزيرة أبا شمالي كوستي — يقع بين منطقتين من المرتفعات، وبذلك أصبح هو الممر الطبيعي الذي يصل حوض السودان الجنوبي ببقية حوض النيل.

إلى الشرق من حوض النيل الأبيض يوجد خط من المرتفعات هو في الحقيقة لسان جبلي منخفض، يمتد من الهضبة الحبشية في اتجاه الشمال، وينحصر بين مجرى النيل الأزرق في الشرق ومجرى النيل الأبيض في الغرب، ومن الطبيعي أن تقع أعلى نقطة في هذا اللسان الجبلي في الجنوب قرب حدود الهضبة الحبشية، ويقل الارتفاع كلما اتجهنا شمالًا. ويبدأ هذا اللسان الجبلي بمجموعة من التلال القديمة تُعرَف باسم تلال الفنج، وتنتهي بما يُسمَّى خط المناقل داخل أرض الجزيرة.

وإلى الغرب من حوض النيل الأبيض تمتد هضبة كردفان التي ترتفع فوق كنتور ٥٠٠ متر، وتعلوها عدة جبال منفردة تتجمع في الجنوب باسم جبال النوبا، ومن أشهر هذه الجبال: رشاد ١٥٠٠ متر، والليري ١٣٠٠ متر، وتالودي ١٠٥٦ مترًا، ودلنج وأوتورو وهيبان … إلخ.

وتنحدر مياه هذه الجبال في اتجاهين: الأول صوب الجنوب إلى حوض السودان الجنوبي، والثاني صوب الشمال الشرقي إلى النيل الأبيض، ومن أهمها خور أبو حبل. وترتفع هضبة كردفان تدريجيًّا إلى الغرب حتى تصل إلى هضبة دارفور التي تسيطر عليها كتلة جبل «مرة» البركانية، وترتفع هضبة دارفور فوق كنتور ألف متر، أما كتلة جبل «مرة» فترتفع فوق كنتور ألفَيْ متر، وأعلى قمة فيها تصل إلى ٣١٥٠ مترًا، وتنحدر هضبة دارفور جنوبًا إلى حوض السودان الجنوبي في منطقة تُعرَف باسم تلال الداجو، وغربًا إلى حوض تشاد في إقليم المساليت، وشمالًا إلى هضبتَيْ إندي وإدري، وشمالًا بشرق إلى هضبة تايجا وجبال ميدوب وتجابو، وتنحدر الهضبة تدريجيًّا في هذا الاتجاه حتى النيل النوبي، وتقع فوقها عدة كتل جبلية صغيرة منعزلة تُسمَّى تلال النوبا، وأشهرها: كاتول وكاجا وحرازة (١١١٠ أمتار)، وتنصرف مياه شمال شرق دارفور وشمال كردفان في صورة أودية سيلية أهمها: وادي الملك (أو المك)، ووادي مقدم.

وإلى الشرق من النيل الأزرق يمتد سهل البطانة الذي يقع فيما بين النيل الأزرق والعطبرة، وهو عبارة عن لسان هضبي عريض منبسط ممتد من الهضبة الحبشية في اتجاه الشمال الشرقي، ويقع فوق كنتور ٥٠٠ متر، ويحتوي على عدة نقط مرتفعة أعلاها يصل إلى ٨٦٠ مترًا، بالقرب من قلعة النحل، جنوب غربي القضارف. وإلى الشرق من مجرى نهر العطبرة تمتد الهضبة الصحراوية الشرقية التي ترتفع تدريجيًّا كلما اتجهنا إلى الشرق، حتى تصل إلى أعلاها في الحافة الانكسارية الكبيرة المطلة على البحر الأحمر، والتي تُعرَف باسم جبال البحر الأحمر، وتعلو عدة نقط في هذه الجبال إلى أكثر من ألفَيْ متر من أهمها: جبل أودا ٢٢٢٣ مترًا، وجبل أسوتريبا ٢١٨٠ مترًا، ويقع قرب الحدود المصرية. وتنحدر جبال الأحمر بشدة صوب الشرق إلى سهل ساحلي ضيق على البحر الأحمر، وتنحدر مياه السهول المفاجئة بسرعة وشدة إلى الشرق في عدة أودية أهمها: خور أربعات الذي يصب في البحر الأحمر شمالي بور سودان، وخور بركة الذي ينبع من شمال إريتريا، ويصب في دلتا داخلية عند طوكر. أما مياه المنحدرات الغربية لجبال البحر الأحمر فتسير في أودية طويلة إلى النيل، من أهمها: وادي عامور الذي ينتهي إلى النيل شمالي بربر، ووادي قبقبة الذي ينبع من صحراء العطمور شمالي أبو حمد ويتجه شمالًا عبر الحدود المصرية، ليلتحق بوادي العلاقي، ويصبان معًا في النوبة المصرية جنوب أسوان. وللهضبة الصحراوية لسان يمتد داخل ثنية النيل النوبي، والغالب أن هذا اللسان هو الذي جعل النهر ينثني عند أبو حمد عن اتجاهه الشمالي إلى الجنوب الغربي حتى إقليم دنقلة، الذي يعاود فيه اتجاهه الشمالي، ويُسمَّى هذا الجزء الهضبي صحراء العطمور.

عند الخرطوم يلتقي النيل الأبيض بأهم رافد حبشي، هذا هو النيل الأزرق الذي ينبع من هضبة جوجام وبحيرة تانا، ويدخل السودان قرب الرصيرص، ويتجه إلى الشمال الغربي حتى الخرطوم، وقبل التقائه بالنيل الأبيض يلتقي الأزرق برافدين هامين هما: الدندر الذي يصب في الأزرق جنوب واد مدني، والرهد الذي يصب شمالها، ويتشابه الرافدان في أنهما ينبعان من المنحدرات الشمالية الغربية للحبشة، ويتخذان اتجاها عامًّا إلى الشمالي الغربي. وبعد التقاء النيلين الأبيض والأزرق، يتجه النيل شمالًا باسم النيل النوبي، ولكنه سرعان ما يمر في عدة عقبات نهرية تُعرَف باسم الجنادل النوبية الستة التي تبدأ بخانق سبلوقة شمالي الخرطوم، وتنتهي بجندل أسوان.

والنيل النوبي يجري في منطقة صحراوية داخل وادٍ ضيق تحفُّ به الهضبات الصحراوية من الشرق والغرب، وعند مدينة عطبرة يلتقي النيل بآخِر رافد حبشي، وفي الوقت ذاته آخِر رافد له حتى المصب، ذلك هو العطبرة الذي ينبع من شمال الحبشة، إلى الشمال قليلًا من بحيرة تانا، ويلتقي برافد عظيم قرب الحدود السودانية هو تكازي، ويسير بعد ذلك إلى الشمال الغربي حتى يلتحق بالنيل. وإلى الشرق منه مجرى نهري صغير يُسمَّى خور القاش يمكن أن يلحق طبيعيًّا بحوض العطبرة، ولو أنه في غالب الأحيان كان يصب في الصحراء بدلتا مروحية. وبعد التقاء العطبرة يواصل النيل مساره إلى الشمال حتى أبو حمد، ثم ينحرف في زاوية حادة إلى الجنوب الغربي حتى الدبة، ويعود بعدها إلى الاتجاه شمالًا حتى الحدود المصرية.

(٣-٢) المناخ

وعلى الرغم من اتساع السودان مساحةً إلا أن التنوع التضاريسي هامشي، وبذلك فإن التنوُّع في المظهر العام للأقاليم يعود في أساسه إلى الاختلاف المناخي؛ فالسودان يقع بين خطوط العرض ٢٢ في الشمال و٣٫٣٠ في الجنوب من ناحية، وفي شرق القارة من ناحية ثانية، مما يجعله في غالبيته بعيدًا عن آثار المحيط. والامتداد الكبير في درجات العرض قد جعل السودان يتدرج في الأقاليم المناخية بين الصحراوي في الشمال، والسوداني في الوسط والجنوب، وشبه الاستوائي في أقصى الجنوب. ودرجة الحرارة عالية طول السنة في كل هذه الأقاليم؛ فهي في متوسطها السنوي أكثر من ٢٥ درجة مئوية. وبلا جدال فإن الإقليم الصحراوي هو أحر هذه الأقاليم جميعًا، ويرتفع المتوسط السنوي للحرارة إلى ٢٩ درجة مئوية، بينما يقل المتوسط تدريجيًّا إلى ٢٧ في دارفور، وإلى ٢٥ في إقليم الزاندي.

والعامل الفاصل في توزيع الأقاليم المناخية هو المطر، وخط المطر الرئيسي الذي يفصل الصحراء عن منطقة الانتقال إلى الإقليم السوداني هو خط ١٠٠ مليمتر الذي يمر بشمال دارفور وصحراء بايوضة ومدينة العطبرة ومدينة بور سودان، إلى الشمال من هذا الخط تمتد الصحراء، وإلى الجنوب تبدأ الأمطار في الزيادة التدريجية: خط مطر ٥٠٠مم يمتد من وسط دارفور إلى القسم الأوسط من إقليم الجزيرة ووسط البطانة، بينما خط مطر ألف مليمتر يقع في بحر الغزال، ويمتد من جنوب بحر العرب إلى جوبا وجبال إيماتونج، ويقع إقليم الزاندي داخل خط مطر ١٣٠٠مم.

وأمطار السودان موسمية وتسقط كلها في فصل الصيف، وتتركز الأمطار في الشمال في ثلاثة أشهر الصيف: يونيو ويوليو وأغسطس، بينما في الجنوب يمتد موسم المطر إلى قرابة ستة أشهر في الصيف أيضًا.

أما إقليم الزاندي فالواقع أنه إقليم أمطار شبه استوائية، بمعنى أن المطر يمتد في معظم شهور السنة (٨ إلى ٩ أشهر).

وتقسم السنة في السودان إلى قسمين متميِّزين: الأول صيف حار وأمطار راعدة وهو الفصل الممطر، والثاني شتاء حار إلى دافئ مع الجفاف. وتبعًا لذلك فإن السودان يعاني من قارية حرارية يومية في الشتاء لعدم وجود غطاء السحاب، بينما تقل الفروق الحرارية اليومية في الصيف لتكاثُر السحب،١ كما أن السحب تقلِّل من درجة الحرارة عامة في فصل المطر.

(٣-٣) النبات الطبيعي

يرتبط النبات الطبيعي بدون شك بالظروف المناخية؛ فالإقليم المناخي الصحراوي إقليم قد خلا من الحياة النباتية إلا في مناطق الآبار أو بعد السيول، وتتدرج أعشاب السفانا من حدود الإقليم الصحراوي إلى حدود الغابات الاستوائية في جنوب بحر الغزال، فهي في إقليم الانتقال أعشاب شوكية قصيرة ومتفرقة تزيد ارتفاعًا وكثافةً كلما اتجهنا جنوبًا حتى نصل إلى السفانا الطويلة في السودان الجنوبي.

وفي عروض شمال كردفان تتميز السفانا بوجود أشجار السنط والباوباب، وتتزايد كثافة السنط كلما اتجهنا إلى الجنوب. وفي السودان الجنوبي تنمو أشجار أخرى نفضية تزداد كثافةً حتى غابات الأروقة في بحر الغزال، أو غابات ونباتات الجبال العالية، على المنحدرات الشمالية لهضبة البحيرات. وعلينا أن نلاحظ أن لإقليم السدود، نباتات خاصة به عبارة عن أعشاب مستنقعية متكاثفة وطويلة، ونباتات مائية عديدة الأنواع.

(٤) الدراسة البشرية

(٤-١) السكان

تعيش في السودان عدة مجموعات سلالية لغوية، يمكن أن نقسمها إلى قسمين رئيسيين هما: مجموعة القوقازيين في الشمال والوسط، ومجموعة الزنوج في الجنوب راجع الخريطة رقم (٤٥). وتنقسم المجموعة الأولى إلى قسمين لغويين هما: الحاميون (البجة والنوبة والليبيون) في الشمال، والساميون والمختلطون بالساميين في الوسط والغرب. وتتكون مجموعة البجة من عدة قبائل من رعاة الإبل، هم من الشمال إلى الجنوب: البشارية والأمرار والهدندوة وبني عامر، أما مجموعة النوبيين فزرَّاع يعيشون على النيل النوبي فيما بين الدبة وأسوان، وهم في السودان ينقسمون إلى عدة مجموعات ترتيبها من الشمال إلى الجنوب: الفديجا والسكوت والمحس والدناقلة.

أما المجموعة السامية اللغة فتتكون من سلالة القبائل العربية ومَن اختلط بهم حينما فتحوا السودان في القرن الخامس عشر، وهم ينقسمون من حيث الأصل إلى ثلاث مجموعات رئيسية هي: الكواهلة والجعليون أو العباسيون ومجموعة جهينة، ولكنهم من حيث الحضارة ينقسمون إلى مزارعين على النيل فيما بين الدبة وسنار، ورعاة إبل في البطانة وبايوضة وشمال كردفان ودارفور، ثم رعاة البقر في وسط وجنوب الجزيرة وكردفان ودارفور. ومن أهم القبائل العربية التي استقرت على ضفاف النيل النوبي الشايقية والجعليين، والتي استقرت في أرض الجزيرة والنيل الأبيض الأدنى الكواهلة والحسانية ورفاعة، أما أكبر مجموعة من القبائل الرعوية التي تعيش على الإبل فهي الكبابيش في شمال كردفان، والشكرية في سهل البطانة، أما الرزيقات والمسيرية والحبانية، فتكون أكبر القبائل العربية التي تعيش على رعي الأبقار في جنوب دارفور وكردفان.

figure
خريطة رقم (٥٦): المجموعات اللغوية والسلالية في السودان: (أ) الجماعات الحامية: (١) الليبيون والهواوير. (٢) النوبيون على النيل وشمال دارفور. (٣) البجة. (ب) المجموعات الزنجية والزنجانية: (٤) الفنج – النوبا – الفور. (٥) زنوج الجنوب الغربي. (٦) النيليون. (٧) النيليون الحاميون (أنصاف الحاميين). (ﺟ) المجموعات القبلية العربية: (٨) الكواهلة. (٩) جهينة. (١٠) الجعليون. (١١) البرتي وجماعات صغيرة أخرى في شرق دارفور (أصولها غير مؤكدة لقلة الدراسات).
ملاحظة: هذه خريطة مبسطة عن الخريطة التي وضعها ورسمها محمد رياض بإشراف الأستاذ الدكتور محمد عوض محمد (عام ١٩٥٠)، والأصل بمعهد الدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة.

وتسكن المجموعتان الزنجية والزنجانية السودان الجنوبي، وأكثر أوطانها تطرفًا إلى الشمال توجد في مجموعة دارفنج في جنوب الجزيرة، والدنكا على النيل الأبيض، ويتجه الخط الفاصل بين اللغة العربية ولغات السودان الزنجية مع النيل الأبيض جنوبًا حتى قرب بحيرة «نو»، ومع بحر العرب، ثم لول إلى دار فرتيت. وتشتمل المجموعة الزنجانية على مجموعة النيليين ويسكنون إقليم السدود، والنيليين الحاميين في جنوب شرق السودان، بينما تشتمل المجموعة الزنجية على سكان الهضبة الحديدية وهضبة الزاندي في جنوب وجنوب غرب بحر الغزال، بالإضافة إلى مجموعات زنجية صغيرة العدد تعيش داخل نطاق اللغة العربية في جنوب السودان، نذكر منها دار فنج ودار نوبا في مناطق التلال المنعزلة في جنوب الجزيرة وجنوب شرق كردفان على التوالي، ومجموعة الفور في دارفور.

ويعيش النيليون أساسًا على رعي الأبقار مع زراعة الدخن، وأهم تجمعاتهم: الشلك والدنكا على النيل الأبيض الجنوبي، والدنكا في بحر الغزال ووسط بحر الجبل، والنوير في بحر الجبل الأدنى وبحر الزراف والسوباط، وتمثِّل قبائل الباري واللاتوكا والددنجا على بحر الجبل الجنوبي وجنوب شرق السودان أهم مجموعات النيليين الحاميين، ويختلف هؤلاء عن النيليين بعض الشيء في صفاتهم السلالية، ولكن أهم مظاهر الاختلاف بينهم لغوي وحضاري.

أما الزنوج فيعيشون أساسًا على الزراعة مع بعض الحيوانات القليلة إلا عند الزاندي الذي يخلو إقليمه من الحيوان، وأهم قبائلهم وأكبرها هو الزاندي في جنوب بحر الغزال، والبونجو في وسط بحر الغزال، والمورو والكوكو في جنوب شرق بحر الغزال، بالإضافة إلى مجموعات الفنج والنوبا والفور في جنوب الجزيرة وكردفان ودارفور على التوالي.

ويتضح من هذا العرض أن سكان السودان جميعًا — باستثناء المدن — يمكن أن نقسِّمهم من حيث النشاط الاقتصادي إلى رعاة ومزارعين، والرعاة ينقسمون إلى رعاة الإبل في الشمال الشرقي والشرق والشمال الغربي والوسط، ورعاة البقر في الوسط والجنوب والجنوب الشرقي. أما المزارعون فيعيشون على ضفاف النيل النوبي والجزيرة ودلتا القاش والتلال المنعزلة والجنوب الغربي.

في ١٩٥٥-١٩٥٦ تمَّ أول إحصاء رسمي لسكان السودان، وقد بلغ عدد السكان ١٠٢٥٥٠٠٠ شخص، وفي تقديرات الأمم المتحدة لعام ١٩٦٣،٢ بلغ عدد السكان ١٢٨٣١٠٠٠ شخص، ولا شك أننا نتوقع اختلافًا كبيرًا في الكثافة السكانية نظرًا لتباين الظروف الطبيعية، وفي معظم السودان تقل الكثافة عن ٢٠ شخصًا للكيلومتر المربع، ولكن هناك مناطق لا تكاد تكون مسكونة كالصحراء الليبية، ومناطق أقل من شخصين للكيلومتر المربع كشمال كردفان ودارفور أو الصحراء الشرقية، وفي نطاق بحر العرب ودارفرتيت، ومناطق السدود وجنوب الجزيرة والبطانة والجنوب الشرقي.

وفي الإقليم الأوسط من دارفور وكردفان والجزيرة وشمال البطانة وجنوب بحر الغزال تتراوح الكثافة بين ٢ و١٠ أشخاص، وتتمتع مناطق الزراعة الحديثة في الجزيرة وكسلا وطوكر وبعض مناطق دارفور الغربية والوسطى ووسط كردفان بكثافة بين ١٠ و٥٠ شخصًا. وهناك مناطق محدودة من إقليم الجزيرة ومحطات الطلمبات على النيل الأبيض، ومنطقة دنكا مالوال على نهر لول وبعض جبال النوبا تزيد فيها الكثافة عن ٥٠ شخصًا، ولكنها تقل عن مائة شخص، أما منطقة الخرطوم ونطاق الزراعة على النيل النوبي فتتميز بكثافة أكثر من مائة شخص للكيلومتر المربع، ويرتبط هذا التوزيع ارتباطًا كبيرًا بنمط الحياة الاقتصادية؛ فإن قلة الكثافة السكانية في مناطق الرعاة أمر معروف، كما أن ارتفاع الكثافة في مناطق الزراعة والمدن مرتبط بالإنتاج المستمر وضمانات العمالة والغذاء.

والمدن في السودان قليلة وصغيرة ومتباعدة، وأكبرها قاطبة العاصمة المثلثة: الخرطوم، أم درمان، خرطوم بحري، التي قُدِّر سكانها بنحو٦٤٥ ألفًا في ١٩٧١، ولكلٍّ من المدن الثلاث صفات ووظائف خاصة؛ ففي الخرطوم مركز الحكم والتجارة الحديثة، وفي أم درمان التجارة التقليدية والحِرَف اليدوية، بينما تتمركز الورش والصناعة في خرطوم بحري.

جدول ٢-٢: سكان المدن السودانية الرئيسية (بآلاف الأشخاص) ١٩٧١.
الخرطوم ٢٦١
بورسودان ١١٠
أم درمان ٢٥٨
ودمدني ٨٠
خرطوم بحري ١٢٧
الأبيض ٨٠

أما المدن الأخرى فلكل منها ظروف خاصة، وأولى دوافع النمو في المدن السودانية اتخاذها مراكز للإدارة كعواصم المديريات، ولكن أغلب هذه العواصم نشأت في الماضي على أنها قرى زراعية تجارية كالأبيض أو واد مدني أو دنقلة، أو محطات نهائية لنوع من أنواع المواصلات كالفاشر التي كان ينتهي إليها درب الأربعين الصحراوي، أو جوبا التي تنتهي عندها الملاحة النهرية في بحر الجبل، أو «واو» نهاية الملاحة في بحر الغزال، أو كوستي التي نشأت نتيجة إقامة جسر السكة الحديد على النيل، أو عطبرة التي تمثِّل مركز التقاء سكك حديد.

(٤-٢) النشاط الاقتصادي

يدل تصنيف الأراضي السودانية٣ على أن هناك مساحة شاسعة من الدولة عبارة عن أراضٍ صحراوية غير منتجة، تكاد تبلغ ثلث المساحة الكلية للسودان (٨٩٩ ألف كم٢ مساحة الصحاري)، ويتركز نشاط السكان في الثلثين الباقيين، ومن هذين الثلثين (حوالي ١٫٦ مليون كم٢) نجد الربع غير مستغَلٍّ حاليًّا (٣٨٠ ألف كم٢)، ولكن يمكن استغلاله في المستقبل في نواحٍ شتى من أنواع النشاط الاقتصادي. وتنقسم المساحة المستغَلة فعلًا (قرابة ١٫٢ مليون كم٢) على النحو التالي:
  • (١)
    الغابات (٩١٥ ألف كم٢): وتكون ثلاثة أرباع المساحة المستغَلة، وتتكون من غابات استوائية في الجنوب (غابات الأروقة)، ومساحات أخرى من السفانا الشجرية وغابات السنط.
  • (٢)
    المراعي (٢٤٠ ألف كم٢): وتشتمل على مساحات كبيرة من السفانا.
  • (٣)
    الزراعة (٧١ ألف كم٢): وتشمل أنواع الزراعات المختلفة.

ورغم كبر مساحة المراعي وضخامة أعداد الحيوان في السودان، إلا أن الزراعة هي الصفة المميزة للنشاط الاقتصادي السوداني؛ لسبب بسيط هو عدم مشاركة الحيوان في النشاط إلا في صورة محدودة لظروف العقائد التي تسيطر على الرعاة، وخاصة الوثنيين من ناحية، ولأن غالبية الرعاة يقومون بزراعة محصول أو آخَر كعماد حياتهم الاقتصادية من ناحية ثانية.

وأهم محصول غذائي في السودان هو الدخن (الفصيلة السائدة هي السرغم المسمَّاة «درة» بالعربية)، وفي مناطق الري الصناعي تُزرَع مجموعة من الحبوب كالقمح والشعير والذرة، كما تُزرَع بعض هذه الحبوب على المطر في منحدرات جبل مرة.

ومن المحصولات الزراعية الأخرى الفول السوداني والسمسم والبن وقصب السكر والأرز، والمحصولات الثلاثة الأخيرة حديثة الدخول إلى الزراعة السودانية، وربما كُتِب لها نمو كبير.

وأخيرًا فإن أهم الفواكه المنتجة في السودان هي البلح في الشمال، والموالح في الوسط، والمانجو في الجنوب، ولكن أهم محصول زراعي بالنسبة لتجارة السودان الدولية هو القطن، الذي نشأ بعد إقامة المنشآت الهندسية الضخمة على النيل الأزرق وخور الجاش، بالإضافة إلى الصمغ العربي الذي يجمع من سنط الهاشاب في كردفان.

الرعي والزراعة المطرية

يختلط هذان النوعان معًا عند غالبية القبائل الرعوية، ولكن الزراعة المطرية أوسع انتشارًا من الرعي، حيث تنتشر في مناطق الجنوب الغربي الخالي من الحيوان نتيجة وجود ذبابة تسي تسي وانتشار مرض النوم.

figure
خريطة رقم (٥٧): نطاقات السكن وخطوط المواصلات في السودان: (١) نطاق السكن الشمالي (نطاق النيل). (٢) نطاق السكن الأوسط (نطاق المطر والمشروعات الحديثة). (٣) نطاق السكن الجنوبي (نطاق الزنجاني الرعوي والزنجي الزراعي). (٤) خطوط السكك الحديدية. (٥) خطوط الملاحة النهرية الرئيسية.
وفي السودان ١٣٫٥ مليونًا من رءوس الماشية، و١٣ مليونًا من الأغنام، وعشرة ملايين رأس من الماعز، وثلاثة ملايين رأس من الإبل، و٦٢٠ ألفًا من الحمير، وبذلك فإن السودان يمتلك أكبر ثروة حيوانية بين مجموعة الدول العربية عامة، والأفريقية بوجه خاص، حيث لا يتفوق عليه سوى المغرب في أعداد الأغنام وحيوان الجر والركوب (الخيل والبغال والحمير).٤

وتنتشر الأغنام والماعز بأنواع مختلفة في السودان، وتكون الحيوان الأساسي الذي يُستخدَم في الغذاء، على الرغم من أن الجمل أو البقرة هو الحيوان الرئيسي للجماعات الرعوية المختلفة. وكما سبق أن ذكرنا، فإن الجمل ينتشر في السودان الشمالي والأوسط حتى خط عرض ١٢ على وجه التعميم، وإلى الجنوب من ذلك تظهر الأبقار.

ولكل مجموعة من القبائل الرعوية هجرة موسمية في اتجاهات معينة تكاد تحتكرها؛ فالبشارية تنتقل في هجرة موسمية من الجبال إلى ساحل البحر الأحمر أو إلى النيل في مواسم الجفاف، وتنقل إلى الصحاري والجبال في موسم المطر. والكبابيش وغيرهم من قبائل شمال كردفان ينتقلون مع المطر إلى الشمال في الفترة بين أغسطس وأكتوبر، ويتجهون جنوبًا حيث مصادر الماء الدائم في شمال كردفان في الفترة ما بين ديسمبر ومايو. ويرعى الرزيقات أبقارهم على ضفاف نهر العرب، حيث المصدر الدائم للمياه في الفترة ما بين يناير ومايو، ثم ينتقلون شمالًا من مراعي دارفور الجنوبية والشرقية حتى يصلون إلى قرب الفاشر في أغسطس ويعسكرون حتى منتصف سبتمبر، ثم يبدءون رحلة العودة إلى الجنوب. أما قبائل النيليين فإنهم يهاجرون صوب النهر في موسم الجفاف، وينطلقون إلى المناطق العالية في موسم المطر بعيدًا عن المستنقعات والذباب، وخاصة في بحر الغزال، حيث ينتشر ذباب تسي تسي في القسم الجنوبي والأوسط من بحر الغزال، متقدمًا إلى الشمال مع الأمطار.

ويكون اللبن الغذاء الأساسي لرعاة الإبل الشماليين بالإضافة إلى محصول الدخن إذا صحت زراعته، أما إذا لم تصح، فإن الرعاة يشترون ما يحتاجون إليه من دقيق من الأسواق، ويمكن للزراعة المطرية أن تصح إذا وافتها ظروف حسنة، حتى درجة العرض ١٥ شمالًا، ولكن الزراعة المطرية الحقيقية التي لا تتعرض للخسارة تقع جنوب درجة العرض ١٥ شمالًا أي على وجه التقريب مع خط مطر متساوٍ ١٥٠مم، وفيما بين درجتَي العرض ١٥ و١٠٫٣ شمالًا، أي بين خطَيِ المطر ١٥٠ و٦٠٠مم يوجد ما يُسمَّى إقليم المطر الأوسط، وفي هذا الإقليم الذي يشتمل على وسط وشمال دارفور وكردفان وإقليمي الجزيرة والبطانة، نجد نمط استغلال الأرض متشابهًا: فالأراضي القريبة من القرى تُستغَل استغلالًا كثيفًا وفترات الراحة قليلة، بينما الأرض البعيدة عن القرى تُستغَل مرة كل ثلاث سنوات، وتخدم أراضي الزراعة كمراعي للحيوان بعد جني المحصول وخاصة تلك المجاورة للقرى، وربما كان ذلك سبب خصبها وكثافة استغلالها لاستفادة التربة من مخلفات الحيوان، أما الأراضي البعيدة فتستغلها القبائل الرعوية كمراعي حيواناتها، وهناك أراضٍ زراعية لا تُستخدَم كمرعى للحيوان، وفي هذه الحالة يتم تطهير الأرض من الأعشاب بواسطة نظام حرق العشب، وهو ما يُسمَّى بزراعة الحريق في السودان. وتُبذر بذور السرغم بعد أوائل المطر في يوليو، ويُحصد المحصول في ديسمبر.

وإلى جانب الزراعة والرعي في هذا الإقليم الواسع توجد ثروة أخرى هي جمع الصمغ العربي من أشجار السنط، وأهم مركز لانتشارها كردفان الأوسط، وتُعَدُّ السودان أكبر مصدر في العالم لهذا النوع من الإنتاج.

ونظرًا لسيادة الجفاف فترة طويلة في هذا الإقليم الأوسط (سبعة أشهر إلى عشرة أشهر في الجنوب والشمال على التوالي)، فإن توفير الماء هو أهم مشكلة في الإقليم، ومن الوسائل المعروفة تجويف أشجار الباوباب الضخمة في شمال ووسط كردفان، وجعلها بمثابة خزَّان للماء يمتلئ في موسم سقوط المطر، ولكن تلك الوسيلة غير مجدية للحصول على الماء الكافي لحاجة الناس والحيوان، والوسيلة الثانية الآبار والخزانات، ولكن فصول الجفاف الشديدة كانت تقتضي هجرة الرعاة وبعض المزارعين إلى ضفاف النيل، إلا حول الآبار العميقة التي حُفِرت حديثًا بالقرب من مسار الخطوط الحديدية والمدن، وعلى الحافة الشمالية لجبال النوبا، وكان لبناء بحيرات صناعية، في صورة حفر كبيرة تستقبل ماء المطر أو الماء الجاري خلال موسم الأمطار التي تُسمَّى «الحفير»، كان لهذه آثار حسنة على الاقتصاد وتوفير الماء المطلوب للزراعة، وفكرة الحفير ليست جديدة ولكن الحفر في الوقت الراهن يتم بواسطة الآلات، مما يساعد على إقامة «حفير» كبير وعميق.

وأخيرًا فإن إقامة المشروعات الكبرى للري في إقليم الجزيرة ودلتا الجاش (كسلا)، ودلتا خور بركة (طوكر) كان من بين دواعي التقدم الزراعي الكبير في السودان، خاصةً وإن معظم أراضي هذه المشروعات يُزرَع قطنًا.

وعلى هذا فإن إقليم المطر الأوسط في الحقيقة هو أهم إقليم جغرافي في جمهورية السودان، فإن معظم المدن تقع فيه (الخرطوم – ودمدني – سنار – كوستي – الأبيض – الفاشر – كسلا – القضارف – طوكر – عطبرة)، وتخدمه الآن شبكة مواصلات حديدية لا بأس بها، ولكنها في الواقع أحسن شبكات النقل الحديدي في السودان كله (من عطبرة إلى بور سودان ١٩٠٥، ومن الخرطوم إلى سنار والأبيض ١٩١١، ومن سنار إلى كسلا ثم بورسودان ١٩٢٣، ومن سنار إلى الرصيرص ١٩٥٤، ومن كردفان إلى نيالا في جنوب دارفور ١٩٥٩، ومن كردفان إلى واو في بحر الغزال ١٩٦٢)، وتتضح هذه الحقيقة بجلاء لا مزيد عليه من دراسة الخريطة رقم (٤٩).

وإلى الشمال من إقليم المطر الأوسط تظهر الصحراء الليبية وصحراء البحر الأحمر، وتوجد بعض الآبار والواحات في الصحراء الليبية، كما توجد بعض الينابيع ومسارات الأودية الجافة في الصحراء الشرقية، وهذا الإقليم فقير ودوره الاقتصادي محدود جدًّا إلا إذا اكتُشِفت فيه مصادر للمعدن. ويتلخص دوره الاقتصادي في نطاق الاستقرار السكني الدائم حول مسار النيل من مدينة عطبرة حتى حدود السودان الشمالية عند حلفا، وفي هذا الشريط، الذي يشابه شريط الاستقرار فيما بين أسوان وإدفو في الجمهورية العربية المتحدة من حيث الضيق، نجد السكان يقومون أساسًا بالزراعة، ونظرًا لقلة مساحات الأرض وتركُّز السكان؛ فإن الهجرة تلعب دورًا خطيرًا في الحياة الاقتصادية، وخاصة بالنسبة للنوبيين، وهجرة النوبيين على نوعين: النوع الأول هجرة دائمة تقوم بها بعض الأسر إلى مدن الإقليم المطير الأوسط، وعماد حياتها الاقتصادي النشاط التجاري. والنوع الثاني هو هجرة الشباب والرجال للعمل في مدن السودان والجمهورية العربية المتحدة، تاركين أسرهم في النوبة يعيشون على النقود التي يرسلونها لهم، بالإضافة إلى ممارسة الزراعة في الشريط الفيضي الضيق.٥

والزراعة في هذا الإقليم تعتمد على مياه النيل التي تُرفَع بواسطة السواقي أو الطلمبات (المضخات) في الأرض العالية أو الأرض التي تغرق في صورة أحواض طبيعية قريبة من مسار النهر خلال موسم الفيضان، كما هو الحال في أحواض شندي ودنقلة، وتُزرَع في هذه المناطق الحبوب، وأهمها: الدخن وبعض القمح ومحاصيل أخرى كاللوبيا. وقد دخلت زراعة القطن في منطقة شندي، ولكن لم تنتشر إلى مناطق أخرى لعدم الحصول على الربح الوفير نتيجة قلة المواصلات من ناحية، ولضرورة منع زراعة محصول مهم كالباميا — الذي يعتمد عليه المزارعون في الغذاء — ولكنه يؤدي إلى وجود آفات القطن.

أما الإقليم الذي يقع إلى الجنوب من إقليم المطر الأوسط، فهو أساسًا إقليم السهول الطينية الشديدة التماسك المعرَّضة لتكوين المستنقعات والسدود، والزراعة هنا تقوم في الأراضي العالية فقط فيما بين الروافد العديدة أو في الهضبة الحديدية، وهذه الأراضي هي في الوقت ذاته أماكن القرى السكنية الدائمة للنيليين. والزراعة في المناطق التي يمكن زراعتها تتم بواسطة الحريق الذي يؤدي إلى ضعف في التربة إذا حدث سنويًّا.

والصفة الأساسية للزراعة في هذا الإقليم هي التنقُّل، وأهم المحصولات هو الدخن الذي يكوِّن الغذاء الرئيسي للنيليين مع اللبن، وفي إقليم الزاندي تمَّ تنفيذ مشروع الزاندي، بدأ عام ١٩٤٥، وهو أول وأهم مشروع زراعي على المطر في جنوب السودان، ويقوم على زراعة قطن مطري قصير التيلة، وقد استدعى هذا المشروع إعادة تخطيط المزارع والمساكن لكي يمكن زراعة القطن، وإلى جانب القطن فالمنطقة تزرع أو بدأت تزرع التبغ والسمسم وقصب السكر كمحصولات تجارية، والبطاطا والذرة والموز كمحصولات غذائية، ولكن العقبة الكبرى تتمثَّل في النقص الشديد للمواصلات، وبطء المواصلات الحالية.

الزراعة الحديثة

تقوم الزراعة السودانية الحديثة على القطن الذي بدأ بمحاولات من جانب مصر قبل الثورة المهدية، وظهر إلى حيز الوجود في صورة مشروع مدروس علميًّا عام ١٩٢٥ بإنشاء سد سنار أو مكوار، وزراعة أرض الجزيرة، وهذه الأرض عبارة عن سهل طمي ثقيل ينحدر ببطء في اتجاه النيل الأبيض إلى الغرب، والخرطوم إلى الشمال، وقد بدأ المشروع بزراعة مليون فدان. وفي عام ١٩٦١ حدث التوسُّع المعروف باسم امتداد المناقل، مما جعل المساحة المزروعة ١٫٨ مليون فدان، ولم يتم امتداد المناقل إلا على أربعة مراحل، وإنشاء سد الرصيرص الذي بدأ العمل فيه ١٩٦١، والذي يؤمل أن ينتهي العمل منه العام القادم (١٩٦٧). ومن جرَّاء بناء سد الرصيرص سوف يمكن التوسُّع أيضًا في أرض الجزيرة في إقليم كنانة الذي يشتمل على مساحة قدرها ١٫٢ مليون فدان، وبذلك تكون أرض الجزيرة قد استكملت زراعتها تمامًا.

ولمشروع الجزيرة أهمية في أنه ضرب المثل فيما يكون عليه الحال لو استُغِلَّتْ ثروة أفريقيا وتربتها الزراعية على الأسس العلمية، فقد خصَّصَ المشروع ملكية قدرها أربعون فدانًا للمالك الواحد، وهذه مساحة كبيرة في أرض تُروَى صناعيًّا، وتستخدم في الجزيرة دورة زراعية رباعية، بحيث تقسم الأرض إلى أربعة أقسام، وكل قسم منها يزرع القطن مرة كل أربع سنوات، والطمي الثقيل ليس شديد الخصوبة ويحتفظ بالماء فترة طويلة، ولهذا فإن نصف الملكية يجب أن يُترَك بورًا كلَّ سنة حتى لا تجهد الأرض، ويُزرَع القطن في أغسطس ويُروَى مرة كل أسبوعين لمدة ٢٨ أسبوعًا، ويُجنَى بين يناير وأوائل مايو. والمشروع يُدَار على أساس شركة بين حكومة السودان ٤٢٪، والمالك ٤٢٪، وإدارة المشروع ١٠٪، وصندوق احتياطي المستأجر ٢٪، والحكومة المحلية ٢٪، وإدارة التنمية الاجتماعية ٢٪.

وفي مشروع المناقل أصبحت الملكية الزراعية أصغر، فبدلًا من ٤٠ فدانًا أصبحت ١٥ فدانًا، كما أصبحت الدورة ثلاثية، وإلى جانب القطن الذي يكون ربع المساحة في الجزيرة وثلث المساحة في المناقل، فإن المحاصيل الأخرى تشتمل على اللوبيا (غذاء الحيوان) والدخن والفاصوليا والفول.

ومن المشروعات الزراعية الحديثة التي تمَّتْ مشروعَا دلتا الجاش ودلتا بركة، وقد بدأ هذين المشروعين أحمدُ باشا ممتاز حاكم سواكن فيما بين ١٨٦٥ و١٨٧٢، وأفكار أحمد ممتاز للنمو الزراعي في السودان هي بعينها التي نُفِّذَتْ فيما بعدُ، وكانت أنجح مقترحاته زراعة القطن في دلتا الجاش. وقد وزَّع أحمد ممتاز بذور القطن على رجال قبيلة الحلنجة التي تعيش بالقرب من كسلا، وأمكن جني محصول من القطن لأول مرة في السودان، وظلَّ الأمر كذلك حتى شبَّتِ الثورة المهدية وتوقَّفَ العمل حتى ١٩٢٤، حينما شُقَّتْ قناة كسلا ومُدَّتِ السكة الحديد من كسلا إلى هايا على خط بور سودان العطبرة، وقد قُسِّمت الأرض بين عدد من الوكلاء أو المشايخ، وعليهم أن يوزِّعوا الأرض للزراعة للمؤاجرين بمتوسط قدره خمسة أفدنة للمزارع الواحد، وتُزرَع أربعة أفدنة قطنًا والفدان الباقي دخنًا، والأرض المؤجرة قد لا تُؤجر للفلاح الواحد كل سنة؛ إذ إن توزيع الأراضي يتم سنويًّا بواسطة القرعة، وبذلك لا تقع أرض جيدة في حوزة شخص واحد، أو أرض سيئة في يد آخَر طوال الوقت.

ونمط الزراعة المتَّبَع في دلتا الجاش هو زراعة الأرض سنة وتركها بورًا سنتين، حتى لا يؤدي ريُّها باستمرار إلى تكاثُر الأعشاب والحشائش. وللمزارع الحق في محصول الدخن، بينما تُوزَّع أرباح القطن بين الحكومة وإدارة المشروع والمزارع بنسبة ٣٠٪، ٢٠٪، ٥٠٪ على التوالي.

ونظرًا لأن المشروع قائم على أساس مائية خور صغير ذي حوض صغير، فإن كمية المياه التي يمكن الإفادة منها في ري الأرض تتذبذب من سنةٍ لأخرى، ويتضح ذلك من دراسة أرقام مساحات الأرض المزروعة سنويًّا، وأكبر رقم كان ٦٨ ألف فدان عام ١٩٥٧، هبط إلى ٣٧ ألف فدان عام ١٩٦٠.

ويشبِّه بعضُ الكتَّاب مشروعاتِ الزراعة الحديثة في السودان على النحو التالي:
  • مشروع الجزيرة: يُشبَّه بالحمار المطيع لسهولة ضبط المياه والتحكُّم فيها.
  • مشروع الجاش: يُشبَّه بالجمل الذي لا يمكن ضبطه وقيادته بالسهولة التي يُقَاد بها الحمار لصِغَر المساحة وعدم سهولة ضبط المياه.
  • مشروع طوكر أو بركة: يُشبَّه بالغزال الذي يمكن صيده ولا يمكن استئناسه لصِغَر الحوض، وتذبذب المطر والانحدار الشديد.

والحقيقة أن مشروع طوكر هو أصغر مشروعات الزراعة الحديثة في السودان، وقد بدأ أحمد ممتاز العمل فيه عام ١٨٦٧، ثم توقَّفَ العمل خلال الثورة المهدية، وعاد العمل سريعًا في المنطقة في نهاية القرن الماضي. وتتم الزراعة على أساس الفيضان السنوي دون إمكان ضبط مياه الخور بإقامة منشآت هندسية؛ وذلك لسرعة طمرها نتيجة تعرُّض المنطقة سنويًّا لعواصف رملية جامحة، وتتذبذب المساحة المزروعة من صفر عام ١٩٥٦ إلى ٩٠ ألف فدان عام ١٩٦٠.

وإلى جانب الجزيرة والجاش وطوكر فهناك زراعات حديثة تتم بواسطة الري بالطلمبات، وهناك طلمبات في منطقة الخرطوم تقوم عليها زراعات الحدائق التي تمد العاصمة المثلثة بالخضرورات والفاكهة، ولكن أكبر منطقة طلمبات توجد على النيل الأبيض والأزرق، والنيل الرئيسي شمال الخرطوم، وعلى كلِّ محطة تقوم زراعة مساحات متراوحة من الأرض حدها الأدنى ألف فدان، ومعظم أراضي الطلمبات على النيل الأبيض مخصَّصَة لزراعة القطن، بينما في النيل الأزرق تزرع الفواكه إلى جانب القطن، وتأمل مشروعات التنمية في إمكان زراعة ٢٫٥ مليون فدان بالطلمبات (المضخات)، على النيل وعلى الدندر والرهد، وقد سبقت الإشارة إلى محطات الطلمبات على النيل النوبي، ومعظمها متمركزة في إقليم شندي.

وعلى ضوء مشروع السد العالي وتهجير النوبيين، بدأت حكومة السودان مشروعًا زراعيًّا يستهدف زراعة نصف مليون فدان في منطقة خشم القربة على أساس إنشاء سد على العطبرة بدأ العمل فيه عام ١٩٦١، أوشكت المرحلة الأولى من بنائه على الانتهاء.

والسودان ثانية دول أفريقيا في إنتاج القطن بعد مصر، وقد بلغ الإنتاج ٢١٧ ألف طن متري عام ١٩٦١، تناقص إلى ١٥٧ ألفًا وإلى ١٠٢ ألف عامَيْ ١٩٦٢ و١٩٦٣، ثم ارتفع إلى ٢٢٥ ألفًا عام ١٩٧٠. وبرغم هبوطه أوائل الستينيات إلا أنه كان فوق متوسط الإنتاج لسنوات ١٩٤٨–١٩٥٢ الذي كان يبلغ ٧٤ ألف طن. ولقد تزايدت المساحة المزروعة قطنًا من ٥١٢ ألف فدان كمتوسط سنوات ١٩٤٨–١٩٥٢، فوصلت ١٫١٧ مليون فدان ١٩٦١، ثم هبطت قليلًا إلى ١٫٠٨ مليون عام ١٩٦٣، وعادت للارتفاع إلى ١٫٢٢ مليون عام ١٩٧٠.

وذبذبة المساحة لا تفسِّر هبوط جملة الإنتاج، لكن يفسِّرها هبوط عائد الفدان من المحصول، الذي تناقَصَ من ١٨٤ كيلوجرام للفدان عام ١٩٦١ إلى ١٤٠كجم/فدان ١٩٦٢، وسجَّل أدنى هبوط عام ١٩٦٣، حين وصل إلى ٩٢ كجم/فدان، ولعل الهبوط في عائد الفدان كان سببه التوسُّع السريع في المساحة في منطقة المناقل لقلة الخبرة بالأرض الجديدة، وضعف المحصول في بدايات استغلالها، وقد عاد مردود الفدان إلى الارتفاع فوصل عام ١٩٧٠ إلى ١٨٤كجم/فدان، وهو نفس رقم الإنتاجية لعام ١٩٦١.٦ وقد أدت ذبذبة إنتاج القطن إلى اهتمام الحكومة بمحاولة تنمية محاصيل تجارية لكي تقلِّل من الاضطراب الذي يحدث في ميزانية الدولة نتيجة ذبذبة الإنتاج والسعر العالمي معًا.

ولكي تتغلَّب الحكومة على ذلك فإنها تشجِّع زراعة قصب السكر في منطقة جنيد على النيل الأزرق، وزيت الخروع في إقليم كسلا، والقمح في إقليم شندي، والتبغ في المديرية الاستوائية.

النقل في السودان

تطورت أطوال السكك الحديدية في السودان بسرعة في السنوات العشر الماضية، فقد كانت الأطوال ٢٣٥٤ كيلومترًا عام ١٩١٤، زادت إلى ٣٢٤٤كم عام ١٩٣٧، وظلت فترة طويلة كذلك حتى قفزت عام ١٩٥٨ إلى ٤٥٤٩كم، وعام ١٩٦٢ إلى ٥٠٢١ كيلومترًا، ويدل ذلك دلالة واضحة على ضرورة ربط أجزاء الدولة الشاسعة بشبكة حديدية تخدم أغراضًا عديدة منها التقدُّم الاقتصادي والوحدة السياسية.

وتتكون الشبكة الحالية من الخطوط التالية راجع الخريطة رقم (٤٥):
  • (١)

    خط الشمال: وادي حلفا-الخرطوم وطوله ٩٢٤كم، ويربط هذا الخط قلب السودان بمصر، وظلت له أهمية كبيرة في مجال التبادل التجاري بين الدولتين، ولا يتصل هذا الخط بالشبكة الحديدية المصرية، وإن كان مقرَّرًا أن يتم ذلك الاتصال في المستقبل غير البعيد. والرابطة الراهنة بين الشبكتين الحديديتين في مصر والسودان هي الباخرة النيلية بين حلفا وأسوان.

  • (٢)

    خط الشمال الشرقي: يمتد من عطبرة على النيل إلى بور سودان، ميناء السودان الرئيسي، ويبلغ طوله قرابة ٣٠٠كم.

  • (٣)

    خط الجزيرة-كردفان: ويمتد من الخرطوم إلى سنار إلى كوستي إلى الرهد ثم الأبيض، ويبلغ طوله ٦٨٩ كيلومترًا، وهذا هو أهم الخطوط الحديدية من الوجهة الاقتصادية؛ إذ إنه يربط إقليم الإنتاج الزراعي الرئيسي في الجزيرة، وإقليم الصمغ العربي في كردفان بالخرطوم، ومن ثَمَّ بور سودان، أو من سنار إلى كسلا وبور سودان.

  • (٤)

    خط النيل الأزرق: من سنار إلى الرصيرص، ويبلغ طوله ٢٢٠كم.

  • (٥)

    خط الشرق: ويمتد من سنار إلى كسلا، ثم هايا، وأخيرًا بور سودان، ويبلغ طوله ألف كيلومتر، وهو أطول الخطوط السودانية، وأصبح من أهمها لأنه يربط مناطق الإنتاج في كردفان والجزيرة ودلتا الجاش بميناء التصدير.

  • (٦)

    خط الغرب: ويمتد من الرهد (على خط كوستي-الأبيض) إلى نيالا في جنوب دارفور، ويبلغ طوله ٦٤٨كم، ويربط هذا الخط مناطق البقارة في جنوب كردفان ودارفور ببقية السودان، كما سهل الاتصال بين دارفور والسودان النيلي.

  • (٧)

    خط الجنوب: ويبدأ من مُجلد (على خط الغرب) وينتهي في «واو» عاصمة بحر الغزال، وطوله ٤٧٢كم، وهو آخِر الخطوط التي أُنشِئت في السودان، ويسهل عملية ربط الجنوب لأول مرة بالسكك الحديدية ببقية السودان.

  • (٨)

    خط أبو حمد-كريمة (٢٤٨كم) على النيل النوبي للربط بين دنقلة والخرطوم، (دنقلة-كريمة ملاحة نهرية).

أما الطرق البرية فالعناية بها تكاد تكون معدومة؛ ففي الشمال لا تكاد توجد طرق بالمعنى المفهوم، إنما خطوط ممهدة لا تصلح للسيارات إطلاقًا حين تسقط الأمطار، وكذلك الحال في معظم أنحاء السودان، باستثناء منطقة المديرية الاستوائية التي توجد بها طرقٌ ممهدة صالِحة للسير طوال السنة.

ويعوض نقص الطرق في السودان وجود النيل وروافده العديدة التي أدَّتْ إلى تكوين عدد من خطوط المواصلات النهرية الجيدة على طول محور السودان من الشمال إلى الجنوب — باستثناء مناطق العقبات الطبيعية. وتمتلك هيئة السكك الحديدية السودانية مجموعة من البواخر والصنادل النهرية تسيرها على الخطوط التالية:

السد العالي-وادي حلفا وطوله ٣٣٨كم
كريمة-دنقلة-كرمة وطوله ٣٣٥كم
الخرطوم-كوستي (النيل الأبيض) وطوله ٣٧٥كم
كوست-جمبيلة (السوباط) وطوله ١٠٦٩كم
كوستي-واو (بحر الغزال) وطوله ١١٢٧كم
كوستي-جوبا (بحر الجبل) وطوله ١٤٣٥كم

وتمثِّل بور سودان الميناء الرئيسي والوحيد في الوقت الراهن، بعد أن أصبح ميناء سواكن غير صالح لاستقبال السفن — وقد كان في الماضي ميناء السودان الهام. ويحتل النقل الجوي دورًا لا بأس به في السودان المترامي الأطراف، والمركز الرئيسي للنقل الجوي هو مطار الخرطوم الدولي الذي تمتد منه شبكة نحيفة للنقل الداخلي إلى عواصم المديريات السودانية، وتمتلك الحكومة — شركة الخطوط الجوية السودانية التي تسير إلى جانب الخطوط الداخلية — عددًا من الرحلات على خطوط منتظمة إلى القاهرة وأسمرة وأديس أبابا وعنتبة ونيروبي، وعدن وجدة وبيروت، وأثينا وروما وفرانكفورت ولندن.

التجارة الخارجية٧

تتكون تجارة السودان الخارجية — شأنها في ذلك شأن دول العالم الثالث — من صادرات زراعية وخامات طبيعية على رأسها القطن، وواردات من السلع المصنعة على رأسها الآلات والسيارات. ويعطي جدول ٢-٣ صورة عن تطور تجارة السودان الخارجية في السنوات ١٩٦٦–١٩٧٠.
جدول ٢-٣: مجمل قيمة تجارة السودان الخارجية (ملايين الجنيهات الإسترلينية).
١٩٦٦ ١٩٦٧ ١٩٦٨ ١٩٦٩ ١٩٧٠
الواردات ٧٧٫٤ ٧٤٫٣ ٨٩٫٧ ٩٢٫٤ ١٠٨٫٣
الصادرات ٦٩٫٧ ٧٤ ٨٠٫٨ ٨٥٫٦ ١٠١٫٦

ويوضِّح الجدول أن الميزان التجاري وإن كان في غير صالح السودان، إلا أن السودان لا تعاني كثيرًا من فقدان التوازن في التبادل التجاري.

وتتكون الواردات السودانية من السلع المصنعة، وعلى رأسها الآلات والسيارات والمنسوجات، تليها الأغذية. أما الصادرات فمعظمها خامات أولية على رأسها القطن المحلوج والصمغ العربي والسمسم. ويوضِّح جدول (٢-٤) نمط السلع الداخلة في تجارة الواردات والصادرات السودانية.
جدول ٢-٤: قيمة الواردات والصادرات السودانية لعام ١٩٦٩.
الواردات الصادرات
السلعة القيمة (ألف إسترليني) ٪ من الواردات السلعة القيمة (ألف إسترليني) ٪ من الصادرات
الآلات ١٥٧٤٤ ١٧ قطن محلوج ٦٤٧٢٢ ٦٦٫٦
السيارات ٩١٣٧ ٩٫٨ صمغ عربي ٨٩٧٢ ٩٫٢
منسوجات قطنية ٨٢٠٨ ٨٫٨ سمسم ٦٧٢٢ ٦٫٩
سكر ٥٣٠٣ ٥٫٧ أعلاف حيوانية ٥٥٥٦ ٥٫٧
شاي ٤٩٥٥ ٥٫٣ فول السوداني ٥٤٧٧ ٥٫٦
بن ١٩٠٧ ٢ بذرة القطن ١٧٢٩ ١٫٧
مخصبات زراعية ١٦٥٧ ١٫٨ جلود ١٥٩٠ ١٫٦
وقود محركات ١٢٧٤ ١٫٣ أغنام حية ١٥٤٨ ١٫٦
سجاير ١١٣٨ ١٫٢ زيوت نباتية خام ٧٧٩ ٠٫٨
دقيق قمح ٦٥٧ ٠٫٧ دخن ٦١ ٠٫٠٦
ومن دراسة أرقام التجارة في الفترة بين ١٩٦٠ و١٩٦٨ لُوحِظَ ما ياتي:
  • أولًا: ارتفاع قيمة الواردات عامةً برغم انخفاض حجمها، فإذا افترضنا أرقام عام ١٩٦٣ = ١٠٠، فإننا نجد أن قيمة الواردات لعام ١٩٦٨ أصبحت ١٠٥، وحجمها ٨٦، وفي الوقت ذاته لا نجد مثل هذا في الصادرات التي أصبحت قيمتها ١٠٦ وحجمها ٩٩ للسنوات ذاتها، ومعنى ذلك أن على السودان أن ينتج أكثر لكي يحصل على احتياجاته من السلع المصنعة والأغذية.
  • ثانيًا: في مجال الواردات ارتفعت القيمة الإجمالية لعام ١٩٦٨ على مثيلها لعام ١٩٦٠ بما يساوي ١٥٠٪، وقد سجَّلت المواد الكيميائية أكبر ارتفاع في السنوات المذكورة؛ فأصبحت تعادِل ٢١١٪ عام ١٩٦٨، مما كانت تعادله عام ١٩٦٠، ويلي ذلك واردات الأغذية (١٨٩٪)، ثم السلع شبه المصنعة (١٣٤٪)، والآلات (١١٤٪).
  • ثالثًا: في مجال الصادرات ارتفعت القيمة الإجمالية لعام ١٩٦٨ على مثيلها لعام ١٩٦٠ بما يساوي ١٣٤٪ فقط، وقد سجَّلَ تصدير الخامات الزراعية (القطن والصمغ … إلخ) أكبر ارتفاع (١٣٤٪)، بينما كانت صادرات الأغذية (السمسم وفول السوداني والحيوانات … إلخ)، أقل بكثير من النمو العام لقيمة الصادرات؛ إذ سجَّلت نموًّا قدره ١٢٥٪ فقط.

وتتجه تجارة السودان أساسًا إلى أوروبا الغربية ومنطقة الإسترليني والكمنولث، والقليل يتجه إلى دول أفريقيا والكتلة الشرقية. وفي عام ١٩٦٧ كانت بريطانيا تتصدر الدول المصدرة إلى السودان (٢٩٫٧٪ من قيمة واردات السودان)، تليها الهند (١٤٫٢٪)، والولايات المتحدة (١١٫٧٪)، بينما كانت أهم الدول التي تستورد من السودان إيطاليا (١٥٫٩٪)، وألمانيا (١٥٫٩٪)، والهند (١٢٫٣٪).

وفي عام ١٩٦٨ كانت تجارة الدول الأفريقية مع السودان تمثِّل نِسَبًا ضئيلة للغاية؛ ٢٫١٪ من واردات السودان ومثلها من الصادرات، ولا شك أن هذا يمثِّل أصدق تمثيل ضعف العلائق بين دول العالم النامية، وارتباطها الوثيق بأسواق الدول المتقدمة عامةً. وفي عام ١٩٦٨ بلغت قيمة واردات السودان من الدول الأفريقية كلها ١٥٫٥٪ مليون دولار، كان نصيب مصر منها عشرة ملايين دولار (٦٥٪)، تليها أوغندا (١٦٫٤٪)، وكينيا (١٣٫٢٪). وبرغم ضآلة قيمة التبادل التجاري هذا إلا أنه يُؤخَذ مؤشرًا على إمكانية توثيق أواصر التعاون التجاري داخل نطاق جغرافي واضح، تحدِّده علاقات الجوار المكانية بين السودان وشقيقاته دول النيل الأخرى.

(٥) خاتمة

لا يظهر السودان في قائمة الدول المنتجة للمعادن إلا حينما ندر بكميات إنتاج ضئيلة، وذلك على الرغم من أن قائمة طويلة من المعادن معروف وجودها في السودان، وتشتمل هذه القائمة على الذهب، الجرافيت، الكرومايت (٢٠٥٠٠ طن متري ١٩٦٥)، خام الحديد، المنجنيز، النحاس، الزنك، النطرون، الجبس، الإسبستوس، الميكا، الرمال السوداء، … إلخ. ويستغل الذهب على نطاق ضيق في منجم دويشات (جنوبي وادي حلفا، وبير كاتب في مديرية كسلا) كما ينتج الذهب من الترسبات الفيضية أحيانًا من النيل الأزرق (منطقة الفنج الجنوبية) وفي المديرية الاستوائية. وقد انخفض إنتاج الذهب من ٢٩كجم عام ١٩٦٢ إلى ٦كجم ١٩٦٨ نتيجة ارتفاع تكلفة الإنتاج.

وكان الحديد يصهر بالوسائل البدائية منذ القِدَم في المديريات الشرقية والجنوبية، أما الاستغلال الحديث للحديد فقد بدأ عام ١٩٦٥ من مناجم جبال الأحمر الشمالية، وصدر منه في السنة الأولى ٣٠ ألف طن إلى أوروبا. أما النحاس فقد كان يعدن منذ ق. ١٩ من حفرة النحاس في غرب بحر الغزال، وتشحن كميات صغيرة من المنجنيز سنويًّا منذ ١٩٥٦، وبدأ تعدين الكرومايت من تلال الأنجسنا (جنوب النيل الأزرق) منذ ١٩٦٢، ويعدن الحجر الجيري من أجل صناعة الأسمنت في عطبرة وربك على النيل الأبيض، ولم يُعرَف بعدُ وجود لمصادر الطاقة المعدنية إلا أنه يُقَال بوجود الفحم في السودان.

والصناعة في السودان ما تزال في أولى مراحلها، وتعتمد على الطاقة المستوردة، والقطن هو أساس الصناعة في السودان، كما يكون أساس الإنتاج الزراعي الحديث.

وتنتشر معامل حلج القطن في مناطق مختلفة من السودان الأوسط والجنوبي إلى جانب بعض المغازل والمناسج، وفي الخرطوم تتركز معامل التحويل البسيط لإعداد الأغذية، وهناك معامل الملح في بورسودان، ومعملي الأسمنت في عطبرة ورَبَكْ، ومعمل تعليب اللحوم في كوستي، وتشجع الدولة قيام مصانع أخرى؛ كمعمل للسجائر في واد مدني، ومصنع للورق في ملكال، ومعمل السكر في جنيد وخشم القربة.

ومشكلة السودان في الوقت الحاضر مماثلة لمشاكل العالم النامي: تزايد السكان وقلة التنمية الاقتصادية، وبالإضافة إلى ذلك فإن للسودان مشكلات خاصة أهمها تركُّز السكان، والنشاط الاقتصادي حول النيل على وجه التعميم، وفي السودان الأوسط حول النيل وروافده على وجه التخصيص، ولكن امتداد الخط الحديدي إلى بحر الغزال ربما ساعَدَ على مشروعات التنمية ونشرها في أرجاء مختلفة من السودان بدلًا من تركيزها في مناطق معينة. ولا شك أن للمواصلات دورًا حيويًّا في تعمير السودان وتنميته، إذا أخذنا بعين الاعتبار ضخامة المساحة وتنوُّع البيئة الطبيعية من صحاري إلى غابات ومستنقعات، وربما كان نقص أحجار البناء من الدوافع التي تقلِّل وجود الطرق البرية الصالحة للسير في كل مواسم السنة، ولهذا اتجهت الدولة إلى مدِّ الخطوط الحديدية لتعويض النقص في الطرق، ولربط أجزاء الدولة، ولكن علينا أن نعرف أنه مهما كانت نسبة التزايد السكاني، إلا أنها ظاهرة كمشكلة في مناطق محدودة من الدولة التي تتسع لأضعاف عدد السكان الحالي.

مراجع لمزيد من الاطلاع

  • محمد عوض محمد: «السودان الشمالي، سكانه وقبائله» القاهرة ١٩٥١.

  • محمد عوض محمد: «نهر النيل» القاهرة ١٩٥٢ (الطبعة الرابعة).

  • محمد محمود الصياد: «اقتصاديات السودان» القاهرة ١٩٦١.

  • Barbour, K. M., 1961 “The Republic of the Sudan” London.
  • Gaitskell, A., 1959 “Gezira: a story development in the Sudan” London.
  • Gleichen, C. V., 1905 “The Anglo-Egyptian Sudan” London.
  • Hamdan, G., 1960 “The Growth and Funtional Structure of Khartoum” Bul. Geog. Society. Cairo.
  • Herzog, R., 1961 “Sudan” Bonn.
  • Krotki, K. J., 1958 “21 Facts about the Sudanese” Khartoum.
  • Lebon, J. H. G. 1959 “Land-use mapping in the Sudan” in Econ. Geog. London.
  • Riad, M., 1963 “An Introduction to Nubia” In Africa Quarterly. New Delhi.
  • Seligman, C. G. 1932 “Pagan Tribes of the Sudan” London.
  • Tothill, J. D., 1948, “Agriculture in the Sudan” London.
  • Trimingham, J. S., 1949 “Islam in the Sudan” London.
١  الفروق الحرارية في بعض المدن الممثلة للأقاليم المناخية الرئيسية: الصحراوي (دنقلة)، السوداني (الخرطوم وملكال)، وشبه الاستوائي (يامبيو):
الشتاء (الجفاف) الصيف (المطر)
أعلى حرارة (م) أدنى حرارة (م) أعلى حرارة (م) أدنى حرارة (م)
دنقلة ٣٠ ١٠ ٤٠ ٢٥
الخرطوم ٣٢ ١٨ ٣٥ ٢٥
ملكال ٣٥ ١٨ ٣٠ ٢٠
يامبيو ٣٢ ١٨ ٢٨ ٢٠
٢  U. N. Demographic Year Book 1964. New York 1965.
٣  F. A. O. Production Year book New York 1964. P. 7.
٤  الأرقام مستقاة من: F. A. O. “Production Year book, 1964”.
٥  Riad, M., “An Introduction to Nubia” African Quarterly. New Delhi 1963.
٦  F. A. O. Production year book 1964, 1970.
٧  أرقام التجارة عن:
Economic Commission For Africa Statistical Year book 1970, Addis Ababa.
States: an’s Year book 1972-1973. Macmill. n, London.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤