الفصل الثالث

إثيوبيا

(١) هضاب شرق أفريقيا

تمتد هذه الهضاب من القرن الأفريقي إلى أخدود نياسا، وتتراوح بين الانبساط في السطح، كما هو الحال في وسط تانزانيا، وبين الوعورة الشديدة في نطاقات معينة كما هو الحال في حافات الأخدود الغربي والشرقي، وفي هضبة الحبشة أيضًا. ويسيطر الأخدود على منطقة الهضاب جميعًا، كما تسيطر الظاهرات البركانية على النمط الجبلي والهضبي معًا، ونظرًا لقلة السهول الساحلية وضيقها، فإن الأنهار في الغالب قصيرة سريعة الانحدار تكتنفها المساقط بكثرة.

وتمتد هضاب شرق أفريقيا إلى الشمال والجنوب من خط الاستواء، بحيث أصبحت تشتمل على أقسام مناخية متعددة داخل النطاق الاستوائي والمداري، ولهذا تتميز هضاب شرق أفريقيا في كينيا وأوغندا وشمال تانزانيا بسيادة المناخ الاستوائي، بينما يسود المناخ المداري ذو المطر الفصلي جنوب تانزانيا وشمال موزمبيق في الجنوب، وهضبتَيِ الحبشة والصومال في الشمال. وقد عدل الارتفاع التضاريسي درجة الحرارة، كما أدَّى إلى زيادة الأمطار في مناطق المرتفعات العالية زيادةً كبيرةً. ونظرًا لصغر معظم الأحواض النهرية فإنها تتميز بجريان مائي متذبذب إلى موسمي، حسب أمطار المنطقة، ونستثني من ذلك ارتباط قسم كبير من التصريف النهري في الهضبة الحبشية وهضبة أوغندا بالنظام الحوضي النيلي.

ونتيجة لهذه الظروف، فإن النبات الطبيعي السائد هو السفانا الطويلة، مع نطاقات محدودة من الغابات الاستوائية في المناطق المنخفضة، ونباتات الجبال العالية في مناطق الجبال المرتفعة.

ومن الناحية البشرية تحتلُّ هضاب شرق أفريقيا مكانًا مرموقًا بالنسبة لتاريخ تعمير القارة، وقد أدَّتْ أبحاث الأستاذ ليكي إلى اكتشاف حفريات قديمة للإنسان العاقل — جمجمة كانجارا على وجه الخصوص. ونظرًا لعلاقات الموقع فإن هضاب شرق أفريقيا يتمثل فيها الوطن الأساسي للحاميين الشرقيين (الصومالي والجالا والبجة)، وفي المنطقة أيضًا يسود البانتو، وخاصة في كينيا وتانزانيا وأوغندا، وقد أصبحت هضاب شرق أفريقيا بذلك منطقة التقاء هامة للسلالات القوقازية والزنجية، مما أدَّى إلى وجود عناصر ومجموعات خليطة كثيرة، مثل أنصاف الحاميين والنيليين، فضلًا عن وجود جيوبٍ لسلالات قديمة أهمها: الزنداوي والكنديجا في شمال تانزانيا، والدروبو وغيرهم في إقليم المازاي في كينيا، وقد ازداد هذا الخليط السلالي نتيجة استيطان عرب جنوب الجزيرة العربية لسواحل الصومال وكينيا وتنجانيقا وموزمبيق وجزيرتَيْ زنجبار وبمبا، وتوغُّلهم من هذه القواعد الساحلية إلى داخلية شرق أفريقيا. وفي أوائل هذا القرن زاد الخليط بوصول المستوطنين الأوروبيين إلى هضاب شرق أفريقيا، وقد أدَّى كل هذا إلى أن تصبح شرق أفريقيا بوتقة كبيرة انصهرت فيها في الماضي المجموعاتُ البشرية المختلفة، وربما انصهرت فيها المجموعات الجديدة الحالية في المستقبل البعيد.

ولقد أدَّى هذا التدخل والتمازج البشري إلى تعدُّد أشكال الحضارات من البدائية إلى المتقدمة، وتعدُّد أشكال الاقتصاد من زراعة الفأس إلى الزراعة بواسطة المحاريث الآلية، وتعدد أشكال السكن من القرى التقليدية إلى المدن الحديثة.

وتمثِّل إثيوبيا هذه الظاهرات الطبيعية والبشرية تمثيلًا جيدًا، ولكن تطرُّفَ موقعها إلى الشمال قد جعلها أكثر ارتباطًا بالمحيط العربي الذي يحدها شرقًا عبر البحر الأحمر، وغربًا في سهول السودان، وجنوبًا في سواحل الصومال، كما أن تاريخ هذه الدولة الطويل قد جعل لها شخصية ثابتة راسخة، على عكس بقية المناطق في شرق أفريقيا. وأخيرًا فإن التغلغل الأوروبي في إثيوبيا، وإنْ كان قديمًا، إلا أنه كان بطيئًا جدًّا ومتقطعًا زمانيًّا، ولم تقع الدولة في حوزة استعمار أوروبي طويل بالرغم من وقوعها ضمن دائرة النفوذ الاستعماري الإنجليزي والفرنسي والإيطالي منذ النصف الثاني من القرن الماضي؛ ولهذا فإن التطور الاقتصادي الحديث في إثيوبيا بطيء بالقياس إلى بعض مناطق كينيا وأوغندا وتانزانيا، فلا توجد محاصيل زراعية تجارية كالشاي والبن والقطن والسيسال. ورغم أن إثيوبيا موطن البن الأساسي إلا أن محصول البن لا يساهم بما يجب أن يكون عليه الحال في اقتصاديات إثيوبيا الحديثة.

(٢) إثيوبيا

تتميز إثيوبيا في أفريقيا الشرقية — بل وفي أفريقيا عامة — بارتفاعاتها العالية، وبتاريخها الطويل الذي لا يدانيه تاريخ آخَر باستثناء مصر وشواطئ البحر المتوسط الأفريقية، وأقدم ما نعرفه عن تاريخ «إثيوبيا» نشوء دولة أكسوم في الشمال، قرب إريتريا، في حوالي القرن الأول الميلادي وانتقالها إلى المسيحية في أواخر القرن الرابع الميلادي. وإلى وقت قريب كانت إثيوبيا تُسمَّى الحبشة، ولكن اسم الدولة تغيَّر بعد الاتحاد بين الحبشة والمستعمرة الإيطالية السابقة إريتريا، وأصبح للدولة اسم إثيوبيا، وهذا الاسم قديم ولكنه لم يُطلَق على هذه المنطقة الجغرافية، فقد عرف اليونان إثيوبيا على أنها شمال السودان، وأطلقوا الاسم على المملكتين المتمصرتين «نباتا» و«مروي» في خلال العهد الفرعوني.

ولقد دخلت المسيحية إلى الحبشة عن طريق إثيوبيا القديمة (الديانة القبطية)، وربما كان هذا أحد الدوافع التي حدت بإمبراطور الحبشة إلى تحويل اسم بلاده بوضعها الجديد إلى اسم المصدر الذي أخذت عنه المسيحية.

ولقد كان للحبشة في خلال العصور الوسطى تاريخ أشبه بالأساطير، وسُمِّيت في أوروبا باسم ممكلة القديس حنا، وكانت إحدى دوافع البرتغال الظاهرية في الكشف عن أفريقيا محاولة الوصول إلى هذه المملكة المسيحية لتطويق العالم الإسلامي، ورغم وصول بعض المبعوثين البرتغاليين وغيرهم إلى الحبشة في الفترة التي سبقت مباشَرةً الدوران حول أفريقيا، إلا أن هذه المملكة الغامضة ظلت تتحدى المعرفة فترة طويلة، رغم امتداد حكم الدولة العثمانية على سواحل البحر الأحمر، وامتداد الحكم المصري فيما بعد ذلك في السودان وساحل البحر الأحمر، واستطاعت الحبشة مقاومة الغزاة في أرضها الوعرة الداخلية، وذلك على الرغم من تقسيم ساحل القرن الأفريقي بين إيطاليا (إريتريا والصومال الإيطالي)، وفرنسا (الصومال الفرنسي)، وبريطانيا (الصومال الإنجليزي) في أواخر القرن ١٩.١

ورغم العزلة التي فرضتها الحبشة على نفسها، إلا أن هذه العزلة ما لبثت أن تبدَّدَتْ نتيجة التسرُّب الأوروبي البطيء من السواحل والسهول المجاورة، وخاصة بعد الامتياز الفرنسي الذي منحه الإمبراطور منليك الثاني عام ١٨٩٤ لمد خط حديد «جيبوتي-أديس أبابا»، الذي يبلغ طوله ٧٨٣ كيلومترًا، وقد تم بناؤه عام ١٩٢٦. هذا وقد نقل منليك عاصمة الحبشة إلى أديس أبابا (الزهرة الجديدة) عام ١٨٩٠، وفيما بين ١٨٩٧ و١٩٠٨ وسع حدود مملكته في اتجاه الجنوب والجنوب الشرقي.

وتولَّى هايلا سيلاسي الملك عام ١٩٣٠، واتخذ خطوات عديدة من أجل التقدُّم، ولكن إيطاليا احتلت الحبشة عام ١٩٣٦ بعد معارك طاحنة، وظلت الحبشة جزءًا من إمبراطورية إيطاليا في أفريقيا حتى تحريرها عام ١٩٤١، وفي عام ١٩٥٢ ضُمَّتْ إريتريا إلى الحبشة على أساس أنها دولة ذات حكم ذاتي، ولكن الحبشة ضمتها نهائيًّا إليها عام ١٩٦٢، ومنذ ذلك التاريخ وإثيوبيا تأخذ دورًا إيجابيًّا في الحياة الأفريقية ومؤتمرات الدول الأفريقية المستقلة، وبذلك لم تَعُدْ إثيوبيا منعزلة عن العالم.

وتبلغ مساحة إثيوبيا ١١٨٤٣٢٠ كيلومترًا مربعًا، تمتد من درجة عرض ٤ شمالًا إلى درجة عرض ١٨ شمالًا، وبين درجة طول ٤٣ شرقًا و٤٧ شرقًا، أي أنها تمتد تقريبًا ١٤ درجة عرضية و١٤ درجة طولية.

(٣) الدراسة الطبيعية

تتكون إثيوبيا من هضبة ضخمة أساسها من الصخور الأركية القديمة، تعلوها صخور رسوبية من الجير والرمل، ثم طبقات ذات سُمْك كبير من اللافا، ولا شك أن النشاط البركاني وغطاءات اللافا الواسعة التي شملت الهضبة قد صاحبت حدوث الأخدود الأفريقي والهضبة الصومالية في الجنوب الشرقي. ومن الأدلة على حداثة التكوين في المنطقة: أن النشاط البركاني والهزات الأرضية والينابيع الحارة في صور محدودة لا تزال موجودة في المنطقة.

وفي خلال البلويستوسين والعصر المطير كانت كثير من بحيرات إثيوبيا أوسع مما هي عليه الآن، وقد أدَّى استمرار حركة الرفع خلال ذلك العصر الجيولوجي إلى أن أصبح هو المسئول عن جميع مظاهر الحداثة في الأنهار الحبشية من خوانق وشلالات وانحدارات شديدة.

وترتفع أرض الأخدود الأفريقي في إثيوبيا حوالي ١٥٠٠ مترٍ فوق سطح البحر، وتنتشر في قسمه الجنوبي عدة بحيرات منها: ستيفاني وأبايا وشالا وزفاي، بينما يحتوي القسم الشمالي منه على حوض نهر هواش الداخلي التصريف — ينتهي في بحيرة أبه Abbé — وإلى الشمال ينفتح الأخدود على سهل الدناكل ومنخفض كوبار (حوض انكسار تحت مستوى سطح البحر)، وهضبة الدناكل أو ما يُسمَّى أحيانًا باسم جبال آفار.

وكتلتا الهضبتان الصومالية والحبشية قد انتابتهما انكسارات كثيرة من أعمار مختلفة أدَّتْ إلى أشكال متباينة وتضاريس شديدة الوعورة، مما يقف عقبة كبيرة أمام المواصلات والسكن البشري والزراعة.

وترتفع الهضبة الحبشية من الأخدود بشدة إلى ارتفاعات كبيرة تعلوها كتل جبلية كبيرة، أكثرها ارتفاعًا كتلة سيمين التي تصل أعلى نقطة فيها إلى ٤٦٠٨ أمتار في قمة رأس داشان، ولقد قطع سطح الهضبة إلى عدة هضبات كبيرة بواسطة المجاري النهرية الخانقية، ومن أكبرها وأعمقها خانق النيل الأزرق الأعلى، الذي يُسمَّى في إثيوبيا نهر أباي، والذي استطاع تعميق مجراه إلى أكثر من ١٥٠٠ متر تحت سطح الهضبة، وكذلك خانق تكازي وإن لم يصل إلى هذا العمق الكبير.

وفيما بين هذه الخوانق الكبيرة تنقسم الهضبة إلى عدة هضبات عالية، أهمها وأوضحها كتلة جوجام التي يحف بها النيل الأزرق من الشرق والجنوب، وبحيرة تانا من الشمال الشرقي، وتنحدر هذه الكتلة تدريجيًّا إلى سهول السودان، وتصرف هذه المنحدرات روافد نهري الدندر والرهد. وأعلى كتلة في جوجا تقع في الشرق باسم جبال شوكي Choke التي ترتفع أكثر من ٣٠٠٠ متر، وأعلى نقطة فيها جبل بيرهان ٤٠٧٨ مترًا، ومن هذه الكتلة تنحدر السفوح بشدة إلى خانق الأباي.

وإلى الشمال والشرق من بحيرة تانا تظهر كتلة أمهار التي يحدها التكازي من الشمال الشرقي، وتنحدر ببطء في اتجاه سهل البطانة، وتنصرف مياه هذه المنحدرات بواسطة العطبرة الأعلى وروافده العديدة. وفي شمال شرق هذه الكتلة ترتفع كتلة سيمين إلى أعلى ما تصل إليه القمم الحبشية، وإلى الشمال من نهر تكازي توجد كتلة تيجرا التي تنحدر ببطء إلى سهول إريتريا الغربية، وتضيق هذه الكتلة شمالًا، ثم تتحد مع جبال البحر الأحمر، ويصرف هذه المنحدرات خور الجاش غربًا إلى السودان، وخور بركة ورافده عنصيبا شمالًا إلى طوكر، أما المنحدرات الشرقية فشديدة الوعورة، وتهبط في صورة حائط كبير صوب ساحل البحر الأحمر وسهل الدناكل ومنخفض كوبار. ومن الأمثلة على ذلك الانحدار الشديد أن هذه الهضبة عند أسمرة تنحدر إلى ميناء مصوع ٢٠٠٠ متر في مسافة تقل عن ٨٠ كيلومترًا.

وإلى الشرق والجنوب الشرقي من كتلة جوجام تظهر كتلة شوا التي تنحدر بشدة في صورة حائط كبير من ٣٠٠٠ متر إلى ١٥٠٠ متر عند سطح الأخدود الأفريقي، وفي وسط هذه الكتلة تقع العاصمة الإثيوبية، وإلى الغرب من شوا وإلى الجنوب من جوجام تظهر كتلة جبلية عالية هي كافا التي تصرف مياهها روافد السوباط (بارو وجيلا) في الغرب، وروافد النيل الأزرق (نهر ديديسا) في الشمال، ونهر أومو وروافده في الجنوب.

أما الهضبة الصومالية فتتميز بحافة عالية مواجهة للأخدود، وتنحدر ببطء إلى ساحل المحيط الهندي، وبشدة إلى ساحل خليج عدن، وفي هذه الهضبة نجد أوسع الكتل الجبلية العالية في إثيوبيا قاطبةً؛ تلك هي كتلة بالي التي تقع فوقها جبال أورجوما، وترتفع الكتلة فوق ٣٠٠٠ متر، وتحتوي أورجوما على قمم كثيرة أعلاها يصل إلى ٤٢٩٦ مترًا، وتنصرف مياه جزء كبير من الهضبة الصومالية في نهر ويبي شيبلي الذي ينتهي إلى المحيط قرب مقديشو، بينما تنصرف مياه القسم الجنوبي منها بواسطة نهر جوبا الذي يصب عند ميناء كيسامايو.

figure
خريطة رقم (٥٨): النبات الطبيعي في القرن الأفريقي: (أ) نبات الإقليم الجاف: (١) الصحاري. (٢) حشائش شبه صحراوية. (ب) السفانا: (١) سفانا ساحلية مختلطة بالغابات. (٢) سفانا شجرية (حشائش وأشجار كثيرة من السنط والكافور). (ﺟ) الأحراش: (١) سفانا وأحراش مدارية. (٢) أحراش كثيفة دائمة الخضرة. (د) نباتات الجبال: (١) حشائش الجبال. (٢) مجموعات نباتية مختلفة في الجبال المنخفضة. (٣) غابات الجبال العالية (دائمة الخضرة).
ولا شك أن للارتفاعات الكبيرة التي تتميز بها إثيوبيا أثرًا بالغًا على المناخ والنبات، وقد قسَّم السكان بلادهم إلى ثلاثة أقسام تضاريسية ومناخية ونباتية هي:٢
  • (١)

    إقليم قلة: ويرتفع حتى ١٨٠٠ متر، ويتميز بحرارة عالية متوسطها ٢٥°م، وأحر الشهور مايو وأكتوبر، أما المطر فهو أقل من ٥٠٠مم، وينتج هذا المناخ مناطق شبه جافة (سهول الدناكل ووادي هواش)، ونباتات وحشائش السفانا (الجنوب الغربي)، وغابات وأحراش (الوديان العميقة للسوباط والنيل الأزرق).

  • (٢)

    إقليم وُينا ديجا: معناه مرتفعات النبيذ، ويظهر بين ١٨٠٠ متر و٢٤٠٠ متر، وهو إقليم شبه مداري وحرارته في المتوسط ١٧°م، وأحر الشهور مارس قبل الأمطار (١٨°م)، وأبرد الشهور يوليو (١٤°م)، وكمية المطر في المتوسط ألف مليمتر، ويشتمل هذا الإقليم على معظم الهضبة، وتربته بركانية جيدة، وبالتالي فهو أكثر الأقاليم سكنًا وزراعة.

  • (٣)

    إقليم ديجا: أعلى من ٢٤٠٠ متر، ومتوسط حرارته ١٥°م، وأمطاره بين ألف و١٧٥٠مم، وتزرع الحبوب فيه حتى ارتفاع ٣٥٠٠ متر، وتنمو فيه الحشائش الجبلية، كما تتناثر فيه مساحات لا بأس بها من الغابات الجبلية دائمة الخضرة.

وتوضح الأرقام التالية الحرارة والمطر في هرر (الشرق)، وأديس أبابا (الوسط)، ومصوع (الساحل)، وجمبيلة (الجنوب الغربي):

جدول ٣-١: درجات الحرارة والمطر.*
المحطة الارتفاع بالمتر درجة الحرارة (م) كمية المطر (مم)
أعلى شهر أدنى شهر أعلى شهر المجموع
هرر ١٨٢٠ ٢١ (أبريل) ١٨ (أغسطس) ١٥٠ (أغسطس) ٨٨٠
أديس أبابا ٢٤١٠ ١٧ (أبريل) ١٤ (ديسمبر) ٢٩٠ (أغسطس) ١٢٥٠
مصوع ٤٠ (ديسمبر) ١٩٠
جمبيلة ٤٠٠ ٢٣٠ (أغسطس) ١٢٥٠
الأرقام من Kendrew 1961، ومجموع الأمطار (حسب Oxford: Africa) هي ٨٩٧مم، ١٢٣٧مم، ١٩٣مم، ١٢٤٠مم للمحطات المذكورة على التوالي.

ونلاحظ من هذا الجدول أن أمطار مصوع على الساحل قليلة وشتوية، وهي أمطار محلية خاصة بساحل البحر الأحمر الغربي، ناجمة عن مرور الرياح الشمالية عبر البحر في الشتاء، بينما تجف المنطقة الساحلية في الصيف.

ويجب عليناأن نوضِّح أن هناك في كلِّ الهضبة موسمين مناخيين متميزين: الأول الفصل الممطر الذي يمتد عادةً في القسم الشمالي من يونيو إلى سبتمبر، وفي القسم الجنوبي من أبريل إلى أكتوبر، وهذا هو فصل المطر الكبير. يليه الفصل الجاف الذي يسقط في بعض شهور منه (فبراير أو مارس) بعض الأمطار، مما يجعل اسمه فصل المطر الصغير. وأمطار الصيف الموسمية تهطل بغزارة كبيرة، مما يؤدي إلى آثار سيئة على الزراعة والتربة ويزيد من حمضيتها، وبالتالي تقل الخصوبة في أراضي الصخور البلورية، ولكن التربة البركانية خصبة على العموم، والنوع السائد من التربة على الهضبة الحبشية تربات حديدية كاولينية مختلطة بتربة الصخر الأصلي المتحولة محليًّا، وخاصة الصخور الجيرية والرملية والأركية، وتقل جودة التربة في مناطق التعرية النهرية الخانقية، أما في سهل الدناكل فالتربة صحراوية في مجموعها وتضاف إليها الأملاح في منخفض كوبار، وفي إقليم أوجادين في جنوب شرق إثيوبيا تربة صحراوية وتربة بنية طينية.

(٤) سكان إثيوبيا

يبلغ عدد سكان إثيوبيا ٢٥٫٢ مليونًا حسب تقديرات الأمم المتحدة لعام ١٩٧١، وتبلغ الكثافة حوالي ٢١ شخصًا للكيلومتر المربع، ولكن الكثافة السكانية تختلف من مكان لآخَر حسب الظروف الطبيعية والنشاط الاقتصادي، وأعلى كثافة توجد في إقليم وينا ديجا.

ومن ناحية التكوين فإن سكان إثيوبيا مجموعة خليطة من السلالات واللغات والديانات، يكاد ألا يكون لها نظير، ولكن ذلك ليس بمستغرب على منطقة جبلية تقع عند نقطة اتصال هامة بين قارتين عبر مضيق باب المندب والبحر الأحمر الضيق، فهناك آراء كثيرة تؤكِّد أن الجماعات الحامية قد تكوَّنَتْ في جنوب غرب آسيا، وعبرت البحر الأحمر إلى القرن الأفريقي، وآراء أخرى تعتبر أن الوطن الزنجي الأصلي كان في منطقةٍ ما من جنوب آسيا، ثم عبر الزنوج القرن الأفريقي إلى أفريقيا، ولكن المؤكَّد أن الجماعات السامية التي تسكن هضبة الحبشة قد تكوَّنَتْ أصلًا في الجزيرة العربية، ثم عبرت البحر وسكنت المنطقة الجبلية.

ويمكن أن نقسِّم سكَّان إثيوبيا إلى قسمين: القسم الأول يشمل غالبية سكان إثيوبيا وهو مجموعات القوقازيين، والقسم الثاني صغير ويتكون من الزنوج والزنجانيين.

وتسكن مجموعات الزنوج والزنجانيين أطراف إثيوبيا الغربية، وأكبر هذه المجموعات النيليون الذين يعيشون في أعالي السوباط وروافده، ومنهم النوير والأنواك، ثم مجموعات من النيليين الحاميين في الجنوب الغربي حول بحيرة رودلف وحوض نهر أومو الأدنى، وأخيرًا فهناك مجموعة زنجية منفصلة في جيب منعزل بين التكازي وخور الجاش في غرب إريتريا، تتكون من قبيلتَيِ الباريا والكوتاما.

figure
خريطة رقم (٥٩): الديانات في إثيوبيا: (١) الإسلام. (٢) أقليات إسلامية. (٣) المسيحية. (٤) أقليات مسيحية. (٥) اليهودية. (٦) الوثنية.

أما القسم الكبير المتكون من القوقازيين فينقسم إلى قسمين أساسيين هما: الساميون والحاميون، وتتركز المجموعة السامية في كتلة الهضبة الحبشية وتحتلُّ هضاب تيجرا وأمهارا وجوجام ومعظم شوا، وتنقسم لغويًّا إلى التيجرينية والتجرا في الشمال، والأمهارا في الوسط والجنوب، ولا شك أن توسُّع الأمهارا جنوبًا إلى شوا راجع إلى التوسُّع الحبشي في أواخر القرن الماضي في عهد منليك، ونقله العاصمة إلى قلب شوا.

figure
خريطة رقم (٦٠): المجموعات اللغوية في إثيوبيا؛ (أ) مجموعة الحاميين: (١) الصومالية. (٢) الجالا. (٣) السيداما. (٤) الدناكل. (٥) الساهو. (٦) البجة. (٧) الفالاشا (اليهودية). (ب) مجموعة الساميين: (١) الأمهارا والتجرينية والتجرة. (٢) عرب السودان. (ﺟ) مجموعة الزنجانيين: الباريا الكوتاما – الفتج – النيليون – النيليون الحاميون.

وقد كوَّنَ الساميون عدةَ ممالك في الحبشة؛ أقدمها مملكة أكسوم التي كانت ترتكز على هضبة تيجرة، وامتدَّ نفوذها إلى خور الجاش، وعاشت من القرن الأول الميلادي إلى القرن السابع، وفي القرن الرابع تقبَّلَتِ الديانة المسيحية القبطية وانعزلت عن العالم، بعد انتشار الإسلام في مصر ثم السودان وسواحل البحر الأحمر الغربية كلها، بالإضافة إلى توغُّل الإسلام في كافا وجنوب شوا وهرر والصومال.

وتنقسم مجموعة الحاميين إلى عدة أقسام؛ أكبرها عددًا الجالا الذين يعيشون في القسم الأوسط والغربي من هضبة الصومال، وفي إقليم كافا، وفي جنوب جوجام وشرق شوا وشمالها الشرقي وشرق أمهارا. والجالا رعاة بقر محاربون أشداء، ولكن سكناهم في شوا وأمهارا وكافا قد جعلهم ينتقلون إلى الزراعة مع رعاية الأبقار، بينما ظل الجالا في الجنوب رعاة متنقلين معظمهم ما زال على وثنيته، وهم يمتدون أيضًا جنوبًا حتى كينيا. وأما الجالا الذين يعيشون في الهضاب، فقد أسلم منهم الكثير من مجموعة كافا وكوَّنوا عدة إمارات إسلامية، وكذلك أسلم منهم سكان القسم الأوسط من الهضبة الصومالية، وبعض الذين يعيشون في شرق أمهارا، وتنصَّرَ منهم مجموعة كبيرة من سكان شوا.

والمجموعة الحامية الثانية عددًا هي الصوماليون الذين يعيشون معظمهم خارج إثيوبيا، ولكن منهم جماعات عديدة تعيش في إقليم أوجادين وهرر في جنوب شرق إثيوبيا، وهذا هو الذي يؤدي إلى الاحتكاك بين صوماليا وإثيوبيا. والمجموعة الثالثة هي الدناكل أو الآفار، ويسكنون السهل المعروف باسمهم كما يسكنون أيضًا ساحل إريتريا الجنوبي، وهم كالصوماليين رعاة إبل مسلمون. وإلى الشمال من الدناكل توجد مجموعات حامية صغيرة في جنوب إريتريا مثل الساهو، وفيما بين مصوع وطوكر ينقطع ظهور الحاميين على الساحل، وتحتل المنطقة مجموعة من الساميين المختلطين بالحاميين تُسمَّى الحباب، وفي شمال غرب إريتريا يعود الحاميون للظهور في مجموعة بني عامر التي ترتبط ارتباطًا كبيرًا بالبجة في السودان. وأخيرًا فهناك مجموعات حامية صغيرة مثل الفلاشا أو اليهود السود شمال بحيرة تانا، والسيداما في غرب الجالا الجنوبيين.

ويمكننا أن نلخص الموقف السكاني الذي تتعدد فيه المجموعات اللغوية إلى ٤٨ لغة، منها ثمانية في إريتريا، بأن أهم المجموعات هي الجالا الذين يكونون قرابة نصف سكان الدولة، والأمهارا الذين يبلغ عددهم مليونين فقط، ولكنهم أصبحوا — بحكم توسُّع منليك — طائفة حكَّام إثيوبيا، وأصبحت اللغة الأمهرية هي اللغة الرسمية للدولة، وديانتهم القبطية الديانة الرسمية للدولة رغم قلة عددهم الواضح.

figure
خريطة رقم (٦١).

والحقيقة أن الكنيسة والنظام الملكي هما وحدهما القوة الدافعة وراء الوحدة الراهنة لهذه الدولة الكبيرة، التي ما زالت النظم الإقطاعية والقبلية تلعب دورًا كبيرًا في بقائها. ولأمراء الإقطاع وكبار الملَّاك سلطة هائلة على الزارعين والمستأجرين، لدرجة أنهم يعيدون إلى الأذهان صورة رقيق الأرض، وما زالت الملكية الفردية للأرض نادرة، ومعظم الملكيات خاصة بالإمبراطور وأسرته والدولة والكنيسة وكبار الملَّاك، ومن الأدلة على ذلك أن نظام الطبقات يسمي الفلاحين «جبر»، والنظام يسمى «الجبر». وفي السنوات الأخيرة حدث تحسُّن على نظام الجبر، وأعلنت الدولة عزمها على إلغائه نهائيًّا، أما العبودية فقد أُلغِيَتْ تمامًا عام ١٩٤٢.

وعدد المدن الإثيوبية قليل، وعدد سكانها أيضًا قليل، فكلٌّ من جندار وهرر ودبرا مرقص وديرا داوا وأكسوم يقل سكانها عن ٥٠ ألفًا، وما زالت هذه المدن عبارة عن أسواق للمناطق المجاورة، تحيطها الأسوار، أما المدن الكبيرة: فهي أسمرة عاصمة إريتريا وسكانها ١٧٨ ألفًا، وأديس أبابا وسكانها ٧٩٦ ألفًا، وتتميز كلٌّ منهما بالمباني الحديثة وخاصةً أديس أبابا التي تقع في وسط منطقة زراعية غنية، وقد زاد من سرعة نموها تركُّز طرق المواصلات فيها، والإدارة والحياة الثقافية والسياسية.

(٥) النقل في إثيوبيا

(٥-١) السكة الحديدية

  • (١)

    الخط بين جيبوتي وأديس أبابا (٧٨٣كم) اكتمل في عام ١٩٢٦، وهو خط منفرد ضيق (عرض متر واحد)، حمولته لا تزيد عن ٢٥٠ طنًّا في اليوم، وهو بهذه الحالة غير قادر على تحمُّل أعباء النمو الاقتصادي. والتفكير في ازدواج الخط تفكير قديم، ولكن لم يُنفَّذْ بعدُ، ويسير الخط ثلاث مرات في الأسبوع، ويقطع القطار المسافة في ليلتين ونهار واحد.

  • (٢)

    خط «مصوع-أسمرة-كيرين-أجوردات»، ويُعَدُّ معجزة هندسية؛ إذ إنه يصعد قرابة ٢٠٠٠ متر في مسافة لا تتجاوز ٨٠ كيلومترًا من مصوع إلى أسمرة، وطول الخط ٣٠٧كم، وعرضه ٩٥سم فقط.

(٥-٢) الطرق البرية

الجزء الأكبر من هذه الطرق يعود إلى أيام الاحتلال الإيطالي الذي دام خمس سنوات فقط، وتبلغ أطوالها جميعًا قرابة ستة آلاف كيلومتر:
  • (١)

    طريق أديس أبابا-أسمرة-مصوع-بطريق ديسة.

  • (٢)

    طريق أديس أبابا-جيما في إقليم كافا، ثم جوري وجمبيلة في حوض السوباط الأعلى.

  • (٣)

    طريق أديس أبابا-نجيلي في إقليم سيداما، ثم دولا (أو دولو) على الحدود المشتركة مع كينيا في الجنوب.

  • (٤)

    طريق أديس أبابا-ديراداوا-هرر-هرجيسا-بربرة في الشرق.

  • (٥)

    طريق أديس أبابا-عصب بطريق ديسة، وعصب هي ميناء إثيوبيا الرئيسي حاليًّا.

  • (٦)

    طريق أديس أبابا-لكميتي في إقليم وليجا.

  • (٧)

    طريق أديس أبابا-دانجيلا في وسط إقليم جوجام مارًّا بدبرا مرقص.

  • (٨)

    طريق مصوع-أسمرة-غندار-بحيرة تانا.

  • (٩)

    طريق هرر الجنوبي عبر إقليم أوجادين إلى مقديشو عاصمة الصومال.

ويتضح من هذا أن أديس أبابا قد أصبحت مركزًا للمواصلات في الدولة، وبالتالي يمكن للحكومة أن تُحكِم إشرافها على الأجزاء المتناثرة للدولة ذات الظروف الطبيعية الوعرة، ومع ذلك فإن إثيوبيا ما زالت تحتاج إلى أضعاف أطوال الطرق البرية والحديدية الراهنة، لكي يتم اتصال إثيوبيا بالسودان والصومال من ناحية، وكشرط أساسي لنجاح المشروعات الرامية إلى التنمية الاقتصادية والاجتماعية والنهوض بالقبائل الشديدة التخلُّف في الجنوب والجنوب الغربي.

(٦) النشاط الاقتصادي

يعتمد ما يقرب من ٩٠٪ من سكان إثيوبيا على الزراعة بأنواعها المختلفة، بالإضافة إلى رعاية الحيوان، ونظرًا لموقع إثيوبيا وكمية أمطارها فإن نسبة الأراضي التي لا يمكن استغلالها لا تزيد عن ٣٠٪، ويتوزَّع الباقي على أساس ٥٦٪ أراضي الرعي، ١٠٪ أراضي الزراعة، وأخيرًا ٤٪ أراضي الغابات.

وتسود الزارعة والزراعة المختلطة برعي الحيوان الهضاب، بينما تعتمد الزراعة في السهول الجافة على الأمطار القليلة، ولكن الرعي هو الحرفة الأساسية في الهضبة الصومالية وسهل الدناكل، والزراعة الحبشية على العموم بدائية وهدفها الكفاية الذاتية، والنقل في الريف لا يكاد يعرف العربات، بل يتم على ظهور الحيوان، ومشروعات التنمية واستحداث طرق الزراعة تستدعي في الواقع ضرورة نشر التعليم أولًا.

والحبوب المنتجة في إثيوبيا تشتمل على عدد محدود، أهمها: نوع من الدخن يُسمَّى تف Teff، ثم السرغم — نوع من أنواع الدخن — وحبوب أخرى مقاومة لظروف الجفاف، وأخيرًا القمح والشعير. وتتجمع المساكن قريبًا من بعضها البعض وسط المزارع، يحيط بها نطاق من الأراضي المخصَّصة لرعي الحيوان، وبعده تأتي حقول الحبوب المختلفة.
ومن بين المحصولات الزراعية نجد البن وحده كمحصول تجاري، ويكون ما بين ٧٥٪ و٦٥٪ من مجموع صادرات إثيوبيا، ومعظمه يتجه إلى الولايات المتحدة، ومعظم مزارع البن مركزة في الجنوب الغربي — ربما كان هناك ارتباط بين البن واسم إقليم كافا — كذلك توجد مساحات كبيرة مخصَّصة لإنتاج البن في إقليم هرر، وهناك أشجار كثيرة للبن تنمو في صورة برية غير معتنى بها. ولا غرابة في أهمية البن هنا؛ فإن الهضبة الحبشية هي الموطن الأساسي للبن في العالم كله — النوع المعروف باسم البن العربي — ولكنها لا تنتج منه إلا قرابة ٥٪ من الإنتاج العالمي (موسم ١٩٦٩-١٩٧٠).٣

وفي الوقت الحديث بدأت زراعة القطن في مناطق التربة السوداء الطينية، ولكن المساحات قليلة والإنتاج ضئيل، بحيث يستدعي الأمر استيراد قطن لتشغيل مصانع النسيج في أسمرة، وديرداوا وأديس أبابا.

ولم تَعُدْ إثيوبيا تستورد السكر بعدَ أن أصبح قصب السكر يُزرَع وينتج ما يكفي تصنيع السكر في «ونجي» التي تبعد ٨٠كم جنوب أديس أبابا. وإنتاج الفواكه والخضروات على نطاق تجاري ما زال في البداية، وأكثر الإنتاج الحالي في مزارع إريتريا التي تزرع بوسائل الري الصناعي، وأهم هذه المحاصيل الكروم، كذلك تنتج بذور الزيت بكثرة، وأصبحت تكون المحصول الثاني في قائمة الصادرات، ويمكن أن يتزايد الإنتاج والصادر أكثر مما هو الآن، أهم هذه البذور السمسم وعباد الشمس والقطن والقرع والخروع والفول السوداني، وإلى جانب ذلك فهناك محصول آخَر هو الكوبا الذي تُستخدَم خيوطُه في عمل الحبال والقات وهو نوع من المغيبات.

وفيما يلي أرقام الإنتاج لأهم محاصيل إثيوبيا لسنة ١٩٧١:

جدول ٣-٢: الإنتاج الزراعي لموسم ١٩٧٠-١٩٧١.
المحصول الكمية بألف طن
الدخن ٢٧٠٠
الشعير ١٥٤٠
الذرة ٨٩٥
القمح ٧٨٠
البن ٢٢٠
قصب السكر ١٠٠٠
سمسم ٤٠
بذر عباد الشمس ٣٠

وبالرغم من أن إثيوبيا لم تستغلَّ بعدُ مواردَها الطبيعية في الزراعة، إلا أن هذه الأرقام تشير إلى تقدُّم كبير في محصول البن والقمح والشعير، فإذا كان محصول ١٩٦٣ = ١٠٠، فإن هذه المحاصيل الثلاثة كانت ٢٤١، ٢٩٣، ١٩٩ على التوالي لسنة ١٩٧١، ولهذا أيضًا نجد أن البن أصبح يساهم بنحو ٥٪ من الإنتاج العالمي بعد أن كان قرابة ٢٪ فقط عام ١٩٦٣. وبرغم هبوط محصول الدخن في إثيوبيا، إلا أنها لا تزال تحتفظ بالمرتبة الثانية في أفريقيا بعد نيجيريا، وإلى جانب ذلك فإن إثيوبيا تحتل المرتبة الثالثة بين الدول الأفريقية في إنتاج الشعير بعد المغرب والجزائر، والخامسة في الذرة بعد جنوب أفريقيا والجمهورية العربية المتحدة ومالاوي وكينيا، والسادسة في إنتاج القمح بعد الجمهورية العربية المتحدة والجزائر والمغرب وجنوب أفريقيا وتونس. وغلة الحقل ضئيلة جدًّا، فبالنسبة إلى الهكتار نجد الأرقام المقارنة التالية في عدد من الدول الأفريقية، في غير حاجة إلى مزيد من التعليق:

جدول ٣-٣: مقارنة غلة الهكتار لعدد من المحاصيل في بعض دول أفريقيا.*
المحصول غلة الهكتار بالكيلوجرام (موسم ١٩٦٢-١٩٦٣)
إثيوبيا السودان ج. ع. م. جنوب أفريقيا
الدخن ٦٢٠ ٦٥٠ ٣٤٥٠ ٨٨٠
الشعير ٨٠٠ ٦٨٠ ٢٦٥٠ ٥٩٠
الذرة ٩٠٠ ٧٧٠ ٢٦٠٠ ١٥٠٠
القمح ٧٠٠ ١٣٥٠ ٢٦١٠ ٦٩٠
اخترنا للمقارنة السودان التي تتشابه فيها ظروف المناخ والزراعة الأفريقية مع إثيوبيا، وكذلك اخترنا الجمهورية العربية كنموذج للزراعة الأفريقية الجيدة، وجنوب أفريقيا كنموذج للزراعة الأوروبية الحديثة في أفريقيا، الأرقام مستقاة من الكتاب السنوي ١٩٦٤ لهيئة الأغذية والزراعة.

وفيما يختص بالمحصولات التجارية، فإن أهمها البن وهو يكون أقل من عشر الإنتاج الأفريقي للبن، ومعنى ذلك أنه لا بد من العناية بالبن لكي تصبح إثيوبيا من الدول الأفريقية الكبيرة المنتجة له، خاصة وإن الظروف الطبيعية مواتية لمثل هذا المحصول.

أما الثروة الحيوانية فضخمة في إثيوبيا، فهي من الدول القليلة في العالم التي تمتلك أكثر من مليون حصان، وتأتي في المرتبة السابعة بعد الاتحاد السوفييتي والبرازيل والأرجنتين وبولندا والهند وفرنسا، كما أنها أكثر الدول الأفريقية امتلاكًا للحمير والبغال والماشية والأغنام، وثالثة دول العالم في عدد الماعز بعد الهند وتركيا، وثالثة دول أفريقيا في عدد الإبل بعد الصومال والسودان. وتوضِّح الأرقام التالية هذه الثروة الكبيرة:

جدول ٣-٤: الثروة الحيوانية.*
ماشية ٢٦ مليون رأس
أغنام ١٢٫٧ مليون رأس
ماعز ١٢٫٢ مليون رأس
خيل ١٤٠٠٠٠٠ رأس
بغال ١٤٠٠٠٠٠ رأس
حمير ٣٩٠٠٠٠٠ رأس
إبل ٩٦٠٠٠٠ رأس
F. A. O. Production Year book 1964. Rome 1965.

وعلى الرغم من كثرة الأعداد إلا أن النوع غير جيد؛ وذلك لأن تربية الحيوان تأخذ في حسابها أولًا العدد ثم النوع، والراعي ما زال بدائيًّا متنقلًا، والأمراض متفشية، مما يجعل كمية إنتاج اللحم واللبن ضئيلة. ويقدِّر الخبراء أن أمراض الماشية تسبِّب موت مليون ونصف مليون رأس سنويًّا في إثيوبيا، ولكثرة الأمراض ولإمكانية نقل العدوى، فإنه لا توجد سوق خارجية ترضى بشراء اللحم الإثيوبي. ولا شك أن الثروة الزراعية والرعوية محتاجة إلى جهود كثيرة من جانب الخبراء، ورأس مال كبير وإرشاد وتعليم، بالإضافة إلى ضرورة نشر التعليم بين الناس كي يمكنهم متابعة الإرشادات الواجبة، وأخيرًا هيئة إدارية لتنفيذ خطوات الإصلاح.

وعلى الرغم من وجود بعض المعادن في إثيوبيا، إلا أن الدراسة الحالية لا تعطينا فكرة يمكن الاتفاق عليها مبدئيًّا بين الخبراء لتقدير الثروة المعدنية، والمعروف أن المستغل حاليًّا هو بعض مناجم الذهب في الجنوب ومناجم البوتاس والبلاتين والملح، ولم يُعرَف بعدُ هل تحتوى إثيوبيا على فحم أو بترول، ولكن مصادر الطاقة المائية عظيمة وإن لم تُدرَس بعدُ الدراسةَ الكافية. وفي الوقت الحالي لا يوجد سوى سدِّ كوكا على أعالي نهر هواش، الذي تستخرج منه طاقة قدرها ما بين عشرة آلاف كيلووات و٥٠ ألف كيلووات، وقد أُنشِئ بواسطة أموال التعويضات الإيطالية.

أما الصناعات فمعظمها تحويلي، ومركزة في أسمرة وأديس أبابا، وربما بلغ عدد العاملين في الصناعة ٣٠ ألفًا فقط.

لكي تتقدَّمَ التنميةُ في إثيوبيا فإن الأمر يحتاج إلى معونات مالية خارجية، وإلى تدريب الخبراء لكي يمكن: أولًا النهوض بمقدرة الزراعة الإثيوبية والثروة الحيوانية، وثانيًا الدراسة الجيولوجية للكشف عن المعادن، وفوق كل هذا يحتاج الأمر إلى تدعيم وسائل النقل داخل الدولة بشبكة طرق برية وحديدية أوسع مما هي عليه في الوقت الراهن.

(٦-١) التجارة الخارجية٤

لا تزال قيمة التجارة الخارجية لإثيوبيا ضئيلة؛ ففي ١٩٦٨ بلغت قيمة الصادرات ١٠٧٫٣ ملايين دولار، وقيمة الواردات ١٧٣ مليونًا، وبرغم ذلك فإن الأرقام تشير إلى نمو مضطرد في قيمة التبادل التجاري الإثيوبي كما يوضِّحه جدول ٣-٥:
جدول ٣-٥: مجمل قيمة التجارة الخارجية لإثيوبيا (مليون دولار).
١٩٦٠ ١٩٦٦ ٪ من عام ١٩٦٠ ١٩٦٨ ٪ من عام ١٩٦٠
الواردات ٨٨٫٢ ١٦١٫٧ ١٨٣٪ ١٧٣ ١٩٦٪
الصادرات ٧٨٫٩ ١٠٧٫٦ ١٣٧٪ ١٠٣٫٢ ١٣٢٪
والمُلاحَظ أن الميزان التجاري ليس في صالح إثيوبيا، وأن الفروق بين الوارد والصادر تتزايد بصفة مستمرة، مما يدعو إلى مزيد التنمية لزيادة الصادرات. ويوضِّح الجدول ٣-٦ أهم السلع الداخلة في تجارة الدولة.
جدول ٣-٦: النسب المئوية لقيمة السلع الرئيسية في تجارة الواردات والصادرات من الجملة.
الواردات الصادرات
١٩٦٠ ١٩٦٨ ١٩٦٠ ١٩٦٨
آلات ٢٤٫٤٪ ٤١ أغذية ٦٩٫٧٪ ٧٧٫٣٪
سلع شبه مواد أولية ٢٩٫٧٪ ٢١٫٨٪
مصنعة ٤٦٫٥٪ ٣٢٫٢٪
كيميائيات ٣٫٣٪ ٩٫٤٪
طاقة ووقود ١١٫٢٪ ٦٫٢٪
أغذية ٩٫٨٪ ٥٫٧٪
خامات ٤٫٥٪ ٥٫٣٪

ويوضِّح الجدول ارتفاعَ قيمة الآلات والأغذية والخامات المستوردة تدريجيًّا، كما يوضِّح ارتفاع قيمة الأغذية المصدرة وعلى رأسهما البن (٥٩٫٥٪ من قيمة صادرات إثيوبيا لسنة ١٩٦٩)، ثم الجلود والفواكه وبذور الزيت على الترتيب (لكلٍّ حوالي ١٠٪ من قيمة صادرات ١٩٦٩).

وتتجه معظم تجارة الوارد والصادر الإثيوبية إلى الدول الغربية، ويعطي جدول ٣-٧ صورة لذلك:
جدول ٣-٧: اتجاه الواردات والصادرات لسنة ١٩٦٩.
الواردات الصادرات
الدولة القيمة (مليون دولار) ٪ من جملة الواردات الدولة القيمة (مليون دولار) ٪ من جملة الصادرات
إجمالي الواردات ١٥٥ ١٠٠ إجمالي الصادرات ١١٧ ١٠٠
إيطاليا ٣٤ ١٥٫٤ الولايات المتحدة ٥٠ ٤٢٫٦
ألمانيا الغربية ٢٢ ١٤٫١ ألمانيا الغربية ١٠٫٨ ٩٫٢
اليابان ١٦٫٨ ١٠٫٨ الصومال الفرنسي ٧٫٦ ٦٫٥
الولايات المتحدة ١٦ ١٠٫٣ السعودية ٦٫٨ ٥٫٨
بريطانيا ١٥٫٦ ١٠ اليابان ٥٫٦ ٤٫٨
فرنسا ٨ ٥٫١

أما التجارة مع الدول الأفريقية فهي ضعيفة؛ إذ لا تتجاوز ١٫٥٪ من الواردات و١٫٢٪ من الصادرات، وكانت كينيا أكثر الدول الأفريقية التي صدرت إلى إثيوبيا عام ١٩٦٨ (ما قيمته مليون دولار)، تليها السودان (نصف مليون دولار)، وملاوي (٠٫٣ مليون دولار).

وتوضِّح هذه الأرقام في مجملها حقيقتين: ضعف التجارة الخارجية لإثيوبيا على وجه العموم، مما يؤكِّد ضرورة التنمية الاقتصادية، وضعف العلاقات التجارية مع الدول الأفريقية، ولا شك أن ذلك راجع إلى قلة وسائل المواصلات بين الدول الأفريقية، وتتأكد هذه الحقيقة من أن السودان هو عميل إثيوبيا الأول من بين الدول الأفريقية نتيجة للجوار المكاني وسهولة النقل البري بينهما.

مراجع لمزيد من الاطلاع

هناك كتب وأبحاث كثيرة عن إثيوبيا والقرن الأفريقي عامةً، ولكن غالبيتها بالإيطالية.
  • Abul-Hagag, Y., 1960, “Physiographical Aspects of Northern Ethiopia” London.
  • Ewert, K., 1959, “Athiopiens” Bonn.
  • Lewis, I. M., 1955 “Peoples of the Horn of Africa” London.
  • Luther, E. W., 1958, “Ethiopia To-day” London.
  • Perham, M., 1948, “The Government of Ethiopia” London.
  • Picli, M., 1933, “I’Etiopia moderna nelle sue relazioni Internzionali” Padua.
  • Sander, E., 1949, “Das Hochland von Abessinien: eine lander kundliche Monographie” Heldeiberg.
  • Trimingham, J. S., 1952, “Islam in Ethiopia” Oxford.
١  كانت الصومال ملكًا لمصر، وفي عام ١٨٨٤ انسحبت القوات المصرية لتحتلَّ القوات الإنجليزية الموانئ الرئيسية؛ احتلت إيطاليا «عصب» في ١٨٨٢، ثم «إريتريا»، وفي ١٨٨٩ احتلت إيطاليا الصومال الإيطالي سابقًا، أما فرنسا فقد بدأت احتلالها لأوبوك عام ١٨٦٧، ثم جيبوتي عام ١٨٨٤.
٢  راجع خريطة النباتات الطبيعية في القرن الأفريقي (رقم ٤٩)، التي يمكن أن يُستدَلَّ منها على أشكال التضاريس وأنواع النبات معًا.
٣  F. A. O. Production Year book 1970. Rome 1971. P. 135-136.
٤  أرقام التجارة الخارجية عن الكتاب السنوي الإحصائي للجنة الاقتصادية لأفريقيا التابعة للأمم المتحدة عام ١٩٧٠، وعن:
Europa Year book 1970 London, Vol 2.
Statesman’s Year book 1972-1973.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤