الفصل السادس

جمهورية جنوب أفريقيا

(١) أفريقيا جنوب اللمبوبو

تشتمل أفريقيا الجنوبية على مساحة صغيرة من القارة؛ إذ إن هذا الجزء هو بداية لضيق اليابس الذي ينجم عن اقتراب ساحل المحيط الهندي من المحيط الأطلنطي تدريجيًّا، حتى يلتقي به عند رأس أجولهاس، وينتهي بذلك اليابس الأفريقي في الجنوب.

وتتكون أفريقيا الجنوبية من عدة أقاليم طبيعية ذات أبعاد متوسطة إلى صغيرة، فهناك الإقليم الصحراوي في الغرب والشمال الغربي، وإقليم الحشائش المدارية في الشمال، وتتعدل هذه الحشائش في نطاق الهضاب العالية في الشرق، ولكنها تزداد كثافةً وتسيطر عليها الحياة الشجرية المدارية في سهول المحيط الهندي. وفي الجنوب الغربي يظهر إقليم البحر المتوسط حول كيبتاون، ويمتد في الجنوب والشرق إلى جبال لانج برجن، وفيما بين هذا النطاق ونطاق الحشائش في الهضاب الشرقية تظهر أقاليم انتقالية قليلة المطر تُسمَّى في مجموعها باسم إقليم الكاروو.

ويُعَدُّ هذا القسم من أفريقيا الوطن الذي انتهت إليه رحلة البشمن من شرق أفريقيا، ولكنهم لم يكادوا يستقروا حتى لاحَقَهم الخطر نفسه الذي كان سببًا في هجرتهم الجنوبية؛ ذلك هو وصول البانتو الرعاة والمزارعين، وعلى إثر وصولهم أخذ وطن البشمن ينكمش تدريجيًّا في اتجاه صحراء كلهاري، وأخذت جماعات بشمنية في الاندماج والانصهار داخل البانتو.

ولكن الأمور لم تستقر في أفريقيا الجنوبية؛ ففي منتصف القرن السابع عشر بدأ خطر جديد يلوح في الأفق، ذلك هو وصول الأوروبيين إلى كيبتاون واستقرارهم فيها، ثم توسُّعهم المستمر على حساب السكان القدامى: الهوتنتوت في القسم المغربي من جمهورية جنوب أفريقيا الحالية، والبانتو في القسم الشرقي منها. وقد صحب هذا التوسُّع الأوروبي عنف شديد لم يكن له مثيل في أفريقيا قاطبةً، ولولا كثرة عدد البانتو وقلة عدد الأوروبيين لَكان مصير الأفريقيين مماثل أو مشابه لمصير الأمريند (الهنود الحمر) في أمريكا الشمالية، ومع ذلك فإنهم يعانون الآن من حكم عنصري سافِر لا مثيلَ له: انحباس مخزٍ في مساحات صغيرة من الأرض تَكرَّم بها عليهم الأوروبيون، وفقدان لكافة الحقوق القانونية، ومنع تام للمشاركة السياسية والدستورية، فضلًا عن ظلم اقتصادي جائر وتمييز مادي وروحي على أساس اللون فقط.

وتمثِّل جنوب أفريقيا الدولة الأكثر تقدُّمًا في القارة من ناحية استغلال الموارد التعدينية الكبيرة ونمو الصناعة،:وقد سبق أن ذكرنا (راجع الفصل: الثالث — بالجزء الثاني) أن الاحتكارات المالية الكبرى تسيطر بشدة على اقتصاديات جمهورية جنوب أفريقيا، ولكن هذه الاحتكارات أضعف من مثيلاتها السابقة في جمهورية الكنغو. وبالرغم من وجود عدد كبير من المستوطنين الأوروبيين في جنوب أفريقيا، إلا أن هذا العدد — الذي يكون قاعدة متينة في الوقت الراهن لاستمرار الحكم الأوروبي المتعصب — لن يستطيع الصمود أمام أعداد الأفريقيين المتزايدة، وأول مظاهر الضعف في التركيب الحالي لجنوب أفريقيا يظهر في أشكال الاقتصاد المختلفة، المعتمدة على العمالة الأفريقية اعتمادًا يكاد أن يكون كاملًا، ومن خلال هذه الثغرة في البناء الأوروبي في جنوب أفريقيا سوف تحدث تغيُّرات شتى لصالح الأفريقيين، آخِرها سيكون الحصول على حقوق متكافئة للحياة لكلا العنصرين: الأسود والأبيض، إذا بقي الأبيض بنفس الأعداد.

(٢) جمهورية جنوب أفريقيا

(٢-١) مقدمة تاريخية

بدأ أول استيطان أوروبي في جنوب أفريقيا عام ١٦٥٢، حينما هبط يان فان ريبك وجماعة من الهولنديين في منطقة كيبتاون بأمرٍ من شركة الهند الشرقية الهولندية، ليؤسِّس محطة للسفن التي تدور حول أفريقيا من أوروبا إلى جنوب آسيا أو العكس، وكان هؤلاء الهولنديون هم أول أجداد للمستوطنين الأوروبيين في جنوب القارة. وفي خلال ١٥٠ عامًا من الحكم الهولندي تزايَدَ عدد المهاجرين من هولندا وألمانيا وفرنسا، وامتدت رقعة الأرض التي استوطنوها صوب الشرق والشمال على السواحل، بينما كان الامتداد إلى الداخل محدودًا. وفي عام ١٧٩٥ احتلت بريطانيا كيبتاون وأصبحت المنطقة المحيطة بها ابتداءً من ١٨٠٦ جزءًا من الإمبراطورية البريطانية، وفي أوائل القرن التاسع عشر ألغت بريطانيا الرق، ولكن الحكم الإنجليزي وإلغاء الرق لم يَرُقْ للبوير = (الفلاحين)؛ وخاصة لأن البوير كانوا — وما زالوا — يعتقدون أن هناك هوة عميقة مقدَّسة بين سكان أفريقيا وبينهم، بينما كان الإنجليز — في فترة إلغاء الرق — أكثر تحرُّرًا من البوير، ونتيجة لهذا الاختلاف أخذ البوير يهاجرون صوب الشمال الشرقي عبر الكاروو إلى إقليمَيْ الأورنج والترنسفال، وهناك اصطدموا اصطدامًا عنيفًا بالبانتو الذين أخذوا يشكِّلون خطرًا على ما اعتقده البوير أرضًا خالصة لهم،١ وهذا الخطر جاء نتيجة عاملين يرجعان في الوقت نفسه إلى مسبب واحد:
  • العامل الأول: محاولة الزعيم «شكا» — أحد كبار زعماء البانتو — توحيد البانتو بقبائلهم المختلفة تحت زعامته لصدِّ تيار البوير المتزايد.
  • العامل الثاني: توسُّع شكا بوسيلة الحرب ضد القبائل التي رفضت الانضمام له أدَّى بهذه القبائل إلى الهجرة في مختلف الاتجاهات في جنوب القارة، وخاصةً في الاتجاه المضاد لتقدُّم البوير.
ولقد أدَّى هذا إلى احتكاكات كثيرة بين البوير والبانتو، أدَّى في النهاية إلى حروب عديدة سُمِّيَتْ باسم حروب «الكافير»، وفي عام ١٨٣٥ قرَّر البوير الهجرة بأعداد كبيرة إلى الداخل لمساعدة البوير الذين هاجروا من قبلُ. وفي عام ١٨٣٦ بدأت الهجرة الكبرى The Great Trek إلى الداخل، وقد تمَّتْ هذه الهجرة الكبيرة في صورة مماثلة لهجرة المستوطنين الأوروبيين في أمريكا، فانتقل عشرة آلاف بويري في عربات تجرها الثيران، حملت كلَّ متاع البوير ونساءهم وشيوخهم وأطفالهم، بينما ركب الرجال الخيول وفي يد هؤلاء السلاح والكتاب المقدس معًا، منطلقين إلى أرض الميعاد عبر نهر الفال إلى سهول ترانسفال وسوازي لاند، واستمرَّ تقدُّم البوير حتى كانت معركة عظيمة بينهم وبين الزولو عام ١٨٣٨ على نهرٍ عُرِف فيما بعدُ باسم نهر الدم، وهو أحد روافد اليفانتس لمبوبو، ولم يستتب لهم الأمرُ بعد هذه المعركة؛ إذ إن الأمر اقتضى سلسلة من المعارك خاضوها ضد المتابيلي في وسط وشمال الترنسفال، وعلى إثر ذلك فكَّكَ الأوروبيون الزولو وبعثروهم في مناطق مختلفة، ثم كوَّن البوير جمهوريتَي الأورنج والترنسفال، واعترفت بهم بريطانيا عام ١٨٥٢.

أما أول استيطان إنجليزي كبير فقد حدث حينما وصل خمسة آلاف مهاجر إلى بورت إليزابث عام ١٨٢٠، بناء على مشروع إنجليزي لتدعيم السيطرة الإنجليزية على القسم الشرقي من إقليم الكاب، واستقرَّ الإنجليز في منطقة ألباني حول جراهمزتاون (المنطقة الساحلية بين بورت إليزابث وإيست لندن)، ثم جاء آخَرون إلى ناتال، وأُعلِنت تلك المنطقة مستعمرة إنجليزية عام ١٨٥٦. وهكذا انقسم البيض من حيث الأصل في جنوب القارة إلى مجموعتين رئيسيتين: الإنجليز (٤٠٪ من البيض)، والبوير ومَن انضمَّ إليهم من المهاجرين من القارة (ألمان وغيرهم).

figure
خريطة رقم (٧٤).
وبعد اكتشاف الماس في كمبرلي عام ١٨٧٠، وتوغُّل النفوذ الإنجليزي إلى الداخل، وسياسة سيسل رودس لاحتلال الأراضي عبر اللمبوبو (التي عُرِفت فيما بعدُ باسم روديسيا)؛ كان لا بد لجمهوريات البوير والإنجليز أن يصطدموا، وفعلًا وقعت الحرب عام ١٨٩٩، وانتهت بمعاهدة فرئينجنج Vereeniging عام ١٩٠٢، بعد هزيمة البوير، وبذلك كوَّنت بريطانيا إمبراطوريتها في جنوب القارة باسم اتحاد جنوب أفريقيا، الذي أُعلِن له دستور خاص عام ١٩٠٨.

وقد ظلت جنوب أفريقيا عضوًا في الكومنولت البريطاني حتى عام ١٩٦١، حينما أُعلِنت جمهورية منفصلة عن بريطانيا بعد استفتاءٍ صوَّت فيه البيض فقط.

وتبلغ مساحة الجمهورية ١٢٢٣٩٠٥ كيلومترات مربعة، مقسَّمة على الأقاليم الأربعة التالية:

إقليم الكاب ٧٢١٩١٤كم٢
إقليم أورنج ١٢٩١٠٣كم٢
إقليم الترانسفال ٢٨٥٩٥٥كم٢
إقليم ناتال ٨٦٩٣٣كم٢

وقد وزعت الهيئات الممثلة لسلطات الدولة على العواصم الكبرى في الدولة؛ فمقر المجلس النيابي يوجد في كيبتاون (عاصمة إقليم الكاب)، ومقر المحكمة العليا يوجد في بلومفونتين (عاصمة الأورنج)، بينما يوجد مقر الحكومة في بريتوريا (عاصمة الترانسفال)، ولم يخص ناتال أي من هذه الهيئات — ربما لتفوُّق المستوطنين الإنجليز عدديًّا في هذا الإقليم، وضعف الاستيطان البويري فيه.

(٣) الدراسة الطبيعة

(٣-١) التكوين والتضاريس

تشتمل جمهورية جنوب أفريقيا على صخور وتكوينات صخرية تُعَدُّ من أقدم ما هو موجود في القارة الأفريقية؛ لأنه يبدو أن جنوب أفريقيا كانت تكون قلب قارة جندوانا، ومما يدل على ذلك أن الصخور الحديثة لا توجد إلا في هوامش الجمهورية، بالإضافة إلى إرسابات حديثة معظمها قاري داخل الدولة؛ ففي القسم الغربي تظهر تكوينات جرانيتية هائلة، وكذلك كتل كبيرة من الصخور المتحولة في إقليم الكاب وإقليم ناماكا في جنوب غرب أفريقيا، وفي الشرق تظهر هذه الكتل النارية والمتحولة من سوازي لاند إلى روديسيا، وتظهر كتل أركية أحدث في وسط الشمال الغربي في محور يمتد شمال الأورنج ورافده فال حتى وسط الترانسفال، وهذه التكوينات على أكبر جانب من الأهمية من ناحية الثروة المعدنية؛ فهي تشتمل على الذهب في وتواترزراند إلى جانب تكوينات معدنية أخرى.

ويتكون القسم الجنوبي من إقليم الكاب من تركيبات التوائية حدثت في أواخر الزمن الأول، وأدت إلى تكوين سلسلتَيْ زفارتبرجن ولانجبرجن، وهذه الالتواءات تكوَّنت من صخور رملية وجيرية أرسبت في عصرَي السيلوري والديفوني، ثم التوت بشدة في الكربوني. ونظرًا لأن الأقسام العليا من هذه الالتواءات متكونة من طبقات جيرية غير صلبة، فلقد نحتتها عوامل التعرية، بحيث لم تظهر إلا في المقعرات الالتوائية، بينما تآكلت في المحدبات. أما الحجر الرملي فأشد صلابةً، ويظهر في صورة جبال محدبة مثل تلك التي نلحظها في جبل تيبول Table حول مدينة الكاب، ويُلاحَظ أن محور الالتواءات قد حدث في خطوط موازية لحافة الهضبة الأفريقية الجنوبية — أي من الغرب إلى الشرق.

أما تكوينات الكاروو فتغطي مساحة كبيرة جنوب حافة الهضبة، ولكنها تنتشر في أماكن كثيرة فوق الهضبة، مما يجعلها أوسع انتشارًا من الإقليم الجغرافي الذي أُطلِق اسمه عليها. ويقال إن تكوينات الكاروو تغطي مساحةً تساوي نصف جمهورية جنوب أفريقيا، وهذه التكوينات تشتمل على صخور من الكربوني حتى الترياسي، وتمتد من إقليم الكاب حتى سوازي، ومن كمبرلي حتى المحيط الهندي، وبذلك تأخذ شكل مثلث كبير قاعدته بين إيست لندن وسوازي على المحيط الهندي، ورأسه شمال كيبتاون على المحيط الأطلنطي، وفي هذه المساحة الكبيرة لا تظهر أية آثار التوائية، ويؤدي تتابع تكوينها من الحجر الرملي والجيري الهش إلى ظهور عدة حافات صخرية تتوجها صخور شديدة الصلابة، وكذلك تتميز كثير من القمم بسطوح مستوية وحوائط شبه عمودية، وقد تعرَّض القسم الشرقي من هذه التكوينات إلى حركة التوائية وحيدة شملت القسم الشرقي من الجمهورية، من ناتال حتى الزمبيزي عبر الترانسفال الشرقية وروديسيا، ويرجع عمر هذه الحركة إلى الفترة التي تكوَّنَ فيها الأخدود الأفريقي. وفي هذا القسم الشرقي تحتوي تكوينات الكاروو الحديثة (الترياسية) على طفوح من اللافا الشديدة الصلابة تتوج حافات عديدة — كما أن هذه اللافا هي العامل الذي أبقى على الالتواء الوحيد وأعطاه هذا المظهر الجبلي عبر الترانسفال وروديسيا (ويُسمَّى جبال لبومبو). والأهمية الكبرى لتكوينات الكاروو أنها التكوينات الحاملة للفحم في الدولة. وإلى جانب هذين النوعين من التكوينات: الأركي والكاروو، نجد تكوينات بحرية حديثة نسبيًّا (كريتاسي وزمن ثالث) على السواحل الجنوبية والغربية، وتكوينات قارية (رمال وتكوينات بحيرية) من الزمن الرابع في بوتسوانا.

ونتيجة لقِدَم التكوين في جنوب أفريقيا، فإن هذا الجزء من أفريقيا يوضِّح بجلاء المظهر التضاريسي الخاص بالقارة القديمة؛ فهناك حافة الهضبة التي تتميز بخط واضح من الحافات المتعاقبة التي تفرق بينها وبين الإضافات الهاشمية التي للقارة من الشرق والجنوب والغرب، وتمتد الحافة في خط يكاد أن يكون متصلًا فيما بين الزمبيزي وجنوب ناتال، وكذلك في الجنوب في سلسلة من الحافات المتصلة حتى المحيط الأطلنطي. وأعلى الحافات، وفي الوقت ذاته أعلى منطقة في الدولة، هي حافة كاتلامبا أو «دراكنز برج» في لوسوتر، وترتفع كل نقطة في الحافة إلى أعلى من ١٥٠٠ متر، ويبلغ متوسط الارتفاع في دولة لوسوتو حوالي ثلاثة آلاف متر، وأعلى نقطة هي جبل تابانتشونيانا Thabantshonyana (٣٤٨٣ مترًا).

وفيما بين الحافة والمحيط مسافات متراوحة العرض متوسطها ١٥٠ كيلومترًا، عبارة عن سطوح منحدرة بشدة عند إقدام الحافات، ومنحدرة ببطء وفي صورة سلمية في اتجاه الساحل، ويتم هذا الانحدار في صورة سلسلة من السقوط عبر حافات عالية، وقد ساعدت الأنهار القصيرة السريعة على نشاط التعرية في الحافات الشرقية، بينما كان لقلة الأنهار في الحافات الغربية أثر في ترك الحافات دون تعرية نهرية خطيرة، ولا يظهر الانحدار السلمي للهضبة في الجنوب حيث تظهر السلاسل الالتوائية، وإن كانت هذه السلاسل تأخذ أيضًا الشكل السلمي، فبين الحافة الجنوبية وسلسلة زفارتبرجن يمتد الكاروو الكبير في صورة سطح تحاتي، تنحدر إليه حافة الهضبة من متوسط ارتفاع ١١٠٠ متر إلى حوالي ٦٠٠ متر في الكاروو، ثم تعود إلى الارتفاع في جبال زفارتبرجن إلى متوسط ١٥٠٠ متر، وتهبط إلى الكاروو الصغير (٤٥٠ مترًا) لترتفع مرة أخرى في سلسلة لانجبرجن إلى ٩٠٠ متر، وتهبط بعد ذلك إلى السهل الساحلي في انحدارات بطيئة.

أما الأنهار — وخاصة في الشرق كاللمبوبو، وفي الغرب كالأورنج — فقد قطعت الحافة الأفريقية وقضت على المظهر السلمي للانحدار، وكوَّنت طرقًا طبيعية للصعود إلى سطح الهضبة.

وبينما تنحدر من سفوح الهضبة أنهار صغيرة عديدة، فإن أكبر أنهار جنوب أفريقيا هما: اللمبوبو والأورنج، بالإضافة إلى نظام نهر جوريتز الذي يخترق السلاسل الالتوائية في الجنوب. واللمبوبو نهر مشترك بين جنوب أفريقيا وبوتسوانا وروديسيا، ويصب في موزمبيق، ولكن روافده الكبيرة تنبع من الترانسفال. أما الأورنج فهو أطول أنهار جنوب أفريقيا، ويكون مجراه الأدنى الحدود بين جنوب أفريقيا وأفريقيا الجنوبية الغربية، وكلاهما غير صالح للملاحة، وينطبق ذلك أيضًا على غالبية أنهار جنوب أفريقيا الأخرى.

(٣-٢) المناخ

تبعًا لاختلاف التضاريس والموقع تختلف ظروف المناخ في جنوب أفريقيا؛ فدرجة الحرارة تختلف من السهول الساحلية إلى الهضاب العالية، وإحدى مناطق الدولة هي سهول ناتال التي ترتفع فيها درجة الحرارة إلى متوسط سنوي ٢٠° مئوية، وتصل حرارة الصيف إلى ٢٤°م، وحرارة الشتاء إلى ١٦ درجة مئوية (دربان). أما الهضبة الشرقية فتتطرف فيها الحرارة من ٢٣°م في الصيف إلى ٨ درجات في الشتاء (بلومفونتين). أما إقليم الكاب الغربي فيتمتع بمناخ أشبه بالبحر المتوسط، وتبلغ أقصى حرارة ٢١° مئوية، وأدناها ١٣° مئوية (كيبتاون). وتتأثر درجة الحرارة في الأقاليم الساحلية باتجاه الرياح والتيارات البحرية، ولهذا ترتفع درجات الحرارة على الساحل الشرقي بتأثير تيار موزمبيق الحار، بينما تنخفض نسبيًّا بتأثير تيار بنجويلا البارد على الساحل الغربي. ويتضح من هذه الأرقام أن المدى الحراري أكبر ما يكون في الداخل، ولو كانت عندنا أرقام من منطقة جريكا الغربية لوجدنا التطرف الحراري أكبر من الهضبة. ويتعرض جنوب أفريقيا لنظام بسيط من الضغط الجوي يؤدي إلى ارتفاع الضغط شتاءً (يوليو)، وانخفاضه صيفًا (يناير)، مما يؤدي إلى رياح جنوبية شرقية في الصيف على القسم الشرقي والأوسط، بينما في الشتاء يتعرض الطرف الجنوبي الغربي لرياح غربية وعواصف راعدة باردة تتوغل أحيانًا حتى الترانسفال، وعلى هذا الأساس فإن القسم الشرقي والهضبي مطير صيفًا، والجنوبي والجنوبي الغربي شتاءً.

والقسم الداخلي جاف معظم السنة، ولكنَّ هناك ظروفًا تضاريسية محلية تؤدي إلى تعقيد الصورة البسيطة التي ذكرناها؛ ففي الشرق والجنوب ترتفع حافات الهضبة العالية فجأةً على غير بُعْد كبير من الساحل، مما يؤدي إلى هبوب الرياح على السواحل وفوق السهول لعدم قدرتها على الارتفاع السريع مع الحافات العالية، فيترتب على ذلك حرمان الداخل من تأثير هذه الرياح، وفي الوقت ذاته تشتد سرعة هذه الرياح فوق السهل الساحلي. وقد أدت هذه الظاهرة التضاريسية أيضًا إلى تغيُّر كبير في صورة نسيم البحر والبر؛ ففي النهار يشتد نسيم البحر، بينما في الليل لا يكاد يوجد نسيم برٍّ بالمعنى المعروف؛ لصِغَر مساحة اليابس السهلي المجاور للبحار. وفوق الهضبة يسود الهدوءُ الرياحَ ليلًا، بينما تتحول في النهار إلى شمالية وشمالية غربية خفيفة.

figure
خريطة رقم (٧٥): كمية الأمطار السنوية في جنوب أفريقيا: (١) أقل من مائة مليمتر. (٢) ١٠٠–٢٠٠مم. (٣) ٢٠٠–٤٠٠مم. (٤) ٤٠٠–٦٠٠مم. (٥) ٦٠٠–٨٠٠مم. (٦) ٨٠٠–١٠٠٠مم. (٧) أكثر من ألف مليمتر في السنة.

وإلى جانب هذه الرياح العامة فهناك في بعض الأحيان رياح محلية متربة تُسمَّى رياح برج (الجبل)، وتهب من الداخل حاملة كتل الهواء الداخلية إلى الساحل الغربي على وجه الخصوص، وتهب بمتوسط سنوي قدره خمسون يومًا، وتشبه بذلك رياح الخماسين في وادي النيل من حيث فترة هبوبها، ولكن رياح برج تهب عادةً في الشتاء حاملةً معها حرارة عالية تصل في المتوسط إلى ٣٢° مئوية، وسجَّلت أعلى حرارة في بورت نولوث (جنوب مصب الأورنج) حيث وصلت إلى ٤٦° مئوية، وقد تستمر هذه الحرارة العالية يومين أو ثلاثة مع بعض الانقطاع، وتؤدي هذه الحرارة العالية إلى أضرار كثيرة بالمحصولات. وتهب رياح البرج على الساحل الغربي غالبًا مرةً في الصباح ومرةً بعد الظهر، بينما يؤدي نسيم البحر إلى تلطيف الحرارة نسبيًّا في الظهر، ويبدو أن سبب ارتفاع الحرارة راجع إلى تضاغط الرياح أثناء هبوطها من سطح الهضبة إلى السهل الساحلي الضيق.

ومن حيث المطر الساقط يمكن أن نميِّز نظامين أساسيين هما: إقليم المطر الصيفي، ويسود السواحل الشرقية والجنوبية الشرقية والهضاب الشرقية، ويقل المطر تدريجيًّا حتى نصل إلى إقليم بوتسوانا الجاف. والنظام الثاني هو المطر الشتوي، ويتمركز في أقصى الجنوب الغربي، ويمتد في الجنوب قليلًا ليلتحم بنظام المطر الصيفي عند بورت إليزابث، بينما يقل المطر بسرعة عند خليج سانت هيلانة لندخل المنطقة الصحراوية عند اقترابنا من مصب الأورنج.

وأغزر مناطق المطر هي ساحل ناتال وحافة دراكنزبرج في الشرق، وكتلة جبال دراكنشتاين في الجنوب الغربي، ويسقط في هذه الأماكن أكثر من مائة سنتيمتر من المطر، ويقل المطر إلى نحو ٦٥سم في شرق الكاب وفي أورنج وترانسفال.

وتوضِّح الأرقام التالية درجات الحرارة وكمية المطر الساقط في محطات ممثلة لأقاليم مناخية متميزة في جنوب أفريقيا.

جدول ٦-١: المعدلات المناخية لبعض المحطات في جنوب أفريقيا.
المحطة درجة الحرارة (مئوي) كمية المطر الساقط (مليمتر)
يناير يوليو يناير يوليو المجموع
بورت نولوث ١٦ ١٢ ٢ ٧ ٥٧
كيبتاون ٢١ ١٣ ١٥ ١٠٨ ٥٧٧
بورت إليزابث ٢١ ١٣ ٣٠ ٥٠ ٥٧٧
دربان ٢٤ ١٦ ١١٠ ٢٥ ١٠٤٩
ماسيرو (لوسوتو) ٢١ ٧ ١٠٠ ١٢ ٦٣٠
بلومفونتين ٢٣ ٨ ٩٠ ١٠ ٥٦٤
جوهانسبرج ٢٠ ١١ ١١٠ ٧ ٨٥٦
كمبرلي ٢٥ ١٠ ٦٠ ٥ ٤١٢

(٣-٣) النبات الطبيعي

أدت الظروف التضاريسية والمناخية المختلفة إلى تنوُّع في النبات الطبيعي كبير، من الصحاري القاحلة إلى نباتات البحر المتوسط إلى حشائش الفلد والسفانا وأشجار مدارية عديدة.

ويتكون النبات الطبيعي في إقليم الكاب، وخاصة في الجنوب والجنوب الغربي من كيبتاون حتى بورت إليزابث من حشائش وأشجار البحر المتوسط، تُعرَف محليًّا باسم ماكيا، وتتكون أساسًا من حشائش قصيرة دائمة الخضرة تنمو إلى ارتفاعات تتراوح بين ١٨٠٠ متر و٢٥٠٠ متر، ولكن معظم الأراضي المنبسطة التي كانت تغطِّيها هذه الحشائش، قد حلَّتْ محلها الزراعة الحديثة. وفي النطاق الجبلي ما زالت بقايا غابات معتدلة من الخشب الصلب، غالبيتها أصبحت تحت إشراف الحكومة. ويضاف إلى ذلك زراعة أنواع مستوردة من الصنوبر الأوروبي والأمريكي من أجل الخشب، وأنواع أخرى من سنط أستراليا Black Wattle، يُزرَع على ارتفاعات متوسطة (٦٠٠–١٥٠٠ متر) في سفوح الهضبة في ناتال والترانسفال من أجل استخلاص مادة للدباغة.
figure
خريطة رقم (٧٦): النبات الطبيعي في جنوب أفريقيا: (١) نبات صحراوي. (٢) أعشاب الكاروو القليلة. (٣) حشائش الكاروو. (٤) أعشاب مدارية قليلة مع أشحار السنط والكافور (من ٢–٤ نباتات شبه صحراوية). (٥) حشائش الكاروو الانتقالية. (٦) ماكيا (أشجار وأعشاب البحر المتوسط — نوع الكاب). (٧) غابات معتدلة. (٨) غابات جافة مختلطة بالحشائش. (٩) غابات جافة وشوكية. (١٠) نباتات الجبال المدارية العالية.

أما إقليم الكاروو فتنمو فيه أنواع من الحشائش شبه الجافة والجافة، وهذا النوع من النبات يتقدم شرقًا على حساب الحشائش الأغنى الصالحة للرعي، وذلك من جرَّاء ازدياد الرعي وإفقار التربة، والسبب في ذلك راجع إلى أن الحيوانات تأكل الأنواع الأفضل من الحشائش، مما لا يعطي بذورها فرصةً للنمو، بينما تُترَك أعشاب الكاروو تنمو دون أن تُؤكَل، وتمتد حشائش الكاروو شمالًا إلى الأورنج، وتقل تدريجيًّا لتحل محلها الأعشاب الصحراوية في القسم الأسفل من وادي الأورنج. أما القسم الشرقي من الهضبة الأفريقية فتنمو عليه أفضل أنواع الحشائش المعتدلة المسمَّاة حشائش الفلد، وتنقسم إلى قسمين: حشائش الفلد الحلوة والمُرَّة، والحشائش الحلوة أعظم فائدةً للرعي من المُرَّة، وتظل محتفظة بقيمتها الغذائية بعد أن تجف في الشتاء، بينما الحشائش المُرَّة تجف في الشتاء ولا تصبح غذاءً مفيدًا للحيوان. وتنمو حشائش الفلد الحلوة في مناطق أمطارها أقل من الحشائش المُرَّة التي تنمو بكثافة كبيرة، وفي منطقة غابات ناتال والترانسفال الشرقية تنمو أيضًا حشائش مُرَّة تُسمَّى فلد الشجيرات، أو فلد الأحراش، ولكنها أكثر احتواءً على الغذاء من الفلد المُرَّة.

ونتيجة لسيادة الحشائش على النبات الطبيعي في معظم جنوب أفريقيا، فإن السكان — سواء كانوا أفريقيين أم أوروبيين — يعيشون على رعي الحيوان إلى جانب حِرَف أخرى، وتُرعَى الأغنام والماعز في المناطق ذات الحشائش الخشنة، وفي الأحراش والمناطق شبه الجافة، بينما تُرعَى الماشية في مناطق الحشائش الغنية، ولهذا فإن نطاق الأبقار يكاد يقتصر على القسم الشرقي من الدولة، وخاصةً في ناتال وشرق الكاب والأورنج وجنوب الترانسفال، بينما يمتد نطاق الأغنام إلى وسط الكاروو وشمال الترانسفال والأورنج وجنوب غرب الكاب.

(٤) الدراسة البشرية

(٤-١) سكان جنوب أفريقيا والمشكلة العنصرية

بلغ عدد السكان في جمهورية جنوب أفريقيا نحو ٢١٫٥ مليونًا في تقديرات الأمم المتحدة لعام ١٩٧٠، وكانوا قرابة ١٧٫٥ مليونًا عام ١٩٦٣، وتبلغ نسبة الزيادة السنوية للسكان معدلًا معتدلًا (٢٫٤٪)، ولا شك أن الهجرة إلى الدولة مسئولة عن المعدل العالي نسبيًّا. ومتوسط الكثافة السكانية العامة ١٦ شخصًا/كم٢، ولكن هناك مناطق تقل فيها الكثافة بشدة، كما هو الحال في معظم القسم الغربي من الدولة؛ ففي منطقة الكاروو الكبير ومنطقة الأورنج الأدنى تصبح الكثافة أقل من شخص واحد/كم٢، على حين تصبح الكثافة في وسط وشرق الترنسفال وناتال وشرق الكاب وحول كيبتاون حوالي ٣٠ شخصًا/كم٢. وقد كانت كثافة الأقاليم الأربعة المكوِّنة للدولة على النحو التالي (١٩٦٣): ناتال ٣٥ شخصًا/كم٢، الترنسفال ٢٢ شخصًا/كم٢، أورنج عشرة أشخاص/كم٢، وأخيرًا إقليم الكاب ٧ أشخاص/كم٢.
جدول ٦-٢: عناصر السكان في جنوب أفريقيا.
السلالة العدد بالآلاف ٪ من مجموع السكان
١٩٦٠ ١٩٧٠ ١٩٦٠ ١٩٧٠
المجموع ١٦٠٠٢ ٢١٤٤٨ ١٠٠ ١٠٠
البانتو ١٠٩٢٧ ١٥٠٥٧ ٦٨٫٧ ٧٠٫٢
الملونون ١٠٥٩ ٢٠١٨ ٩٫٣ ٩٫٤
مجموع الأفريقيين ١٢٤٣٧ ١٧٠٨٥ ٧٨ ٧٩٫٦
الأوروبيون ٣٠٨٨ ٣٧٥١ ١٩ ١٧٫٥
الآسيويون ٤٧٧ ٦٢٠ ٣ ٢٫٩

ويتكون سكان جنوب أفريقيا من عدة سلالات محظور عليها الاختلاط بحكم القانون، والمجموعات السلالية الرئيسية هي البانتو (السكان الأفريقيون)، والملونون (خليط هوتنتوت مع الأوروبيين وغيرهم)، والأوروبيون (هولنديون = بوير + إنجليز وجنسيات أوروبية أخرى)، وأخيرًا الآسيويون (معظمهم من الهند)، وتتوزع السلالات بنِسَب مختلفة في المدن والأقاليم الأربعة على النحو التالي:

جدول ٦-٣: (أ) عناصر السكان في المدن الكبرى (١٩٦٨).
المدينة عدد السكان (بالآلاف) ٪ أوروبيون ٪ بانتو ٪ ملونون ٪ آسيويون
جوهانسبرج ١٣٦٤ ٣٤٫٩ ٥٦٫٧ ٥٫٥ ٢٫٨
كيبتاون ٦٢٥ ٣٢ ١٣ ٥٤ ١
دربان ٦٨٣ ٢٧ ٢٩٫٨ ٤٫٤ ٣٨٫٥
بريتوريا ٤٩٢ ٥٣ ٤١ ٢٫٦ ٣
بورت إليزابث ٣٨١ ٣١٫٢ ٣٩٫٦ ٢٧٫٨ ١٫٣
بلومفونتين ١٤٦ ٤٣٫٢ ٥١٫٣ ٥٫٥
وتزداد حقيقة توزُّع السلالات والعناصر وضوحًا إذا ما درسنا التوزيع الجغرافي على أقاليم الدولة الأربعة، ويلخِّص الجدولين ٦-٣، ٦-٤ هذه الحقائق الجغرافية، بالإضافة إلى القوانين التعسفية التي تصدرها الدولة، فمن الناحية الجغرافية يتركز البانتو في الترنسفال ونتال وشرق الكاب والأورنج، ويتركز الملونون في غرب الكاب، بينما يتركز الآسيويون في ناتال التي هاجروا إليها كمزارعين، ويضاف إلى ذلك قانون ولاية أورنج الذي لا يسمح للآسيويين بالإقامة والعمل فيها إطلاقًا.
جدول ٦-٤: توزيع عناصر السكان على الأقاليم الأربعة.
البانتو الملونون الأوروبيون الآسيويون
الإقليم عدد السكان بالآلاف ٪ من كل البانتو ٪ من سكان الإقليم ٪ من كل الملونين ٪ من سكان الإقليم ٪ من كل الأوروبيين ٪ من سكان الإقليم ٪ من كل الآسيويين ٪ من سكان الإقليم
الترانسفال ٦٢٢٥ ٤٣ ٧٤ ٧ ١٫٦ ٤٦ ٢٣٫٥ ١٥ ٠٫٩
الأورنج ١٣٧٤ ١٠ ٧٨ ١ ٢ ٩ ٢٠
ناتال ٢٩٣٣ ٢٠ ٧٣٫٥ ٢ ١٫٤ ١٢ ١١٫٦ ٨٠ ١٣٫٤
الكاب ٥٣٢٨ ٢٧ ٥٦ ٩٠ ٢٤٫٧ ٣٣ ١٨٫٨ ٥ ٠٫٥

وهذا الجدول ليس في حاجة إلى تعليق كثير؛ فالبانتو يتوزعون على أقاليم الدولة، وإن كان أكبر تركُّز لهم يوجد في الترنسفال؛ وذلك لاحتياج نطاق التعدين الكبير في الترنسفال إلى الأيدي العاملة الرخيصة، وعلى النسق ذاته يتوزع الأوروبيون في شيء من التكافؤ على الأقاليم الأربعة، مع زيادة في الترنسفال والكاب، أما الملونون فيتركزون في الكاب، والآسيويون في ناتال.

وفيما يختص بالتركيب العنصري للسكان داخل كل إقليم، نجد أن البانتو يكونون الغالبية الساحقة، وإذا أضفنا الملونين إلى البانتو نجد أن نسبة الأفريقيين ترتفع إلى ٨٠٪ في الكاب والأورنج، وإلى ٧٥٫٦٪ في الترنسفال، وقرابة ٧٥٪ في ناتال، ويكون الأوروبيون ما بين الخمس والربع من السكان في كل أقاليم الدولة (انظر الخريطة رقم ٦٩).

وينقسم بانتو جنوب أفريقيا إلى ثلاث مجموعات لغوية هي:
  • (١)

    مجموعة الفندا: وتمتد على ضفتي اللمبوبو ومعظمها في جنوب روديسيا، وعدد الذين يتكلمون هذه اللغة ٢٤٥ ألف شخص في جنوب أفريقيا حسب إحصاء ١٩٦٠.

  • (٢)

    مجموعة نجويني: وتشتمل على عدة قبائل هامة، وتسكن في إقليمين رئيسين: الأول شرق الكاب ومعظم ناتال فيما بين نهر سونداج شرقي بورت إليزابث حتى نهر توجيلا شمال دربان، ويشتمل هذا الإقليم على قبائل زوسا (٣٫٠٤ ملايين) حول إيست لندن، والزولو (٢٫٨ مليون) حول دربان، وبوندو وتمبو فيما بينهما. والإقليم الثاني يمتد في سوازي لاند إلى الشمال من ناتال، وتسكنها قبيلة سوازي (٣٣٥ ألفًا)، كما يمتد إلى مواطن قبيلة ندبيلة (٣٠٠ ألف) في جنوب شرق ووسط الترانسفال.

    figure
    خريطة رقم (٧٧): شعوب جنوب أفريقيا قبل وصول الأوروبيين: (١) أوطان البانتو (زنوج الجنوب). (٢) أوطان البشمن. (٣) أوطان الهوتنتوت.
    figure
    خريطة رقم (٧٨): توزيع أراضي جنوب أفريقيا بين الأفريقيين والأوروبيين: (١) معازل البانتو. (٢) أراضي الهوتنتوت. (٣) المساحة المخصَّصة للأوروبيين.
  • (٣)

    مجموعة سوتو-تسوانا:وتنقسم إلى عدة قبائل أهمها السوتو في حوض نهر أوليفانتس في شرق الترانسفال، وفي مرتفعات باسوتو (٢٫١ مليون)، ومجموعة تسوانا غربي الفال واللمبوبو إلى داخل بوتسوانا (١٫٢ مليون)، وتشتمل على قبائل عدة منها: بامانجواتو وباكجاتلا ورولونج وتلابنج وكلهاري غربي اللمبوب واللوفيدو شمال الترانسفال.

ويتضح من هذا التوزيع (انظر خريطتَيْ ٦٨ و٦٩) أن القبائل البانتوية قد أصبحت تحتل ما يشبه حدوة الحصان، تبدأ من شرق الكاب حتى شمال الترانسفال، ثم تتجه غربًا إلى بوتسوانا حتى نهر الأورنج، أما معظم الأراضي الواقعة داخل حدوة الحصان فيحتلها الأوروبيون، والملاحَظ أيضًا أنه باستثناء مواطن نجوني في ناتال وشرق الكاب، فإن أراضي التسوانا والسوتو هي إما مناطق جبلية وعرة، أو حافات هضبية صخرية، أو أودية نهرية فقيرة، أو مناطق جافة، بينما يحتل الأوروبيون أحسن المناطق من حيث الارتفاع والسهولة والغنى والثروة.

وإلى جانب البانتو توجد مجموعة أفريقية قديمة هي الهوتنتوت — صاحبة أراضي الكاب كله — وقد أفنى الهولنديون معظمهم، وطُورِدَ الباقون إلى صحاري جنوب غرب أفريقيا، ولا يوجد حاليًّا سوى أعداد قليلة من الهوتنتوت ترعى الأبقار في إقليم ناما الصغير جنوب مصب الأورنج، ومنطقة جريكا غربي التقاء الفال والأورنج.

figure
خريطة رقم (٧٩): المجموعات القبلية في جنوب أفريقيا.

أما «الملونون» — وأحيانًا يُسمَّون ملوني الكاب لكثرتهم الساحقة في الإقليم — فإنهم عبارة عن خليط ناجم عن التهجين الذي استمرَّ قرابة قرون ثلاثة بين الأوروبيين من جهة، والهوتنتوت وزنوج غرب أفريقيا والملايو من جهة ثانية، فحينما طارد الهولنديون الهوتنتوت وأخذوا أبقارهم، اتضح عدم صلاحيتهم للعمل الزراعي كعبيد للأوروبيين، ومن ثَمَّ استقدموا رقيقًا من غرب أفريقيا والملايو على دراية بفنون الزراعة، وقد أدَّى وجود هذه الجماعات واحتكاكها الدائم بالأوروبيين إلى اختلاطٍ هو في غالبيته الساحقة غير شرعي، ومعظمه بين رجال بيض ونساء غير البيض، وهكذا نشأ الملونون، وهم يعملون في حِرَف ومهن كثيرة، وخاصة في صناعة البناء والتدريس والطب، وكانوا حتى ١٩٥١ يُدرَجون مع الأوروبيين في قائمة الانتخابات، ولكن الحكومة الحالية أخرجتهم من هذه القائمة مخالِفةً بذلك القانون الأساسي لجنوب أفريقيا الصادر عام ١٩٠٩، وقد كانت أصوات الملونين على جانب كبير من الأهمية والنفوذ في الانتخابات، وسببًا من أسباب فقدان الحزب الوطني — الحاكم حاليًّا — مقاعد كثيرة، أما الآن فلم يَعُدْ لهم هذا التأثير، وإن كان يمكنهم انتخاب أربعة ممثلين لهم فقط.

وعلى الرغم من أن الملونين أحسن حالًا من الزنوج، ويمكنهم أن يتولوا مناصب أعلى منهم، إلا أن الفقر ما زال منتشرًا بينهم، ومساكنهم ما زالت فقيرة جدًّا، ونظرًا لأنهم يقفون في منتصف الطريق بين السود والبيض، فإنهم يتعرضون دائمًا للتمييز من جانب المجموعتين السوداء والبيضاء الذين لا يقبلونهم في صفوفهم.

وجدير بالذكر أن من بين الملونين مجموعة تُسمَّى ملازيو الكاب، وعددهم قرابة ٤٠ ألفًا، وهم في الأصل مهاجرون أو منفيون من الملايو من المسلمين الذين تزاوجوا مع الأوروبيين وغيرهم ويحتفظون بإسلامهم، وهم حِرَفيُّون وتجَّار ممتازون، وأحوالهم الاقتصادية أكثر رخاءً من بقية الملونين، ولا شك أن إسلامهم يجعلهم يحسون بالقوة والتواحد مما يساعدهم على الوقوف بقوة ضد الاضطهاد.

أما «البانتو» فرغم تفوُّقهم العددي الساحق، ورغم أنهم أصحاب معظم الأراضي الغنية في الدولة، (راجع الخريطة رقم ٦٨)، إلا أن التوسع البويري قد أفقدهم حقوقهم، وفرض عليهم الأوروبيون الحياة في مناطق محدودة جدًّا من الدولة؛ فلقد انتزع البيض ما مساحته ٨٩٪ من مجموع مساحة الدولة لصالحهم، والباقي أقاموه معازل للأفريقيين في المناطق التي تجمَّع فيها البانتو بعد هزيمتهم — أي في المناطق المتطرفة في صورة حدوة الحصان السابق شرحها.

ويحاول كثير من الكتَّاب الأوروبيين ترويج أقوال نصيبها من الصحة مشكوك فيه، تلك هي الادعاء بأن البوير والبانتو قد وصلوا إلى جنوب أفريقيا في وقت متقارب، وبالتالي فإن للبيض حقوقَ الاستيلاء على الأرض الخالية، تمامًا كما هو الحال بالنسبة للبانتو، ورغم ذيوع هذا الادعاء في الكتب، إلا أن أحدًا لا ينكر أن تقدُّم البوير إلى الأورنج والفال قد تمَّ بعد معارك عديدة مع السكان من البانتو، وهذه الحقيقة وحدها تعطي للبانتو حق الأرض قبل البوير.

وتسير سياسة الحكم الحالي على خطوط عنصرية واضحة تُسمَّى بسياسة الانفصال أو التفرقة apartheid، وترمي إلى عزل الأفريقيين في مناطقهم الحالية وفصلهم تمامًا عن الأوروبيين في حياته الاقتصادية، والهدف هو إقامة دولة أو دول أفريقية تُسمَّى «بانتوستان» داخل جمهورية البيض. وفي الوقت الحاضر تخضع معازل البانتو لإشراف ورقابة مشدَّدة من جانب هيئة حكومية تُسمَّى إدارة البانتو، وفي الوقت ذاته تخضع الحياة اليومية داخل المعازل لحكم الرؤساء القبليين التقليديين، ولكن التطور والاحتكاك بالحياة الأوروبية في معزل ترانسكي قد أدَّى إلى نمو نمط جديد للحكم الداخلي لا يعتمد على الرؤساء التقليديين، بل على مجالس محلية ومشروعات تنمية خاصة، بما فيها بعض مشروعات الصناعة. ويبدو أن هذا التطور أمر غريب على سياسة الحكومة الحالية التي تسعى بشدة لتدعيم سلطة الحكم القبلي التقليدي المحافظة، للإبقاء على التخلُّف الملموس بين الأفريقيين.

ولكن عدد الأفريقيين الذين يعيشون داخل المعازل لا يزيدون عن خمسة ملايين، يبقى بعد ذلك ستة ملايين أفريقي لا يخضعون لنظام المعازل، هؤلاء قد فازوا بحرية نسبية؛ لأن الأوروبيين في البداية كانوا في حاجة إليهم من أجل استغلال موارد الزراعة والثروة الحيوانية والمعدنية الأوروبية، ولا يزال الأوروبيون في حاجة شديدة إلى عمالتهم الرخيصة.

وعلى هذا فهناك ٥٥٪ من الأفريقيين في جنوب أفريقيا يعيشون داخل نطاق الحياة اليومية للأوروبيين، وهذا العدد يساوي ضعف عدد الأوروبيين، ومعظمهم يعيشون في المدن، وأعدادهم تتزايد بسرعة نظرًا لاندفاع المهاجرين الأفريقيين من الريف إلى المدينة، ولا شك أن تزايد أعدادهم السريع يجعل حياة المدينة بالنسبة للأفريقيين غير مقرونة بالشروط الصحية إطلاقًا. ومهما كانت هناك من مشروعات للإسكان إلا أن العدد المتزايد أكبر من أن تلحقه هذه المشروعات في المستقبل القريب، ولقد بدأت الهجرة إلى المدينة — كما بدأت في معظم جهات العالم — في صورة مؤقتة: الحصول على عملٍ لفترة ثم العودة إلى الريف، وإن كانت القلة قد فعلت ذلك في الماضي فإن الغالبية العظمى من الهجرة الريفية إلى المدن قد أصبحت هجرة دائمة. ومع قلة العمالة وازدياد الفقر تتزايد الأحوال الصحية الاجتماعية سوءًا، وفي بعض المدن الصغيرة لا نجد الحالة بهذا السوء، ولكنها فعلًا سيئة وقاتمة في المدن الكبيرة كجوهانسبرج ودربان، حيث يتردى آلاف الأفريقيين في بؤرة الفاقة والفساد والمرض والجهالة، ويبلغ عدد الأفريقيين الذين أصبحوا من سكان المدن قرابة أربعة ملايين.

أما المليونان الباقيان فيعيشون في المزارع الأوروبية كعمال أو مأجورين لأداء خدمات زراعية مؤقتة، وحالتهم المعيشية أفضل نسبيًّا من سكان المدن، ولكن هذه الحالة تعتمد أساسًا على رغبات مستخدميهم من أصحاب المزارع. وعلى العموم فالمساكن — رغم تناهي بساطتها — إلا أنها أصح لأنها غير مزدحمة كما هو حال سكان المدن، ويعيش العامل الزراعي غالبًا مع زوجته وأولاده الذين يعملون في حالات الضرورة، على عكس حياة المدن التي تقل فيها بصورة غريبة فرص إقامة أُسَر وعائلات سعيدة — بل تقل فيها فرص الزواج؛ لارتفاع نفقات المعيشة وقلة الدخول. كذلك لا شك أن أصحاب المزارع البيض تربطهم بعمَّالهم بعض العلاقات الإنسانية، على عكس انعدام هذه الرابطة في المدن؛ مما يؤدي أحيانًا — حتى من باب حماية المصالح المالية — إلى تدخُّل صاحب المزرعة بحماية فلَّاحيه من تعسُّف الموظفين الحكوميين ورجال الشرطة. وإلى جانب هذه الحسنات، هناك سيئات عديدة لا تُغتفَر في أواخر القرن العشرين، تلك هي عدم وجود أي ضمان وتأمين للفلاحين، والأجور منخفضة جدًّا، ولا توجد فُرَص لتعليم الأبناء في المدارس، وتظل حياة هؤلاء العمَّال الزراعيين جامدة مقفلة، بينما يحتك الأفريقي في المدينة بكل ما هو جديد، مما يساعد على إمكانية تعلُّم حِرَف جديدة قد تساعده على الحياة بصور شتى.

أما «الآسيويون» فقد وفدوا إلى جنوب أفريقيا أول الأمر على أنهم عمَّال زراعيون بعقودٍ لمُدَد محدودة من الهند، للعمل في مزارع قصب السكر في ناتال في الستينيات من القرن الماضي، بعد إعلان بريطانيا ناتال مستعمرة إنجليزية خاصة، ثم لحقهم أصدقاؤهم وأسرهم، وتزايد بذلك عدد الهنود بسرعة اضطرت معها حكومة جنوب أفريقيا إلى وقف الهجرة الحرة عام ١٩١١، ولكن بعد أن أصبح الهنود أقلية كبيرة، ويبلغ عددهم الآن قرابة نصف مليون، ثلاثة أرباعهم يعيشون في ناتال، والباقي في الترانسفال والكاب، وغير مسموح لهم الإقامة في الأورنج.

ومعظم الهنود تجَّار، وبعضهم لهم مزارع خاصة، وهم في مجموعهم يعيشون في رخاء ووفرة، وأصبح عند عددٍ منهم ثروة كبيرة، ويعيشون جوار بعضهم في أحياء من المدن خاصة بهم. وفي عام ١٩٢٧ عُقِدت اتفاقية مع حكومة الهند لتشجيع عودة الهنود، ولكن عدد الذين عادوا يُقدَّر ﺑ ١٥ ألفًا فقط حتى عام ١٩٤٧، وبعد ذلك لم تكن هناك عودة بالمعنى المفهوم إلى الهند.

وتبحث الحكومة الحالية في أمر تخصيص أماكن للهنود يعيشون فيها بناء على قانون «مناطق الجماعات»، ويُمنَع الهنود من مزاولة أي نشاط سياسي، وفي إقليم الكاب يُمنَعون أيضًا من الانتخاب والتصويت في المجالس البلدية والسياسية.

وأخيرًا فإن «الأوروبيين» ينقسمون إلى مجموعتين كبيرتين هما: الأفريكانز والإنجليز، ومن الصعب إيجاد أساس لهذه التفرقة غير التاريخ واللغة، المتكلمين بلغة الأفريكانز Afrikaans حوالي ٦٠٪ من مجموعة الأوروبيين، ومنذ حرب البوير أصبحت اللغة الرسمية للدولة الإنجليزية والأفريكانز معًا، ولكنها مع الحكم الحالي تنمو وتزيد أهميتها على الإنجليزية. والأفريكانز لغة مشتقة من الهولندية، وتُعلَّم في المدارس جنبًا إلى جنب مع الإنجليزية، ولا يزال من شروط التوظُّف والترقِّي إجادة اللغتين معًا.

وإلى فترة قصيرة كانت الأفريكانز أكثر شيوعًا في الريف، والإنجليزية أكثر شيوعًا في المدن، ولكن الحال لم يَعُدْ كذلك اليوم نتيجةً لهجرة البوير إلى المدن، وقد أصبح ٧٠٪ من الأوروبيين في الوقت الحاضر من سكان المدن، وعلى إثر هجرة البوير إلى المدن ظهر شيء جديد لم يكن له وجود؛ ذلك هو «الرجل الأبيض الفقير»، فهؤلاء البيض النازحون إلى المدينة من الريف أقل خبرةً في الحياة المدينية الصناعية، ولهذا فأجورهم قليلة، ولا شك أن معظم الإجراءات العنصرية التعسفية داخل جنوب أفريقيا في الآونة الأخيرة مردُّها تعصُّب «الأبيض الفقير» الذي يدعو الدولة لحمايته من منافسة الملونين وغيرهم، والإبقاء بذلك على كبرياء الرجل الأبيض وسيادته، فالخوف من المنافسة الاقتصادية إذن هو أهم داعٍ لتجدُّد الخوف من السود، وتشديد القبضة عليهم لوقف تيارهم المتزايد.

ويعيش الإنجليز عادةً في المدن، ويعملون في التجارة والصناعة والتعدين، ومع ذلك فإن غالبية فلاحِي ناتال وشرق الكاب من الإنجليز، ويؤكِّد كلُّ الكتَّاب أن تطوُّرَ جنوب أفريقيا في مجال الصناعة والتعدين ونمو المواصلات والمدن والتجارة والأعمال البنكية والخدمات، كلها نتيجة نشاط إنجليز جنوب أفريقيا الذين تركوا الريف والزراعة والرعي كمجالات النشاط الأساسية للبوير. ولا شك أن البوير الأول وأحفادهم الحاليين قد بالغوا في تحفُّظهم واستقرارهم في الريف، وبذلك تركوا الفرصة للإنجليز كي يقوموا بأنواع النشاط الاقتصادي الأخرى، التي نجحت فعلًا في إخراج جنوب أفريقيا من عزلة الزراعة إلى الإنتاج التجاري والعلاقات الدولية، ورغم أن الإنجليز في جنوب أفريقيا يخشون السود ويحتقرونهم ويشايعون الحكم العنصري، إلا أنهم أكثر تحفُّظًا في الجهر بهذه المعتقدات من البوير.

ويدل إحصاء ١٩٦٠ على أن سكان جنوب أفريقيا ينقسمون من ناحية الدين إلى أربع فئات: الفئة الأولى وهي الأكثرية الساحقة تتكون من المسيحيين بكل فئاتهم وأقسامهم، ويبلغ عددهم ١١٫٦ مليونًا. يليهم ٣٫٨ ملايين ينتمون إلى أديان وعقائد وثنية مختلفة. يليهم المسلمون وعددهم ١٩٢ ألفًا، يعيش منهم ٤٠ ألفًا في الكاب، ومعظم الباقي في شرق الكاب وناتال ومدن الترنسفال. وأخيرًا فهناك ١١٦ ألفًا من اليهود، يتجمع منهم قرابة ٤٠ ألفًا في مدينة جوهانسبرج وحدها، ويسيطرون على كثيرٍ من نواحي الحياة الاقتصادية فيها.

ويدل إحصاء ١٩٦٠ أيضًا على أن من بين سكان جنوب أفريقيا توجد فئتان: الأولى رعايا دول أجنبية بيضاء، والثانية عدد من رعايا الدولة حاليًّا لم يُولَدوا فيها، وبعبارة أخرى تكون الفئة الثانية هجرة أفريقية وأوروبية حديثة إلى جنوب أفريقيا.
  • أما الفئة الأولى: وهي رعايا الدول البيضاء الذين يعيشون حاليًّا في الدولة، فقد بلغ عددهم ١٤٧ ألفًا، وأكبر مجموعة منهم البريطانيون، ويبلغ عددهم ٥٧ ألفًا، يليهم الهولنديون ٢٥ ألفًا، ثم الألمان ١٦ ألفًا، والإيطاليون عشرة آلاف، ثم برتغاليون ويونانيون وأمريكيون.
  • والفئة الثانية: أي المواطنون الذين وُلِدوا خارج الدولة، فقد بلغ عددهم ٩٣٠ ألفًا يكوِّن الأفريقيون ثلثيهما، وأكبر مجموعة أفريقية استوطنت الدولة من لوسوتو، وبلغ عددهم ١٩٦ ألفًا، ثم من موزمبيق ١٦٠ ألفًا، ومن مالاوي وروديسيا ١٠٨ آلاف، ومن بوتسوانا ٦٠ ألفًا، ومن أنجولا عشرة آلاف، وغير ذلك من سوازي وتانزانيا وأفريقيا الجنوبية الغربية. ويتكون الثلث الباقي من أوروبيين (٢٦٧ ألفًا)، معظمهم من بريطانيا (١٣٦ ألفًا)، وهولندا (٣٠ ألفًا)، وألمانيا (٢٦ ألفًا)، إلى جانب ٢٤ ألفًا من آسيا.
وتدلُّ هذه الأرقام على:
  • أولًا: أن جنوب أفريقيا بثرواته الكبيرة وإمكانيات التصنيع يجتذب عددًا كبيرًا من الأجانب الذين يستوطنون فيه.
  • ثانيًا: إن هجرة أكثر من ٦٠٠ ألف من الأفريقيين إلى جنوب أفريقيا وحصولهم على تبعية الدولة، يدل دلالة واضحة على احتياج اقتصاد الدولة إلى يد عاملة رخيصة من خارج الدولة، تؤمنها لها الدول القريبة وبخاصة محميات بريطانيا السابقة (بوتسوانا – لوسوتو – سوازي)، ومستعمرة موزمبيق البرتغالية، ومستعمرات سابقة (مالاوي وروديسيا).

(٥) النشاط الاقتصادي

إذا استثنينا الأعداد القليلة جدًّا من البشمن في الطرف الشمالي الغربي من جنوب أفريقيا، فإن السكان الأفريقيين في الجمهورية يعيشون أساسًا على الرعي والزراعة في الريف الأوروبي والمعازل الأفريقية، أما الذين يعيشون في المدن فيعيشون على الصناعة والخدمات، بينما يعيش الكثير من الأفريقيين كعمَّال غير فنيين في نطاقات التعدين العديدة. وقد أدخل الأوروبيون التعدين والصناعة والخدمات بالإضافة إلى أنواع حديثة في الزراعة والرعي واستغلال الغابات، وكل هذه الحِرَف الجديدة تؤثِّر تأثيرًا بالغًا في النشاط الاقتصادي للأفريقيين وتجذبهم تدريجيًّا نحوها، ولولا عقبات الحكم العنصري لَكان أفريقيُّو جنوب أفريقيا من أكثر سكان القارة تقدُّمًا. وعلى أية حال فإن اعتماد الأوروبيين على الأفريقيين كيَدٍ عاملة رخيصة قد جعل التقدم يتسلل إلى الأفريقيين، رغب الأوروبيون أو لم يرغبوا.

(٥-١) تربية الحيوان

تلعب الماشية والأغنام دورًا هامًّا في الحياة الاقتصادية لجنوب أفريقيا، وتمتلك الدولة ١٢ مليونًا من رءوس الماشية، و٣٨ مليونًا من رءوس الأغنام، بالإضافة إلى قرابة خمسة ملايين من الماعز، منها ثلاثة أرباع المليون من ماعز الأنجورا.

وتتركز الماشية في القسم الشرقي، حيث تُربَّى أبقار اللبن واللحم معًا، وتتركز أبقار اللبن في الترانسفال الأوسط، حيث توجد سوق ضخمة في جوهانسبرج وضواحيها (أكثر من مليون شخص)، وبريتوريا وضواحيها (حوالي نصف مليون شخص)، وإقليم الراند، وتتركز منطقة منتجات الألبان أيضًا في وسط الترانسفال وحول كيبتاون. أما أبقار اللحم فتتركز في وسط وجنوب الترانسفال، وفي ناتال وشرق الكاب وأورنج.

ولقد تكوَّنَتْ ماشية جنوب أفريقيا من أبقار الهوتنتوت التي أخذها البوير، ثم درجوها لأنها كانت من أبقار اللبن واللحم الجيدة، ثم هجَّنوها بأنواع أوروبية مثل الفريزيان والجرسي (أبقار لبن)، وقصيرة القرن وهرتفورد (أبقار لحم)؛ وقد أدَّى تهجين أبقار البوير والشورت هورن والهرتفورد إلى ظهور نوع جديد اسمه «بونسمارا» يستطيع تحمُّل حرارة عالية في هضاب الفلد المنخفضة في الترانسفال. وفي الوقت الذي يُستهلَك فيه اللبن محليًّا أو يُصنع ويصبح مصدرًا من مصادر التجارة الداخلية والخارجية، نجد أن الاهتمام بحيوان اللحم قد بدأ يتزايد منذ عام ١٩٤٠، بعد أن دخلت الآلات حقل الزراعة، وأراحت الحيوان من عبء الأعمال الزراعية المرهقة المؤدية إلى تليُّف الأنسجة في لحم الحيوان. وأكبر مركز لحيوان اللحم في الوقت الحاضر يوجد في مناطق الفلد العالية في الأورنج.

أما الأغنام والماعز فتنتشر في كل أرجاء الدولة فيما عدا الأقسام الشمالية من الترانسفال، ولكن أغنام وماعز الصوف تظهر بوضوح في إقليم الكاروو وفي شرق الكاب؛ نظرًا لأن المناطق شبه الجافة أصلح لتربية حيوان الصوف من المناطق الممطرة، وأهم أنواع الأغنام هي المرينو التي استُورِدت في أوائل القرن التاسع عشر، وبفضلها أصبحت جنوب أفريقيا من الدول الرئيسية في إنتاج الصوف الذي يصدر معظمه من بورت إليزابث إلى بريطانيا وأوروبا واليابان.

وقد نجحت عمليات تهجين الأغنام من أجل الحصول على نوع يخدم غرضين (اللحم والصوف)، وأنواع أخرى تتحمل المناخ الجاف في الغرب، ومن أهم أنواع الأغنام المهجنة: غنم الكاب والفارسي ذو الرأس الأسود، وكلاهما لا ينتج صوفًا، ولكن يُربَّى للحم بالإضافة إلى دهن الإلية، وهناك أيضًا من الأنواع المهجنة غنم الكاركول ذو الشعر المجعد، وتؤخذ من صغاره فراء تُعرَف في عالم الأزياء باسم فراء الحمل الفارسي. أما ماعز الأنجورا فينتج صوف الموهير الذي يُصدَّر للخارج، وتتركز مناطق تربية هذا النوع من الماعز في شرق الكاب.

وإلى جانب الماشية والأغنام فإن جنوب أفريقيا قد اشتُهِر بتربية النعام من أجل الريش، وقد ازدهرت هذه الحرفة في أوائل هذا القرن، ولكنها لم تَعُدْ كذلك في سوق أزياء النساء بعد الحرب العالمية الأولى، وفي خلال مدة ازدهار ريش النعام، كان عدد النعام الذي يُربَّى في جنوب أفريقيا في الكاروو الصغير، قد بلغ مليون رأس هبط إلى قرابة خمسين ألفًا في ١٩٥٥، وقد تحوَّلَ مربُّو النعام إلى زراعة الفاكهة بعد إقامة مشروعات الري في الكاروو الصغير من أرباحهم السابقة من النعام.

(٥-٢) الزراعة

(أ) مزارع الأوروبيين

  • (١)

    الحبوب: أهم محاصيل الحبوب هي القمح والذرة، ويُزرَع القمح في مناطق المطر الشتوي، أي في الجنوب الغربي وبعض مناطق الأورنج، أما الذرة فتنتج في إقليم المطر الصيفي في شرق الدولة. ورغم أن إنتاج الذرة يحتل مساحة كبيرة في الشرق، إلا أن إقليم الذرة الحقيقي هو المثلث الممتد في شمال أورنج وجنوب الترنسفال بين مفكنج وبلومفونتين وميدلبورج (شرق بريتوريا).

    وفي أوائل القرن الحالي كان مثلث الذرة يعيش تحت رحمة المحصول، بمعنى أن الذرة كانت المحصول الوحيد الذي يحتكر هذا الإقليم، ولكن استمرار زراعة الذرة أدَّى إلى فقدان خصوبة التربة ومكوناتها المعدنية، وإلى ظهور عامل التعرية الهوائية، ولا تزال هناك مساحات من التربة التي عرَّتها الرياح داخل حقول الذرة الحالية، ولقد أمكن التغلُّب على الخطر الذي يتهدد بقية التربة، باتباع نظام الدورة الزراعية بين الذرة ومحاصيل أخرى كالفول السوداني وغيره.

    ويكون الذرة المحصول الأساسي في غذاء الأفريقيين، ويُزرَع بكثرة وفي مساحات كبيرة من مزارع الأوروبيين ومعازل الأفريقيين، ويُستخدَم جزء من المحصول في المزارع الأوروبية كغذاء للماشية، كما يُصدَّر جزء آخَر منه.

    ورغم أن الذرة تحتل المكان الأول بين المحاصيل الزراعية الأخرى، إلا أن إنتاجية الحقل ضعيفة؛ فهي في المتوسط ١٥٠٠ كيلوجرام للهكتار الواحد (بالمقارنة ﺑ ج. ع. م. ٢٦٠٠كجم، أو روديسيا ٢٥٦٠كجم، أو الولايات المتحدة ٤٠٠٠كجم).

    وينتج معظم القمح في المنطقة الساحلية شمال كيبتاون حتى رأس أجولهاس، وفي السنوات الأخيرة أمكن استنباط أنواع من القمح تُزرَع في المناطق الباردة شتاءً في هضاب المطر الصيفي العالية، وإلى جانب القمح يُزرَع أيضًا الشعير والشيلم، ولكن محصولهما يُستخدَم غذاءً للحيوان.

  • (٢)

    قصب السكر: تتركز زراعته في سهول ناتال حيث يشغل حوالي نصف مليون فدان منذ أكثر من قرن، ويحكم القصب منطقة زراعته حكمًا تامًّا؛ فلا توجد دورة زراعية أو محاصيل أخرى إلى جواره، وتمتد الحقول من الحدود الشمالية لناتال حتى بورت شبستون في صورة نطاق ساحلي ضيق لا يزيد عرضه عن ١٥كم، وما زالت غالبية الأيدي العاملة من الهنود.

  • (٣)

    الفاكهة: يميز المناخ أجزاء كثيرة بصلاحيتها لزراعة أنواع عديدة من الفاكهة في جنوب أفريقيا، وقد بدأت الفواكه لخدمة السوق المحلية، ثم نمت زراعتها بسرعة من أجل التصدير، وأصلح المناطق للفواكه هو مناخ البحر المتوسط في الجنوب الغربي، حيث توجد الآن قرابة ٦٥ ألف هكتار مزروعة بالكروم، وتزرع الكروم أيضًا بواسطة الري في مناطق محدودة من الترانسفال، والكثير من كروم إقليم الكاب تُروَى أيضًا ريًّا صناعيًّا، وخاصة في الكاروو الصغير وعلى ضفاف نهر الأورنج. وينتج الجنوب الغربي ما قيمته ٥ ملايين جنيه من الأنبذة يُصدَّر ثلثها، أما عنب الأقاليم الأخرى فيصلح للأكل.

    وتُزرَع أشجار التفاح والكمثرى في أودية عديدة في جبال الكاب، وخاصة في منطقة سيرس ولانج كلووف، أما الخوخ والمشمش فيُزرَعان في وادي برج والكاروو الصغير.

    أما الموالح فهي محصول هام في المناطق التي لا تتعرض للصقيع، وأهم مركز لها أودية الترنسفال المؤدية إلى اللمبوبو، وكذلك في شرق الكاب ووادي أوليفانتس شمال كيبتاون، ويكون البرتقال ٩٠٪ من الموالح والباقي ليمون وجريب فروت، وقد زاد الإنتاج في الفترة الأخيرة، وبلغت قيمة الصادرات ١٥ مليون جنيه.

    ويُزرَع الموز والجوافة والأناناس وغيرها من فواكه المناطق المدارية في ناتال وشرق الكاب.

  • (٤)

    محاصيل أخرى: توجد أنواع أخرى من المحاصيل، ولكن معظمها يحتاج لرأسمال وخبرة كبيرة، ومن أهم هذه المحاصيل: التبغ والخضروات في الترانسفال، وكانت هناك محاولات لزراعة القطن على المطر وبالريِّ الصناعي، ولكن الظروف الطبيعية أثبتت فشل إنتاجه.

(ب) مزارع الأفريقيين في المعازل

ما زالت الوسائل التقليدية في الزراعة متبعة في معازل الأفريقيين مما يؤدي إلى الإضرار بالتربة، وتنص النُّظُم التقليدية على أن الأرض ملكٌ للقبيلة يُخصَّص منها جزء للمساكن وزراعة محدودة لكفاية الأُسَر، والباقي أرض رعي مشاع. ولما كان العدد يلعب دورًا اجتماعيًّا، فإن نوع الماشية الأفريقية رديء لكثرة الأعداد وقلة الغذاء. وتقوم النساء عادة بالزراعة، ولا يُستخدَم المحراث بل الفأس، والمحصول الأساسي هو الذرة والبطاطا، ورغم أن الماشية تتغذى على سيقان الذرة بعد جني المحصول، فإن روث البقر لا يُترَك في الأرض ليعطيها خصوبة متجددة، بل يُجمَع ويُجفَّف ليُستخدَم كوقود، ولا شك أن ذلك راجع إلى الفقر الناجم عن تحديد المعازل بمساحات صغيرة خالية من الغابات والأحراش، مما يضطر الأهالي إلى استغلال ظروف بيئتهم الضنكة على شتى الوجوه.

ويشتغل معظم الرجال خارج المعازل، ويقضون وقتًا طويلًا في المناجم أو المصانع، ويعودون من حين لآخَر مع ما اقتصدوه من أرباح لييسروا حال ذويهم من ناحية، أو للزواج، أو للاحتفاظ بحقهم المشروع في الأرض من ناحية أخرى. وتؤدي هذه الهجرة إلى زيادة المصاعب بالنسبة لأية محاولة لتحسين أو تنمية الزراعة في المعازل؛ لأن المدن والمناجم تمتص عناصر الشباب الفتية ولا يبقى بالمعازل سوى كبار السن والنساء.

جدول ٦-٥: الإنتاج الحيواني والزراعي في جنوب أفريقيا.*
المحصول الإنتاج (ألف طن) ملاحظات
١٩٦٣ ١٩٧٠
اللحم ٥٧٤ ٦٢١ (منها ٤٠٠ ألف طن بقري، و١٥٠ ألفًا من الأغنام و٧١ ألفًا من الخنازير. أرقام ١٩٧٠.)
اللبن ٢٥٠٤ ٢٦٥٠ (كله من لبن البقر — عدد أبقار اللبن ٣٫٣ ملايين.)
الزبد ٤٣ ٤٩
الجبن ١٤ ٢٠
الصوف ٧٢ ١٤٤
المساحة ١٩٧٠ الإنتاج (ألف طن) إنتاجية الهكتار (كجم)
(ألف هكتار) ١٩٦٣ ١٩٧٠ ١٩٧٠
الذرة (مزارع الأوروبيين الأفريقيين) ٥٢٠٠ ٣٩٤٢ ٦٤٢٣ ١٢٤٠
٢٤٨
القمح ١٣٠٠ ٨٢٢ ١٣٠٠ ١٠٠٠
الشعير ٤٠ ٣٨ ٢٦ ٦٥٠
الشيلم ١٠٥٠ ١١٨ ١٤٨ ١٤٠
الدخن ٣٧٢ ٢٠٦ ٤٦٠ ١٢٠٠
فول السوداني ٣٩٥ ٢٠٥ ٢٩٦ ٧٥٠
قصب السكر ١٩٥ ٩٩٣٩ ١٤٧٨٨ ٧٥٨
التبغ ٤٥ ٣٠ ٣٤ ٠٫٧٥
الكروم ٦٨٢ ٨٨١
البرتقال ٣٧٤ ٤٧٣
الموز ٤٠ ٦٠
الأسماك ٥٩٩ ٨٦١
الحيتان (بالعدد) ٤٢١٠ ١٨٨٠
الأرقام عن الكتاب السنوي للإنتاج، هيئة الأغذية والزراعة لعامَيْ ١٩٦٤، ١٩٧٠، والكتاب الإحصائي السنوي للأمم المتحدة ١٩٧١.

(٥-٣) صيد الأسماك

لقد تطوَّرَ صيد الأسماك في الفترة الأخيرة لما بعد الحرب الثانية؛ نتيجة اهتمام الدولة بهذا المورد، وتخصيص أرصدة للدراسة وتحسين الموانئ وصناعة سفن جديدة، ولكن الرصيف القاريَّ — رغم أنه أوسع رصيف قاريٍّ في أفريقيا — إلا أنه ضيق في كل السواحل باستثناء الجنوب فيما بين كيبتاون وبورت إليزابث، حيث يتسع في صورة لا بأس بها بامتداده جنوبًا، ومعظم إنتاج السمك من الرصيف القاري وسواحل أفريقيا الجنوبية الغربية، يُعلَّب ويُصدَّر كغذاء للحيوان، وفي الماضي كانت جنوب أفريقيا من الدول المشاركة في صيد الحوت، ولكنها الآن لا تمتلك سفنَ صيدِ الحوت في البحار العميقة، وتكتفي بصيده إذا ظهر قرب السواحل، وخاصة السواحل الجنوبية الشرقية، وقد أصبحت دربان أهم مركز لتعليب لحم الحوت، ويستهلِك غالبيةَ هذا اللحم عمَّالُ المناجم من الأفريقيين في الترنسفال. وفي عام ١٩٦٢ كان إنتاج الدولة ٥٩٠ ألف طن من الأسماك، وأربعة آلاف حوت، و١٦ ألف طن من زيت الحوت.

(٥-٤) التعدين

أهم معادن جنوب أفريقيا المنتجة هي بلا جدال الذهب والماس والفحم، إلى جانب الحديد والنحاس والإسبستوس واليورانيوم، وتستخدم مناجمُ الذهب والفحم وحدها ٣٦٠٠٠٠ أفريقي من مجموع عمَّال التعدين البالغ عددهم قرابة نصف مليون، ومعظمهم من الأفريقيين. ولبيان أهمية التعدين في جنوب أفريقيا نورد المقارنة التالية:

جدول ٦-٦: العمالة في أنواع النشاط الاقتصادي في عدد من الدول الأفريقية.*
نوع النشاط المختار النسبة المئوية لعمالة الرجال في دول مختارة
جنوب أفريقيا الكنغو الجزائر ج. ع. م.
أفريقيون أوروبيون أفريقيون أوروبيون
الزراعة ٤٣٫٤ ١٨٫٤ ٦٩٫٨ ٧٥٫٤ ١٣ ٦٢
التعدين ١٥٫٥ ٧٫١ ٢٫٩ ٠٫٥ ٠٫٩ ٠٫٢
الصناعة ٩٫٨ ١٨٫٦ ٥٫٧ ٤ ١٨ ١٠٫٣
مجموع القوة العاملة بالآلاف ٢٩١٥ ٧٦٨ ٣٠٤٢ ٢١٤٢ ٢٧٤ ٥٨٢٧
الأرقام عن: Oxford Regional Economic Atlas: Africa 1965. P. 12.
وتشير إلى تركيب العمالة لعام ١٩٥٠ في جنوب أفريقيا، وعام ١٩٥٥ في الكنغو، وعام ١٩٥٤ في الجزائر، وعام ١٩٤٧ في ج. ع. م.

ويتضح من هذه الأرقام كيف أن نسبة العمالة في التعدين عالية جدًّا في جنوب أفريقيا، فهناك فارق شاسع بينها وبين العمالة في الكنغو، رغم أهمية التعدين في الدولة الأخيرة. وتوضِّح الأرقام أيضًا أن اليد العاملة الأساسية في التعدين هي العمالة الأفريقية، بينما تقتصر عمالة الأوروبيين في هذا المجال على الإشراف الفني والإداري.

ورغم أهمية التعدين في جنوب أفريقيا، إلا أن هذه الدولة تتمتع بميزان متعادل في كافة أوجه النشاط الاقتصادي، وذلك على عكس الغالبية الساحقة من الدول الأفريقية، فهي إما أنها تقتصر على إنتاج خامة أو خامات زراعية أو معدنية، مما يجعلها عرضةً للتأثُّر الشديد بأحوال العالم السياسية والاقتصادية. أما جنوب أفريقيا فإنها قد تعدَّتْ هذه المرحلة وأصبحت أقرب إلى الدول المتقدمة من حيث توازُن وتعدُّد مصادر دخلها القومي، ويوضِّح الجدول ٦-٧ هذه الصورة بالمقارنة مع غيرها من الدول الأفريقية.
جدول ٦-٧: توزيع الدخل القومي على أهم مصادره في عدد من الدول الأفريقية.*
نوع النشاط النسبة المئوية من الدخل القومي العام لأنواع النشاط الرئيسي
جنوب أفريقيا الكنغو نيجيريا الجزائر ج. ع. م.
الزراعة ١٣ ٢٨ ٦٣ ٣١ ٣٣
التعدين ١٣ ٢٠ ١ ٣ ١
الصناعة ٢٥ ٢٠ ١٤ ٢١ ١٥
مجموع الدخل (مليون دولار) ٤٨١٩ ٩٧٦ ٢١٨٦ ٢١٢٣ ٢٦٢٢
الأرقام عن: Oxford Regional Economic Atlas, Africa. P. 39.
وتشير أرقام «جنوب أفريقيا» و«الكنغو» إلى عام ١٩٥٧، وأرقام «نيجيريا» و«ج. ع. م.» إلى عام ١٩٥٦، وأرقام «الجزائر» ١٩٥٤.
وفيما يلي معالجة سريعة لأهم أنواع المعادن المنتجة:
  • الذهب: أقدم المعادن التي عُرِفت في جنوب أفريقيا، وأقدم كشف عنه كان في إقليم الراند حول جوهانسبرج، وبدأ تعدينه عام ١٨٨٦. ويوجد الذهب في عروق رفيعة في طبقات من المجمعات، ومعظم مناجم الذهب القريبة من جوهانسبرج قد أقفلت بعد أن نضب المعدن أو أصبح استخراجه أعلى تكلفةً من سعره، ولقد نمى تعدين الذهب فيما بين الحربين العالميتين في إقليم غرب الراند حتى راند فونتين وشرق الراند أيضًا.

    وكذلك كان الذهب يُعدَّن منذ نهاية القرن الماضي في منطقة كلركزدورب (حوالي ١٨٠كم جنوب غرب جوهانسبرج)، ويوجد بالمنطقة ١٣ منجمًا تنتج في الوقت الحاضر ٣٫٣ ملايين أوقية ذهب من مجموع الإنتاج البالغ ٢٠٫٩ مليونَ أوقية عام ١٩٦٠. وقد اكتشفت مناجم أخرى بعد الحرب الأخيرة في أودندالرزوس (إقليم أورنج)، حيث يوجد الآن ١١ منجمًا على عمق ٢١٠٠ متر، تحت طبقات الكاروو التي يبلغ سمكها في المنطقة ١٢٠٠ متر، ورغم صعوبات الحفر إلا أن العمل في هذه المناجم تمَّ بسرعة فائقة، وأصبحت تنتج ٦٫٣ ملايين أوقية (١٩٦٠)، وأحدث المناجم في منطقة إيفاندر شرقي الراند، وفيها ثلاثة مناجم عمق العمل في أحدها إلى ٣٠٠٠ متر، ولكن مثل هذا المنجم كثير التكلفة مما سيؤدي في النهاية إلى إقفاله.

    ويمكن للإنسان أن يدرس تغيُّر المظهر الطبيعي للبيئة في حالة اكتشاف مناجم جديدة، ومن أحسن الأمثلة إقليم أودندالزروس في شمال الأورنج الذي كان إقليمًا رعويًّا هادئًا، وعندما تمَّ الكشف عام ١٩٤٦ كانت أودندالزروس قرية صغيرة جدًّا تزايد سكانها إلى ٢٤ ألفًا (ثلثاهما أفريقيون) عام ١٩٥٤، ولم تمضِ عشر سنين أخرى حتى أصبح عدد السكان في المدينة ٤٠ ألفًا (٢٧٠٠٠ منهم أفريقيون). والمنطقة التي يُعدن فيها الذهب لا يزيد طولها عن ٥٠ كيلومترًا من الشمال إلى الجنوب، وعرضها قرابة ١٨كم، ومع ذلك فقد نشأت فيها ثلاث مدن جديدة إلى جوار أودندالزروس، وأصبح مجموع عدد سكان هذه المدن الأربع ٢٠٠ ألف شخص، نصفهم يعتمدون على الذهب في حياتهم. كذلك كانت منطقة إيفاندر جزءًا من نطاق المراعي غير المأهولة، وحينما اكتُشِف الذهب نشأت مدينة إيفاندر من لا شيء (لهذا لا تظهر على كثير من الخرائط).

    وتسيطر سبع شركات على إنتاج الذهب في جنوب أفريقيا، ويبلغ عدد العاملين في الذهب في الوقت الحاضر ٥١ ألف أوروبي، و٣٠٠ ألف أفريقي، ثلثهم من مواطنِي الدولة من البانتو، والثلث الثاني عمَّال بعقود من موزمبيق، والباقي من المحميات البريطانية السابقة وروديسيا ومالاوي.

  • الماس: اكتُشِف لأول مرة في كمبرلي عام ١٨٦٧، وبدأ إنتاجه في صورة شركات فردية عديدة ١٨٧٠، وفي عام ١٨٨٨ أُنشِئت شركة «دي بيرز» التي احتكرت العمل في الترانسفال وأورنج. ويوجد الماس في وسط العروق البركانية القديمة، وبالتالي فإن ظهور الماس على سطح الأرض أمر نادر، وفي البداية كانت هذه العروق تُحفر، ومن ثَمَّ فإن المظهر العام لمناجم ماس كمبرلي عبارة عن حفرات كبيرة تتعمق إلى بضع مئات الأمتار، ولكن مناجم الماس في الوقت الحاضر لا تتسم بهذه الصورة، بل تُحفَر إنفاق عمودية في الصخر إلى جوار العرق البركاني، ثم أنفاق أفقية داخل العرق، ولقد أدت هذه الطريقة في استخراج الماس إلى تقليل عدد الأشخاص أو الشركات الصغيرة الباحثة عن الماس، ونمو الشركات الكبيرة التي أصبحت في موقف المحتكر لهذا النوع من المعادن النادرة.
    figure
    خريطة رقم (٨٠).

    وإلى جانب هذا النوع من الماس — الذي يُعرَف باسم كمبرليت — هناك الماس الموجود في التكوينات الفيضية التي عُرِفت في وادي نهر فال منذ أوائل هذا القرن، وقد عُثِر في عام ١٩١٢ على تكوينات كبيرة في إقليم ليختنبورج غربي الترانسفال، ومنذ ١٩٢٧ بدأ إنتاج الماس في كمبرلي والترنسفال يقلُّ، وفي الوقت ذاته اكتشف جيولوجي ألماني مناجمَ عظيمةً للماس جنوب مصبِّ الأورنج في إقليم ناما كالاند، وشمال المصب في إقليم نامالاند، الذي يقع في أفريقيا الجنوبية الغربية، وتستغله شركات الماس في جنوب أفريقيا. وفي عام ١٩٦٢ أيضًا أمكن بالتجربة التدليل على إمكانية استخراج الماس من البحر بواسطة سفن مجهَّزَة خصيصًا لذلك، وربما أدى ذلك إلى بداية استغلال تجاري لمصادر المعدن قرب شواطئ أفريقيا الجنوبية الغربية. (نظرًا لاحتمالات الثروة المعدنية الكبيرة في هذه المنطقة، فإن جمهورية جنوب أفريقيا تضع يدها عليها، ويبدو أنها لن تتخلى عنها إلا بالقوة.)

  • الفحم: لولا الفحم لما أمكن لجنوب أفريقيا استغلال كل موارده المعدنية بالصورة التي يستغلها بها الآن؛ لأنه يكوِّن مصدرًا للطاقة محليًّا ورخيصًا، وتدل الدراسات على أن احتياطي الفحم الموجود في جنوب أفريقيا يُقدَّر بنحو ٧٥ مليار طن، و٩٠٪ منه في الترانسفال. ويظهر الفحم في تكوينات الكاروو، ويوجد في طبقات أفقية تجعل من السهل استخراجه، ومعظم طبقات الفحم تتراوح بين مترين وأربعة أمتار في السُّمْك، وقد سهَّلَ ذلك استخدام الوسائل الميكانيكية في الإنتاج؛ مما أدَّى إلى خفض تكلفة الإنتاج بشدة.

    أما حقول فحم ناتال في دندي وفريهايد فيكونان مصدر فحم الكوك الوحيد في جنوب أفريقيا، ولكن معظم فحم الدولة يُعدن في الترانسفال في حقول ويتبانك، سبرنجز، ميدلبورج، وارميلو، وكلها توجد شرقي منطقة الراند الصناعية، أما ما يوجد من فحم في إقليم الأورنج فلم يُعرَف بعدُ على وجه الدقة، وإن كان الإنتاج من بعض هذه الحقول كبير. وهناك حقلان لإنتاج الطاقة في الأورنج: أحدهما في فيرفونتين، ويعطي الطاقة لمحطة الكهرباء على الفال قرب كلر كزدورب، والثاني في ساسولبرج — ٢٥كم جنوب فرئينجنج على الضفة الجنوبية لنهر الفال — لاستخراج البترول من الفحم، ويعطي ٥٠ مليون جالون بترول في السنة، ومنتجات أخرى من بينها الغاز اللازم لإقليم الراند.

    ويملك اتحاد منتجي الفحم في الترانسفال معظم المناجم المنتجة للفحم في الترانسفال والأورنج، ويحتكر بذلك نسبة عالية جدًّا من إنتاج الفحم في الدولة — الترنسفال وحدها تنتج ٧٠٪ — ونظرًا لوجود العمالة الأفريقية المتناهية الرخص؛ فإن فحم جنوب أفريقيا أرخص فحم في العالم؛ فتكلفة إنتاج الطن تساوي دولارًا ونصفًا مقابل ستة دولارات في الولايات المتحدة، و٧٫٧ دولارات في بريطانيا، ونظرًا لاحتياجات الصناعة المتزايدة فقد كفَّ جنوب أفريقيا عن تصدير الفحم للخارج.

  • الحديد: توجد أنواع عديدة منه، ولكن أهم مناجم الحديد توجد في تابازيمبي — ١٧٠كم شمال غربي بريتوريا — وفي دندي في ناتال، وفي سيشن وبوستما سبورح جنوبي بوتسوانا، وقد بُنِي مصنع للحديد والصلب في بريتوريا قبل الحرب الثانية، ثم مصنع آخَر عام ١٩٥١، وثالثًا ١٩٥٥، وأصبحت بريتوريا بذلك أهم مراكز صناعة الحديد والصلب في القارة.
  • معادن أخرى: توجد عدة معادن أخرى تُنتَج بكميات لا بأس بها، ومن أهمها اليورانيوم الذي يوجد في كميات صغيرة في معظم مناجم الذهب في الراند، وعلى الرغم من أن المستخرَج من اليورانيوم النقي من الخام أقل من ربع اليورانيوم الأمريكي، إلا أن تكلفة إنتاجه تُعوَّض بواسطة إنتاج الذهب من نفس المناجم. وعلى أية حال فإن وجود مناجم الذهب أصلًا لا يؤدي إلى نفقات كبيرة في استخراج اليورانيوم. ويُعدن البلاتين في الترانسفال في روستنبورج، وإن كانت الدراسات قد أدَّتْ إلى إثبات وجوده في مناطق عديدة في نطاقٍ يمتد من شرق الترانسفال إلى غربه، ورغم أن منجمًا واحدًا هو المستغَل إلا أن جنوب أفريقيا تتصدر الدول في إنتاجه. وإلى جانب ذلك توجد مناجم للكروميت والمنجنيز والنحاس والنيكل والاستبسنوس والفوسفات (راجع الخريطة رقم ٧١).
جدول ٦-٨: إنتاج وقيمة المعادن الرئيسية.
المعدن الإنتاج (ألف طن) ٪ من إنتاج القيمة ١٩٦٨
١٩٦٠ ١٩٧٠ أفريقيا ١٩٧٠ مليون دولار
الذهب (ألف كجم) ٨٥٣ ١٠٠٠ ٩٥٫٦ ١٠٨٨
النحاس ٥٥ ١٤٨ ١١٫٤ ١٣٩
الفحم ٤٢٠٠٠ ٤٥٦٠٠ ٩٠٫٣ ١٣٦
الماس (ألف قيراط) ٤٣٧٦ ٨١١٢ ٢٠٫٨ ١٠٠
يورانيوم (ألف رطل) (أوكسيد) ٧٧٤٦ (قيمة صادرات ١٩٦٤) ٨١
الحديد ٢٨٤٤ ٥٨٦٩ ١٦٫٧ ٣٥
المنجنيز ٥٦٧ ١١٧٧ ٨١ ٣٣

(٥-٥) الصناعة

رغم أن جنوب أفريقيا هي الدولة الصناعية الكبرى في أفريقيا، فإن الصناعة فيها ما زالت أقل من مستوى الدول الصناعية بالمعنى المفهوم، ونظرًا لأن البوير أساسًا مزارعون، فإن الصناعة دخلت جنوب أفريقيا بالنمط الذي عليه الآن نتيجة دخول بريطانيا جنوب القارة واستيطان الإنجليز فيها، وكانت المعادن الموجودة بكثرة هي أول دافع لإقامة بعض الصناعات التي تخرج عن نطاق الحاجة والاستهلاك البسيط لمجتمع البوير الزراعي.

وقد نشأت صناعة الحديد والصلب في بريتوريا — بالقرب من مركز التعدين الأساسي في الراند — وفي قرئينجنج قرب مصادر الماء في نهر الفال.

وفي ناتال أقيم مصنع للحديد الزهر في نيو كاسل قرب مناجم الحديد، وفحم الكوك.

ولا شك أن صناعة الحديد والصلب، قد نجحت نتيجة التشجيع الذي لقيته من الحكومة في صورة إنشاء هيئة الحديد والصلب عام ١٩٢٨، وربما كان الدافعَ للتدخل الحكومي في هذه الصناعة والمحافظة عليها؛ الكسادُ العامُّ السابِقُ لأزمة ١٦٢٩-١٩٣٠ العالمية، ومحاولة الحكومة القضاء على البطالة، وإنقاذ البيض الفقراء من آلام البطالة.

وفي الدولة هيئة شبه حكومية تُسمَّى هيئة تنمية الصناعات، وقدمت هذه الهيئة خدمات جليلة للصناعة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، بإنشاء عدد من الصناعات تشتمل على استخراج البترول من الفحم في مشروع ساسولبورج السابق ذكره، واستغلال مصادر الفوسفات، وإنشاء مصنع للسماد في شمال شرق الترانسفال، وإنتاج لب الخشب لصناعة الرايون بالقرب من دربان، ومصنع للورق على نهر توجيلا في ناتال، ومصنع نسيج في كنج ويليامز تاون التي تقع بالقرب من إيست لندن.

وعلى عكس تركُّز الصناعات الكبيرة في نقط محدودة من الترنسفال وناتال وشرق الكاب، فإن صناعة السلع الاستهلاكية موزَّعة في مدن كثيرة، وعلى هذا فإن دربان كمركز صيد الحيتان وإنتاج زيوتها قد أصبحت مركزًا لصناعة الصابون، ولكن هناك مصانع عديدة للصابون منها ما هو في جوهانسبرج وكيبتاون وإيست لندن. والصناعات الغذائية منتشرة جغرافيًّا ومرتبطة بمنتجات الريف، وخاصة الألبان والزبد والجبن.

وترمي الحكومة من تشجيعها للصناعة وتدخُّلها فيها إلى عدم تركيزها في مناطق محدودة، وربما كان أحدَ أسباب هذه السياسة قلةُ مصادر الماء في المدن الكبرى، مما يؤدي إلى الضغط على المتبقي من المصادر المائية إذا ما زاد التركُّز الصناعي فيها، وقد اتضح ذلك من قرار هيئة التخطيط القاضي بعدم السماح لأي صناعة كبيرة تستهلك كميات كبيرة من الماء بأن تقام على أو قرب نهر الفال؛ لأن مياه هذا النهر قد وُزِّعت بأكملها على المنشآت الموجودة حاليًّا.

ولكن إلى جانب هذا السبب فهناك سبب آخَر يدعو الحكومة إلى عدم تشجيع تركُّز الصناعات، وهذا السبب مرتبط بسياسة التمييز والتفرقة العنصرية، وهي السياسة التي تدعو إلى إقامة صناعات داخل المعازل الأفريقية وقريبة منها؛ بغية جعل ما يمكن أن يكون في المستقبل دولة البانتو، دولةً معتمدة على نفسها منفصلة عن دولة البيض في جنوب أفريقيا، ويرتبط هذا التفكير بالظروف الطبيعية التي صادفت المعازل الأفريقية، ومن أهم هذه الظروف: توافر الماء والمطر في الإقليم الشرقي، مما يتيح إقامة الصناعات فيها وحولها، ولكن سياسة عدم التركيز في الواقع، ورغم أنها نظريًّا سياسة مفيدة، إلا أنها تتجاهل طاقة الجذب الكبيرة لمراكز الصناعة والعمران الحالية، فإذا لم تنفِّذ الحكومة خططها بالقوة، فإن طاقة جذب المدن الكبيرة ستجعل من السياسة الصناعية الحالية للدولة مجرد أفكار جميلة على الورق.

«مشكلة الماء»: سبق أن ذكرنا أن جنوب أفريقيا تتمتع بقدر من المطر كافٍ في الشرق والجنوب والجنوب الغربي، ولكن مشكلة المطر في القسم الغربي مشكلة رئيسية؛ فلا توجد أنهار يمكن الاعتماد عليها سوى الأورنج وروافده، وأهمها فال، ونظرًا للأهمية الرئيسية لهذا النهر فإن استغلال مياهه ابتداءً من ١٩٥٦ أصبح في يد هيئة حكومية، هي إدارة شئون المياه.

ولقد أُقِيمت منذ فترة طويلة عدة سدود على الفال وروافده، معظمها خاص بتوفير الماء اللازم للري، ومن أكبر السدود «فالدام» أو سدُّ الفال قرب فرئينجنج، وتغذي مياهه احتياج المناجم في الراند وكلركزدورب، ومناجم الماس في كمبرلي، ومشروع البترول في ساسولبورج، إلى جانب توفيرِ ماء الشرب للمدن والقرى المجاورة، ومدِّ مشروع «فال هرتز» الزراعي بالماء لريِّ ٨٧ ألف فدان. وهناك ثلاثة مشروعات رئيسية على الأورنج أُعلِن عنها عام ١٩٦٢، وهي: مشروع سدِّ وادي رويجت بالقرب من بيتولي، والقصد منه مدُّ المياه في نفقٍ إلى وادي نهر سونداج ونهر فيش لمشروعات الري في شرق الكاروو الكبير. ومشروع سد فاندر كلوف قرب بتروسفيل. وسد توركواي قرب دوجلاس قبل التقاء الفال بالأورانج، لريِّ الأراضي على سطح الهضبة في إقليم الأورنج، وهذه المشروعات الثلاثة سوف تضم محطات كهربائية. وبالقرب من شلالات أوجرابيس يوجد سدٌّ كبير على الأورنج عند بويجويبرج، وبواسطة مياه هذا السد أمكن زراعة مساحات لا بأس بها على ضفتَي الأورنج فيما بين السدِّ وأوجرابيس، مسافة تزيد على ٣٥٠ كيلومترًا.

أما الأنهار القصيرة التي تصب في المحيط الهندي، فهي صالحة لتوليد الطاقة، ولكنَّ أحدًا لا يفكِّر فيها حاليًّا لكفاية الفحم المنتج.

(٥-٦) النقل

حتى نصف القرن التاسع عشر لم تكن هناك من مواصلات سوى عربات الثيران، وحينما اكتُشِف الماس في ١٨٦٩ كانت هناك خطوط حديدية قصيرة من كيبتاون ودربان إلى ضواحيهما، ولكن سرعان ما مُدَّ الخط الحديدي بين كيبتاون وكمبرلي، وبين كمبرلي وبورت إليزابث بعد كشف الماس. وحينما اكتُشِف ذهب الراند وصلت السكة الحديدية بين جوهانسبرج والموانئ التالية: لورونزوماركيز، دربان، إيست لندن، بورت إليزابث، كيبتاون. وبعد حرب البوير زادت الشبكة الحديدية كثافةً، خاصةً في مناطق التعدين الأساسية في جنوب الترنسفال وشمال أورنج، بالإضافة إلى خطوط حديدية أخرى إلى نطاقات الزراعة الرئيسية، والخطوط الحديدية ملك للدولة منذ البداية، وقد امتدَّ نشاط النقل الحديدي بواسطة سيارات الخطوط الحديدية التي تكمل النقل في المناطق التي لا تخدمها السكة الحديدية.

أما الطرق البرية فغالبيتها طرق معبَّدَة، ولكنها ليست مرصوفة بالأسفلت إلا في عدد قليل منها، وخاصة في المدن وضواحيها. والنقل على الطرق البرية لا ينافس السكة الحديدية، حيث إن إدارة السكة الحديدية هي التي تشرف على النقل البري، ولذلك لا تبني طرقًا تؤدي إلى تقليل حصيلتها من الركاب أو البضائع.

ورغم وقوع موانئ جنوب أفريقيا الرئيسية على خلجان طبيعية، إلا أن الموانئ صناعية، وميناء دربان لا يقع على خليج إنما «لاجون» وسعت وعمقت كثيرًا، وأصغر الموانئ هو إيست لندن، وأكبرها وأكثرها حركة كيبتاون، يليه مباشَرةً دربان، بينما بورت إليزابث وإيست لندن موانئ محدودة الأهمية لصِغَر ظهيرهما وتخصُّصه في الإنتاج الرعوي.

(٥-٧) التجارة الخارجية

بلغ مجموع التجارة الخارجية لجمهورية جنوب أفريقيا عام ١٩٧٠ قرابة ٥٫٦ مليارات دولار، تتكون من نحو ٣٫٥ مليارات قيمة الواردات و٢٫١ مليار قيمة الصادرات، ويتضح من ذلك أنه رغم الثروة المعدنية والحيوانية والزراعية الكبيرة التي تتمتع بها جنوب أفريقيا، فإن الميزان التجاري ليس في مصلحتها، ولعل السبب الأكبر في ذلك هو قصور الصناعة، واحتياج الدولة إلى استيراد سلع مصنعة كثيرة.

جدول ٦-٩: قيمة الواردات والصادرات (١٩٦٨).*
السلعة ٪ من قيمة جملة الواردات ٪ من قيمة جملة الصادرات
القيمة الإجمالية ٢٫٦ مليار دولار ١٫٩ مليار دولار
أغذية وحيوانات حية ٣٫٧٪ أغذية ٥٪ ٢٦٫٨٪ ٢٨٫٢٪
مشروبات وتبغ ٠٫٨ ٠٫٩
دهون حيوانية ونباتية ٠٫٥ ٠٫٤
آلات وسيارات ٤٤ مصنعات وآلات  ٦٢٫١٪ ٣٫٨ ٣٦٫٧٪
سلع ١٩٫٩ ٣٢٫١
مصنعات أخرى ٨٫٢ ٠٫٨
مواد كيميائية ٨٫٣ ٣٫٤
وقود معدني ٦٫٥ ٤٫٣
خامات ٦ ٢٢٫٣
أصناف أخرى ٢ ٤٫٨
Europa Year book 1970, Vol 2. London 1970.

ويوضِّح هذا الجدول أن الصورة العامة لتجارة جنوب أفريقيا الخارجية لا تختلف من ناحية النوع عن معظم أشكال التجارة للدول النامية، وإنْ كانت تختلف كثيرًا من ناحية الكم، فالسمة الأساسية في تجارة الدولة مرتبطة باستيراد الآلات والسيارات ووسائل النقل المختلفة، بجانب استيراد السلع المصنعة بأشكالها المختلفة، وعلى رأسها المنسوجات والسلع الكهربائية والهندسية، ويكون هذا كله نحو ثلثَيْ تجارة الواردات. وفي مقابل ذلك نجد الصادرات تقسم بسيادة حصة الأغذية والخامات المعدنية بما يتجاوز نصف قيمة تجارة الصادرات، وتصدِّر الدولة أيضًا بعضًا من منتجاتها الصناعية كالأقمشة والآلات، كما تعيد تصدير بعض استيرادها من الآلات إلى الدول المجاورة لها، وخاصة روديسيا وبوتسوانا.

ومما يؤكِّد الصورة العامة لتركيب تجارة جنوب أفريقيا أن هذه التجارة تتحرك — استيرادًا وتصديرًا — بكثافة عالية بين الدولة والدول الصناعية الكبرى، بحيث يتم تبادُل الخامات والأغذية المنتجة في جنوب أفريقيا، والتي تحتاجها الدول الصناعية، مع المنتجات المصنعة والآلات التي تنتجها تلك الدول وتحتاجها جنوب أفريقيا.

جدول ٦-١٠: اتجاه تجارة جنوب أفريقيا.
تجارة الواردات تجارة الصادرات
الدولة ٪ من جملة الواردات الدولة ٪ من جملة الصادرات
بريطانيا ٢٣٫٩ بريطانيا ٣٤٫٣
الولايات المتحدة ١٧٫٧ اليابان ١٤٫٧
ألمانيا (غ) ١٣٫٥ الولايات المتحدة ٧٫٥
اليابان ٦٫٦ ألمانيا (غ) ٧٫٣
إيطاليا ٤٫١ بلجيكا ٣٫٧

وفي مقابل ذلك نجد أن علاقات جنوب أفريقيا التجارية ببقية الدول الأفريقية ضعيفة، وبطبيعة الحال فإن الظروف المكانية وعلاقات الموقع الجغرافي قد فرضت على بوتسوانا وليسوتو وسوازي اتحادًا جمركيًّا مع جنوب أفريقيا، أصبحت هذه الدولة بواسطته متحكمة تمامًا في التجارة الخارجية لهذه الدول الصغيرة الثلاث، وكذلك فرضت الارتباطات السياسية مع حكومة الأقلية البيضاء في روديسيا تفاعلاتٍ تجاريةً لا بأس بها مع جنوب أفريقيا. وتمثِّل زائيري الدولة الأفريقية التي ما زالت مرتبطة بتجارة لا بأس بها مع جنوب أفريقيا.

مراجع لمزيد من الاطلاع

  • Cole, M. M., 1961, “South Africa” London.
  • Lystad, R. A., 1965, “The African World, A Survey of Social Research” London.
  • Du Toit, A. L., 1954, “The Geology of South Africa” London.
  • Green, L. P., & T. J. D. Fair, 1962, “Development in Africa” London.
  • Hesse, K., 1954, “Wirtschaftswunder Suedafrika” Duesseldorf.
  • Keane, A. H., 1900, “The Boer States” London.
  • Kepple-Jones, A., “South Africa, A short history” London.
  • King, L. C., 1963, “South African Scenery” London.
  • Colin, L., 1966, “Africa. A Handbook to the Continent” New York.
  • Ritter, P., 1957, “Sued Afrika” Munchen.
  • S. A. Institute of Race Relations. “Survey of Race Relations 1958-1959” Johannesburg.
  • Schmidt, W., 1958 “Sued Afrika” Bonn.
  • Scholtz, G, D., 1958, “The Origins and Essence of Race Pattern In South Africa” Stellenbosch.
  • ملاحظة: الأستاذ شولتز أحد أنصار النظرية العنصرية في جنوب أفريقيا.
  • Talbot, A. M. & W. J., 1960, “Atlas of South Africa” Pretoria.
  • Wellington, J. H., 1955, “Southern Africa” London.
١  راجع الخريطة رقم (٦٨) التي توضِّح أوطان الأفريقيين (البانتو والبشمن والهوتنوت) في جنوب أفريقيا قبل وصول الأوروبيين.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤