سبب موت أحمد بن طولون: ولكل أجل كتاب

قال مؤلِّف هذا الكتاب: أول ذلك أن يازمان الخادم، لمَّا خلا ذَرْعه بوفاة موسى أخي أحمد بن طولون وإبراهيم بن عبد الوهاب اليتيم، تمكَّن من طرسوس وخَلَتْ له، [فثار به خلف]١ وكان قد استمال طائفةً من مطَّوِّعيها، فوثَّبهم على خليفة طخشي الذي استخلَفه موسى عليها، لما حضَرته الوفاة فأخرجوه عنها، واتصل خبره بأحمد بن طولون وهو يومئذٍ بدمشق، وخاف التدبير عليه، فسلك طريقًا متجانفة، ووجَّه إلى المخايض والقناطر بمن يمنع منها أن تقع عليه حيلةٌ فيها حتى بلغ المِصِّيصة٢ فأقام بها، وكاتب يازمان وراسَلَه بالشيوخ يدعوه إلى الطاعة وترك المشاقَّة، والانقياد إلى أمره، ويبذل له الأمان، ويخيِّره بين الخروج منها سالمًا مسلَّمًا موفورًا، ويُميت أسباب الشر والمحاربة، أو يقيم عليها غلامًا من غلمانه من قِبَله، فلم يُجبه إلى واحدٍ منهما، فدخل إلى أذَنَة٣ وكاتبه أيضًا منها فلم يُجبه، فزحف إليه فوجده قد تحصَّن بها ونصَب منجنيقاته وعرَّاداته٤ على سُورها، فنزل أحمد بن طولون بمرجها، وأحاطت عساكره بحيطانها، ففجَّر يازمان عليهم نهر البرَدَان،٥ وكان ذلك في كانون الأول، وأوان شدة البرد والمطر، فكاد أن يغرق أكثر عسكر أحمد بن طولون، فرحل عنها ليلًا بعد أن غرق المرج وما حول مدينة طرسوس، وغرقَت المضارب والخِيَم وكل ما كان في العسكر، فلم يتهيَّأ له مُقام ساعةٍ واحدة، ووافى إلى أَذَنة فكتب إليه كتابًا يقول فيه:
أما والله أيها الناقص الأنذل،٦ لولا [إرادة] إبقائي على ثغور المسلمين، وكراهتي أن أفتح عليها للعدو معرَّة تكون سببًا لهلاكها؛ لعلمتَ أن مثلكَ لا يقاوم غلامًا من غلماني ولا يَعْشُرُه، فلما انتصرتَ بما فتحتَه فغرَّقتَ به ما لا يمكنه دفعُه إلا بما فيه هلاك الثغر انصرفتُ كافًّا يدي، محافظًا لله، عزَّ وجل، ولجماعة ساكني الثغر، لا محافظةً لك ولا عجزًا عن حملتك الضعيفة والسلاح.

وأصبح أحداث طرسوس في حوا [؟] إلى ما غرق من الآلات التي ندَّ عنها أهلها لما غرقت بالماء فنهَبوها.

وانصرف أحمد بن طولون عن يازمان، بغيظٍ عظيم، قد تمكن في قلبه منه، إن شفاه أهلك ثغور المسلمين وبلغ مُنْيته، فرأى أن كظمه وتحمُّل غيظه لما كان فيه من الدين والخير أعْوَدُ عليه في آخرته.

وطال مقامه بأذنة، وكان ذلك في عنفوان اشتداد البرد كما ذكرنا متقدِّمًا، فمات من سُودانه خلقٌ كثير؛ لأنهم بقُوا بطُول مُقامهم عراةً في البرد. وتساقَط من الدواب مثل ذلك من كثرة الثلوج، فلمَّا زاد الأمر عليه رحل إلى المصيصة، فاجتمع إليه وجوه قُواده وكبار أصحابه، فقالوا له: لا تبرح أو يزولَ هذا البَرْد، وتعُود إلى يازمان ويُمكِّنك الله، جلَّ اسمُه، منه. فقال لهم: والله لا يراني الله، عزَّ وجل، وأنا أُجهِّز جيشًا لمحاربة طرسوس إذ كانت سكن الإسلام.

فأقام بالمصيصة ثلاثة أيام، وقد نالَتْه علَّة من البرد، فلم يبلُغ أنطاكية حتى زادت علَّته، وكان بَدْؤها هيضة؛ أكل لبن جواميس، فاعتراه بعد الهيضة قذفٌ فأعقبه قيءٌ كثير، فكان بدؤه سببًا صغيرًا كما قال ابن الربعي:

لا تَحقِرنَّ سببًا
كم جرَّ شرًّا سببُ!
وتزايدت علة الذَّرَب،٧ وكان طبيبه سعيد بن توفيل٨ فوجده قد خرج إلى بعض الديارات هناك، فاغتاظ لذلك عليه، وضاق له صدره، فزاده الغيظ هيضًا، فلمَّا وافاه طبيبُه سعيد أغلظ له القول، ومنعتْه عزَّة نفسه أن يشكو إليه أمره وما ناله، والعلَّة تزيد قليلًا قليلًا وتَستحكِم، ثم دخل إليه طبيبُه في الليلة الثانية فاشتمَّ منه رائحة نبيذ، والنبيذ عند النصارى فهو والله دينهم وعادتهم، وقال له: لي يومان في هذه العِلَّة وأنت لاهٍ شارب وتأتيني متنبِّذًا. فقال له: طلَبني الأمير، أيَّدَه الله، بالأمس وكنتُ في بيعة٩ يتبرَّكُ مثلي بالصلاة فيها، ويُسافر إليها من البلدان البعيدة،١٠ فلمَّا قربتُ منها استغنمتُ ذلك، فلمَّا جئُتُ لم يخبرني سيدي الأمير بما جرى بعدي. فقال له: أفما كان يجب أن تسألني عن حالي؟ فقال له: خفتُ سوء ظن سيدي الأمير، ولم يجز أن أسأل أحدًا من الحاشية عما لا يعلمون صحته، وشربي النبيذ فإنما آخذ منه الشيء اليسير؛ لأنَّا نأخذه في قرباننا دينًا، لا أشربه كما يشربه الناس، وأنا مشغول بخدمة الأمير. فقال له الأمير: فما الحيلة الآن؟ قال: تمتنع من الغذاء الليلة، فلا تذوق شيئًا قلَّ ولا جلَّ بوجهٍ ولا سبب، ولو قرِمتَ١١ إليه بكل نوع من الشهوة له، وتتحمل ذلك على كل حال. فقال له: ويحك فأنا والله الساعة جائعٌ شديد الجوع وما أَصبِر. فقال له: اللهَ اللهَ أيها الأمير؛ فإن هذا جوع كاذب لبرد معدتك تجده. فلمَّا كان في نصف الليل اشتدَّ به الجوع فلم يَصبِر، وعاد ذلك الحزم فيه نقصًا، فدعا بشيءٍ فأكلَه، وأُتي بطبق فيه فراريجُ [حارَّة] مشوية وخروفٌ وجَدْيٌ بارد، فأكل من كل ما رآه، فلمَّا حصل في معدته انقطع عنه الإسهال.
قال نسيم الخادم: فلمَّا وقفتُ على ذلك خرجتُ إلى سعيد بن توفيل وهو قائم في الدار، فقلتُ له: قد أكل مولاي الساعة من خروف وجَدْي وفراريج وبَزماورد١٢ ودجاج، فخفَّ عنه القيام وامتسك. فقال: الله المستعان، ولله أمرٌ هو بالغُه. ثم قال لي: ضعُفَت قُوة المدافَعة بقَهر الغِذاء لها قليلًا، وستتحرَّك حركةً شديدة. قال: فوالله ما جاء السَّحَر حتى قام أكثر من عشرة مجالس. ورحل عن أنطاكية وعلَّته تتزايد إلا أن في قوته احتمالًا لها. ووافَى إلى دمشق فأقام بها لتسكُن علَّته.

وكان ابن أبي الساج قد كاتَبَه، وعزم على أن يوجِّه إليه ابنه يكون عنده رهينة بالوفاء، وإظهار الدعاء له في أعماله بالجزيرة، فظنَّ أحمد بن طولون أن رأيه فيما أظهره صحيح، فأنفَذ إليه عبد الله بن الفتح وطبارجي ومعهما الخِلَع والجوائز والخيل، على أنه إن وفَّى بما ذكره ودخل في طاعته سلَّما إليه المال والخِلَع وما حمل إليه، وثبَّتا اسم أحمد بن طولون على الجزيرة وأعمالها.

ولمَّا قرُب طبارجي من ابن أبي الساج خشِي أن يكون ذلك حيلةً عليه، وكان أحمد بن طولون قد تقدَّم إليهما بالقبض عليه فولَّى هاربًا، فرجع طبارجي وابن الفتح إليه فعرَّفاه بما فعل، فعَجِب من ذلك.

وخاف سعيد بن توفيل عليه من تزايُد العِلَّة، فأشار عليه بالرحيل إلى مصر، فاستخلف على دمشق ابن دغباش، وقلَّد عبد الله بن الفتح الرقة، وجعل أنعج على السيَّارة بينهما، ورحل على عَجَلة عُمِلَتْ له مُوطَّأة، يجرُّها الرجال قليلًا قليلًا؛ لأنه لم يتهيأ له ركوب بغل ولا قُبَّة؛ لئلا تتحرَّك على ذلك [علَّته]، فسار بهذه الحال حتى بلغ الفرما،١٣ فشكا إزعاج العجلة أيضًا له، فرَكِب الماء في المركب يخبُّ قليلًا قليلًا حتى وافى إلى الفسطاط، وركب من ساحل الفسطاط قُبة إلى الميدان.
فلم يستقر في داره حينًا حتى أحضر بكار بن قتيبة القاضي فسألَه عن امتناعه من التصريح كما صنَع غيره في أمر الموفق، وقال له: لِمَ توقَّفتَ عن خلعه وقد حصر الخليفة وأَسَرَه وقهَره واستبدَّ بالأمر دونه؟ أفمثل هذا لا يُخلع؟ ويؤمَّر على المسلمين لمخالفته ربَّ العالمين. فقال له بكار: أنت أوردتَ عليَّ كتابًا من الخليفة المعتمد بتوليته العهد، فلو أوردتَ عليَّ كتابًا من الخليفة المعتمد أنه قد [خلَعه] خلعتُه، وأما بخلعك أنت له أخلعه أنا لا يجوز لي غيرُ ما عمِلتُه؛ إذ لم يجز لي أن أقبل الأمر بنصه. فقال له: صدقتَ، أتيتك لعمري بكتاب منه بتقليده العهد وهو مُطاعُ القول، وهو اليوم محصورٌ مأسور مضيَّق عليه، قد نكَث عهده مَنْ قلَّده إياه، ولم يُجازِه على جميل فعله به، واستبدَّ بالأمر دونه وحصَره وقهَره، فوجب بذلك على المسلمين خلعُه. فقال له بكار: ما أقول في هذا شيئًا إلا بحُجة أُثْبِتها. فقال له أحمد بن طولون: أنت شيخٌ قد خرفتَ، ونقَص عقلُك، وأعجبَك قول الناس: «بكَّار بكَّار» فدعاك ذلك إلى أن خرجتَ عن جملة مَنْ شهِدَ بأنه مستحقٌّ للخلع، وخارج عن طاعة أمير المؤمنين ممن فيه الخير والدين، ثم أقامه للناس في الميدان، وأمر بتحريق سواده، فحُرِّق وحبَسه في داره، فكان بكار في كل جمعةٍ يلبس ثيابَه وطويلتَه١٤ ويخرج إلى باب الدار التي هو معتقلٌ فيها، يريد الجامع الجامع لصلاة الجمعة، فيقول له الموكَّلون: ما إلى الخروج، أيها القاضي، سبيل إلا أن نؤمَر. فيقول لهم: الله شهيد على أني أرجع إليكم. فيقولون له: ما إلى ذلك سبيل. فيقول: اللهم اشهد، اللهم اشهد. ويرجع. فرُفِع ذلك إلى أحمد بن طولون فأرسل إليه يقول: زعمتَ أن المحجورَ عليه يأمر وينهى ويكتُب ويكاتب، فكيف حال الممنوع؟ فما تريد أنت أيضًا؟ أردتَ عليَّ كتابًا من الخليفة بتقليدكَ القضاء فأنفذتُ ذلك لك، والآن قد منعتُك فتورد عليَّ كتابه بردِّك حتى أرُدَّك. فأقام في الحبس مذ قدمته الأولى من الشام إلى عودته الثانية منها.

وتفرَّغ [أحمد بن طولون] لأشياءَ كانت في نفسه، فمنها هرثمة صاحب دار هرثمة، أوقع به واصطفاه جميع ما ملكه وحبسه؛ لأنه كان رُفِع إليه أنه قال: توهمنا أنَّا نخدم إمارة، ولم ندرِ أنها خلافة، إلا إنها خلافةٌ وَسِخة مخوفة العاقبة.

وأنه اجتاز ببكار بن قتيبة وقد أُقيم للناس فقال له: عزَّ عليَّ، كفانا الله وإياك، فما هذا مقامك. فحبَسَه في المُطبِق حتى مات فيه.

وأوقع بزياد المعدني؛ لأنه بلغه عنه أنه سمع حسن بن مهاجر كاتبه١٥ وقد لحن في لفظة، فضحك منها. وكان أيضًا القُواد كلهم يُبغِضونه ويسبُّونه لفصاحته وعُجْمتهم؛ ولأن أحمد بن طولون تقدَّم إليه أن ينتسب إلى ولائه فقال له: أيها الأمير، قال رسول الله : «ملعونٌ من انتمى إلى غير مَوَاليه.» وجماعةُ مَنْ بالمغرب يشهدون بعتقِ أشهبَ لي. فأمسك عنه. وبلغَه أيضًا أنه كان يعيب ألفاظ أحمد بن طولون، ويقول: كان أشهب مولاي أسدَّ رأيًا وأحقَّ بالرياسة منه. فحبَسَه حتى مات في حبسه.
وقبض على أبي الضحاك محبوب بن رجاء وأخذ جميع ما كان له وحبَسَه في المُطبِق، وقال له: أنت كنتَ السببَ في خروج ابني العباس إلى الغرب بالتضريب١٦ بينه وبين الواسطي، وإنفاذِك كُتب الواسطي إلى ابني العباس بما كان يطالعني به من أمره، وأغريتَه به وملأتَ صدره عليه، لتقتل الواسطي وتنفرد بموضعه.
وكان معمر الجوهري قد حسَّن له التجارة، فحمل إليه مالًا على أن يَشْغله له في كتَّان، فرأى فيما يرى النائم كأنه تمشَّش١٧ عظمًا فدعا بالعسَّال المفسر، وكان حاذقًا بالعبارة،١٨ فقصَّ عليه ما رآه فقال له: أسفَّت نفس الأمير إلى مكسبٍ لا يشبه خطره ومحله. فدعا بإبراهيم بن قراطغان وكان من أحد ثقاته، ويتقلَّد صدقاته، فقال له: امضِ إلى أبي الحسن معمر، فخذ منه ثمن الكتَّان، وتصدَّق بجميعه، ففعل ذلك، وكان مالًا واسعًا.
حدَّث إسحاق بن إبراهيم قال: قلت لسعيد بن توفيل طبيب أحمد بن طولون وقد صار إليَّ بعد قدومه بيوم يسلِّم عليَّ، ويشكو إليَّ ما عاناه من علَّة أحمد بن طولون، وكان يخدم أبي وعمي قبله: ويحك، أنت حاذقٌ في صناعتك فارهٌ١٩ فيها، وليس لك عيبٌ إلا أنك مُدِلٌّ بها، غير خاضعٍ لمن تخدمه بها، والأمير وإن كان فصيح اللسان هو أعجمي الطبع، وليس يعرف أسباب الطب، ومقدار صناعته، فتُدِلُّ فيها عليه٢٠ فيحتمل ذلك لمقدار محل الطب والحاذق فيه، وقد أفسده أيضًا عليك إقبالُه، فالْطُفْ له وارفق به ودارِه، وخاطبْه من حيث يشاء، واخدمه كما يختار، وواظب على أمره واحتمِلْ شيئًا إن جرى منه، فإن احتمالك يَثْنيه عما لعلك تنكره.

فقال لي: والله ما خدمتي له إلا كخدمة الفأر للسنُّور، والسَّخْلة للذئب، وحذَري منه كحذَرهنَّ، وإن قتلي لأحب إليَّ من صحبته؛ لأنه ينكِرُ عليَّ ما لا يُنْكَر، ويُخالف من علاجه ما ينفعه، ويسارع إلى ما أُحذِّره منه وأنهاه عنه، فإذا حدَث ما يكرهُه نسبَني إلى أني قصَّرتُ في علاجه وجعل الذنب لي. فقلتُ له: فأنت على هذا مرحوم، أعانك الله بلطفه.

فلمَّا اشتدَّت علَّة أحمد بن طولون أرجف إسحاق بن كنداج وابن أبي الساج بموته وأذاعا [ذلك] وطمِعَا في الوثوب على أعماله التي تقرُب منهما. وبلغ ذلك أحمد بن طولون فكتَب إلى أنعج يأمره بالمصير إلى عبد الله بن الفتح ليُعاضده، وكتب إلى ابن دعباش يأمره بمعاضدتهما إن احتاجا إليه، ووصَّاهم بأن تكون كلمتهم واحدة، وقلوبهم متفقة، وأمر بمضاربه فأُخرجَت إلى منية الأصبغ،٢١ وأنفَذ إلى الشام جيشًا فيه خاقان ويلبق، وأقام في مضاربه نحوًا من شهر، ونفذَت بذلك الأخبار إلى ابن كنداج وابن أبي الساج فكفَّ ذلك منهما طمعَهما، ومنعَهما مما كانا قد عزما عليه.
وكان أحمد بن طولون إذا جرى ذِكْر إسحاق بن كنداج يقول: قال اليهودي كذا، وفعل اليهودي كذا؛ لأن الخزر٢٢ كلهم يهود.

وأضرَّ بأحمد بن طولون مقامُه في مَضْربه لكثرة الهواء، فدخل إلى داره وعلَّته تزيد، فأحضَر الحسن بن زيرك الطبيب، فشكا إليه سعيد بن توفيل طبيبه. وكان ابن زيرك هذا حاذقًا أيضًا في صناعته مقدَّمًا فيها، وذكر له تَوانيَه في علاجه، فسهَّل عليه علَّته، ووعده بالسلامة منها عن قرب، فأنِس إلى هذا القول منه وفرح به، وخفَّ عليه بالراحة في داره والطمأنينة، وبملاطفة النساء له بالغمز مرة، وبالهدوء أخرى. ورفقُ النساء بالعليل يُحدِثُ راحة، وكذلك محادثةُ الصديق المحب أو الصاحب المخلص، واستماعُ الأخبار والأحاديث من جدٍّ وهَزْل تُحدِث سلامةً وراحةً قوية ومرحًا في القلب، فهذا أَجلُّ ما استعمله العليل.

فلمَّا حصل لأحمد بن طولون هدوءُه في داره، واجتماعُ شمله وسكونه، تبرَّك [بقول الحسن] بن زيرك، فجعل يخلط فيما يأكله مع الحرم ثقةً بقول ابن زيرك، ويُسِرُّ عن طبيبه وغيره ما يخلط به على نفسه، ولا يمتنع من شهوة يؤثِرها، لقوة قلبه بقول ابن زيرك الطبيب وما أطمعه فيه. وإنما قصد بذلك أن يكسره عن شكواه إليه طبيبه سعيدًا، فكانت راحته التي وجدها لا أصل لها، فازدادت علَّته بتخليطه. وكان قد اشتهى على أم أبي العشائر ابنه سمكًا قريصًا٢٣ فأحضَرَته إياه فأكل منه، فما تمكَّن في معدته حينًا حتى تدافَع الإسهال عليه وزاد أمره، فأحضر أطباء البلد كلهم وجعل الذنب لهم، وقال لهم: أخطأتم في علاجي. وأرهبهم وأخافهم، وقال للحسن بن زيرك الطبيب، وكان قد سقاه دواءً ممسكًا: أحسب أن الذي سقيتَني إياه أمسِ كان غيرَ صواب، وكذلك ما أسقيتَنيه اليوم أيضًا. فقال: والله ما أسقي الأمير إلا ما أجتهد في الصواب فيه، وأتولَّى عجنَه وعملَه بيدي، وأعلم أنه علاجه وموافق له، وكل ما تناوله الأمير، أيَّدَه الله، أمسِ واليومَ فمحمودٌ زائد في القوة الممسِكة يُنهِضها ويُقوِّيها في معدتِك وكبدِك.

وضاق صدر ابن زيرك من خطابه له، فقال: يحتاج الأمير، أيَّدَه الله، إلى إحضار جماعة أطباء البلد كلهم، في غداة كل يوم، حتى يجتمعوا على المشاورة، ويتفقوا في أمره على ما يَسْقونه، فلا يتناول إلا ما أشارت به الجماعة واتفقَت فيه آراؤهم. فضيَّق هذا القول صدر أحمد بن طولون، فقال: والله لئن لم ينجع فيَّ دواؤكم وتدبيركم لأضربنَّ أعناقكُم بأَسْركم، فما أنتم إلا مُمخرِقون، وعلى الأعلَّاء مُتَجنُّون، لا يحصل العليل منكم على شيء في الحقيقة.

فانصَرفَ الحسن بن زيرك من بين يدَيه وهو قلِقٌ بكلامه، [قد فعل] الخوفُ منه في قلبه وعَمِل فيه الفكر، وكان شيخًا كبيرًا فحميَتْ كبدُه عليه من الغمِّ الشديد، وقَوِي عليه الفكر فاختلط عقله، فبقي يومَه وليلتَه يَهْذي بعلة أحمد بن طولون، ويُورِد كلامه له وما توعَّد به الجماعة، فمات من الغد، وطلبه أحمد بن طولون فعرف موتَه فازداد غمُّه وقلقُه، وأمر بجمع الأطباء، فجُمِع له أطباء البلد الموصوفون في التقدُّم في الصناعة والحذْق، وكانوا إذ ذاك متوافرين، فكانوا يحضرون في كل يوم بين يدَيه، ويحضُر طبيبه سعيد بن توفيل خشيةَ ما جعلَه ابن زيرك في نفسه، فيتشاورون في أمره، فإذا اتفقوا على صفةٍ لا يَشُكُّون فيها جميعًا عُمِلَت شربة فيها شربتان، فيشرب أحدهم نصفها بين يدَيه ويُسقى النصف الآخر؛ كل هذا حتى يزول الشك عنده فيهم، فكان مَنْ يشرب منهم ما لا يحتاج إليه جسمه ضرَّه وأعقبه علَّة، فكانوا يحتملون من ذلك أمرًا عظيمًا طُول علَّته.

قال: وكان أحمد بن طولون قد قال لسعيد بن توفيل طبيبه قبل علَّته: أريد طبيبًا يصلُح لخدمة الحرم، ويكون بين أيديهم في غيبتي وحضوري. وكان له ابنٌ بارع في صناعته قد حذق الطب، وكان ذكي الروح حسن الوجه، فقال له: لِعَبد الأمير ابنٌ كيِّس قد برع في الطب، فإن أمرني بإحضاره أحضرتُه، قال: أحضِره. فلما أحضره نظَر إلى حسنه فقال له: ويلك! أقول لك طبيب يصلح للحرم تجيئني بمَنْ يفتنهنَّ ويفسدهنَّ، انظر لي واحدًا مُقبَّحًا، لا يهشُّ إليه أحد، فحملَت سعيد بن توفيل النفاسة والغَيْرة على موضعه أن يدخل معه فيه غيره، على أن [أخذ] هاشمًا، وكان شاكريَّه،٢٤ فألبسه دُرَّاعة٢٥ وخُفًّا وعمامة، وقلع ثيابه الوسخة التي كان يخدم فيها، وكان مُقبَّحًا جدًّا، فأدخله إليه، فلمَّا رآه قال له: نعم، هذا يصلح لهنَّ، وقد جوَّدتَ فيه، فألزمه خدمتهنَّ. وكان لهاشم هذا إقبالٌ قد أزف ونجومٌ قد طلعَت، لم يعلَم بها سعيد بن توفيل، ولا أن هلاكه يجري على يدَيه، فأُدْخِل إلى الحرم فسألوه عن أشياء تنفَق عندهنَّ؛ من دواء الشحم وعلاج سواد الشعر وعلاج الحيض وأشباه ذلك. وكان هاشم خِبًّا ملعونًا، فاجرًا رديء الطبع، فجرى معهنَّ في ميدانهنَّ كما أردن، فقال لهذه: أنا أعمل لكِ كذا وكذا. وقال لأخرى لما تطلُبه منه: أنا أعمل لكِ في هذا ما لا يعرفه أحد ولا يُحسنه. وعمل لكل واحدةٍ منهنَّ ما أرادت، فحظي بذلك عندهنَّ حتى ضرب بعضهنَّ ببعض المثل، وكسب منهنَّ كسبًا كثيرًا ما كسب صاحبُه مثلَه مع أحمد بن طولون. ولم يكن يُحسِن غير دقِّ العقاقير وعجن الأدوية بين يدَي سعيد، ونفْخ النار تحت الأدوية المطبوخة، ولم يكن يُمكِّنُه من عمل شيء من الطب؛ لأنه لم يكن وزنه ذلك ولا محله عنده، وإنما كان يُمسِك حماره إذا دخل دار الأمير أو بغله وينام في الإصطبل.
وكان جماعة الأطباء قالوا لسعيد لمَّا اصطنع هاشمًا وأدخلَه إلى الأمير والحرم: يا سعيد نفِسْتَ٢٦ على غيرك أن تُدخله دار الأمير، وفيهم مَنْ لا يُشَك فيه أنه يصلح لذلك، حذقًا بالصناعة وفهمًا لها، ثم مع هذا كنتَ تكون آمنًا منه عليك وعلى حالك، والله ليكوننَّ لك من هاشم الذي اخترتَه يومٌ يردُّه إليه طبعه الرديء وأصله الدنيء.

حدَّث جُرَيج بن الطباخ المتطبب قال: لقي سعيد بن توفيل [عمر] بن صخر الطبيب، فقال له [عمر]: ما الذي نصبتَ هاشمًا له؟ فقال: لخدمة الحرم؛ لأن الأمير طلب مني طبيبًا مقبَّحًا. فقال له: قد كان في أبناء الأطباء قبيح قد حسُنَت تربيتُه وطاب مَغرِسُه يصلُح لهذه الحال، ولكنك استرخصتَ الصنيعة، والله يا أبا عثمان، لئن قويَت يدُ هاشم ليرجعنَّ فيك إلى دناءة مَنصِبه وخساسة مَحْتِدِه. فتضاحَكَ سعيد من قوله وقدَّر أن ذلك لا يكون.

فلمَّا جمع أحمد بن طولون الأطباء واتفقوا على ما يعالجونه به، دخلَت إليه أم أبي العشائر ابنه فقالت له: قد أدخل مولاي إليه اليوم جميعَ الأطباء ووقفوا على علاجه، وعَمِل كل واحدٍ منهم بما عنده من الصواب بما سقَوك إياه، وأرجو أن يكون فيه الشفاء بمشيئة الله. ولم يُحضِر مولاي هاشمًا طبيبًا فيمن حضر، والله يا مولاي ما فيهم مثلُه؛ لأنَّا قد شاهدنا منه في خدمته لنا ما حمِدْناه وتبرَّكنا بصفاته، فقال لها — طلبًا للفرج لما هو عليه من العلَّة التي يطمع العليل فيها بكل شيء، وتتعلق نفسه بما توعَد به فيها من العافية: أحضرينيه سرًّا حتى أخاطبه وأسمع ما عنده في مشاهدته حالي. فأدخلَته إليه سرًّا، بعد أن شجَّعَته على كلامه، وسهَّلَت عليه هيبته؛ لأنه جبُن من دخوله إليه مما لم يقدِّر أنه يراه أبدًا، فلمَّا دخل إليه ومَثَل بين يديه وأخذ مجَسَّه وتأمله قليلًا، لطَم وجهه وقال: أُغفل أمرُ الأمير، أيَّدَه الله، حتى بلغ إلى هذه الحال؟ لا أحسنَ الله جزاء مَنْ تولَّى أمره. فكان لطمُ هاشم وَجهَه بين يدَي الأمير وما تكلَّم به في أستاذه تصديقًا لقوة مَنْ أنكر على [سعيد] تقديمَه وإدخالَه إياه إلى الحرم وتركَه بحيث لا يستحق، وكان ما خاطبوه فيه حقًّا، فقال له أحمد بن طولون: يا مبارك، فما الصواب الآن؟ قال: يتناول الأمير، أيَّدَه الله، قميحةً صفتُها كذا وكذا، وعدَّد فيها قريبًا من مائة عقار، ولم يعلم أن سبيل هذه القمائح تُمسِك [عندما] تُتناول ثم تُعْقِب ضررًا كبيرًا؛ لأنها تُتعِب القوى الماسكة، وكان استعمالُه ما اتفق عليه الأطباء مع سعيد وسقَوه إياه لو دام عليه أحمدَ عاقبةً وأنفع، فامتنع من شُرب ذلك يومَه، وتناوَلَ القميحة التي أشار بها هاشم، وعَمِلها له بين يدَيه، فلمَّا تناولَها أمسكَت وحبَسَت قيامه وقَوِي قلبه لذلك، وحسُنَ موقع هاشم من قلبه، وظنَّ أن البُرْءَ قد تمَّ له، فقال له: ويحك يا هاشم! إن سعيد بن توفيل قد حماني منذ شهر من لقمة عصيدة٢٧ اشتهيتُها ومنعني منها، لعَنه الله، وأنا والله أشتهيها. فقال له: أيها الأمير، قد أخطأ سعيد، العصيدة مُقوِّية ولها أثَرٌ حميد. فأمر أحمد بن طولون بإصلاحها فأُصلحَت، وجيء منها إليه بجامٍ٢٨ واسع فأكَل منه أكثَره، وطابَت نفسه ببلوغ شهوته ونام، وكان يشتهي النوم فيتعذَّر عليه، فأُثقلَت معدتُه ووجد خَفًّا في انقطاع الإسهال، وطاب له النوم بعد الأكل، وظنَّ أن ذلك صلاحُه وعافيتُه، وطَوى ذلك عن طبيبه سعيد ولم يُوقِفْه على شيءٍ منه.

فتبارك الله الخالق البارئ المتفرِّد بالكمال والبقاء، بينما كان له العقل الصحيح والرأي السديد والفراسة المضيئة والحدْس الصادق الذي ما كان يُخطِئ في أيام إقباله، وما كان يُلِزمه نفسه ويتفقَّده منها ومن غيرها، وشدة حذَره وتوقِّيه … حتى انقلبَت العينُ في هذا كله دفعةً واحدة، وصار هو عدوَّ نفسه يُطعِمها سِرًّا من طبيبه السمك القريص، مع ما يعلَمه الناس كلهم فيه، والعصيدة الثقيلة المتخمة المؤذية في حال الصحة فكيف مع العلَّة؟ ثم يخادع نفسه ويسخر منها ويكتُم طبيبَه وغيرَه حاله في ذلك، حتى [كأن] له في معدته بسوء فعله عدوًّا قاتلًا، ويفضِّل مثل هاشم على مثل طبيبِه سعيد بن توفيل وغيرِه من حُذَّاق الأطباء إلا أنه إذا أراد الله، عزَّ وجل، أمرًا سلَب كل ذي لُبٍّ لُبَّه حتى تتمَّ مشيئته.

فلمَّ أكل العصيدة ونام انتبه من نومه، فأحضر سعيد بن توفيل، فقال له: يا سعيد، ما تقول في العصيدة؟ قال: ثقيلةٌ على الأعضاء، وأعضاءُ الأمير تحتاجُ إلى التخفيف لا التثقيل. فقال له: دعنا من مخاريقك، قد أكلتُها بحمد الله ولم أرَ إلا خيرًا. فأمسك سعيد حَيْرة في أمره، وجاءوه في الوقت بسفَرْجَل من الشام وفاكهة، فقال لسعيد: ما تقول في السفرجل؟ فقال: مُصَّ منه شيئًا يسيرًا على خلوٍّ من المعدة فإنه صالح. فلمَّا خرج سعيد من عنده أكل سفَرجَلتَين كبيرتَين فعصر السفرجل العصيدة فتدافَع الإسهال جدًّا، فدعا بسعيد بن توفيل فقال له: يا ابن الفاعلة، ألم تزعُم أن السفرجل صالح؟ ما صلاحه وقد عاودَني الإسهال؟ فقام سعيد ينظر إلى النَّجْو٢٩ فرجع إليه فقال: هذه العصيدة التي أحمدَ الأمير أمرَها وذكر أني مُمخرِق، وأني غلطتُ في منعه منها، لم تزل قائمةً متحيِّرة في الأحشاء لا تُطيق عبورًا، ولا تُطيق المعدة هضمها لضعف قوتها حتى عصَرها السفرجل، ولم أُطلِق [لك أن تأكل] السفرجل، إنما قلتُ: تمصُّ منه يسيرًا. وكان سعيد قد أخبره الغلمان أنه أكل سفَرجَلتَين، فقال له في خطابه: أكَل الأمير السفرجل للشبع، لم يأكلْه للعلاج. فقال له: يا ابن الفاعلة، أخذتَ تُهاتِرني وأنت صحيح سويٌّ وأنا عليل مدنَف.٣٠ السوطَ! فأُحضر، فضُرب بين يدَيه مائتَي سوط، وحُمل على جمل وطيف به البلد، ونُودي عليه: هذا جزاء من ائتُمِنَ فخان. ونُهبت داره فمات بعد يومَين.

قال مؤلِّف هذا الكتاب: وكان أحمد بن طولون يحذِّر سعيدًا قديمًا من قتله له، وكان قد وقع له لتتمَّ المشيئة في سعيد أيضًا أنه قد أغفل علاجه في بدء العلَّة حتى تزايدَت عليه وعظُم أمرها، ولم يكن الأمر كما ظنه أحمد بن طولون به، ولا كان الخطأ إلا منه على نفسه، والذنب له دون غيره. وكان سعيد بن توفيل من يوم أكل السمك قد أَيِس منه، وعرَّف نسيمًا الخادم بذلك، وكان غلامًا عاقلًا محصِّلًا.

حدَّث نسيم الخادم أن مولاه أحمد بن طولون طلب سعيد بن توفيل يومًا من الأيام، فقيل له: مضى يستعرض ضَيعة ذُكِرَت له يشتريها. فأمسك، فلمَّا حضر قال له: ويلك يا سعيد! اجعل صحبتي ضيعتَك التي تشتريها لتستغلَّها، وواصِل مراعاة خدمتي، واحرص على صحتي ولا تُغفِل ذلك، واعلم أنك تسبقني إلى الموت إن كان موتي على فراشي، وأني لا أُمكِّنك من الاستمتاع بالحياة بعدي. فقال بعض العلماء حين سمع هذا القول: ما سمعتُ حثًّا لمتطبِّب على مبالغة في نصحٍ أشدَّ من هذا.

قال مؤلِّف هذا الكتاب: وفي إفاقته من علته أطلق محبوب بن رجاء من محبسه، وردَّ إليه جميعَ ما كان أخذ منه، فوجد محبوب ماله مختومًا بخاتمه بحاله … دنانير، ما عرض له ولا نظر إليه.

فلمَّا رأى أحمد بن طولون اشتداد العلَّة أحضر خواصَّه من وجوه قُواده وابن مهاجر والواسطي، وقال لهم: استهدُوا لنا الدعاء من الناس كافة، وسلوهم الخروج إلى الجبل والتضرُّع إلى الله، جلَّ اسمُه، بالمسألة له في عافيته لنا. فشاع هذا القول منه في الناس، فخرج المسلمون بالمصاحف إلى سَفْح الجبل، وتضرَّعوا إلى الله في أمره بنياتٍ خالصة لمحبتهم له، وشُكرِهم لجميل أفعاله، وكثرة معروفه وإحسانه، وصيانتهم عن كل حال يكرهونها منه، أو من أحدٍ من حاشيته، مع أَمَنَتهم ورخص أسعارهم، بمراعاة ذلك وحرصه عليه ومحبته له.

فلمَّا رأى اليهود والنصارى ذلك من المسلمين خرج الفريقان؛ النصارى معهم الإنجيل، واليهود معهم التوراة، وفي أيديهم حزَم الآس، وفي أيدي شمامستهم البخور، يبخرون ببخورهم الذي يتبركون به، واجتمعَت الجماعة كلها في سفح الجبل، واعتزل كلُّ فريقٍ منهم على حِدَة يدعون الله، عزَّ وجل، ويتضرَّعون إليه في أن يمُنَّ عليه بعافيته، فكان يومًا عظيمًا، وارتفعت لهم ضجَّة عظيمة هائلة حتى سمعها في قصره، فبكى لذلك، وتضرَّع معهم إلى الله، جلَّ اسمُه، والمنية قد قرُبَت، كما قال بعضهم:

وإذا المنيَّة أنشبَت أظفارَها
ألْفَيْتَ كلَّ تميمةٍ لا تنفعُ

قال: ومن شيَم النصارى أن يتضرَّعوا بمثل هذا الفعل في الاجتماع والخروج، إذا قدم البلدَ والٍ جديد، وكذلك رأيناهم قد عَمِلوا في قدوم بولس إلى البلد، خرج النصارى إليه وفي أيدي شمامستهم الزبور وغيره … ومعهم المجامر يُبخِّرون من باب المدينة إلى أن دخل إلى داره، وخرجَت إليه، أيضًا، اليهود، وفي أيدي أحبارهم وشيوخهم الآس، وفي أيدي بعضهم كتبهم يقرءونها بين يدَيه، فكان لهم ذلك اليومَ ضجيجٌ في البلد.

وحدَّث نسيم الخادم قال: دعاني مولاي، وقد مضت قطعة من الليل، قبل وفاته بشهرٍ واحد، فقال لي: ادخل إلى بكار بن قتيبة فإن أصبْتَه يصلِّي فانتظر فراغه من ركوعه وسجوده، فإذا سلَّم فقل له عني: أنت تعلم ميلي إليك قديمًا وإكرامي لك مبتدئًا، وإنه لم يُفسِد محلَّك عندي إلا أمرُ الخَلع وأن شهادتَكَ فيه كانت مباينةً لشهادة غيرك مخالفةً لها. وقد شاع في عسكري أنك نقمتَ هذا الخلع عليَّ، ووالله ما انحرفتُ عن الناكث لإساءةٍ كانت منه إليَّ اعتدتُها له، ولا أردتُ بخلعه إلا الله، عزَّ وجل؛ لأنه أَسَرَ الخليفة ومنعه ما يجري له. والصواب أن تحضُر مجلسي في جمعٍ من أوليائي وأولياء أمير المؤمنين، فتتبرَّأ من الناكث براءةً تدلُّ على صدق نيتك لأمير المؤمنين، وترجعَ إلى عملك، ونرجع لك إلى ما كنا عليه من الإكرام والموالاة والحال التي كانت بيننا، وإن امتنعتَ من هذا فلا لومَ علينا فيما أتيناه في أمرك، مما لم نؤثِره ولا نختاره والله فيك.

قال نسيم الخادم: ففتحتُ باب الحجرة التي كان فيها بكار معتقلًا، ودخلتُ فوجدتُه قائمًا يصلي، فقلتُ من حيث يسمع: رسول الأمير. لأنه كان ثقيلَ السمع، فوالله ما حرَّكه ذلك ولا فكَّر فيه ولا أوجز من صلاته، ولم يزل يقرأ حتى فرغ من حزبه، ثم ركع وسجد وجلس قليلًا، وقام وقرأ طويلًا، ثم ركع وسجد وجلس يسيرًا، ثم سلَّم، فقلتُ له: ر[سول الأمير]. فقال: وما يريد الأمير؟ فقصصتُ عليه الرسالة، فقال: قل له: يعزُّ عليَّ أن يكون حرصك على ما تفارقُه أكثر من ميلك إلى ما لا بدَّ لك منه، وقد أعنتَّني وآذيتَني؛ لأنك تكلِّفني الشهادة بالبلاغات التي لا يُعدِّلها الحكام، فخَف الله في أمري فإني شيخٌ فانٍ وأنت عليلٌ مدنَف، ولعل التقاءنا بين يدَي الله، عزَّ وجل، قريب، وقد والله نصحتُ لك والسلام. وقام إلى صلاته.

قال نسيم: فخرجتُ من عنده وقد أبكى قلبي وأبكى عيني، فدخلتُ إلى مولاي فأعدتُ عليه قوله، فبكى وبقي يقول: شيخ فانٍ وعليل مُدنَف، ولعل التقاءنا بين يدَي الله، عزَّ وجل، قريب. وأقبل يكرِّر ذلك، ثم قال لي: انظر أعْرف المضمومين إليك، فوكِّله به في دار تكتريها له، وأطلِقْ له دخول ابنَي أخته إليه ومَنْ أحبَّ. فاكتريتُ له دارًا في نواحي الموقف، ووكَّلتُ به رشيقًا أخا سعد الفرغاني؛ لأنه كان شيخًا فيه دين وخير، فلم يزل معتقلًا فيها إلى أن مات مولاي، فأطلقه أبو الجيش يومَ موته واستحلَّه لأبيه، فكانت هذه الفعلة من أبي الجيش أحد أفعاله الحِسَان، فأقام بعد مولاي عشرين يومًا ومات فلحق به.

حدَّث شعيب بن صالح قال: أرجف الناس بوفاة أحمد بن طولون قبل أن يموت بشهور، وعِللُ الخوف، أبدًا، تطولُ على أصحابها، فدخل إليه يومًا جماعة من أصحاب أخباره، ومعهم رجل من أهل المدائن فقالوا له: هذا صاحبُ خبر الموفق. فقال له أحمد بن طولون: ليس [ينجيك] مني ولا يخلِّصك غيرُ صدقك إياي، فاصدقني تنجُ. فقال له: نعم، أنا صاحب الموفق، أنفذَني إليك قاصدًا لأعرف له صحةَ أمركَ في علتك لا غير، لما أُرْجِف بك عنده. فقال: [لقد سلَّم] الله روحي وجسمي، وأنا صحيح العقل والتمييز لم أمُت، بمنِّ الله وطَوْله، وأوليائي متمسكون بطاعتي، والدليل على ذلك إتيانهم إياي بك، ارجع إليه فقد أمَّنَك الله، جلَّ اسمُه، وعرِّفه ذلك، وقل له: إني لم أنحرف عنك وأخلعك وأخالف عليك كرهًا لك، ولا كان ذلك مني إلا طاعةً لأمير المؤمنين وما أكَّدَته عليَّ بيعتُه، فإن رجعتَ عما أتيتَه في أمره كنتُ لك كما أنا له متصرفًا بين أمركما ونهيكما وطاعتكما. واحذَر أن تقيم. ووكَّل به حتى أُخرج عن البلد من وقته.

قال مؤلِّف هذا الكتاب: فورد علينا الخبر أنه لمَّا وصل إلى الموفَّق رسولُه هذا، فأدى إليه رسالة أحمد بن طولون، بكى غمًّا منه بعلَّته، وقال: صدق والله في قوله. ونذَر لله، عزَّ وجل، في عافيته نذرًا من قيام وصدقات.

وحدَّث شعيب بن صالح قال: دخلتُ يومًا إلى نسيم الخادم أُسلِّم عليه، فرأيتُ عنده شيخًا من أهل الدينَوَر٣١ حسَن الظاهر، وذلك بعد وفاة أحمد بن طولون بمُدَيدةٍ يسيرة، فرأيتُه متمكِّنًا من نفسه حسَن الإبانة،٣٢ فقال لي نسيم: تريد أن تقف على أن مولاي قد خُتِمَ له بخير؟ سل هذا الشيخ يحدِّثك بخبره معه فإني حضرتُه، قال: فترحَّم الشيخ على أحمد بن طولون، فسألتُه عن ذلك فقال لي: كنتُ يومًا جالسًا في الموقف، في دكان بعض أهل سوق الجهاز، وإلى جانبي رجلٌ حَسَن الهيئة، فذكر أحمد بن طولون في علَّته وغلظها، فقال رجل ممن حضر معنا في الدكان: قد مات. فقلتُ، وما أعرف لي غلطة غيرها: فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ.
فقام ذلك الرجل من جانبي، فما بعُدَ حتى عاد ومعه خمسة رجالة، وقال لهم بيده: خذوه. فطرح ردائي على وجهي [وساقني] سوقًا عنيفًا حتى أُدخلتُ الميدان، فعُرِضتُ على حسن بن مهاجر، فقال لي: يا كلب، بطرت بعيشك بالأمن، ولو شُغلتَ بالخوف لتركتَ الفضول، فحسستُ من كلامه قد وُشِيَ بي،٣٣ ثم كتب رقعة ووجَّه بها مع خادم إلى الأمير، فما أبطأ حتى خرج، فخاطبه بما لا أقف عليه، فقام وأدخلني معه، فعججتُ في سِرِّي إلى الله، جلَّ اسمُه، وسألتُه حسن الدفاع عني، ومَثَلْتُ بين يدَي الأمير وقد زاد اضطرابي، وأنا مستعينٌ بالله على ما أتخوَّفه منه، فسلَّمت فردَّ عليَّ السلام بإصبعه، ورأيت عليه أثَر البكاء، فقال لابن مهاجر: ترفَّق قليلًا قليلًا، سلْ هذا الرجل هل سبقَتْ منا إليه إساءة؟ فردَّ علي بن مهاجر قوله، فقلتُ: لا والله، أيَّدَ الله الأمير. فخاطبني هو وقال لي: فما أخذُك، ويحك، بإطلاق لسانك بما لا يجوز لك في ولائك؟ فقلتُ: أعزَّ الله الأمير لِمَا لا يُضبط من المقدار الذي يجري بالمحبوب والمكروه، وخَوَر يلحق الطباع الضعيفة فيمنعها من حسن التحرُّز. فقال لابن مهاجر: قد أحسن الاحتجاج لنفسه، وما يسهل عليَّ إصلاحُه في تقويمه بفسادي في معادي، على شدة حاجتي في هذا الوقت إلى عفو ربي. ثم الْتفتَ إليَّ فقال لي: حدَّثني فلان عن فلان عن وهب بن منبه، فقال: أوحى الله، عزَّ وجل، إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل: مُرْ عامة أمتك ألا تتأسَّى بالملوك في ارتكاب الكبائر، فإن للملوك كبائر من الأفعال الجميلة لا يصل إليها عامتُهم، تُمحَّص بها آثامهم ويحسُن بها صَدَرهم.٣٤ ثم قال لنسيم: ادفع إليه خمسين دينارًا واصرفه مصونًا. قال الدينوري: [حفظتُ الحد]يث ونسيتُ إسناده لفرط ما لحقني من الخوف والهيبة؛ فقد بقي في نفسي منه جُرْح لا يندمل، وغمٌّ لا يزول إلا بعد وجوده، وقد أحفيتُ٣٥ الطلب له وأنا كذلك إلى أن أجده بعون الله، فرحم الله أحمد بن طولون؛ فما مرَّ لي وقتٌ إلا وأنا أترحَّم عليه وأستغفر الله، جلَّ اسمُه، له.

قال: وكان أحمد بن طولون كثير الاستقصاء في مال الجيش، فلمَّا اشتدَّت علَّته تقدَّم إلى ابن مهاجر في إطلاق رزق سنة للجيش في بيعة أبي الجيش بعده، فظنَّ ابن مهاجر أن ذلك من اختلاط العلَّة فأهمل العمل به، فلمَّا كان من غدِ يومه سأله عما صنع في ذلك، فقال له: ما خرج الحساب من أيدي الكُتَّاب بعدُ، فقال له: أظننتَ، ويحك، تخليطًا بي من العلَّة؟ ما أنا كذلك، والحمد لله كثيرًا، بل أنا بضدِّه، وإنما لمثل هذا الوقت جمعتُ الأموال، وإنما أردتُ أن يعلم الجيش أنه قد حصل لهم ما لا يسمح ببعضه مَنْ يحاربهم ويكاثرهم، فتكون أيديهم وقلوبهم قوية. فسكَن ابن مهاجر إلى هذا القول، وأطلق المال للرجال، فعظُمَت منَّته عندهم، وكثُر شُكرهم.

قال مؤلِّف هذا الكتاب: فلمَّا اشتدَّت بأحمد بن طولون علَّتُه دعا بأحمد بن محمد الواسطي، وقال له: يا بنيَّ لمثل هذا اليوم وهذه الحال ربَّيتُك واصطفيتُك، وقد علمتَ حسن موقعك مني، وأني فضَّلتُك على الولد وكل أحد، فلا تُخفِر الظن بك، واعلم أن الوفاء أحسنُ لباس وأفضل معقل، والله يشكُره، عزَّ وجل، لمن استعمله، حرمي هنَّ أمهاتك وأخواتك، قال: والواسطي يلطم وجهه ويبكي، وأحمد بن طولون يبكي معه، وهو يحلف له أنه لو تعرَّض للقتل لَمَا قصَّر فيما عاد بمصلحة شمله، ويقول: وأرجو أن يهب الله للأمير العافية ولا يُريَنا فيه سوءًا أبدًا ويقدِّمنا جميعًا بين يدَيه. وكل ذلك [وهو] يعجُّ بالبكاء.

فحدَّث نسيم الخادم، [قال: فلما خرج] الواسطي من حضرة مولاي، قال لي: يا نسيم، والله ما أخاف على حرمي إلا منه وعلى جميع مخلَّفيَّ؛ لأنه قوي الحيلة فاسد الدين، ولولا أنه وقتُ استكانة إلى الله، عزَّ وجل، وخضوع، ما كنتُ آمَنُ على مخلَّفيَّ منه. قال: فلمَّا كان من غَدْر الواسطي بأبي الجيش ما كان، وذَهابِه إلى المعتضد ومعاونته إياه على أبي الجيش، ذكرتُ قول مولاي، رحمه الله، وفراستَه فيه، فما ضرَّ الله، عزَّ وجل، أبا الجيش بغَدْره، وبقي شريدًا طريدًا مُطَّرحًا بأنطاكية، مذمومَ الأثَر والسيرة، فذكَر إحسانَ مولاي إليه ولم يُكافِئه على جميل فِعلِه به، وكل أوزارٍ احتقَبها فيه، فتصوَّره الناس بالغَدر وقلَّة الوفاء. ومات بعد مولاي بيسير.

قال نسيم: فلمَّا كنا من غَدِ خطاب مولاي للواسطي وما وصَّاه به، أحضَره وأحضر محمد بن أبَّا وطبارجي وجماعةً من وجوه خاصته وقواده ووجوه دولته وكُتَّابه، فأحضر أبا الجيش فقال له: يا بني إني لم أدفع الحنث في يمين البيعة إلا بما كنتُ أحمله إلى أمير المؤمنين المعتمد خاصة، وهو مائة ألف دينار في كل سنة، ذكر لي فيما كاتبَني به أنها تكفيه، فكان حملي هذا المال يقينَا الحنث في يمين البيعة بيعته، فلا تؤخِّرها عنه ولا تقْطَعها، ولو أعيتك الحروب وواصلتك فلا تُغفِل حملها وما يقاومها، فإنك تدفع بها حنثَ هذا الجيش بأَسْره في يمين البيعة، وتشرح بها صدورهم في قتال مَنْ قصَدَك، ممن قهر الخليفة ومنعَه أمرَه وتصرُّفَه في إنفاذ حكمه، وجميع أمره، والله بكرمه يكفيه.

[قال أبو جعفر] محمد بن عبد كان: إن أبا الجيش لم يزل يحمل هذا المال إلى المعتمد حتى تقلَّد إسماعيل بن بلبل الوزارة، فأوقع الصلح بينه وبين الموفَّق.

قال: فلمَّا فرغ أحمد بن طولون من وصية ابنه في حمل المال إلى المعتمد أقبل على وجوه قُواده وغلمانه فقال لهم: قد وطَّأتُ لكم المهاد بهذه الدولة، وخلَّفتُ لكم من عدَّتها ما يكفيكم، فاطَّرحوا الأحقاد بينكم، وأسقِطوا التحاسُد، واتركوا الاستئثار، ولتكن كلمتكم واحدة، وجماعتكم كرجلٍ واحد، ولا تغترُّوا بمخاريق أهل العراق، ومواعيد من يطلب سيئاتكم، فليس برأسكم أبدًا مثلي، ولا أحنى مني ومن ولدي عليكم، فلا تُخفروا ذمتي، واحفظوا صحبتي وتربيتي لأكثركم، وإيثاري وإحساني وتفضيلي لجماعتكم، وهم يحلفون له ويبكون بأجمعهم.

ثم عطف على أبي الجيش فقال له: يا بنيَّ، لا تعدلَن عن مشورتي عليك، فلن تجد، أبدًا، أنصح لك مني، قد خلَّفتُ دخل بلدك يزيد على ما ينوبك بجيشك وسائر مئونتك، فلا تُطلِقن فيه يدًا بجَوْر، فيختل أمرك بخرابه، ولا تقبل بنصيحة مَنْ يتنصحُ لك بما يئول إلى خراب بلدك، والإجحاف بمعامليك فيه؛ فإنه عدوٌّ مبين من حيث لا تعلم، فانبذه عنك، ولا تقرِّبه منك، وقد خلَّفتُ لك رعيتك لا يطلبون منك إلا لين الجانب والأمن من المخاوف، ولم أكن أمنعُهم لين جانبي بخلًا به عليهم، ولكني آثرتُك على نفسي بمنعي لهم لينَ جانبي والأمنَ من مخافتي، فاستعمِلْ أنت ذلك معهم فتملك قلوبهم، ويبادروا إلى طاعتك، ويهشُّوا إلى التصرُّف بين أمرك ونهيك، في صغير أمرك وكبيره، ولم أترك لك عدوًّ أخافه عليك، واعلم يا بنيَّ أن كلَّ سَرَف يئول إلى اختلال وتلف، فاقصد في ا … مهمَّاتك، ولا تمدَّ يدَك إلى المال المخزون عند خيرٍ الخادم [واجعله] ذخيرةً لمملكتك، وأَقِمْه مقام جارحةٍ من جوارحك لا تبذلها إلا في شدة تخاف معها ساد سائر جسدك، أو عندما تقدِّر بإخراجها صلاحَ سائرِ جسدك، وكان خير الخادم هذا خادم المتوكل.

ثم قال له: واسلك يا بني سبيلي واقتفِ آثاري في سائر مَنْ خلَّفتُ يأنسوا بناحيتك، ويُحسنوا طاعتك، ولا يميلوا إلى عدوٍّ يُخالفك، ولا تقبلن مقال السُّعاة فيما تقوى به سوقُهم عندك، فكل شرٍّ وسوء يئول إلى اضمحلال وزوال، ويهلِك في ذلك من سلَكَه.

قال مؤلِّف هذا الكتاب: وكانت الوديعة التي عند خير الخادم ألف بَدْرة،٣٦ وكانت عند نسيم فنقلها إلى خير، وكان يُكنى بأبي صالح. وكان أحمد بن طولون قد قَرنَ به أبا الجيش يؤدِّبه، وكان ثقةً مأمونًا ديِّنًا، كان يُعْرَف بخير الطويل، ولمَّا فرغ أحمد بن طولون من وصيته لأبي الجيش قال له: يا بنيَّ وفي حاصلي ألف ألف دينار وسبعمائة ألف دينار، وهو غير الوديعة، يكون ذلك لعطاء جيشك، وما عسى أن يعرضَ لك عند مقاومة مَنْ يقصدك، ومادة الخَراج بعد ذلك فغيرُ منقطعة عنك، هذا يا بنيَّ ما تملِكُه الدولة والذي أملكُه أنا خاصة من دخل أقطاعي وابتياعي، ما يحصل لي منه في كل سنة في بيت مالي مائتا ألف وخمسون ألف دينار، فاقسمها في ولدي وانظر إليهم بعيني، وتغمَّد هفواتهم، وسدَّ خلَلهم، وكفَّهم عن الفاقة إلى غيرك، وبصِّرهم رشدهم، وامنعهم من سَرَف الإنفاق؛ فإنك أبوهم بعدي، جبَر الله جماعتكم [وأحسن الخلافة] عليكم، وأنا أكرر عليك القول يا بنيَّ لئلا تنسى. ليس المال الذي عند خير الخادم لي [فتشتركوا] بقسمته بينكم، فلا تظنن أن كل ما قَوِيَت يدُك على أخذه هو لك، فصُنه وامنَع نفسك منه، واستَشعِر فيه ما وصَّيتُك، فإن انقادت لك الأمور لم يضُرَّك بقاؤه لك، وإن عارضَتْك الحوادث كان عُدَّةً لك، فلا تغرَّنك وجميع مخلَّفيَّ وحاشيتي السلامة، فتنسُوا ما في نفوس أهل العراق عليكم؛ فأنتم شجا في حلوقهم فلا تأمنوهم، ولا تناموا٣٧ عن الحزم فيهم، فإن أحسستم بضعفٍ عنهم فابذلوا جميع ما تملكونه في السلامة منهم، ولا تضعوا أيديكم في أيديهم، فإني أعرف ذنبي لهم، والله أسأل رعاية جماعتكم. ثم بكى وبكت الجماعة، حتى ارتجَّت الدار لبكائهم.

فلمَّا اشتغل بهذه الوصية لهم انقطع عنه الإسهال، فأمَل أصحابُه عافيتَه وبُرءَه، وذو المعرفة أيِس منه.

حدَّث نسيم الخادم قال: لمَّا استحكم إياسُ مولاي من السلامة كان يُحمل كل ليلة في مِحَفَّة٣٨ يطوف في الميدان، فلا يرى فيه ثُلْمةً يخاف أن تنفتح، أو تُفتَح في هيْج، فيقتحم منها قوم يدخلون منها إلى القصر [إلا] ويأمر بسدِّها، حتى سدَّ كلَّ ثُلْمة كانت فيه، ثم يدعو بثقاته فينعى إليهم نفسه، ويسألهم حسن المكافأة بعده بالطاعة لولده، ويقتضيهم ذلك بسالفِه عندهم.
فلمَّا دخل ذو القعدة من سنة سبعين ومائتَين دعا بابنه العباس، فأطلَقه من قيْده وخلع عليه، وقلَّده جميع الأعمال الخارجة عن أعمال مصر من الشامات والثغور، وقال له: أنا أوصيك يا بنيَّ بتقوى الله، عزَّ وجل، ومكافأة أخيك والإمساك عن الاستطالة عليه، بزيادة سنِّك على سنِّه، فلا تترُكَن لمن يقصدكما من العراق مدخلًا بينكما يتأتَّى [منه لكما، ولا] تسمع ممن يطلُب صلاحَ نفسه بفسادِ ما بينكما، ولا تُضمِرنَّ لأخيك غير ما تُظهِره؛ فإن القلوب مجنَّدة. واعلم أن جوار أخيك لك أصلحُ من جوار غيره، ولا تُضمِر له خلافًا فتَبسُطا ما بينكما، ويجد عدُوُّكما بذلك سببًا إلى هلاككما، وقد تقدَّمتُ بإزاحة عِلَل رجالك، فاحرص أن يكون خروجُك إلى عملك قبل وفاتي، فإن الراغب عنك كثيرٌ أكثر من المائل إليك، وأخاف أن تتلوَّم٣٩ على الطمع في موضعي وتتريَّث فتذهب نفسك، بصَّرك الله رشدك ووفقك، ووقاك ما أخافه عليك وأُحاذره فيك بمنِّه.
ثم شكا بعد ذلك ظلمةً في بصره، ثم لم يبصر شيئًا، وجعل يخفتُ٤٠ وتضعُف قُوَّته، وينحلُّ جسمه، إلا أن عقله ثابتٌ لم يتغير منه شيء، والدليل على ذلك وصيتُه هذه، ورأيه فيها الرأي التام الذي لا يكون بأسدَّ منه ولا أقوى ولا أبلغ، إلا ما حَرَمه الله، جلَّ اسمُه، إياه من التوفيق في علته حتى تنفُذ مشيئته، تبارك وتعالى، فلم يحمِ نفسه من مأكول، ولا وقاها ضارًّا، كما أراد الله، عزَّ وجل، فلم يملك دفعًا.

حدَّثت نعت أم أبي العشائر ابنه قالت:

كنتُ جالسةً بين يدَيه والعصابة في يدي، وقد أيِستُ منه وأنا أنتظره أن تُقبَض روحه فأشدَّ لحيَيه ولسانه ضعيف إلا أنه طلْق إذا تكلَّم، ففتح عينَيه ثم غلقَهما ثم فتحهما، ونظر إليَّ نظرَ مَنْ رجع بصره إليه، فحمدت الله على ذلك، ثم قال بصوتٍ قوي ولسانٍ طلْق ذرِب:٤١

«يا رب ارحم من جهِل مقدار نفسه فأبطَره حلمُك عنه.»

ثم تشهَّد أحسن شهادة وأتمَّها، وقضى في آخر تشهُّده، وإن ذلك بعد ذهاب [طائفة] من ليلة الأحد، لعشر ليالٍ خلَون من ذي القعدة، سنة سبعين ومائتَين، فحوَّلت وجهه إلى القِبْلة، وأخذنا في أمره.

قال مؤلف هذا الكتاب: حدَّثنا شيخ من صالحي أهل المعافر، قال: جاءني بعض إخواني من كبار المتزهدين الأخيار يُعرف بالرمامي، وكان من أحسن الصوفية، فقال: لا تتخلف عن جنازة هذا الرجل. فقلتُ له: وما في ذاك من الفائدة؟ فقال لي: كلُّ الفائدة. قلتُ: ما هي؟ قال: ترى انحلال ما عقدَته الدنيا من الأمور الجسيمة وتبدُّدَه، فيهونُ عليك ما عاصاك منها، ويزول عنك التهيُّب لما انساق منها، ويصغُر في عينك ما اكتنَزه المغرور ورحل عنه، وتعلَم أن جميع أحوالها إلى زوال، فقلتُ: نعم، صدَقتَ.

ومضيتُ فرأيتُ جمعًا عظيمًا هائلًا، وحالًا كبيرة تَعجِز الصفة عن ذكرها حتى ظننتُ أنه ما بقي في البلد أحدٌ من رجل ولا امرأة، وكلٌّ فِرقٌ شتى، كل فرقةٍ على حِدَتها رجالًا ونساءً، فتأمَّلتُ فإذا كل صنفٍ من غلمانه أيضًا فِرق، وقواده فِرق، وكُتَّابه فِرق، وسائر أصحابه ومَنْ يلوذ به ويخدمه فِرقٌ فِرق، ومَنْ كان فضلُه عليه وجراياتُه وصدقاتُه فِرقٌ فِرق، وقد تميَّز أيضًا النساء من حاشيته وهنَّ أيضًا فرق فرق، حرمُه منفردٌ في خلقٍ عظيم، لا يخالطهنَّ أحد من حشَمهنَّ، وحشَمهنَّ ناحية لا يخالطهنَّ غيرهنَّ، ونساء قُواده ونساء غلمانه ونساء كُتَّابه ونساء أصحابه كلُّ صنف منهنَّ على حِدَة لا يخالطهنَّ غيرهنَّ، ونساءُ القطائع فِرق فِرق، وكل الجماعة عليهم من الكآبة أمرٌ عظيم، وكلٌّ منهم مسلِّم لأمر الله، عزَّ وجل.

ثم أقبل من النساء السُّودانيات، اللائي كان فضلُه عليهنَّ، وجراياته القمح والدراهم في كل شهر، خلقٌ عظيم لا يُحصيه [ولا] يقوم بمعرفة مبلغه إلا الله جلَّ اسمُه، صائحات صارخات، فارتجَّت الأرض لهنَّ، وعظُمَت الحال في قلوب مَنْ شاهدَهنَّ، ثم أقبل بعدهنَّ [من] صالحي مَنْ يسكن المعافر ممن فيه الدين والورع والخير نساءٌ ورجالٌ قد كان له في جماعتهم المعروف الواسع. ولو لم يكن إلا العين، الماء، التي صارت حياةً لهم، وصيانةً ومرفقًا إلى اليوم وإلى القيامة، إن أراد الله، جلَّ اسمُه، ذلك ووقاها من الغِيَر، فأقبلوا مبتهلين إلى الله، جلَّ اسمُه، يسألونه الرحمة له والمغفرة والتجاوز عنه، بخشوع وتضرُّع واستكانة وبكاء.

فشاهدتُ من ذلك ما هالني، وذكر جميع مَنْ حضر أنه ما رأى مثلَه لموت خليفة من الخلفاء ولا غيره ممن عظُمَ قدره، ثم أقبلوا به مفردًا على سرير، مُدرجًا في ثوب وشي سعيدي كافوري، وأبو الجيش خلفه وحده راكب، لموضع خلافته والإمارة، والعالم من صغير وكبير وشريف وقاضٍ وعدل، وكل مَنْ في البلد يمشون، وبين يدَيه من غلمانه، وخلفه من كل صنف، ومن قُواده وسائر مَنْ بقي من أصحابه ما لا يحصيه إلا الله، جلَّ وعز، فأتوا به إلى المصلَّى الذي كان بناه، فتقدَّم ابنه أبو الجيش فصلَّى عليه، وصلَّى الناس بأجمعهم، وعدلوا به إلى قبره ووارَوْه في لحْدِه، وخلَّوه وحيدًا فريدًا، أقرب الناس منه وأحبهم إليه مَنْ حثا عليه التراب، وانصرف عنه كل ذلك الجمع العظيم، وذهبوا حتى كأنه لم يكن منهم أحد، فتبارك الله أحسن الخالقين ومالك يوم الدين، [سبحانه لا يموت ولا يزول و]كل نفس ذائقة الموت.

قال مؤلِّف هذا الكتاب: لما انصرفتُ من جنازته٤٢ اجتزت بمنزل الواثقية، وكانت من عقلاء النساء، حسنة الدين، كريمة الطبع، وكان أحمد بن طولون محسنًا إليها عارفًا بمحلِّها، فاستأذنتُ عليها فأذنَت لي، فدخلتُ فوجدتُها قد أقامت له مأتمًا سرًّا، هي وجواريها وخواصها، يندبنه ويضربن بالعيدان على هذا البيت، ويرقُصن على إيقاعه، ولا يزدن عليه شيئًا غيره، وهنَّ يبكين أحرَّ بكاء وأحزنه:
يا عينُ بكِّي خالدًا
ألفًا ويُدعَى واحدًا

فما سمعتُ والله أحرَّ منه ولا آلمَ للقلب ولا أشجى من أصواتهن به، حتى أبكينني بكاءً عظيمًا، وانصرفتُ من عندها حزينًا كئيبًا، فلمَّا كان بعد أيامٍ صرتُ إليها لأعرف خبرها فأصبتُها بحالِ حزنٍ عظيمة، فسلَّيتُها وعزَّيتُها، فجعلَت تحدِّثني بأحاديث أحمد بن طولون، وتصف لي أحواله، وتشكو وجْدها به إلى أن قالت لي:

اعلم أنه لمَّا جرى على المعتمد من الموفَّق ما جرى، من سوء الاعتراض والقدح في السلطان، بلغ ذلك منه مبلغًا عظيمًا، فألَّف كلامًا بالتركية، وقال لي: أريد أن أُلقيه على [إحدى] جواريك، وتلحِّنيه أنتِ لها، وتغنِّيه حتى أسمعه منها، فأحضرتُ جواريَّ فاختارَ منهنَّ رويعة فألقاه عليها، فوالله ما سمعتُ أرقَّ منه ولا أشجى، فلحَّنتُه لها فكان صوته عليها إلى أن اعتلَّ، وتعلَّمه أيضًا جواريه، فما كان يسمعُه أحدٌ إلا أبكاه وأوجع قلبه، فسألتُها أن تُسمعَنيه، وكانت فصيحةً بالتركية فقالت لي: ليس تفهمه لأنه كلام بالتركية مؤلَّف، ولكني إذا أنت سمعتَه فسَّرتُه لك بالعربية، ثم أحضَرَت رويعة جاريتها فغنَّته بلحنٍ شجيٍّ وإيقاعٍ حسن، فأبكاني وآلم قلبي، وما سمعتُ [صوتًا] من المناحات أحرقَ منه للقلوب، وفسَّرَته لي فكان:

غلَب الضبابُ على الشمسِ حتى صار النهارُ ليلًا،
وضعُفَت الشمس وانطلَقَت السماء بما لا يَحسُن منها،
فبكا الرأس من قهر البدر وصاح: ما خوفي؟ اقطعوني،
وأريحوني بالله من الملعونة، يا سيد الملوك طُرًّا،
يا لِعَينٍ تراك تُقلع، ولسانٍ يخاطبك يُقطع، إن سيفي
قد خرج من غِمْدِه، وليس يرجع حتى ترجع إلى بيتك،
وقد أوترتُ قوسي وليس أحطُّه حتى تُكفى أعاديَك.

ثم قالت لي: قد سمعتَ حُسنه بالتركية، وهو بالعربية فيه كلام — كما رأيت — غير مستحسن إلا عند مَنْ يعرفه بالتركية. فودَّعتُهَا وانصرفتُ.

قال مؤلِّف هذا الكتاب: مات أحمد بن طولون وعمره يومئذٍ خمسون سنة؛ لأني صرتُ إلى٤٣ نعت أم ولده يومًا للسلام عليها، فأصبتُ بين يدَيها رقاعًا قد أخرجَتْها لشيءٍ تطلُبه فيها، فوجدَت رقعتَين فقالت لي: هاتان الرقعتان بخط الماضي، رحمه الله. وبكت، فسألتُها أن تريَني إياهما ففعلَت، فقرأتُ إحداهما فإذا فيها: دخلتُ إلى مصر متقلِّدًا معونتَها يوم الأربعاء لتسعٍ بقين من شهر رمضان سنة أربعٍ وخمسين ومائتَين، وقد مضى من عمري أربعٌ وثلاثون سنة ويومٌ واحد.

وقرأتُ الرقعة الأخرى فإذا فيها رءوس أربعة أصوات، كان يقترحُها على مَنْ يغنِّيه، لا يختار من الأغاني غيرها.

أحدها:

متى تجمعِ القلبَ الذكيَّ وصارمًا
وأنفًا حميًّا تجتَنِبْك المظالمُ

والصوت الثاني:

رُبَّ من أنضجتُ غيظًا صَدرَه
فتمنى ليَ موتًا لم يُطَعْ

والصوت الثالث:

طلعَتْ عليك طوالعُ الوخْطِ
فرضيتَهنَّ رضًا على سُخطِ

والصوت الرابع:

قد حصَّت البَيضَةُ رأسي فما
أُطْعَمُ غُمْصًا غير تَهْجاعِ
أسعى على جُلِّ بني مالكٍ
كلُّ امرئٍ في شأنِه ساعِ

فبكيتُ وبكت ساعة، وجلستُ عندها طويلًا، فلمَّا أردتُ الانصراف قالت لي: أنا آنسُ بمحادثتك، لعلمي بغمِّك على الماضي، رحمه الله، فأُحبُّ ألا تُغِبَّني. فكنتُ أصير إليها في كل وقت.

قال: وخلَّف من الولد ثلاثةً وثلاثين ولدًا، منهم سبعةَ عشر ذكرًا وست عشرةَ أنثى، فأما الذكور فأبو الفضل العباس، وهو أكبر ولده، وأبو الجيش خُمارويه بعده، وأبو العشائر مُضَر، وأبو المكرَّم ربيعة، وأبو المقانب شيبان، وأبو ناهض عياض، وأبو معد عدنان، وأبو الكراديس خزرج، وأبو حبشون عدي، وأبو شجاع كِنْدة، وأبو منصور أغلب، وأبو لهجة ميسرة، وأبو البقاء هدًى، وأبو المفوَّض غسان، وأبو الفرج مبارك، وأبو عبد الله محمد، وأبو الفتح مظفَّر.

والبنات: فاطمة، ولميس، وتعلب [؟]، وصفية، وخديجة، وميمونة، ومريم، وعائشة، وأم الهدى، ومؤمنة، وعزيزة، وزينب، وسمانة، وسارة، وغريرة.

وخلَّف من المال العين ما قد ذكرناه متقدِّمًا، ومن الغلمان أربعةً وعشرين ألف غلام، وأطبقَت جريدة مواليه على سبعة آلاف رجل، وخلَّف من الخيل الميدانية سبعة آلاف رأس، ومن الجمال ثلاثة آلاف جمل، ومن البغال ألف بغل، ومن الخيل لركابه ثلاثمائة وخمسين فرسًا، وخلف من المراكب الحربية مائتَي مركبٍ حربي كبار بآلتها.

وكان خراج البلد يومئذٍ مع ما ينضاف إليه من مال الضِّياع التي كانت للأمراء بالحضرة أربعة آلاف ألف وثلاثمائة ألف دينار.٤٤

وخلَّف من الأمتعة والفُرُش والآلة والأواني وآلات السفر ما لا يُحصى كثرةً ولا يُعَدُّ ولا يُحَد، ولا يُدرَك كثرةً واتساعًا.

فأما نفقاتُه المشهورة المعروفة فما رأينا ولا رأى أحدٌ قبلها مثلها لأحدٍ قبله، ولا يُرى بعده، كل ذلك كان منه طلبًا للثواب والجزاء من الله جلَّ اسمُه.

منها ما أنفق على الجامع٤٥ وهو مائة ألف دينار وعشرون ألف دينار، وعلى البيمارستان٤٦ ومستغَلُّه ستون ألف دينار، وعلى العين التي بالمعافر مائة ألف وأربعون ألف دينار، وأنفَق على حصن الجزيرة مائتَي ألف دينار، وأنفَق في بناء الميدان مائة وخمسين ألف دينار، وأنفق على مَرمَّات الثغور وعلى حصن يافا مائتَي ألف دينار، وكانت قائمة صدقاته في كل شهر ألف دينار، وكان ما يُجريه على جماعة من أهل المسجد أبناء الستر والمتجملين وأولاد النعم، سوى ما [يجري من مال] السلطان عليهم من الرزق الراتب في كل شهر خمسمائة دينار، وما كان يحمله للصدقات في الثغور في كل شهر خمسمائة دينار، وكان راتب مطبخه وعُلوفة دوابِّه في كل يوم ألف دينار، وما كان بقيمه من الأنزال والوظائف في كل يوم خمسمائة دينار، وكانت له وظائفُ خبز ولحم على قومٍ مستورين نساء ورجال في كل شهر ألفا دينار.

وكانت لذَّتُه وشهوتُه كلها فيما يصنع في كل جمعة من الأطعمة الواسعة العظيمة لكل صنفٍ من الحلواء، وتُنصَب الموائد ويحضُر الناس من كل نوعٍ من فقير ومستور ومتجمِّل ومحتاج، ومَنْ يتقرَّب إليه بأن يراه وقد أكل طعامه، فيقرِّبه ذلك من قلبه، وهو جالسٌ مستشرفٌ له ينظر إليهم، ويفرح بما يراه منهم، فساعةً يسجُد شكرًا لله وساعةً يقف فيصلي ركعتَين، وساعةً يدعو الله، وساعةً يبكي ويطالب الناس بأن يزلُّوا، ولا يخرج أحدٌ إلا ومعه الزلَّة الكبيرة العظيمة، فإذا انصرفوا حمِدَ الله وشكره.

ووجَّه بابن قراطغان وهو كان صاحب صدقاته إلى المعافر ومعه حمَّالو الخبز والقدور اللحم المطبوخة والفالوذج والخبيص، وخبزه المعروف في كل رغيف رطلان يُسمَّى أبو الوفا والدراهم٤٧ حتى يُفرِّق ذلك بالمعافر على المستورات، ومَنْ لم يكن في طاقته الحضور لطعامه.

قال: حدثنا محمد بن الحسن اليماني، وكان من الصالحين شديد التقشُّف، وقد جرى ذكر أحمد بن طولون بعد وفاته وقال: رأيتُ أحمد بن طولون في منامي وكأنه في روضةٍ خضراء وعليه لبسةٌ حسنة رائعة، وقد حسُنَت صورتُه وهو جالس يدُه تحت خدِّه، وعليه [حُلَّة] عظيمة، فقلتُ: [ما فعل الله] بك؟ فقال لي: إنه لمَّا فارقَت روحي جسدي ساقني سائقٌ عنيف في موضعٍ لا أعرفه فاجتزتُ بجهنَّم، وقد فغَرَتْ فاها وخَرجَ لسانها، فعَدَلتُ عن الطريق التي يسوقُني السائق فيها خوفًا أن تحرقني، فابتدَرَت إليَّ امرأةٌ حسنةُ الوجه عظيمة الخلق، فقالت: لا بأس عليك يا أحمد، قد وهبَكَ ربك لي، ثم مشت بيني وبين النار، فكنتُ أخاف من عظيم النار أن تسُلَّني وإياها فتحرقنا جميعًا، إلا أني قد أمِنْتُ على نفسي بها، ثم بدَرَت إليَّ امرأةٌ أخرى مثلها في حُسنها وعِظَم خلقها، فقالت لي: أبْشِرْ يا أحمد برضا ربك عنك، وصاحت هي وصاحبتُها على النار فخمدَت وانقطعَ لسانها وبعدتُ عنا، فقلت للامرأة الأولى: مَنْ أنتِ؟ فقالت لي: أنا أم الجهاد بطرسوس، الشاكر لمبرَّتِك لنا في الشدائد، وعفوِك عن أهل الثغور في الجرائم، فقلتُ للأخرى: مَنْ أنتِ؟ فقالت: أنا الصدقاتُ التي كنتَ تبذلُها يمينًا وشمالًا وصباحًا ومساءً. وانصرفتا عني وهما تقولان لي: لا تنسَ شهادة أنْ لا إله إلا الله محمد رسول الله ، ثم نُودي بالسائق: أدخِله من باب المغفرة. فأُدخِلتُ إلى هذا الموضع. فقلتُ له: فما هذه الكآبة التي أراها بك؟ فقال: استحياء من الله ربي، عزَّ وجل، لما اقترفتُهُ من الآثام وارتكبتُهُ من الأمور العِظَام … فانتبهتُ من نومي وأنا أترحَّم عليه، ولكأنه بين يدي يخاطبني لما شاهدتُه منه وما تداخل قلبي من خطابه.

قال مؤلف هذا الكتاب: وحدَّثنا الحسن بن علي العبَّاداني،٤٨ وكان من أهل عبَّادان، وهو من أهل التعبد والزهد والورع، دخل إلى مصر وسكن المعافر، وله هناك مسجدٌ معروف، قال: رأيتُ في منامي كأني في الرحْبة التي فيها العين التي بناها أحمد بن طولون بالمعافر، وكأن قائلًا يقول لي: الأمير في المسجد — وأومأ بيده إلى مسجد الأقدام — فسلِّم عليه. فقلتُ له: نعم. فدخلتُ المسجد فإذا أنا بأحمد بن طولون، فسلَّمتُ عليه فردَّ عليَّ السلام، فبينا أنا كذلك إذا بنار من وراء المسجد عظيمة، فقال لي: ألا ترى هذه النار؟ فقلتُ: نعم. فقال لي — وأومأ بيده إلى العين التي بناها: لولا هذه لأكلَتني هذه النار. فانتبهتُ وقد سُرِرتُ بهذه الرؤيا له.

وحدَّث محبوب بن رجاء قال: رأيتُ أحمد بن طولون في منامي بحالٍ حسنة، فسألتُه عما لقي، فقال لي: غُفِر لي. فقلتُ له: مع عظيم ما ارتكبتَ؟ فقال: خفَّف ذلك عني أن أكثر مَنْ أسأتُ إليه كان مستحقًّا من ربه ما نزَل به مني، فكنتُ عقوبةً بعثها الله، عزَّ وجل، مني عليه. ثم قال: إنما البلاءُ ظلم مَنْ لا ذنب له ولا ناصر. فقلتُ له: فمستقرُّك في الجنة؟ فقال: ما استقر بعدُ أحدٌ في جنة ولا نار، ولكنه تلوح لنا دلالاتُ المغفرة من طيب النفس وأَمْن السِّرْب.

قال: ومِنَ الدليل على أنه خُفِّف عنه كما ذكَر، ما تحدَّث به كامل بن سعيد متطبب سعيد الصغير، وكان سعيد هذا من أجلَّاء قُواد الموفق، قال: قال لي سعيد يومًا، وقد دخلتُ إليه فرأيتُه مغمومًا، فسألتُه عن حاله؟ فقال لي: شربتُ أمس نبيذًا فسكِرْتُ وعربدتُ على غلام لي فضربتُه بالمقارع حتى مات تحت الضرب، فلمَّا كان في السَّحر من يومي هذا رأيتُ في نومي كأن آتيًا أتاني فقال لي: أنا رسول رب العالمين يقول لك: غضبتَ على عبد من عبيدي ملَّكتُك رِقَّه، فضربتَه بغير حُجةٍ حتى مات، وعزَّتي وجلالي [لأُعجِّلنَّ لك] العقوبة في الدنيا. قال: فقلتُ له: يوقِّيك الله ويصونك، هذه أضغاث أحلام. فأظهر ندمًا عظيمًا، وغمًّا شديدًا، وتصدَّق في يومه بعشرة آلاف درهم ديةَ الغلام وانصرفتُ، فلمَّا كان من غدٍ صرتُ إليه، فقال لي: ويحك رأيتُ البارحة أشدَّ مما رأيتُ قبلها. فقلتُ له: وما هو؟ قال: جاءني ذلك الشخص بعينه البارحة في منامي، فقال لي: يقول لك رب العزة: تقتُل عبدي وتُصانعني عنه، هيهات! وانتبهتُ من قوله مرعوبًا وَجِلًا خائفًا. فقال كامل بن سعيد المتطبب: فما مضى لقوله إلا أيامٌ يسيرة حتى أنفذَه الموفق رسولًا إلى أحمد بن طولون في حملِ مال، وكتَب إليه طيفور خليفتُه بالحضرة يُعرِّفه أن الموفق حمَّله رسائل إلى وجوه قُوادك في تضريبهم عليك وإفساد قلوبهم لك فاحذَره، ووصل كتاب طيفور إليه قبل وصول سعيد، فحين وصل إليه ووقعَت عينُه عليه لم ينهنهه٤٩ حتى قال له: يا ابن كذا وكذا! فرغتَ من تضريبك الرجال بسُرَّ مَنْ رأى — وكان أحمد بن طولون يعرفه بذلك — وصرتَ إلى بلدي حتى تُضرِّب عليَّ رجالي، وتُفسِد نياتهم بالقشور والمحال، العمدَ! فأُحضِرتُ فقال: دماغه، فلم تزل العمد تأخذ دماغه حتى مات، فجرَّ برجله بين يدَيه، فصحَّت رؤياه التي رآها.

قال مؤلِّف هذا الكتاب: وبهذا الخبر صحَّت رؤيا محبوب بن رجاء في قوله إنه لمَّا رآه في منامه قال له: خفَّف عني أن أكثر مَنْ أسأتُ إليه كان مستحقًّا ذلك من ربه، فجعلني عقوبةً له، بعثها الله، عزَّ وجل، عليه مني. قال: وكان بين قتل سعيد الغلام وبين مسيره [إلى ابن طولون والا]قتصاص منه، فكان الوقت الذي بلغ الكتاب فيه أجله.

وحدَّث عبد الله بن الفتح — وكان من أصحاب سيما الطويل — قال: رأيتُ في منامي كأن سيما الطويل متعلق بأحمد بن طولون على باب المسجد الجامع الذي بناه بمصر، وهو يصيح بأعلى صوته: يا رسول الله! أعنِّي على أحمد بن طولون فإنه قتلني، واصطفى مالي، واستباح أهلي وولدي. فتأمَّلتُ فإذا رسول الله مقبلٌ إلى المسجد فصاح به: يا سيما! كذبتَ ما قتلك أحمد بن طولون، قتلَكَ عجيج سهل التاجر الذي قدَّرتَ أن عنده مالًا وجِدَة، فضربتَه حتى كاد أن يموت، ثم دخَّنتَ عليه حتى مات من التدخين، وأنت وأحمد خاطئان أقل أحدكما وزرًا أحسنُكما سيرة، وأكثركما معروفًا أقربكما من الله ومغفرته.

وحدَّث أحمد بن دعيم، وكان من قُواد أحمد بن طولون، وترك الديوان وحسُنَت طريقته في الخير، قال: رأيت أحمد بن طولون فيما يرى النائم وهو بحالٍ حسنة، فسألتُه عما فعل الله به؟ فقال لي: يا دعيم، ما ينبغي لمن سكن الدنيا أن يحتقر حسنةً يعملها ولا سيئةً يأتيها، عُدِل بي إلى الجنة بتثبُّتي على رجلٍ متظلم إليَّ، وكان عيَّ اللسان بعيدَ البيان منقطعَ الحُجَّة ضعيفَ الجسم، وقد ارتاع مني مع ذلك واضطَرب، فوقفتُ عليه وسكَّنته حتى سكن رُوعُه، وصبرتُ عليه في خطابه حتى قامت حجتُه بتثبُّتي، فتقدَّمتُ بإنصافه، فانصرف وقد أثَّر فيه السرور.

وحدَّث أحمد بن عبد العزيز الحريري — وكان في خزانة أحمد بن طولون ومعه قدِمَ من العراق — قال: فرَّق أبو الجيش كسوة أبيه على حاشيته، فلحِقَني منها نصيب، فما خلا شيء مما صار إليَّ من رَفْءٍ٥٠ ووجدتُ في بعضها رقاعًا.

قال مؤلِّف هذا الكتاب: [كان أحمد بن طولون] يقول كثيرًا: ينبغي للرئيس أن يجعل اقتصاده على نفسه وتسمُّحه على شمله وقاصديه، فإنه يملكُهم بذلك ملكًا لا يزول به عن قلوبهم، ولا تفسد معه سرائرُهم في نصحه وموالاته وحسن طاعته. وهذه كانت صورته، رحمه الله.

قال: وحدَّثنا عبد الله بن الفتح أن نحريرًا الخادم غلام المعتمد حدَّثه أنه لمَّا ورَد الخبر بوفاة أحمد بن طولون على المعتمد بكى حتى خيف على عينَيه، وعجَّ حتى رحمه جماعة خاصته وشمله، وحرَّم شرب النبيذ. وكان لميله إلى أحمد بن طولون ومحبِّته إذا قعد للشرب جُعلَت بين يدَيه صينيةٌ فيها خردادي٥١ وقدح وكوز ومغسل، كل ذلك بلور على اسم أحمد بن طولون، فإذا شرب ندماؤه ملأ الغلام من الخردادي الذي في تلك الصينية قدحًا ومضى به، ولا يزال يفعل ذلك إلى أن ينصرف الندماء، وكلما فرغ الخردادي مُلِئ إلى أن يسكَر المعتمد.

فلمَّا مات وحزن عليه وامتنع من الشرب وأقام كذلك مدةً طويلة لم يزل ندماؤه يتلطَّفون له ويخاطبونه بما يسلِّيه، ويسهِّل أمره عليه، ويعاونهم على ذلك أقربُ الناس منه، وعيالُه وولدُه وخاصتُه حتى نصب مجلسه، فلمَّا فقد صينية أحمد بن طولون من مجلسه، كانت على رسمها فيه، عاود البكاء عليه والنحيب، وخرج إلى أكثر مما كان خرج إليه في الابتداء، ورفع المجلس والنبيذ بين يدَيه، ولم يزل على ذلك أيضًا مدةً طويلة، ورثاه فقال:

إلى الله أشكو أسًى
عراني كوقْع الأسَلْ
عل رجلٍ أروعٍ
ترى فيه فضلَ الرجلْ
شهابٌ خبا وَقدُهُ
وعارضُ غيثٍ أفَلْ
شكَت دولَتي فقدَهُ
وقد كان زينَ الدُّولْ
إذا أَمَّه القاصدو
نَ حباهم جميعَ الأملْ
[قلتُ لعبد الله] بن الفتح: ما توهمتُ أن المعتمد يقيم شعرًا؛ لأني أُنشدتُ أشعارًا لم أرضَها. فقال: كان يمزح بأشعار٥٢ فإذا شاء جوَّد.

وحدَّث علي بن يحيى بن أبي منصور، وكان خاصًّا بالموفق ومقدَّمًا عنده، قال: رأيتُ الموفَّق في الساعة التي ورَد عليه فيها وفاةُ أحمد بن طولون، وقد استرجَع ووجِمَ، وظهر منه عليه كآبةٌ لم أرَها ظهرَت منه قَط لموت قريبٍ ولا وليٍّ حميمٍ مخلص، فقلتُ له: ما توهَّمتُ أنه يرد عليك شيء أسرُّ من نعي أحمد بن طولون! فما هذا الغم العظيم الذي قد جرى، وجرى في غير موقعه؟ فقال لي: دعنا من هذا وافهم عني ما أقوله لك: كان هذا الرجل مخالفي، والخلاف يزيد وينقص، وأعظمه خلاف استباح فيه مخالفتي ما أيسر فيه [؟] وغلبني عليه، وأسهله خلاف أحسن فيه مخالفتي بتدبير ما احتازه منه فأدى إلى عمارته، وكان خلاف أحمد بن طولون لي أحب من طاعة مَنْ يطيعني ويستبيح أموالي ويخرِّب بلداني، فخلاف مَنْ يُحسِن تدبير ما في يدَيه أحبُّ إليَّ من موالاة مَنْ يحتوي على مَنْ وكلتُه إليه وتُذَم العاقبة فيه بسوء تدبيره وقُبح أفعاله. وكان هذا الرجل، رحمه الله، يدبِّر ما قُلِّده كما يدبِّر المالك ملكه، ويحوطه حياطتَه لنفسه، ثم لم يخرج عن طاعة ولا أجرى عن حالٍ مذمومة؛ رعيَّته شاكرون ومعاملوه حامدون، وبه متبركون، وأعماله عامرة، وأموالها على يدَيه راخية، وأصحابه مغتبطون به، حَسَن السياسة، جميل الفعل، كثير المعروف، فلمَّا قلَّده أخي نواحيه؛ خراجها ومعاونها، ضبط جميع ذلك ضبْط جَزلٍ محتاط، فتزايدت أفعاله الجميلة فيها، على ما كان منه متقدِّمًا، ثم أقدمني أخي من مكة على كُرْه مني لذلك، وكان مقامي بها أحبَّ إليَّ وأرْوَح لنفسي … هذا لما عاينتُه وما كابدتُه، فلمَّا قدمتُ إليه رأيت أمو[ر الدولة] مضطربةً على غايةٍ من الاضطراب والانحلال، حتى إنه كاد الأمر أن يخرج عن أيدينا بقلة ضبطه لأمر دولته، وسلوكه ما لا يُحبُّ فيها، فاجتهدتُ في جمْع شَتَاتِ هذه الدولة، ورأيتُ أمير المؤمنين أخي المؤكِّد لي البيعة رجلًا لاهيًا، مقبلًا على لذاته، مشتغلًا بأفراحه، لا يشغلُه عن ذلك شيءٌ من أمر دولته ولا يفكِّر فيه، قد ألقى أموره إلى من استبدَّ بها دونه، واجترأ عليها واشتغل بمصالح نفسه وما عاد لمحبيه، ولا يفكِّر في عاقبة ولا يتخوَّف من حادثة.

فتغطرستُ٥٣ لبقاء هذه الدولة بما ضبطتُها به، وصُنْتها عما كانت قد أشرفَت عليه من الزوال. وتأمَّلتُ أمر غلمانه كلهم فما أحمدتُ أمر أحدٍ منهم، وتأملتُ أمر أحمد بن طولون، رحمه الله، فوجدتُه قد حمل إلى إمامه المنفرد باصطناعه، مذ تقلَّد هذا البلد، ما كنتُ أرضى أن يحمل إليَّ بعضه لإصلاح ما أنا بسبيله، ولضيق الأمر وتعذُّر الأموال عليَّ، فيما أُعانيه ودُفعتُ إليه، وناظَرني بما إذا تأمَّله المتأمل المنصف علم أن عذره في خلعي، أوجب من عذري في لعنه، وما خرج إليه في أمري من انحرافه عني، أوجبُ مما خرجتُ إليه في أمره وفي انحرافي عنه، وإن كنتُ أُظهر ذلك بلساني وقلبي يُنكِره ويعلم خطئي فيه، وعذره فيما يأتيه، وأئمتنا هؤلاء فهم فساد فيما بيننا وبين الناس، هذا المهتدي أشرتُ عليه أن يمرح [؟] في سيرة أبيه، وأعلمتُه أن الزمان الذي فسد بما أوجبه ما أجرى إليه من سوء التدبير بما يكون فيه المشقة المجحفة … د غششته إني إنما أردتُ وقصدتُ الطعن على تدبيره ورأيه، وقد علم الله، جلَّ اسمُه، أني قد نصحتُه فضرَّب بيني وبين الناس، وعَمِل في أمري ما شاهدوه ونفاني عن حضرته، وركب خطأه وسوء تدبيره، فلم يزل يركُض فيه حتى قُتِل أقبح قِتْلة فشمت به عدوه، واغتم به وليُّه وغمَّ نفسه لاستبداده برأيه، وإن كان كل ما يجري فمن الله، جلَّ اسمُه، وقضاؤه ينفذ كما يشاء بسلب كل ذي لُبٍّ لُبَّه حتى تتمَّ مشيئته، إلا أن مخالفة رسول الله في ترك المشاورة خطأ، فأقمتُ، طُول ما أقمتُ، هادئ القلب، آمن السرب، طيب النفس، غير مفكر إلا فيما عاد بأجري، وحمدتُه في عاقبتي إلى أن ردَّني أخي.

ولأحمد بن طولون، رحمه الله، أولاد عداد، وموالٍ وعدد جم، لم يَرَوا غير رياستهم، ولم يكن في جماعتهم مَن قلبه ممتلئ من هيبتنا غيره؛ لأنه رُبِّي في خدمتنا، وشاهد قوة أمرنا وأحوالنا، فامتلأ من ذلك قلبُه، وكبرَت سطوتُنا في عينه، وخلَّف الآن أموالًا جمَّة عظيمة، لا يحوط جميعَها من قليلٍ وكثيرٍ إحصاء مُحصٍ، ولا ضبطُ محتاط مَكْفي، وإذا اجتمع لمن يقوم مقامه من ولده قلةُ التهيُّب لنا، إذ لم يشاهد من أحوالنا ما قدَّمنا ذكره من مشاهدة أبيه من أمرِنا، مع كثرة المال والأعراض والعُدَّة الجليلة العظيمة والعِدة الكثيرة الوافرة القوية، بالحال الجليلة والجمال والمال والشجاعة والإقدام، حسب ما اختصَّهم أبوهم، وانتخبهم واختارهم، وملأ أعينهم بما لا نتسمَّح نحن بمثله لكثير من أصحابنا فكيف غيره؟! فهم على ولده بذلك يحتاطون وفي … بحالين؛ أحدهما المحافظة لما أتاه أبوهم فيهم من الجميل و… عليه من عظم الأحوال، وثانيه لأنهم تيقَّنوا أنهم لا يجدون مثله ولا مثل ولده أبدًا؛ فلهذه الأحوال تعظُم علينا نكايتهم معها، ويبعُد علينا في ذلك مرامهم ويطرأ علينا منهم ما لعلنا أن نقصُر عنه، وعن بلوغ المراد به؛ لأن الأنصار مع المال حيث كان، ولا سيما أنصار من أنصار، فإن بأيدينا مَنْ يقوم منهم كان خليقًا بالغلبة، وإذا كان النصر لهم قدحَت فينا عليه لنا قدحًا عظيمًا وهدَّت منا ركنًا كبيرًا، وكنا مع ذلك قد اضطررناه إلى إتلاف الأموال التي تحتاج إليها المملكة المجاهدة عدوًّا إن تحرَّك، فإن كان انصر لنا عليه لم نجد بُدًّا من أن نستخلف على بلدنا ونواحيه مَنْ هم كانوا لنا وللأعمال أصلحَ وأجودَ وأوثقَ وأحسنَ تدبيرًا وأجمل حالًا وسياسةً فيما تقلَّده.

وكان بُغية المتقلِّد بعد أحمد بن طولون، رحمه الله، وبعد تركته تحصيل الأموال وجمعها لنفسه واستئثاره بها وبجميع ما تنبسط يده إليه دوننا، ثم بعد ذلك تخريبه بلداننا، وإطلاقه نهبها وإخافة سرب أهلها، ودون فائدة للسلطان، ولا عائدة علينا، إلا ما تُبسَط به الألسن بالدعاء علينا والوزر لعلم في أعناقنا، وهو غير مفكِّر في ذلك وليس وكده إلا ما عاد لمحبيه، ثم أقبل يترحَّم على أحمد بن طولون ويبكي على فقْده.

فقال علي بن يحيى بن أبي منصور: فقلت للموفَّق: ثبَّت الله عزم سيدي وسدَّد رأيه، وعوَّضه منه وحرس له ما منحه به، فهذا والله الرأي السديد والفهم الرشيد ولولا ما خصه … قد قام الآن سيدي، أيَّدَه الله، عندما تبيَّنتُه مما بيَّنه لي الأمير، أيَّدَه الله، وشَرحَه من حال هذا الرجل، رحمه الله، وكشَف منه ما كان عني مغطًّى وعن سائر الناس الذين لا يعلمون مقدار ما علمه الأمير، مدَّ الله في عمره وبلَّغه أفضل آماله في دنياه وآخرته، والله بكرمه يهنِّيه ما خوَّله، ومنَّ به من رياسته ويجعله عمادًا لها بمنِّه وقدرته.

قال مؤلِّف هذا الكتاب: وجدتُ ثبتًا٥٤ لابن مهاجر بما حملَه أحمد بن طولون إلى المعتمد، وفُرِّق في جماعة من حاشيته لأربع سنين، أولاهنَّ سنة إحدى وستين ومائتَين وأخراهنَّ سنة خمس وستين ومائتَين، مما كانت به السفاتج تنفُذ إليه سرًّا مع من يثقُ به ويأمنُه على سره وماله، ولا يعلم بذلك أحد ممن يكره عِلمَه به من أصحابهم وغيرهم مما مبلغه ألفا ألف ومائتا ألف دينار.

قال: وكانت نفقات أحمد بن طولون، رحمه الله، جدًّا لا هزْلًا، كلها فيما قرَّبه من الله، عز وجل، [و]من صالحي كل بلدٍ تقلَّده، يرغَب في دعائهم ويستجلبُه بكل نوع، ويحنو على رعيته ويستجلب به دعاءهم، وكان وكدُه وشغلُه واهتمامُه بإسعاد بلده وسائر ما بعُدَ من بلدانه، يسعى فيما يرخِّص الله، جلَّ اسمُه، به أسعارهم، وجميع ما يُباع في بلده وسائر بلدانه، فكان الرُّخص به عامًّا في كل بلد من سائر الأطعمة. وكان السبيل به آمنًا، والأرزاق ببركته دارَّة، والنعمة من الله، جلَّ وعلا، منه إرادته [؟]، جلَّ اسمُه، على سائر الناس مترادفة متكانفة.

[تمَّت سيرة أحمد بن طولون.]
١  تتجلَّى هذه الحادثة بما أورده الطبري في حوادث سنة ٢٦٩ قال: وفيها كان وثوب خلف صاحب أحمد بن طولون في شهر ربيع الأول منها بالثغور الشامية وهو عامله عليها بيازمان الخادم مولى الفتح [مفلح] بن خاقان فحبَسه، فوثبَت جماعةٌ من أهل الثغر بخلف وخلَّصوا يازمان، وهرب خلف، وتركوا الدعاءَ لابن طولون ولعنوه على المنابر، فبلغ ذلك ابنَ طولون فخرج من مصر حتى صار إلى الشام، ثم صار إلى الثغور الشامية فنزل أذنة، وسدَّ يازمان وأهل طرسوس أبوابها، خلا باب الجهاد وباب البحر، وبثقوا الماء فجرى إلى قرب أذنة وما حولها، فتحصَّنوا بها، فأقام ابن طولون بأذنة ثم انصرف، فرجع إلى أنطاكية ثم مضى إلى حمص، ثم إلى دمشق فأقام بها.
٢  المصيصة: من بلاد الثغور تسميها الترك اليوم سيس والإفرنج Mopsueste ويقول البكري في معجم ما استعجم: المصيصة بكسر أوله وتشديد ثانيه بعده ياء ثم صاد أخرى مهملة: ثغر من ثغور الشام معروف. قال أبو حاتم: قال الأصمعي: ولا تقل مصيصة بفتح أوَّله.
٣  بوزن حسنة بلد من الثغور قرب المصيصة، ويُقال لها اليوم أطنه، وهي حاضرة كيليكيا Cilicie من الكور الكبرى في آسيا الصغرى.
٤  العرَّادة بالتشديد: شيءٌ أصغر من المنجنيق شبيهه، والجمع العرَّادات، والمنجنيق وتُكسر الميم: آلة تُرْمى بها الحجارة كالمنجنوق، والجمع: منجنيقات ومجانق ومجانيق.
٥  اسم هذا النهر اليوم قره صو أي النهر الأسود وبالإفرنجية Cydous.
٦  النذل والنذيل: الخسيس من الناس والمحتقَر في جميع أحواله، والجمع أنذال ونذول ونُذلاء ونُذَّال.
٧  الذرب: فساد المعدة.
٨  ذكر ابن أبي أصيبعة في طبقات الأطباء أن الحسن بن زيرك كان طبيبًا بمصر في أيام أحمد بن طولون يصحبه في الإقامة، فإذا سافر صحبه سعيد بن توفيل.
٩  الغالب أن هذه البيعة هي بيعة القيسان في أنطاكية، وصفها ابن بطلان في القرن الخامس وصفًا دقيقًا ونقل كلامَه ياقوت في مادة أنطاكية.
١٠  في طبقات الأطباء: فقال: يا سيدي طلبتَني أمس وأنا في بَيْعتي على ما جرت عادتي وحضرتُ فلم تُخبرني.
١١  القرم محرَّكة: شدة شهوة اللحم، وكثُرَ حتى قيل في الشوق إلى الحبيب.
١٢  الزماورد: طعام من البيض واللحم، وقول العامة: بزماورد أصوب؛ لأن فارسيته بزماورد [الألفاظ الفارسية المعربَّة لادي شير] وفي كتاب الطبخ لمحمد بن الحسن الكاتب البغدادي أن صنعتَه أن يُؤخَذ الشواء الحار الذي فتَر وهجُه ويقطع ويُجعل عليه ورق النعنع ويسيرٌ من خل خمر وليمونٍ مملوح ولُب جوز يُرش عليه يسيرُ ماء ورد ويُدَق بالساطور دقًّا ناعمًا، ولا يزال يُسقى خلًّا إلى أن يشربه جيدًا، ويُؤخذ الخبز السميذ الفائق الملبب فيُخرج لبابه ثم يُحشى من ذلك الشواء حشوًا جيدًا ويُقطع ويُبل بالماء ويُنشَّف ويُرش فيه ماء ورد، ثم يُفرش فيه نعنع طري ويُعبَّى فيه بعضه فوق بعض، ويُغطَّى أيضًا بشيء من النعنع، ويُترك ساعة ويُستعمل.
١٣  الفرما: على ساحل بحر الروم وهي قصَبةُ الجفار على فرسخ من البحر عامرةٌ آهلةٌ عليها حصن، ولها أسواقٌ حسنة [قاله المقدسي] وهي اليوم خراب. وفي معجم ما استعجم: الفرماء بفتح أوله وثانيه ممدود على وزن فعَلاء وقد تُقصر مدينة معروفة تلقاء مصر، والجفار واحدها الجَفْر [بفتح الجيم وإسكان الفاء] البئر ليست بمطوية.
١٤  أي قلنسوته الطويلة كما صرَّح بذلك الطبري في حوادث أول سنة ٢٦٩ حيث وصف دخول العلوي عسكر الموفَّق، فقال: وعليه قباء ديباج وقلنسوةٌ طويلة. وقال الجاحظ في البيان: فإن كانت القلانس مكشوفة زادوا في طولها وحدَّة رءوسها. وقال في أخلاق الملوك: كان الحَجاج إذا وضع على رأسه طويلة لم يجترئ أحدٌ من خلق الله أن يدخُل وعلى رأسِه مثلُها.
١٥  في الأصل: كتابه.
١٦  التضريب بين القوم: الإغراء.
١٧  التمشش: مص أطراف العظام.
١٨  تعبير الرؤيا، يُقال عبر الرؤيا عبرًا وعبارة وعبَّرها فسَّرها، وأخبر بآخر ما يئول إليه أمرها. والعسال هو أبو علي الحسن بن محمد بن أحمد المصري كان في تفسير الرؤيا عجبًا من العجائب، وسمع الحديث، تُوفي سنة ٣٠٢ﻫ [أنساب السمعاني].
١٩  حاذق.
٢٠  وفي رواية: فيدبر نفسه بها وينقاد لك.
٢١  في ياقوت أنها شرقي مصر منسوبة إلى الأصبغ بن عبد العزيز بن مروان أخي عمر بن عبد العزيز بن مروان. ولم يذكُر صاحب الخطط التوفيقية هذه البلدة في حاضرها بشيء، واتسع فقط في الكلام على غابرها.
٢٢  في قاموس الجغرافية القديمة: أن بحر الخزر تسمِّيه العرب بحر الخُزَر [بضمَّة ففتحة] باسم بعض العشائر المتوطنة على ساحله، وهي تُسمَّى الخزرج بزيادة جيم في آخرها، كما هو الشأن في الكلمات الفارسية المعرَّبة؛ مثل ساذج وفالوذج ولوزينج … إلى آخره، والمشهور أنهم يُهمِلون الجيم في النطق والكتابة.
٢٣  السمك القريص: لغة في القريس وهو الذي طُبِخ وعُمِل فيه صباغ [كالخل والزيت] وتُرِكَ حتى جمد.
٢٤  الشاكري: الأجير والمُستخدَم، معرَّب جاكر.
٢٥  الدراعة: جُبَّة من صوف مشقوقة القدم.
٢٦  نفس به كفرِحَ: ضنَّ، وعليه بخير حسد، وعليه الشيء نفاسةً لم يَرَه أهلًا له.
٢٧  العصيدة: دقيق يُلتُّ بالسمن ويُطبَخ.
٢٨  الجام: كلمة فارسية، وفي القاموس: إناء من فضة، وجمعه أجؤم بالهمز وأجوام وجامات وجُوم.
٢٩  النجو: ما يخرج من البطن من ريح أو غائط.
٣٠  دنف الرجل: ثقل من المرض ودنا من الموت.
٣١  الدينور: مدينة من أعمال الجبل قرب قَرميسين وقرب شهرزور وهمذان.
٣٢  تقرأ إنابة وإبانة وكلتاهما لا تصدم المعنى.
٣٣  في الأصل هكذا: «قد نزل بي» بلا نقط.
٣٤  في الأصل: ويحسونها صدرهم.
٣٥  أحفى السؤال: ردَّده، والإحفاء مثل الإلحاف وهو الإلحاح.
٣٦  البدرة: عشرة آلاف درهم.
٣٧  في الأصل: فارفا ومنوهم فلا تامرن.
٣٨  المِحفَّة بالكسر: مركب للنساء كالهودج إلا أنها لا تقبَّب؛ أي لا تُعمل لها قُبَّة.
٣٩  تلوَّم في الأمر: تمكَّث وانتظَر.
٤٠  خَفَت المريض: انقطع كلامه وسكت.
٤١  لسان ذرب: فصيح.
٤٢  وهنا أيضًا نشك في إلمام المؤلف بمنزل الواثقية؛ لأنه لما وضع كتابه كان قد تم انقراض الدولة الطولونية ومضى عليها أكثر من ثلاثين سنة، فزائر الواثقية وزائر نعت هو فيما نرى ابن الداية مؤرخ الطولونيين الأول.
٤٣  ما نَخَال من اجتمع إلى نعت إلا أحمد بن يوسف الكاتب، والمؤلف لم تكن له صلةٌ بالبيت الطولوني، ولا أدرك نعتًا.
٤٤  نقل ابن إياس عن ابن وصيف شاه أن أحمد بن طولون لمَّا تولَّى على مصر أخذ في أسباب عمارة قراها وعمارة جسورها وقناطرها وحفْر خلجانها وسدِّ تُرعها، فاستقامت أحوال الديار المصرية في أيامه بعدما كانت قد تلاشى أمرها إلى الخراب وانحطَّ خَراجها في أيام مَنْ تقدَّمه من العمال، فلمَّا حصلَت العمارة والعدل عمَّ الرخاء سائر أعمال الديار المصرية حتى بيع في أيامه كل عشرة أرادب بدينار، وعلى هذا فقِسْ في جميع البضائع، ووصل خَراج مصر في أيامه، مع وجود هذا الرخاء، أربعة آلاف دينار وثلاثمائة ألف دينار غير المكوس. ونقل المقريزي في الخطَط أن ابن طولون لمَّا تسلَّم مصر من ابن مدبَّر كانت قد خربَت أرضُها حتى بقي خَراجُها ثمانمائة ألف دينار، فاستقصى أحمد بن طولون في العمارة وبالغ فيها، فارتفع خراجها إلى أربعة آلاف دينار وثلاثمائة ألف دينار.
٤٥  في تاريخ سعيد بن بطريق أن أحمد بن طولون لمَّا فتح أنطاكية رجع إلى مصر وبنى فيها المسجد الجامع المطل على البِرْكة وبنى البيمارستان، وبنى مصنعًا يجري فيه الماء من البِرْكة المعروفة بالحبش إلى المعافر.
٤٦  في مجموعة الحِكَم المنسوبة لياقوت المستعصمي أن أحمد بن طولون أراد أن يكتُب وثائق أحباسه التي حبَسَها على المسجد العتيق والبيمارستان فتولى كتابةَ ذلك أبو حازم قاضي دمشق، فلمَّا جاءت الوثائق أحضَر علماء الشروط لينظروا هل فيها شيءٌ يُفسِدها فنظروا فقالوا: ليس فيها شيء. فنظر أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي الفقيه وهو يومئذٍ شاب، فقال: فيها غلط. فطلبوا منه بيانَه فأبى، فأحضَره أحمد بن طولون وقال له: إن كنتَ لم تذكر الغلط لرسلي فاذكُره لي. فقال: ما أفعل. قال: ولِمَ؟ قال لأن أبا حازم رجلٌ عالم، وعسى أن يكون الصواب معه وقد خَفِي عليَّ. فأُعجب بذلك ابن طولون وأجازه، وقال له: تخرج إلى أبي حازم وتوافقه على ما ينبغي. فخرج إليه فاعترف أبو حازم بالغلط، فلمَّا رجع الطحاوي إلى مصر وحضَر مجلس ابن طولون سأله فقال: كان الصواب مع أبي حازم، وقد رجعتُ إلى قوله. وسَتَرَ ما كان بينهما، فزاد في نفس ابن طولون وقرَّبه وشرَّفه.
٤٧  كذا، وكتب «يسمى» بالألف، ولعل العبارة هكذا: سيما ألوف الدراهم.
٤٨  في الأصل: العباد.
٤٩  نهنهه عن الأمر فتنهنه: كفَّه وزجره فكفَّ، وأصلُها نههه.
٥٠  في الأصل: من أدنا.
٥١  انظر هامش ١٣٨ ص٧٨ من هذا الكتاب.
٥٢  في الأصل: ما شاء عباره «بلا نقط».
٥٣  تغطرس: تغضَّب.
٥٤  الثَّبَت محرَّكة: الفهرس الذي يجمع فيه المحدِّث مرويَّاته وأشياخه كما به أخذ من الحجة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤