على هامش السيكولوجية

حدث أن زارني شابٌّ من المستهزئين يقصُّ عليَّ حلمًا اخترعه كي يمزح ويسخر، واستمعت إليه في جد وانتباه، وفسرته له في أمانة ودقة، فإذا به يصرخ في النهاية بأن هذا الحلم لم يقع له، وأنه قد اخترعه.

فكان جوابي: الحلم الذي تخترعه في اليقظة هو كالحلم الذي يقع لك في النوم سواء؛ وذلك لأنك حين تخترع إنما تنساق وفق أقوى الخواطر في نفسك، وهذا ما يحدث لك أيضًا في الحلم، وكل ما هنالك من فروق أن حلم النوم عمل مختلط أكثر من حلم اليقظة، وأنت قبل النوم، حين لا تزال في يقظتك، في الاسترخاء الذي يسبق إغماض العينين، تنساق في خواطر هي أحلام، تدلُّ على حالك النفسية مثل أحلام النوم.

وما ظننتَ أنك خدعتني به خطأ، فإني لم أنخدع؛ إذ إنك كشفت لي عن أقوى عواطفك المسيطرة عليك في تأليف الحلم المخترع.

***

ما نسميه الإرادة إنما هو اندفاع تبعثنا إليه عُقد اجتماعية أو عائلية، أو هو تأثيرات إيجابية غير واعية (أي لا ندري بها) تسدد نشاطنا نحو أهداف لا نبالي أن نتعب ونكد من أجل الوصول إليها؛ ولذلك كثيرًا ما تعطل الإرادة القوية بما يرافقها من عاطفة حادة الذكاءَ الشخصي، فنندفع اندفاعًا أعمى وراء المال أو الجاه أو اقتناء عقار مع الخسار، أو الزواج من امرأة ثرية أو نحو ذلك، ونحن في كل ذلك نظنُّ أننا أحرار، نختار ونريد، ولكن الواقع أننا مسوقون بعقد نفسية ومركبات إيحائية تجعل سلوكنا جنونيًّا أو قريبًا من الجنون، وهذه العُقدة تحدث عاطفة أو مجموعة من العواطف، نندفع بها إلى نشاط مثابر عنيد؛ ولذلك نقول: إرادة حديدية، كأننا نمدح صاحبها، كما نرتب على الإرادة ما نسميه المسئولية.

***

يجب علينا، نحن السيكولوجيين، وعلى الآباء والمربين أن نختار الكلمات التي تصح أن تكون شعارات، نلقنها للشباب فيسترشدون بها في حياتهم:

– يجب أن نولد مرة أخرى.

– لذة الشرف.

– أهداف الحياة.

– برنامج جديد للسنوات الخمس القادمة.

– العقيدة انتحار العقل.

***

ليس بعيدًا ألا يكون الدماغ وحده مركز الوجدان (أي الوعي)؛ لأن كل خلية في أجسامنا تحس هذا الوجدان، والنخاع الشوكي يتسلم ويختار ويؤلف وينقل، هو دماغ بدائي صغير.

***

ما هو التحليل النفسي؟

هو إخراج ما ليس إنسانيًّا من الإنسان.

***

الإنسان هو الحيوان الوحيد الذي يشغل نفسه بإيجاد العادات والقوانين لإحداث التوترات الجنسية، ثم يعود فيفكر في الوسائل التي تفرج عنها.

***

العقل الباطن الذي يختبئ عن وعينا، والذي يدفعنا أحيانًا إلى سلوك معين من حيث لا ندري، هو الذات الحيوانية الكامنة في كل إنسان من حيث إنه حيوان قبل كل شيء.

***

المرض النفسي هو في النهاية انفعال مركز.

***

ليس من الضروري أن نقول: إن النيوروز أي الأزمة العاطفية أو الانفعال المركز يرجع إلى حادثة أو حوادث وقعت في الطفولة، فإن هذا القول وإن يكن صحيحًا على وجه عام، فإن هناك حوادث تحدث لنا في الشباب والكهولة تؤدي إلى النيوروز، بحيث لا نستطيع بالتحليل أن نجد لها أصلًا في الطفولة، ليس من الضروري أن نحفر عن الماضي كي نهتدي إلى حلٍّ للعقدة الحاضرة، فقد تكون هذه العقدة أبسط من ذلك، وقد يكون حفرنا عن الماضي سببًا لإيجاد عُقد جديدة كانت مختبئة راكدة غير ضارة.

ولكن في حالة الاستعصاء على العلاج نعود إلى أيام الطفولة.

***

كان المحامي «م» حين يدخل المحكمة ويبدأ في المرافعة أمام القضاة يختلج وجهه، فيشوه سحنته ويربكه في ترتيب كلماته، ومرجع هذا إلى أن المحكمة تجعله يقف منها موقفه القديم في فصل المدرسة حين كان يطالب من المعلم بالإجابة على الأسئلة الصعبة ويخشى السقوط.

***

في التحليل النفسي: الاسترخاء أولًا ثم الاستذكار.

***

عندما كان «س» يشترك في حديث ما كان يضحك بلا سبب ظاهر، بحيث كان يستغرب محدثه هذا الضحك منه، وكانت هذه العادة قد نبتت فيه منذ كان صبيًّا يهزأ به قرناؤه، فصار الضحك عنده بمثابة الاسترضاء للسامعين.

***

كان «أدلر» يقول للمريض: أستطيع أن أحقق لك الشفاء إذا كنت تعدني وتنجز وعدك بأن تسعد أحد الناس مرة كل يوم؛ ذلك لأننا حين نسعد غيرنا نسعد نحن أيضًا.

***

لذة الحياة في الصبا لا تؤجل إلى سن الشباب، ولذة الحياة في الشباب لا تؤجل إلى سن الكهولة، فيجب ألا نعامل صبياننا كما لو كانوا رجالًا، ويجب ألا نعامل شبابنا كما لو كانوا كهولًا.

***

الحب هو حياة الحياة.

***

يجب أن تتقدس حياة الشبان بالحب.

***

إذا كثرت معارفنا عن موضوع معين عجزنا عن التأليف الحسن عنه؛ ذلك لأننا لا نصل إلى الرأي القاطع فيه.

***

يمكن سيكولوجيًّا أن نردَّ الفضائل كالشجاعة والشهامة والولاء والحب إلى بواعث نيوروزية.

***

والقلق لا ينشأ من خطر معين، وإنما من خطر مجهول؛ إذ إننا حين نعين الخطر (إذا كان حقيقيًّا) ينقص إحساس القلق.

***

إذا تبرعنا لمساعدة شخص أو مشروع أصبحنا نحسُّ عاطفة تربطنا بهما.

***

في فن الدعاية: نصف الحقيقة أنجح من الحقيقة.

وأيضًا موقف الدفاع هو موقف الهزيمة.

***

الدين على مستواه الأعلى هو الحاسة الاجتماعية الإنسانية على مستواها الأعلى.

***

نحن مَن صنع المجتمع، وما نسميه أمراضًا نفسية إنما هو استجاباتنا ورجوعنا إلى أهداف وقواعد واصطلاحات اجتماعية نعجز عن الملاءمة بيننا وبينها.

***

المركب في السيكولوجية هو العُقدة، ولكن يحسن أن نجعل الكلمة الأولى للاتجاهات الحسنة، أو غير الضارة على الأقل، أما الثانية فنجعلها للاتجاهات الضارة.

فالطمأنينة مركب نفسي، والخوف عُقدة نفسية.

***

«أدلر» يقول: الشجاعة هي صحة النفس.

ذلك لأن الخوف هو الأساس الأول للأمراض النفسية.

***

ليس هناك «إرادة على وجه عام»؛ لأن الإرادة «خاصة».

***

عندنا في مصر كلمات سفَّاحة مثل العرض والثأر والدم والانتقام، ومعظم القتل في الصعيد ينشأ من هذه الكلمات التي تعين أفكارًا سفَّاحة.

***

الانتباه هو فصل جزء مما يحيط بنا حتى نركز فيه التفكير.

***

وجودنا الاجتماعي يعين وجداننا، أي يعين أفكارنا وإحساساتنا وأخلاقنا وأدياننا ومطامعنا وخرافاتنا.

***

اللغة وسيلة للتفاهم الاجتماعي، ولكنها أيضًا وسيلة للارتقاء الاجتماعي، وذلك حين تحتوي كلمات ارتقائية تكون بمثابة الشعارات التي تعين على الإصلاح والخير والشرف.

***

ليس هناك رجل مائة في المائة، كما ليس هناك امرأة مائة في المائة، نحن الرجال نحوي شيئًا من الأنوثة.

وكذلك كل امرأة تحوي شيئًا من الرجولة.

وقد يزيد مقدار هذا الشيء فتحدث الشذوذات والمتاعب الجنسية.

***

جميع أفكارنا تتأثر لإحساساتنا حتى حين نفكر في موضوعات نائية عن ملابسات العيش، مثل الرياضيات أو الكيمياء.

***

الفهم هو ثمرة الفكر والعمل، وكل منها مفاعل للآخر يتكشف به وينمو، ويمكن أن نفكر بلا عمل أو بلا أساس للعمل، كما يحدث لنا في أحلام اليقظة، ولكن تفكيرنا عندئذٍ يكون في الخواء، أما العمل فلا نستطيع أن نقوم به بلا تفكير.

***

عندما أعالج موضوعًا أشرحه وأخترع فيه وأولف بين أجزائه أحسُّ أن هذا الموضوع قد غيرني أيضًا؛ لأنني أنا وموضوعي مفاعلان.

***

كل كتاب له أصلية وبه اختراع، كما ينطوي على هدف، يغيرنا نحن المؤلفين؛ إذ هو يربطنا بما أبدينا نحن من آراء وبما اتخذنا من أسلوب وما دافعنا عن قضايا، وعندئذٍ تلابسنا كل هذه الأشياء مدى أعمارنا، فنعتاد عادات ذهنية وفق هذا الكتاب أو هذه الكتب التي ألفناها، ولا نستطيع التخلص منها.

***

الإجرام ليس وراثيًّا، هو مثل العبقرية اجتماعي.

***

صحيح أننا نجد أحيانًا بعض التشوهات في المجرمين مثل الفَوَهِ أو العجافة أو العرج أو القِصر أو العور؛ ذلك أن هذه الألوان من الدمامة تحدث في صاحبها إحساس النقص الذي يعالجه بنوع من البراعة الإجرامية، أي إنه يلجأ إلى أسلوب الأطفال كي يثبت تفوقه ويؤكد كرامته.

***

الضيق الاقتصادي يؤدي إلى ضيق نفسي ينفجر بضروب مختلفة.

***

المجرم المتعود الإجرام لا يندم عندما يدخل السجن، ولكنه يبحث هذا الموضوع التالي: ماذا كان يجب عليَّ أن أعمل حتى لا أقع في أيدي البوليس؟

***

الاهتمامات الاجتماعية الإنسانية خير ما يقينا من الأمراض النفسية.

***

قدرتنا على التفكير العميق هي قدرة على التألم العميق.

***

اللذة أو السرور يزدادان حدَّة إذا وجدنا في سبيلهما شيئًا من المقاومة لا تصل إلى حد الفشل والخيبة، ومن هنا قيمة التمنع في المرأة.

***

هدف الفلسفة هو المواءمة بين المعارف المختلفة للوصول إلى مبدأ عام أو نظرية شاملة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤