تمهيد

استخلَصْنا من دراستنا في الجزء الأول عدَّة نتائج خاصَّة بعلي الكسَّار، كان من أهمِّها: أن اسم علي الكسَّار بدأ يتردَّد في الصحف المصريَّة عام ١٩١٤، عندما كان يعرِض الفصول المُضحِكة في ختام عروض الأشرطة السينمائية بتياترو فيوليت وسينما إيديال بعماد الدين. وأن أوَّل مسرحيَّة — تبعًا لما بين أيدينا من وثائق وأخبار — مثَّلها علي الكسَّار وقام فيها بدور البربري، كانت مسرحية «زقزوق وظريفة» عام ١٩١٦، عندما كان مُمثِّلًا بجوق الأوبريت الشرقي بكازينو دي باري. وأن أوَّل مسرحيَّة كوميديَّة كتبها علي الكسَّار — رغم أُمِّيته — مسرحية «اللي في الدست تطوله المغرفة»، في فبراير ١٩١٧.

وبسبب نجاح الكسَّار في تمثيل شخصيَّة البربري، أصبح شريكًا لمصطفى أمين في إدارة الجوق الشرقي بكازينو دي باري في أواخر عام ١٩١٧. كما اشتركَ الكسَّار مع أمين صدقي في تكوين فرقة مسرحيَّة كوميديَّة، اتَّخذت مسرح الماجستيك مسرحًا جديدًا لها، وافتتحتْه بمسرحيَّة «القضية رقم ١٤» عام ١٩١٩. وفي أغسطس ١٩١٩ بالإسكندريَّة، حدثت أول مواجهة فنيَّة بين الريحاني والكسَّار، حيث هرعت الجماهير لمشاهدة الكسَّار، الذي رَبِح كثيرًا، بعكس الكساد الماديِّ الذي لَحِق بالريحاني، لعدم الإقبال الجماهيري لمشاهدة عروضه، فتوقَّفت فِرقة الريحاني عن العمل فترةً طويلة.

وكان غياب الريحاني سببًا مباشرًا في تألُّق جوق صدقي والكسَّار، وأيضًا في انتعاش بعض الفِرَق الكوميديَّة الأخرى، مثل: فرقة عزيز عيد، وفرقة فوزي الجزايرلي، وفرقة شرفنطح، وفرقة أمين عطا الله وكاميل شامبير، وفِرقة حسن فايق، وفرقة محمد ناجي، وفرقة جلبي فودة. وعروض هذه الفِرَق أفرَزتْ هجمة صحافية ضِدَّها، ووصفت أعمالَها بالتمثيل الهزليِّ الشائن، مقابل وصف أعمال جوق صدقي والكسَّار بالتمثيل الهزليِّ الراقي؛ لأنه تمثيل هزليٌّ في شكله، جديٌّ في مضمونه، سامي المعاني في مقصده. وبذلك تربَّع جوق صدقي والكسَّار على عرش الكوميديا في هذه الفترة بلا منافس.

وفي أواخر عام ١٩١٩ عاد الريحاني بفرقته من جديد، فواجهتْ عروضُه حملةَ صحافيَّة تنوَّعت مقالاتها بين بين الرفض والقبول، ومن ثَمَّ بدأ التراشُق بعناوين المسرحيَّات بين فرقة الريحاني وجوق صدقي والكسَّار. وفي أواخر عام ١٩٢٠، أصبحت أعمال جوق صدقي والكسَّار مثالًا يُحتذَى عند الفِرَق الأخرى. وبدأت أصداء نجاح الجوق تَصِل إلى أسماعِ كبار الشخصيَّات، فحضر بعضَ عروضِها أميرُ الشعراء أحمد شوقي وجعفر باشا والي.

بعد ذلك، اهتزَّت مكانة الريحاني بعضَ الشيء مقابل تألُّق الكسَّار، ولكن هذا الاهتزاز لم يُفقِد الريحاني بريقَه، حيث ظلَّت شخصيَّتُه الفنيَّة كشكش بك مثالًا للتقليد الكوميدي من قِبَل بعض الفرق الأخرى، بجانب شخصيَّة البربري عثمان. وخير مثال على ذلك أن فوزي مُنِيب عندما سافر إلى سورية أواخر ١٩٢٠، أطلق على فرقته اسم جوق كشكش البربري، ومثَّل مسرحية «اسم الله عليه» لأمين صدقي، وأطلق على نفسه لقب بربري مصر الوحيد، وهو لقب علي الكسَّار.

وفي مايو ١٩٢١ — ولمدة أربعة أشهر — قامت جريدة البشير بأكبر هجوم صحافيٍّ على الفِرَق الكوميديَّة، خصوصًا فرقة الريحاني، وفرقة محمد بهجت، وجوق صدقي والكسَّار. فهاجمت فرقة الريحاني هجومًا شرسًا، خفَّفت من وطْأته في هجومها على فرقة محمد بهجت، وكاد هجومها يتلاشى عندما مسَّت الكسَّار مسًّا خفيفًا. وكان من نتيجة هذا الهجوم، ابتعادُ الريحاني بعروضه في الأقاليم ثم السفر إلى سورية، وقيام محمد بهجت بحلِّ فِرْقته والانضمام إلى جوق صدقي والكسَّار، ذلك الجوق الذي لم ينجح الهجوم في عَرْقلته.

وفي مارس ١٩٢٣ ظهرتْ فِرْقة رمسيس ليوسف وهبي، فكانت بمثابة طوفان أطاح بأغلب الفِرَق المسرحية في مصر؛ حيث جذبت مسرحيَّاتُها أغلبَ الجمهور المصري، الذي كان متشوِّقًا لرؤية العروض المتكاملة. ولم يبقَ من الفِرَق الكوميدية العاملة غير خمس فِرَق؛ ثلاث منها كانت تقوم بتقليد شخصيَّتَي البربري عثمان وكشكش بك، وهي فرق: فوزي الجزايرلي، وفوزي منيب، ويوسف عز الدين. والفرقة الرابعة كانت فرقة الريحاني التي لم تصمُد طويلًا أمام طوفان يوسف وهبي، فحلَّ الريحاني فرقته وسافر إلى أميركا الجنوبية. ولم يبقَ في هذا الوقت غير جوق صدقي والكسَّار، الذي نجح في إثبات وجوده باعتباره أقوى وأنجح الفِرَق الكوميدية، التي استطاعت أن تصمُد حتى النهاية.

هذه هي أهم النتائج التي توصَّلنا إليها في الجزء الأول. أما دراستنا في الجزء الثاني — الذي بين أيدينا الآن — فسنتحدَّث فيها عن مَسِيرة علي الكسَّار الفنية في مرحلة تألُّقه الفني، عندما كوَّن فرقته الخاصة عام ١٩٢٥، والتي حملت اسمه عدَّة عقود مُعتمِدين على ثلاثة معايير في تحليل النشاط المسرحي للكسَّار، ولمنافسه الريحاني، بالإضافة إلى نشاط الفرق الكوميديَّة الأخرى، التي كانت تظهر وتختفي تبعًا لظروف كلِّ فرقة. وذلك على النحو التالي:
  • (١)

    النشاط الفني للموسم المسرحي.

  • (٢)

    نشاط الكسَّار الفني بين منافِسيه.

  • (٣)

    الفِرَق المسرحيَّة الكوميدية التي كانت تظهر وتختفي، وأثرها في مسيرة الكسَّار الفنيَّة.

د. سيد علي إسماعيل

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤