كيف يمكن أن نتأكد من أن الأعداد الأولية لا تزداد ندرةً لتختفي في النهاية تمامًا؟
ربما تعتقد أنه بوجود أعدادٍ لا متناهية وإمكانية تقسيم كلٍّ منها إلى أعداد ناتجة عن
الأعداد الأولية (أمرٌ سأوضِّحه بدقة أكبر في السطور التالية)، لا بد أن يوجد عددٌ لا
متناهٍ من الأعداد الأولية للقيام بهذه الوظيفة. مع أن هذا الاستنتاج صحيح، فإنه لا
يَنتج عن الملاحظة السابقة؛ إذ إننا إذا بدأْنا بمجموعة متناهية من الأعداد الأولية،
فلن توجد نهاية لعدد الأعداد المختلفة التي يُمْكننا إنتاجها باستخدام هذه العوامل
الأولية فحسب. في الواقع، توجد قوًى مختلفةٌ كثيرة ولا متناهية لأيِّ عدد أولي: على
سبيل المثال، قوى العدد الأولي هي ، ، ، ، ، … لذا من المرجح أنه يوجد عدد متناهٍ من الأعداد الأولية فقط، وكل
عدد هو ناتج لقوى هذه الأعداد الأولية. وأكثر من ذلك أننا لا نملك طريقة لإنتاج متتالية
لا متناهية من الأعداد الأولية المختلفة بالطريقة التي نستطيع بها — على سبيل المثال
—
إنتاج أي عدد من مربعات أو مضاعفات عدد معين. عندما يتعلق الأمر بالأعداد الأولية،
علينا أن نبحث عنها، إذن كيف يمكننا أن نتأكد من أنها لن تنتهي؟
سوف نتأكد جميعًا قبل نهاية هذا الفصل، ولكن سوف ألفت انتباهك أولًا إلى «نمط» واحد
بسيط فيما بين الأعداد الأولية يستحق الملاحظة. كلُّ عدد أوليٍّ — بخلاف و — يقع على أحد جانبي مضاعفات العدد . بعبارة أخرى، إنَّ أي عدد أولي بعد هذين العددين يتكون من الصيغة بالنسبة للعدد . (تذكرْ أن هي صيغة مختصرة للمعادلة والرمز المزدوج يعني زائد أو ناقص.) والسبب في ذلك يَسْهل تفسيره. كل عدد يمكن
كتابته بالضبط بصيغة من ست صيغ هي: أو أو أو ؛ حيث إن كل عدد لا يبتعد أكثر من ثلاثة أماكن عن أحد مضاعفات العدد
6. على سبيل المثال، ، ، . وفي الواقع تَظهر الصيغ الست دوريًّا؛ بمعنى أنك إذا كتبت أي ستة
أعداد متتالية، فسوف تظهر صيغة من الصيغ الست مرة واحدة فقط، وبعد ذلك سوف تُعاوِد
الظهور مرة أخرى بالترتيب نفسه. من الواضح أن أعداد الصيغتين و أعدادٌ زوجية، بينما أي عدد من الصيغة يقبل القسمة على . ومن ثم فإنه، باستثناء و، يمكن أن يكون عددا الصيغة فقط هما الأوليَّين. وتتوافق الحالة التي يكون فيها عددا الصيغة كلاهما عددَين أوليَّين مع عددين أوليَّين توءمين: على سبيل المثال تُنتج الزوج و المذكورَين في الفصل الأول. وربما تَمِيل للظنِّ بأن أحد عددَي
الصيغة «على الأقل» دائمًا ما يكون أوليًّا؛ وهذا صحيح بالتأكيد بالنسبة
للأعداد الأولية أقل من ، ولكن أول مخالفة لهذه القاعدة ليس بعيدًا عن ذلك بكثير: ، بينما ؛ ومن ثم عندما تكُون ، لا يكون أيٌّ من العددين أوليًّا.
والسبب الرئيسي في كَوْن الأعداد الأوليَّة مهمةً هو أنَّ كلَّ عدد يمكن أن يُكتب
كناتج للأعداد الأولية، ويمكن القيام بذلك أساسيًّا بطريقة واحدة فقط. ولإيجاد عملية
التحليل الخاصة للعوامل تلك، علينا تحليل العدد المعيَّن إلى عوامله بطريقة ما ونُواصل
تحليل أيِّ عوامل مركبة تظهر حتى نصل لنقطةٍ لا يمكن فيها القيام بذلك. على سبيل
المثال، يمكننا القول بأن ونواصل بتحليل العامل المركب لنصل إلى:
وبذلك نقول إن عملية تحليل العدد لعوامله الأولية هي . مع ذلك، يمكننا الوصول إلى هذه النتيجة بطريقة أخرى. على سبيل المثال:
وبذلك فإن إعادة ترتيب العوامل الأولية من الأصغر إلى الأكبر لا تزال تؤدي
للنتيجة السابقة نفسها: .
على الأقل، حدث ذلك في هذا المثال، وهذا السلوك ربما يكون مألوفًا لك إلى حدٍّ ما،
ولكن كيف يمكن أن تتأكد من أن ذلك ينطبق على كل عدد؟ من الجليِّ على نحو كافٍ أن أيَّ
عدد يمكن تحليله إلى ناتج من الأعداد الأولية، ولكن إذا كان يوجد أكثر من طريقة عمومًا
للتعامل مع هذه المسألة، فكيف يمكن أن نتأكد من أن العملية ستصل للنتيجة النهائية
نفسها؟ هذا سؤال مهم؛ لذا سأستغرق بضع لحظات في شرح الخطوط العريضة للمنطق الذي سيسمح
لنا بالتأكد من ذلك تمامًا. إن هذا الأمر نتيجة لِسِمَة فريدة أخرى في الأعداد الأولية
التي سنطلق عليها «الخاصية الإقليدية» إذا كان العدد الأولي عاملًا لناتجِ عددين أو
أكثر، فإنه حينها عامِل لأحد هذين العددين المشتركين في إنتاج العدد. على سبيل المثال،
عامل في المعادلة (حيث إن الناتج )، ونلاحظ أن عاملٌ من عوامل . وهذه الخاصية تميِّز الأعداد الأولية؛ إذ لا يمكن للأعداد المركَّبة
أن تَضْمن الأمر نفسه: على سبيل المثال، نعلم أن عامل في معادلة (حيث إن )، مع ذلك ليس عاملًا من عوامل أو .
يمكن إثبات حقيقة أنَّ الأعداد الأولية تمتلك الخاصية السابقة في جميع الأحوال من
خلال استخدام برهان معتمِد على ما يطلَق عليه «خوارزمية إقليدس»، التي سنتناول شرحها
في
الفصل الرابع. إذا سلَّمْنا بصحتها في الوقت الراهن، فليس من الصعب توضيح سبب عدم
إمكانية إجراء عمليتين مختلفتين للتحليل إلى العوامل الأولية لأيِّ عدد، بافتراض وجود
مثل هذا العدد. فحينها سيسلك العدد الأصغر هذا السلوك، دعْنا نشير إليه بالرمز ؛ ومن ثم فإن سيتيح إجراء عمليتَيْ تحليل إلى عوامل أولية ستكونان غير متطابقتين
عند كتابة العوامل الأولية بترتيب تصاعدي. سوف نبيِّن أن هذا يؤدي إلى تناقُض؛ ومن ثم
فلا بد أنه خاطئ.
إذا كانت عمليتا تحليل العدد إلى عواملَ تشتركان في العدد الأوَّلي ، يمكننا إلغاء منهما والحصول على عمليتين مختلفتين للعدد الأصغر . ولما كان هو العددَ الأصغر الذي تُجرى عليه عمليتا تحليل مختلفتان إلى عوامل
أولية، فهذا ليس ممكنًا؛ وبهذا يجب ألا تتضمن كلُّ مجموعة من الأعداد الأولية الموجودة
في عملية تحليل العدد إلى عوامل عددًا أوليًّا مشتركًا. والآن خذ أحد الأعداد الأولية الذي ظهر في إحدى عمليتَي تحليل العدد إلى عوامل. ولما كان هذا العدد
الأوليُّ هو عاملًا من عوامل ، فإن ذلك يتبعه أن يكون عاملًا من عملية التحليل الثانية، وهكذا، عن طريق الخاصية الإقليدية، عاملٌ من عواملِ أحدِ الأعداد الأولية — على سبيل المثال — لعملية التحليل الثانية. ولكن لما كان و عددين أوليَّين، فإن هذا الأمر ممكن فقط إذا كان ، وهي الإمكانية التي أسقطناها بالفعل؛ حيث إن عمليتَي تحليل العدد إلى عوامل، ليس بهما عدد أوليٌّ مشترك. وهكذا وصلنا لتناقُض أخير،
موضِّحِين أنه من المستحيل وجود هذا العدد . ومن ثم نستنتج أن عمليةَ التحليل إلى عوامل أولية لكلِّ عددٍ عمليةٌ
فريدة لا مثيل لها.
من الجدير بالذكر أنَّ تميُّز عملية التحليل إلى عوامل أولية لن يستمر إذا تضمَّنَت
الأعدادُ الأوليةُ العددَ ؛ إذ يمكننا ضمُّ أيِّ قوة للعدد إلى عملية التحليل، وسيبقى الناتج بقيمته نفسها. وهذا يبين أن يختلف جذريًّا في طبيعته عن الأعداد الأولية؛ ومن ثم فمن الصحيح
صياغةُ تعريفٍ للعدد الأولي بطريقة تَستبعد من مجموعة الأعداد الأولية.
عدم تناهي الأعداد الأولية لدى إقليدس
دعنا نَعُدْ للتساؤل عن كيفية معرفة أن الأعداد الأولية لا تنتهي، وأنها لا يتجاوزها
شيء. إذا ادعى شخصٌ ما أن هو أكبر الأعداد الأولية، يمكنك دحْض ادعائه على الفور بإيضاحِ أنَّ ليس له عوامل (عدا و)؛ ومن ثم فإن هو أكبر من فيما بين الأعداد الأولية. حينئذٍ ربما يعترف صديقك أنه أخطأ وأنه
كان ينبغي أن يقول إن هو أكبر الأعداد الأولية. يمكنك حينها أن تبين له مرة أخرى أن عدد أولي أيضًا، ولكن ربما يظل صديقك مصرًّا على خطئه عن طريق تعديل
موقفه إلى أكبر عدد أولي تَذْكُرُه. وربما يمكن أن يتراجع قليلًا ويعترف أنه لا يعرف
أكبر عدد أولي، ولكن يُصِرُّ مع ذلك على ادعاء تأكُّده من وجود هذا العدد.
أفضل طريقة لتسوية المسألة هي توضيح أنه في حالة وجود أي مجموعة متناهية من الأعداد
الأولية، يمكننا تقديم عدد أولي جديد ليس موجودًا في القائمة. على سبيل المثال، إذا
ادَّعى شخصٌ ما وجود أكبر عدد فردي في مكان ما، يمكنك دحض هذا الادعاء بقولك إنه إذا
كان عددًا فرديًّا، فإن عددٌ فردي أكبر منه؛ لذا لا يمكن أن يوجد أكبر عدد فردي. مع ذلك، هذه
الطريقة ليست بهذه السهولة مع الأعداد الأولية؛ فعند وجود قائمة متناهية من الأعداد
الأولية، لا تُتاح لنا طريقة لاستخدام المجموعة لإنتاج عدد أولي أكبر من المجموعة كلها
إلى حدٍّ بعيد. ربما يوجد عدد أولي أكبر بالرغم من كل شيء. كيف يمكن أن نَعرِف أن
صديقنا العنيد ليس محقًّا؟
عرَّف ذلك إقليدس — عالم الرياضيات الإغريقي الذي تُنسَب إليه كلُّ صُوَر الرياضيات
الإقليدية — الذي عاش في الإسكندرية (زهاء ٣٠٠ قبل الميلاد). بافتراض وجود قائمة ، حيث يشير كلُّ إلى عدد أولي مختلف، لم يستطع إقليدس إيجاد طريقة لإنتاج عدد أولي
جديد؛ لذا لجأ إلى برهانٍ أكثر دقة. فأوضح أنه لا بد من وجود عدد أولي جديد أو أكثر ضمن
نطاق معين من الأعداد (ولكن حجته لم تُمَكِّنَّا من معرفة المكان المحدد الذي نجد فيه
العدد الأولي في هذا النطاق).
يسير الأمر على المنوال التالي: لنفترض أن هي قائمة الأعداد الأولية الأولى على سبيل المثال، ولنعتبرِ العدد عددًا أكبر من ناتج كل هذه الأعداد الأولية، بحيث . إما أن عدد أولي وإما أنه عدد يقبل القسمة على عدد أولي أصغر منه لا يمكن أن
يكون أيًّا من ؛ إذ إنه إذا كان أيًّا من هذه الأعداد الأولية، فإنه بقسمة على سوف يتبقى 1. ومن ثم فإنَّ أيَّ عدد
أولي يَقْبل العددُ القسمةَ عليه هو عددٌ أولي جديد أكبر من كل الأعداد الأولية في
القائمة ولا يزيد عن نفسه. وعلى نحو خاص، يَنتج عن هذا أنه لا يمكن وجود قائمة متناهية من
الأعداد الأولية التي تتضمن كلَّ الأعداد الأولية، وهكذا تستمر متتاليةُ الأعداد
الأولية للأبد ولن تنفد أبدًا. إن برهان إقليدس الخالد حوْل عدم تناهي الأعداد الأولية
يُعَدُّ من بيْن أكثر الإثباتات الرياضية إثارةً للإعجاب.
على الرغم من أن برهان إقليدس لا يحدد بالضبط مكان وجود العدد الأولي التالي، فإن
التكرار العام للأعداد الأولية مفهوم تمامًا في الوقت الراهن. على سبيل المثال، إذا
أخذنا أي عددين — مثلًا و — ليس بينهما عاملٌ مشترك، ونَظَرْنا إلى المتتالية ، فسنجد — كما أوضح عالم الرياضيات الألماني يوهان دركليه (١٨٠٥–١٨٥٩)
— أن الكثير من حدود هذه المتتالية أعداد أولية بغير تناهٍ. (بالطبع لا يوجد أمل إذا
كان العددان و بينهما بالفعل عامل مشترك — مثلًا — إذ يكون كلُّ حدٍّ من حدود المتتالية أيضًا من مضاعفات ؛ ومن ثم فإنه ليس عددًا أوليًّا.) عندما يكون و، نحصل على متتالية الأعداد الفردية التي نَعْرف من خلال برهان إقليدس
أنها تحتوي على عدد لا متناهٍ من الأعداد الأولية. وبالفعل من خلال تعديلات بسيطة إلى
حدٍّ ما لبرهان إقليدس، يمكن توضيح أن الحالات الخاصة الأخرى على غرار متتالية الأعداد
من صيغة و و (حيث تمثل القيم المتتالية ، ، …) كلٌّ منها يمتلك عددًا لا متناهيًا من الأعداد الأولية. مع ذلك،
فالنتيجة العامة لنظرية دركليه يصعُب إثباتها للغاية.
نتيجة أخرى يَسْهل استنباطها؛ هي أنه يوجد دائمًا عدد أولي واحد على الأقل أكبر من
أي
عدد ، ولكنه أقل من (حيث ). (فقط للتذكرة، علامة عدم التساوي على غرار هذه العلامة التي تعني
أكبر من أو يساوي، دائمًا تشير نحو الكمية الأصغر.) وهذه الحقيقة — المعروفة تاريخيًّا
باسم «فرضية برتراند» — يمكن إثباتها باستخدام الرياضيات البسيطة، مع أن البرهان في حد
ذاته معقد بالفعل. فيمكننا إثبات صحة الفرضية للعدد حتى عن طريق استخدام قائمة الأعداد الأولية التالية. لاحظْ أولًا أن كلَّ
عدد في القائمة بعد العدد الأولي أصغر من ضعف العدد التالي له:
لكل عدد في النطاق حتى ، خذ أكبر عدد أولي في القائمة، لا يزيد عن ؛ حينئذٍ سيقع العدد الأولي التالي ضمن النطاق ، وهذا يضمن أن فرضية برتراند تنطبق على كل حتى . على سبيل المثال، عندما تكون ، فإن ؛ إذن . وتوضح المبرهنة الدقيقة التي تتضمن حجمَ ما يطلَق عليه «معاملات ذات
الحدَّين المركزية» (المشروحة في الفصل الخامس) أن الفرضية تنطبق أيضًا على أكبر من .
مع ذلك، ليس علينا أن نذهب بعيدًا لكي نقابل مشكلات تبدو شبيهة بهذه ولم تُحَلَّ
بعدُ. على سبيل المثال، لا أحدَ يَعْلم ما إذا كان يوجد دائمًا عدد أولي بين عددين
مربعين متتابعين. وتوجد ملاحظة أخرى تشير إلى احتمالية وجود أعداد أولية كافية لضمان
أن
كلَّ عدد زوجي أكبر من يمثل مجموع اثنين منهما (حدسية جولدباخ). ولقد أُثبتت هذه الحدسية
للعدد حتى . ربما نأمل إذن في برهان شبيه بالمذكور سابقٍ لفرضية برتراند؛ حيث
نبين أنه بعد عدد صحيح معين ، ربما نقدم مقارنة معتمدة على ما هو معروف عن توزيع الأعداد الأولية
لضمان أنه سيوجد دائمًا على الأقل حل واحد في الأعداد الأولية و، للمعادلة لأي عدد زوجي . ولا يزال هذا بعيد المنال، مع أنه توجد نتائج أضعف خلال هذه السطور؛
فعلى سبيل المثال، من المعروف منذ عام ١٩٣٩ أن كل عدد فردي كبير هو مجموع ثلاثة أعداد
أولية على الأكثر، وأن كل عدد زوجي هو مجموع ما لا يزيد عن ثلاثمائة ألف عدد أولي. ولا
يزال الإثبات التام لحدسية جولدباخ بعيد المنال.
توجد نتيجة بسيطة تنطوي على ما يشبه برهانًا على ما سبق، وهي أنه يوجد عدد أقل من 4 مليارات يمكن كتابته كناتج
لمجموع أربعة أعداد مكعبة مختلفة بعشر طرق مختلفة. من المعروف أن هو أصغر عدد ناتج عن جمع عددين مكعبين بطريقتين مختلفتين. مع ذلك،
فليس علينا بالضرورة أن نحدد العدد لكي نعلم أنه لا بد من وجوده. أحيانًا من الممكن أن نعرف، على نحو
مؤكد، أنه يوجد حلول لمسألةٍ ما بدون إيجاد أيٍّ من هذه الحلول بالفعل على نحو
واضح.
في هذه الحالة نبدأ بملاحظة أنه إذا أخذنا أربعة أعداد مختلفة ليست أكبر من عدد صحيح
ثابت ويمثل مجموع مكعباتهم، فإن الناتج سيكون أقل من . مع ذلك، إذا كان ، فإن الحساب البسيط سيوضح أن العدد الناتج من جمع أربعة مكعبات
مختلفة أكبر من أضعاف العدد ؛ ومن ثم فإن عددًا ما يجب أن يكون ناتجَ مجموعِ أربعةِ مكعبات بعشر طرق مختلفة على الأقل.
وتتضمن التفاصيل حسابات أُجريت باستخدام معاملات ذات الحدين (المشروحة في الفصل
الخامس)، وليست صعبة على نحو خاص.
تتلخص الصورة الشاملة لتوزيع الأعداد الأولية في ملاحظات العالِم الألماني البارز
—
من القرن التاسع عشر — كارل فريدريك جاوس (١٧٧٧–١٨٥٥) في مجالَي الرياضيات والفيزياء
بأن — أي عدد الأعداد الأولية حتى العدد — يتحدد تقريبًا من خلال ، وأن هذه المقاربة تصبح أكثر دقة كلما زاد . على سبيل المثال، إذا كان يساوي مليونًا، فإن نسبة تشير إلى أن حوالي عدد واحد ينبغي أن يكون أوليًّا من بين كل ، حتى هذا المليون. ولم تُثبَت ملاحظة جاوس حتى عام ١٨٩٦، وهي تشير
بالتفصيل لشيء أكثر دقة. والدالة اللوغاريتمية المُشار إليها هنا يُطلق عليها
«اللوغاريتم الطبيعي»، ولا تعتمد على قوى ، ولكن على قوى عدد خاص ، يساوي تقريبًا . ولسوف تقرأ المزيد عن العدد الشهير للغاية في الفصل السادس.
المسألة الأكثر شهرة التي لم تُحل بعدُ في نظرية الأعداد هي فرضية ريمان التي يمكن
تفسيرها فقط من خلال الأعداد المركبة التي سوف نذكرها لاحقًا. مع ذلك ذكرتُها هنا؛ حيث
يمكن إعادة صياغة محور المسألة بالاستفادة من تميُّز عملية التحليل إلى عوامل أولية؛
لتتضمن ناتجًا معينًا غير متناهٍ يَضمُّ كلَّ الأعداد الأولية. وهذا يؤدي إلى تفسير
يقول إن الفرضية تشير ضمنًا إلى أن التوزيع العام للأعداد الأولية منتظم للغاية، لدرجة
أنه على المدى الطويل سوف تَحدث أولية الأعداد عشوائيًّا على نحو ظاهري. بطبيعة الحال،
كَوْنُ عددٍ معيَّنٍ أوليًّا أم لا ليس حدثًا عشوائيًّا، ولكن المقصود هو أن أولية
العدد — على نطاق واسع جدًّا — ترتدي عباءة العشوائية، مع عدم ظهور نمط أو بنية إضافية.
ويأمل الكثير من منظِّري الأعداد من أعماق قلوبهم أن يروا هذه الحدسية البالغ عمرها
مائة وخمسين سنة تُحل خلال حياتهم.
نظرًا لأن الأعداد الأولية تُمثِّل متتالية طبيعية للغاية، فلا يمكن مقاومة البحث
عن
أنماط فيما بينها. مع ذلك لا يوجد صِيَغٌ مفيدة حقًّا للأعداد الأولية؛ أي لا توجد
قاعدة معروفة تسمح بإنتاج كل الأعداد الأولية أو حتى حساب متتالية تتكون بالكامل من
أعداد أولية مختلفة. وتوجد بعض الصيغ الواضحة، ولكنها ليس لها قيمة عملية كبيرة، وبعضها
يتطلب حتى معرفة بمتتالية الأعداد الأولية لحساب قيمتها؛ وبهذا فهي احتيال بصفة أساسية.
فالتعبيرات الجبرية على غرار يطلق عليها «متعددة الحدود»، وهذه الصيغة مصدر غني على نحو خاص
بالأعداد الأولية. فعلى سبيل المثال، عند وضع ، و، و تباعًا، فإن ذلك يُنتج الأعداد الأولية و و على الترتيب. وفي الواقع، ناتج هذا التعبير الجبري يَكُون عددًا
أوليًّا لكل قيم بدءًا من حتى . مع ذلك، في الوقت ذاته سوف تخذلنا هذه الصيغة المتعددة الحدود عندما
نضع قيمة ؛ إذ إن سيكون عاملًا من عوامل الناتج، وبالطبع ستخفق عند .
بوجه عام، من الأمانة توضيح أنه لا يوجد صيغة متعددة الحدود من هذا النوع يمكن أن
تُنتج صيغة للأعداد الأولية، حتى لو وضعْنا قُوًى أعلى من في التعبير الجبري.
من الممكن ابتكار اختبارات لأولية الأعداد يمكن صياغتها بكلمات قليلة. مع ذلك، لكي
تكون الاختبارات ذات فائدة ينبغي أن تكون أسرع، على الأقل في بعض الحالات، من عمليات
التحقق المباشرة المذكورة في الفصل الأول. توجد نتيجة شهيرة يُطلق عليها «نظرية
ويلسون»، ويتضمن تعبيرها الجبري استخدام أعداد تسمى «مضروب»، التي سنقابلها مرة أخرى
في
الفصل الخامس. فالعدد ، الذي يُقرأ مضروب ، هو ناتج ضرب كل الأعداد حتى . على سبيل المثال، . وبذلك فإن نظرية ويلسون تتجسد في عبارة بالغة الإيجاز: العدد هو عدد أولي فقط إذا كان عاملًا من عوامل .
بَرْهنة هذه النتيجة ليست صعبة للغاية، وفي الواقع تتَّسم بأنها شبه بديهية في أحد
الجوانب: إذا كان عددًا مركبًا — بحيث إن مثلًا — وبما أن و أقل من ، فإنهما عاملان من عوامل ؛ ومن ثم فإن يقبل القسمة على هذا المضروب أيضًا. ويتبع ذلك أنه عند قسمة على ، سوف يتبقى لدينا . (الحالة التي يتساوى فيها و تتطلب تفكيرًا أكثر قليلًا.) وهذا يذكِّرنا بمبرهنة إقليدس لعدم
تناهي الأعداد الأولية. ويستتبع ذلك أنه إذا كان من عوامل فإنه لا بد أن يكون عددًا أوليًّا. والعكس أصعب قليلًا في الإثبات: إذا كان عددًا أوليًّا، فإن عامل من عوامل . مع ذلك، فهذا هو الاتجاه المفاجئ للنظرية، مع أنه يمكن للقارئ
بسهولةٍ التحققُ من صحة حالات معينة: على سبيل المثال، العدد الأولي بالفعل عامل من عوامل .
إن ما تفعله نظرية ويلسون هو تحويل مسألة تحديد ما إذا كان عددًا أوليًّا أم لا، من سلسلة من مسائل القسمة (التحقق من القسمة
على كل الأعداد الأولية حتى ) إلى مسألة قسمة واحدة. مع ذلك، فالمقسوم عليه في مسألة القسمة — — ضخمٌ حتى بالنسبة للقيم الصغيرة إلى حدٍّ بعيد للعدد . وعلى الرغم من تجسيدها في عبارة مقتضبة، فليس لنظرية ويلسون فائدة
حقيقية في تحديد أعداد أولية معينة. على سبيل المثال، إن التحقق مما إذا كان العدد عددًا أوليًّا أم لا باستخدام نظرية ويلسون يتطلب منا التحقق مما إذا
كان العدد عاملًا من عوامل . (ولكن بتطبيق اختبار قابلية القسمة المذكور في الفصل الأول على
العدد ، يمكن للقارئ أن يتحقق من صحة نظرية ويلسون!) قارِنْ هذه الطريقة
بالعمل اللازم للتحقق ببساطة من أن غير قابل للقسمة على و