الفصل السابع

نحو عدم التناهي وما بعده!

لا تناهي في عدم التناهي

كان العالم الإيطالي الموسوعي العظيم جاليليو جاليلي الذي عاش في القرن السادس عشر (١٥٦٤–١٦٤٢) هو أول من نَبَّهَنَا إلى حقيقة أن طبيعة المجموعات غير المتناهية تختلف جذريًّا عن المجموعات المتناهية. وكما ذُكر في بداية هذا الكتاب، يكون حجم المجموعة «المتناهية» أصغر من حجم مجموعة ثانية، إذا أمكن إقران أفراد المجموعة الأولى مع أفراد يمثِّلون جزءًا وحسب من المجموعة الثانية. مع ذلك، يمكن على النقيض جعل المجموعات غير المتناهية تتطابق بهذه الطريقة مع مجموعات فرعية منها نفسها (حيث أعني بمصطلح «مجموعة فرعية» مجموعةً ضِمن المجموعة نفسها). وليس علينا الذهاب إلى ما هو أبعد من سلسلة أعداد العد الطبيعية ، ، ، … لكي نشهد ذلك. فمن السهل وصف أي عدد من المجموعات الفرعية لهذه المجموعة التي تُشكل بنفسها قائمة لا متناهية، والتي تكون في تطابق ثنائي مع المجموعة كلها (انظر شكل ٧-١): الأعداد الفردية ، ، ، … والأعداد المربعة ، ، ، … والأعداد الأولية ، ، ، … (على نحو أقل وضوحًا) وفي كل حالة من هذه الحالات، فإن المجموعات المتممة لها على الترتيب — الأعداد الزوجية والأعداد غير المربعة والأعداد المركبة — مجموعات لا متناهية أيضًا.

فندق هيلبرت

هذا فندق غير عاديٍّ، دائمًا ما يرتبط بديفيد هيلبرت (١٨٦٢–١٩٤٣)؛ عالم الرياضيات الألماني الرائد في عصره الذي عمل على تمثيل الطبيعة الغريبة للامتناهي. السمة الرئيسية في الفندق هي أنه يحتوي على عدد لا متناهٍ من الغرف، مرقمة ، ، … ولذا يتباهى دائمًا بوجود غرف شاغرة فيه.
fig8
شكل ٧-١: الأعداد الزوجية والأعداد المربعة مقرونة مع الأعداد الطبيعية.
مع ذلك، في إحدى الليالي كان الفندق ممتلئًا في الواقع — بمعنى أن كل غرفة بها ضيف — وما تسبَّب في حيرةِ موظف الاستقبال أن زبونًا إضافيًّا جاء طالبًا غرفة. تدخَّل المدير تجنبًا لأي موقف سيئ، وأخذ الموظف جانبًا ليشرح له كيفية التعامل مع هذا الموقف، قائلًا له: أخبِر نزيل الغرفة بالانتقال للغرفة ، ونزيل الغرفة بالانتقال للغرفة ، وهكذا؛ بمعنى أننا نُصدر طلبًا عامًّا بأن النزيل الساكن في غرفة ينبغي أن ينتقل للغرفة ، وهذا سيخلي الغرفة لهذا السيد!

وهكذا، كما ترى، يوجد دائمًا غرف شاغرة في فندق هيلبرت. ولكن كم غرفة؟

في مساء اليوم التالي، واجه الموظف موقفًا مشابهًا لكنه أكثر تحديًا؛ إذ وصلتْ هذه المرة سفينةُ فضاء تحمِل راكبًا، وكلٌّ منهم طلب غرفة في الفندق المأهول بأكمله. مع ذلك، تعلَّمَ الموظفُ الدرسَ من الليلة الماضية وأدرك كيفية توسيع نطاق الفكرة للتعامل مع هذه المجموعة الإضافية من النزلاء. فأَخبَر النزيل المقيم في غرفة رقم بالانتقال إلى غرفة رقم ، والمقيم في غرفة بالانتقال إلى الغرفة ، وهكذا، يُصدر طلبًا عامًّا بأنه ينبغي على النزيل الذي يسكن في الغرفة الانتقال إلى الغرفة . وهذا يجعل الغرف من حتى شاغرة من أجل القادمين الجدد، ويحق لموظفنا أن يشعر بالفخر بنفسه؛ لأنه تعامل مع هذا الشكل الجديد من مشكلة أمس بنفسه.
مع ذلك، ففي الليلة الأخيرة واجه الموظف مرة أخرى الموقف نفسه؛ فندق ممتلئ، ولكن هذه المرة — ما أصابه بالرعب — لم يأتِ بضعة نزلاء إضافيين فقط، ولكن حافلة فضائية لا متناهية تحمل عددًا لا متناهيًا من الركاب، كلٌّ منهم يقابِل أحد أعداد العد ، ، … قال الموظف الذي عانى وطأة هذه المشكلة لسائق الحافلة: إن الفندق ممتلئ ولا يوجد طريقة يمكنه تخيُّلها للتعامل معهم جميعًا. ربما يكون قادرًا على إقحام واحد أو اثنين إضافيين، أو ربما أي عدد محدود منهم، ولكن بالتأكيد ليس المزيد من الضيوف غير المتناهين. إنه لَأمر مستحيل بكل وضوح!
كانت ستحدث بَلبلة لا متناهية لولا تدخُّل المدير تارة أخرى في الوقت المناسب؛ حيث كان ملمًّا بدروس جاليليو حول المجموعات غير المتناهية، فأَعْلَمَ سائقَ الحافلة أنه لا توجد مشكلة على الإطلاق؛ إذ إنه توجد غرف شاغرة دائمًا في فندق هيلبرت لأي شخص. وأخذ موظفه المذعور جانبًا لتلقينه درسًا آخر؛ قال له: إن كلَّ ما علينا فعله هو الآتي: نخبر النزيل في غرفة بالانتقال إلى غرفة ، والنزيل في غرفة بالانتقال إلى غرفة والنزيل في غرفة بالانتقال إلى الغرفة وهكذا. وبوجه عام، ستكون التعليمات العامة هي أن النزيل في الغرفة ينبغي أن ينتقل للغرفة . وهذا سيجعل الغرف ذات الرقم الفردي شاغرة من أجل المسافرين على متن حافلة الفضاء غير المتناهية. لا مشكلة في ذلك على الإطلاق!

يبدو أن المدير يُحكم سيطرته على كل شيء. مع ذلك، حتى هو ربما يقع في مشكلة إذا اتضح أن سفينة فضاء تمتلك — بطريقةٍ ما — تقنيةً لِحَمْل راكب لكلِّ نقطة على طول خط الأعداد الحقيقية. فشخصٌ لكل عدد عشري سوف يتجاوز سعة فندق هيلبرت، وسوف نعرف السبب في ذلك في الجزء التالي.

مقارنات كانتور

ربما يبدو كل هذا مستغرَبًا عندما تفكِّر به لأول مرة، ولكنْ ليس من الصعب تقبُّل أنَّ سلوك هذه المجموعات غيرِ المتناهية قد يختلف في بعض النواحي عن المجموعات المتناهية، وأنَّ خاصية امتلاك حجمٍ يساوي حجمَ إحدى مجموعاتها الفرعية هي مثالٌ على ذلك. مع ذلك، ففي القرن التاسع عشر، تَعمَّق جورج كانتور (١٨٤٥–١٩١٨) أكثر، واكتشف أنه لا يمكن اعتبار أن كل المجموعات غير المتناهية تمتلك عددًا كبيرًا متساويًا من الأفراد. ولم يكن هذا الاكتشاف متوقَّعًا بطبيعته، ولكن ليس من الصعب إدراكه بمجرد لَفْتِ انتباهك له.

يطلب كانتور منا أن نفكر فيما يلي: افترِض أن لدينا أي قائمة لا متناهية مكونة من الأعداد المقدمة في صورة عشرية؛ إذن، من الممكن كتابة أي عدد لا يظهر في أي مكان في القائمة : ببساطةٍ نفترض أن مختلف عن في المنزلة العشرية الأولى بعد العلامة العشرية، ومختلف عن في المنزلة العشرية الثانية، ومختلف عن في المنزلة العشرية الثالثة، وهكذا؛ وبهذه الطريقة ربما يمكننا تكوين عددنا ، مع التأكد من أنه لا يساوي أي عدد في القائمة. هذه الملاحظة لا يمكن الاعتراض عليها، ولكن لها نتيجة مباشرة؛ هي أنه من المستحيل تمامًا للقائمة أن تتضمن كل الأعداد؛ لأن العدد سيكون ناقصًا من القائمة . ويتبع ذلك أن مجموعة الأعداد الحقيقية كلها — التي هي عبارة عن أعداد مكونة من مفكوكات عشرية — لا يمكن كتابتها في قائمة، أو بعبارة أخرى، لا يمكن وضعها في تماثُل ثنائي مع أعداد العد الطبيعية، بالطريقة التي رأيناها في شكل ٧-١. وهذا الاستنتاج يُعرف باسم «برهان كانتور القطري»؛ حيث إن العدد الذي يقع خارج المجموعة يتشكل من خلال تخيُّل قائمة من التمثيلات العشرية للمجموعة ، كما هو مذكور في الشكل ٧-٢، وتحديد من خلال قطر المصفوفة.
وهنا يمكن القيام ببعض الخداع؛ إذ نشير إلى أنه يمكننا بسهولة الالتفاف حول هذه المعضلة عن طريق وضع العدد المفقود في مقدمة القائمة . وهذا يصنع القائمة الموسعة التي تحتوي على العدد المزعج . مع ذلك، لم تختفِ المشكلة الأساسية؛ إذ يمكننا تطبيق تعليمات كانتور مرة أخرى لتقديم عدد جديد الذي لا يتواجد في القائمة الجديدة . ويمكننا بالطبع مواصلة زيادة أعضاء القائمة الحالية كما سبق لأي عدد من المرات، ولكن تبقى النقطة التي أشار إليها كانتور صحيحة. مع أنه بإمكاننا مواصلة تكوين قوائم تحتوي على أعداد إضافية تَغاضَيْنا عنها سابقًا، فإنه لا يمكن أبدًا أن توجد قائمة واحدة معيَّنة تتضمن كل الأعداد الحقيقية.
fig9
شكل ٧-٢: عدد كانتور يختلف عن كل في المنزلة العشرية .
ومن ثم، فإن مجموعة الأعداد الحقيقية جميعها أكبر بشكلٍ ما من مجموعة الأعداد الصحيحة الموجبة كلها. وحتى لو كانت كلتاهما لا متناهيةً، فلا يمكن المقارنة بينهما بالطريقة نفسها التي تُقارَن بها قائمة الأعداد الزوجية بقائمة كل أعداد العد. وبالفعل، إذا طبَّقْنا برهان كانتور القطري على قائمة مفترضة تضمُّ كل الأرقام بين و ، فإن العدد المفقود سوف يقع أيضًا ضمن هذا النطاق. ولذلك، فإننا نستنتج بالمثل أن هذه المجموعة سوف تتحدى كل محاولة لوضعها بالكامل في قائمة. أَذْكر ذلك لأننا سوف نستفيد من هذه الحقيقة قريبًا.

تُعد نتيجة كانتور لافتةً للنظر على نحو أكبر بالنظر إلى حقيقة أنه يمكن وضع كثيرٍ من مجموعات الأعداد الأخرى داخل قائمة لا متناهية، بما في ذلك أعداد إقليدس اليونانية. يشتمل الأمر على بعض البراعة، ولكن بمجرد تعلُّم خدعتين، ليس من الصعب إيضاح أن الكثير من مجموعات الأعداد «قابلة للعد»، وهو المصطلح الذي نستخدمه لنشير إلى أن المجموعة يمكن وضعها في قائمة بالطريقة نفسها التي توضع بها أعداد العد. وخلاف ذلك، فإن المجموعة غير المتناهية يطلق عليها «غير قابلة للعد».

على سبيل المثال، فلنأخذْ مجموعة الأعداد الصحيحة كلها ، التي تأتينا بصورة تلقائية كقائمة لا متناهية على نحو مضاعف. مع ذلك يمكننا إعادة ترتيبها في صفٍّ بنقطة البداية: ، ، ، ، ، ، … وعن طريق اقتران كل عدد صحيح موجب مع نظيره المعاكس، نضع قائمة يظهر فيها كل عدد صحيح؛ ولن يُفلت منها عدد. والأكثر إثارة للدهشة أننا يمكننا القيام بالأمر نفسه مع الأعداد النسبية: ابدأ بالصفر، ثم ضع الأعداد النسبية التي يمكن كتابتها باستخدام أعداد لا تزيد عن (وهي و )، ثم الأعداد التي لا تتضمن أعدادًا أكبر من (وهي ، ، ، )، ثم الأعداد التي تستخدم أعدادًا حتى فقط، وهكذا. وبهذه الطريقة يمكن ترتيب الكسور (الموجبة والسالبة والصفر) في متتالية تظهر فيها جميعًا وتقع في حيِّزها. ومن ثم فإن الأعداد النسبية أيضًا تُشكِّل مجموعة قابلة للعد؛ مثل أعداد إقليدس، وفي الواقع إذا تأمَّلنا مجموعة كل الأعداد التي تنشأ من الأعداد النسبية من خلال أخْذ الجذور بأي درجة، فإن المجموعة الناتجة تظل قابلة للعد. ويمكننا حتى تجاوُز هذا؛ فمجموعة الأعداد الجبرية كلها (التي ذُكِرَت لأول مرة في الفصل السادس) — وهي الأعداد التي تمثِّل حلولًا للمعادلة العادية كثيرة الحدود — تشكِّل مجموعة يمكن من حيث المبدأ نَظْمُها في قائمة لا متناهية؛ بمعنى أنه من الممكن وصف قائمة نظامية تتضمنها جميعًا. (برهان ذلك مُشابِه للبرهان الخاص بالأعداد النسبية.)

ما سَمَحْنا بحدوثه حالَ قَبول أي مفكوك عشري — عَرَضًا — هو فتْح الباب أمام ما يُعرف بالأعداد المتسامية؛ وهي الأعداد التي تتجاوز الأعداد التي تنشأ من هندسة إقليدس والمعادلات الجبرية العادية. يوضِّح لنا برهان كانتور أن الأعداد المتسامية موجودة، وإضافة لذلك، لا بد أنه يوجد عدد لا متناهٍ منها؛ إذ إنها لو كانت تشكِّل مجموعة منتهية فحسب، فإنه يمكن وضعها في مقدمة قائمة الأعداد الجبرية لدينا (الأعداد غير المتسامية)؛ لذلك فإنَّ وضْع قائمة تتضمن كل الأعداد الحقيقية التي نَعْرفها الآن أمر مستحيل. واللافت للنظر أننا اكتشفنا وجود هذه الأعداد الغريبة دون تحديد عدد واحد منها! فقد كُشف وجودها ببساطة عن طريق مقارنة مجموعات لا متناهية بعضها ببعض. والأعداد المتسامية هي الأعداد التي تملأ الفراغ الكبير بين الأعداد الجبرية المألوفة ومجموعة كل المفكوكات العشرية، وباستخدام استعارةٍ من عِلم الفلك، فإن الأعداد المتسامية هي المادة المظلمة في عالم الأعداد.

وبالانتقال من الأعداد النسبية إلى الأعداد الحقيقية، فنحن ننتقل من مجموعة إلى مجموعة أخرى تَتَّسم بامتلاك «أعداد أصلية أعلى»، كما يُطلِق عليها علماءُ الرياضيات. وتتسم المجموعتان بهذه الصفة نفسها إذا كان يمكن قِران عناصرهما؛ عنصرًا لعنصر. وما يمكن إيضاحه باستخدام برهان كانتور هو أنَّ أيَّ مجموعة تتسم بامتلاك أعداد أصلية أقل من المجموعة التي تشكَّلتْ من كلِّ مجموعاتها الفرعية. وهذا أمر بديهي بالنسبة للمجموعات المنتهية، وفي الواقع لقد أَوْضحنا في الفصل الخامس أنه إذا كان لدينا مجموعة من العناصر ، فإنه يوجد مجموعة فرعية يمكن تكوينهما بهذه الطريقة. ولكن ما مدى كِبر حجم المجموعة المتضمِّنة لكل المجموعات الفرعية للمجموعة غير المتناهية التي تضم الأعداد الطبيعية ؟ هذا السؤال ليس مثيرًا للاهتمام في حد ذاته فحسب، ولكن أيضًا في الطريقة التي نصل بها إلى الإجابة؛ وهي أن بالفعل غير قابلة للعد.

متناقضة راسل

لنفترض على العكس أن نفسها قابلة للعد، وفي هذه الحالة يمكن إدراج المجموعات الفرعية لأعداد العد بترتيبٍ ما مثل . والآن يمكن لعدد عشوائي أن يكون، أو لا يكون، عنصرًا من ؛ لنفترض المجموعة التي تتضمن كل الأعداد بحيث لا يكون عنصرًا في المجموعة . والآن مجموعة فرعية لأعداد العد (ربما المجموعة الفرعية الفارغة) ومن ثم تظهر في القائمة المذكورة سابقًا في مكانٍ ما، مثلًا . ويُطرح الآن سؤال ليس له إجابة: هل عنصر في ؟ إذا كانت الإجابة «نعم»، فمن واقع طريقة تعريف نفسها، نستنتج أن ليس عنصرًا في ، ولكن ؛ لذلك فهي تُناقِض نفسها. الإجابة البديلة هي لا، ليس عنصرًا في ، وفي هذه الحالة، مرة أخرى من خلال تعريف ، نستنتج أن عنصر في ، ومرة أخرى يكون لدينا تَناقُض. نظرًا لأن التناقض لا مفر منه، فلا بد أن افتراضنا الأصلي بأن المجموعات الفرعية لأعداد العد يمكن إدراجها على نحوٍ يجعلها قابلة للعد افتراضٌ خاطئ. وفي الواقع، ينجح هذا البرهان في إظهار أن مجموعة كل المجموعات الفرعية لأي مجموعة قابلة للعد — لكنها لا متناهية — هي مجموعة غير قابلة للعد.

قدم برتراند راسل (١٨٧٢–١٩٧٠) هذا البرهان المميز — الذي يَتبع أسلوب المرجعية الذاتية — في سياقٍ مختلفٍ قليلًا أدَّى إلى ما يُعرف باسم «متناقضة راسل». وقد طبَّقها راسل على «مجموعة كل المجموعات التي ليست عناصر في نفسها»، طارحًا السؤال المحرج عما إذا كانت هذه المجموعة عنصرًا في نفسها أم لا. ومرةً أخرى الإجابةُ «نعم» تقتضي ضمنًا «لا» والإجابة «لا» تقتضي ضمنًا «نعم»؛ مما أجبر راسل على استنتاج أن هذه المجموعة لا يمكن أن تكون موجودة.

في تسعينيات القرن التاسع عشر، اكتشف كانتور نفسُه تَناقضًا ضمنيًّا ينبع من فكرة «مجموعة كل المجموعات». وأَقرَّ راسل بالفعل بأن برهان متناقضتِه مستلهَم من عمل كانتور. مع ذلك، فإن ثمرة كل هذا هي أننا لا يمكن أن نتخيل ببساطةٍ أن المجموعات الرياضية يمكن تقديمها بأي طريقة كانت، ولكنْ يجب وضع بعض القيود على طريقة تحديد المجموعات. ومنذ ذلك الحين يجتهد منظِّرو المجموعات ومتخصصو المنطق في التعامل مع تبعات ذلك. ويَظهر الحل الأكثر إرضاءً لهذه المشكلات في نظرية زيرميلو-فرانكل للمجموعات ومسلمة الاختيار.

خط الأعداد تحت المجهر

توجد طرق مختلفة للنظر إلى حجم المجموعات غير المتناهية من الأعداد التي تنكشف إذا نظرْنا إلى توزيع أنواع الأعداد المختلفة التي تترابط معًا لِتُحوِّل خط الأعداد إلى متسلسلة. قد لا تكون الأعداد النسبية سوى مجموعةٍ من الأعداد قابلةٍ للعد، ولكن المجموعة متراكمةٌ على خط الأعداد بكثافة، بطريقة لا تتراكم بها الأعداد الصحيحة بكل وضوح. فَبِفرض وجود أي عددين مختلفين و ، فهناك عدد نسبي يقع بينهما. وبالتأكيد إن متوسط العددين عدد يقع بينهما، ولكن قد يكون عددًا غير نسبي. مع ذلك إذا كان عددًا غير نسبي، يمكننا أن نُقرِّبَه عن طريق العدد النسبي ، بمفكوك عشري غير متكرر، من خلال السماح ﻟ بأنه يكون له التمثيل العشري نفسه مثل ، وصولًا إلى عدد كبير للغاية من المنازل العشرية. على سبيل المثال، إذا كان ، فإن يختلف عن بأقل من ، وفي كل مرة نحصل على منزلة عشرية أخرى، نضمن اكتشاف عدد نسبي يقترب من بدقة أكبر (تبلغ في المتوسط عشرة أضعاف) من العدد السابق. وإذا كان عدد المنازل العشرية الأولى — التي يتفقان فيها — كبيرًا بما يكفي، فإن الفارق بينهما سوف يكون صغيرًا للغاية، لدرجة أن و كليهما سوف يقعان بين و . ولسوف يعتمد عدد المنازل العشرية التي يَلزم الحصول عليها بَعد العلامة العشرية على مدى اقتراب و أحدهما من الآخر كبداية، ولكنْ دائمًا من الممكن إيجاد عدد نسبي يؤدي هذه المهمة (انظر شكل ٧-٣). فمجموعة الأعداد النسبية كثيفة على خط الأعداد لهذا السبب فحسب. وبالطبع نستطيع أن نبين — بالبرهان نفسه — أنه يوجد عدد نسبي آخر يقسم المسافة بين و مثلًا، وبهذه الطريقة نصل إلى استنتاج أن أعدادًا نسبية كثيرة ولا متناهية تقع بين أي عددين، بِغَضِّ النظر عن صغر الفارق بين هذين العددين. وعلى نحو خاص لا يوجد شيء يسمى أصغر كسر موجب؛ إذ إنه بالنسبة لأي عدد موجب، يوجد دائمًا عدد نسبي يقع بينه وبين الصفر.
ما يعزز موقف مجموعة الأعداد غير النسبية أيضًا كَوْنُها مجموعةً كثيفة. وقبْل شرح ذلك، أشيرُ إلى أنه بمجرد تحديد عدد غير نسبي واحد — على سبيل المثال العدد الفيثاغورسي — يصبح من الممكن على الفور تحديد المزيد على نحو لا متناهٍ. وعندما نجمع عددًا غير نسبي مع عدد نسبي، فإن الناتج دومًا ما يكون عددًا غير نسبي. على سبيل المثال، عدد غير نسبي بفضل هذه الحقيقة. وبطريقة مشابهة، إذا ضربنا عددًا غير نسبي في عدد نسبي (غير الصفر)، فإن الناتج يكون عددًا غير نسبي آخر. (يُبرهِن على هذين الزعمين حُجَّتا تَناقُضٍ بسيطتان.) وعلى وجه الخصوص، يمكننا أن نجد عددًا غير نسبي صغيرًا بالقدر الذي نرغب فيه؛ حيث عدد غير نسبي لأيٍّ من أعداد العد ، وبجعل أكبر وأكبر، يمكننا جعل أقرب إلى الصفر كما نشاء، وكما هي الحال مع الأعداد النسبية ندرك أنه لا يوجد أصغر عدد غير نسبي موجب؛ ومن ثم فلا يوجد ما يطلق عليه أصغر عدد موجب.
fig10
شكل ٧-٣: الأعداد النسبية توجد بين أي موضعين على خط الأعداد.
بالعودة إلى أرقامنا و ، افترضْ مرة أخرى أن يمثل متوسطهما. فإذا كان غير نسبي، يكون لدينا عدد من النوع المطلوب (غير نسبي). على الجانب الآخر، إذا كان عددًا نسبيًّا، فضَعْ ؛ حيث هو العدد غير النسبي الذي تَحدَّثْنا عنه الفقرة السابقة. ووفقًا لما حدث من قبل، فإن سوف يكون أيضًا غير نسبي، وإذا افترضنا أن كبير على نحو كافٍ، يمكننا دومًا أن نضمن أن قريب للغاية من المتوسط للعددين و وأنه يقع بينهما. وبهذه الطريقة ندرك أن الأعداد غير النسبية أيضًا تُشكل مجموعة كثيفة، ويمكننا — على غرار الأعداد النسبية — أن نستنتج أنه يوجد الكثير من الأعداد غير النسبية على نحو لا متناهٍ تقع بين أي عددين على خط الأعداد.

وهكذا، فمجموعة الأعداد النسبية ومكملتها مجموعة الأعداد غير النسبية متماثلتان من ناحية (فكلتاهما كثيفة على خط الأعداد)، ومن ناحية أخرى ليستا متماثلتين (فالمجموعة الأولى قابلة للعد بينما الثانية غير قابلة للعد).

مجموعة الثلث الأوسط لكانتور

لدينا الآن فكرة أكثر وضوحًا عن طريقة تضافُر الأعداد النسبية وغير النسبية لتشكيل خط الأعداد الحقيقية. وتشكِّل الأعدادُ النسبية مجموعةً قابلة للعد، مع ذلك تتراكم بكثافة على خط الأعداد. وعلى النقيض من ذلك، مجموعةُ الثلث الأوسط لكانتور هي مجموعة فرعية غير قابلة للعد لفترة الوحدة التي — مع ذلك — تتناثر على نحو خفيف؛ وهي نتيجة البنية التالية.

نبدأ بفترة الوحدة ، وهي تمثل كل الأعداد الحقيقية من صفر حتى وتشمل أيضًا. الخطوة الأولى في تكوين مجموعة كانتور هي إزالة الثلث الأوسط من هذه الفترة، وهي كل الأعداد بين و . وتتضمن المجموعة الباقية فترتين من صفر حتى ومن حتى . وفي المرحلة الثانية، نتخلص من الثلث الأوسط لهاتين الفترتين، وفي المرحلة الثالثة، نتخلص من الثلث الأوسط للفترات الباقية، وهكذا. وبعد ذلك، ستحتوي مجموعة الثلث الأوسط لكانتور على كل نقاط التي لم تُحذف في أي مرحلة من هذه العملية.
fig11
شكل ٧-٤: تطور مجموعة الثلث الأوسط لكانتور إلى المستوى الرابع.
يبلغ إجمالي طول الفترات الصغيرة التي تتبقى كلما انتقلنا من مرحلة لأخرى في هذه العملية — عمدًا — المرحلة السابقة؛ وينتج عن ذلك أنه في المرحلة ، يبلغ إجمالي طول الفترات المتبقية . ويصل هذا التعبير الجبري إلى الصفر كلما زاد ، ونظرًا لأن مجموعة كانتور هي مجموعة كل النقاط التي تتبقى في نهاية هذه العملية بأكملها، فإن «طول» أو قياس لا بد أن يكون صفرًا.
ربما نَشكُّ أننا تَخلَّصْنا من كل النقاط ولم يَعُدْ هناك نقاط باقية في . فهل مجموعة الثلث الأوسط تكون فارغة؟ الإجابة هي «لا» مدوية! هناك أعداد كثيرة على نحو لا متناهٍ متبقية في . ويتضح هذا على نحو أفضل إذا نقلنا تمثيلنا لأعداد فترة الوحدة إلى الكسور العشرية ذات الأساس المعروفة باسم «الأعداد الثلثية»؛ حيث تعتمد البنية بأكملها على . ففي الكسور العشرية ذات الأساس ، يُمثل العددان و على الترتيب بالصيغة و . وعن طريق التخلص من الثلث الأوسط من فترة الوحدة، نتخلص من كل الأعداد التي يبدأ مفكوكها العشري الثلثي ﺑ ، وبالفعل تتخلص العملية الكلية بالضبط من كل الأعداد التي تشتمل على في أي منزلة في مفكوكها الثلثي. والأعداد الموجودة في هي بالضبط الأعداد التي تشتمل مفكوكاتها الثلثية على صفر و . (على سبيل المثال، ينجو العدد من عملية التخلص غير المتناهية من الأعداد؛ إذ إن مفكوكه الثلثي يشتمل على الجزء المتكرر .)
بعد ذلك، نلاحظ معًا أمرًا مدهشًا. من خلال أخذ المفكوك الثلثي لأي عدد في المجموعة واستبدال بكل ، نحصل على المفكوك الثنائي لعدد ما في فترة الوحدة. وهذا يعني وجود توافق بين ومجموعة كل الأعداد في (المكتوبة بالأساس الثنائي)، الذي يعني بدوره أن الأعداد الأصلية في هي نفس الأعداد الأصلية في ، ونظرًا لأن مجموعة غير قابلة للعد (ببرهان كانتور القطري)، فإن مجموعة الثلث الأوسط لكانتور ليست مجموعة لا متناهية فحسب، بل غير قابلة للعد أيضًا.
ومن ثَم، فإن لدينا مجموعة التي يمكن إهمالها — من جهة — من حيث الحجم (إذ يبلغ قياسها صفرًا)، ولكن بطريقة حساب أخرى، تعد المجموعة ضخمة؛ لأنها تشمل الأعداد الأصلية نفسها التي تشتمل عليها المجموعة ؛ ومن ثم الأعداد التي يشتمل عليها خط الأعداد الحقيقية بأكمله.
الأدهى من ذلك أن ليست كثيفة في أي منزلة، بل العكس تمامًا. تذكَّرْ أننا نَعني بقولنا إن مجموعةً على غرار الأعداد النسبية كثيفةٌ، أنه حينما نأخذ عددًا حقيقيًّا ، فإنه لا بد من وجود أعداد نسبية في أي فترة صغيرة محيطة بالعدد ، مهما بلغ صِغَر هذه الفترة؛ فنقول إن أي مساحة مجاورة للعدد تتضمن عناصر من مجموعة الأعداد النسبية. ولكن تتمتع مجموعة كانتور بالطبيعة النقيضة تمامًا لذلك؛ فالأعداد التي لا توجد في المجموعة ربما توجد على خط الأعداد دون الالتقاء بأي عنصر من ، شريطة أن تقتصر خبراتها على مساحة صغيرة للغاية حول المكان الذي تتواجد فيه. للتعرف على ذلك خذ أي عدد ليس عنصرًا في ، بحيث يحتوي مفكوك العدد الثلثي على مرة واحدة على الأقل: ، ويكون في المنزلة العشرية مثلًا. فبالنسبة للفترة الصغيرة على نحو كافٍ المحيطة بالعدد ، فإن الأعداد في هذه الفترة يكون لها مفكوك ثلثي يتفق مع مفكوك الثلثي، حتى في منازل تتخطى المنزلة ؛ ومن ثم فإن الأعداد كلها أيضًا لن تكون عناصر في المجموعة الغريبة ؛ إذ إن مفكوكاتها الثلثية سوف تحتوي على الأقل على ظهور واحد للعدد .
على الجانب الآخر، أي عنصر في مجموعة كانتور لن يشعر بعزلة شديدة؛ إذ إن عندما يبحث في أي فترة تحيط به على خط الأعداد — مهما كانت صغيرة — سوف يجد جيرانًا من المجموعة بجواره (إلى جانب إيجاد أعداد ليست من المجموعة أيضًا). ويمكننا تحديد عنصر في الفترة المذكورة يقع أيضًا في المجموعة عن طريق افتراض أن له مفكوك ثلثي يتفق مع في عدد كبير على نحو كافٍ من المنازل العشرية، ولكن دون اشتمال أيٍّ منها على . وفي الواقع يوجد عدد كبير لا يمكن حصره من عناصر في .
في الختام، إن مجموعة الثلث الأوسط لكانتور وفيرة العدد لأقصى حد ممكن، والعناصر الموجودة في المجموعة تستطيع مقابلة عناصر أخرى ذات صلة في أي مكان تبحث فيه. ومع ذلك، فبالنسبة للأعداد التي ليست عناصر في ، فإن المجموعة لا تكاد تكون موجودة على الإطلاق. فلا يمكن تحديد أحد عناصر في الأماكن الحصرية للأعداد التي ليست عناصر في ، كما أن قياس المجموعة نفسها يبلغ صفرًا. فبالنسبة لها، ليس لها وجود كالعدم.

المعادلات الديوفانتية

ربما تُمثَّل بعض المجموعات الرئيسية الموجودة على خط الأعداد بلغة المعادلات. والأعداد النسبية — التي تشكِّل مجموعة قابلة للعد — هي الأعداد التي تَظهر كحلول للمعادلات الخطية البسيطة: الكسر هو حل المعادلة ( و عددان صحيحان). والأعداد على غرار ، والتي لا تظهر بهذه الطريقة، يُطلق عليها أعداد غير نسبية، وتشكِّل مجموعة غير قابلة للعد لا يمكن إقرانها بأعداد العد مثلما نستطيع فعل ذلك مع الأعداد النسبية. وضمن مجموعة الأعداد غير النسبية توجد الأعداد المتسامية، وهي الأعداد التي لا تَظهر أبدًا كحلول لهذا النوع من المعادلات، حتى لو استخدمنا قوًى أعلى للعدد . ومن المعروف أن مثال على الأعداد المتسامية، ولكن ليس مثالًا عليها؛ إذ إنه يحل المعادلة . ومن ثم فإن المنهج المتبع هنا هو تعريف فئات الأعداد من خلال أنواع المعادلات التي تحلها.

مع ذلك، يَبرز اتجاه مثير من الدراسة عندما نسلك السبيل المعاكس ونُصِرُّ على أنه ليست معاملات معادلاتنا فحسب هي التي ينبغي أن تكون أعدادًا صحيحة، ولكن حلول المعادلات أيضًا. إليك مثالًا تقليديًّا على ذلك.

«يحتوي صندوق على عناكب وخنافس و ساقًا، كم عدد كل نوع من المخلوقات في هذا الصندوق؟» يمكن حل لغز الأعداد البسيط هذا بسهولة بالمحاولة، ولكن من المفيد ملاحظة أنه أولًا: يمكن تمثيله بمعادلة: ، وثانيًا: أننا مهتمون فحسب بأنواع معينة من الحلول لهذه المعادلة؛ وهو أن عدد الخنافس وعدد العناكب من أعداد العد. وبوجه عام، يطلق على نظام من المعادلات اسم «المعادلات الديوفانتية»، عندما نَقْصُر بحثنا عن الحلول على نوع معين من الأعداد، وعادةً ما نبحث عن حلول من الأعداد الصحيحة أو النسبية.
توجد طريقة بسيطة لحل المعادلات الديوفانتية الخطية مثل تلك المعادلة. أولًا، اقسم المعادلة على القاسم المشترك الأكبر للمعاملين، اللذين هما في هذه الحالة و ؛ وبذا فالقاسم المشترك الأكبر لهما هو . وبإلغاء هذا العامل المشترك ، نحصل على معادلة مكافئة؛ أي معادلة لها الحل نفسه: . إذا لم يَعُد الطرف الأيمن من المعادلة عددًا صحيحًا بعد إجراء هذه القسمة، فهذا يعلمنا أنه لا يوجد حلول من أعداد صحيحة لهذه المعادلة، وأننا يمكننا أن نتوقف عند هذا الحد. الخطوة التالية هي أخذ أحد المعاملين، وعادة ما يكون الأصغر هو الأسهل، والعمل على مضاعفاته، وفي هذه الحالة هو . ويمكن كتابة معادلتنا بهذا الشكل: ؛ وبإعادة الترتيب نحصل على . الهدف من هذا هو إيضاح أن لها الشكل للعدد الصحيح . وبالتعويض ﺑ في معادلتنا وجعْل الطرف الرئيسي في المعادلة، نحصل على:
لدينا الآن الحل الكامل للمعادلة الديوفانتية بالأعداد الصحيحة: . واختيار أي قيمة بعدد صحيح ﻟ سوف يحل المعادلة، وكل الحلول بالأعداد الصحيحة تكون على هذه الصيغة.
مع ذلك، فإن مسألتنا الأصلية مقيدة بقدر أكبر من ذلك؛ حيث إنه يجب ألا يقل و عن صفر؛ إذ لا يوجد خنافس أو عناكب سالبة. وبذلك، فإنه لا يوجد إلا قيمتان ممكنتان ﻟ ، وهما و ؛ مما يقدم الحلَّين المحتملين: خنافس وعنكبوتان، وخنفسة واحدة و عناكب. وإذا فسرنا اللغز على أنه يوجد مجموعة من كلا النوعين، نحصل على الحل التقليدي: خنافس وعنكبوتان.
fig12
شكل ٧-٥: النقاط الشبكية على خط المعادلة الخطية.

يسمى هذا النوع من المسائل «مسائل خطية»؛ لأن الرسم البياني للمعادلة المصاحبة له يتكون من خط لا متناهٍ من النقاط. وعلى المسألة الديوفانتية إيجاد «النقاط الشبكية» على هذا الخط، وهي النقاط التي يتكامل فيها كلا الإحداثيَّين، أو النقاط الشبكية في الربع الموجب فقط إذا كنَّا نسمح فحسب بالحلول الموجبة.

مع ذلك، فبمجرد إدخال التربيع والقوى الأعلى في معادلاتنا، فإن طبيعة المسائل المقابلة تختلف اختلافًا أكبر وتزداد إثارة. إحدى المسائل التقليدية على هذا النوع التي لها حل كامل تتعلق بإيجاد كل «ثلاثيات فيثاغورس»: وهي الأعداد الصحيحة الموجبة و و ؛ حيث . وبالطبع، استَقَتْ ثلاثياتُ فيثاغورس اسمَها من حقيقة أنها تسمح لك بِرَسم مثلث قائم الزاوية بأضلاع يبلغ طولها هذه الأعداد الصحيحة. المثال التقليدي على هذا هو المثلث ( ، ، ). فبوجود أي ثلاثي فيثاغورسي، يمكننا إنتاج المزيد ببساطة بمضاعفة كل أعداد الثلاثي في أي عدد موجب؛ إذ ستتواصل المعادلة الفيثاغورسية دون توقف. على سبيل المثال، يمكننا مضاعفة المثال السابق لنحصل على الثلاثي ( ، ، ). مع ذلك، يعطي هذا الثلاثي مثلثًا مماثلًا — يتضمن النِّسَب نفسها — إذ إن التغيير مجرد تغيير في الحجم وليس في الشكل. وبالنظر إلى المثلث الأول نجد الثلاثي الثاني ببساطة من خلال قياس أطوال الأضلاع بوحدات تساوي نصف حجم الوحدات الأصلية؛ ومن ثم مضاعفة الحجم العددي للأبعاد. مع ذلك، توجد ثلاثيات مختلفة حقًّا مثل التي تُمثلها المثلثات قائمة الزاوية ذات الأبعاد ( ، ، ) و( ، ، ).
لذلك، من أجل التعبير عن كل ثلاثيات فيثاغورس، يكفي أن نفعل ذلك مع كل الثلاثيات ( )؛ حيث يكون القاسم المشترك الأكبر بين الثلاثة هو ؛ إذ إن كل الثلاثيات الأخرى ما هي إلا نُسَخ مكبَّرة من هذا الثلاثي. وطريقة القيام بذلك هي كالتالي: خذ أي عددين صحيحين موجبين أوليَّين فيما بينهما و ، أحدهما زوجي، ولنجعل أكبرهما. شكِّل الثلاثي المحدد عن طريق ، و ، و . وعندها سيمثل الأعداد الثلاثة و و ثلاثيًّا فيثاغورسيًّا (ومن السهل التأكد من الحسابات الجبرية)، وليس بين الأعداد الثلاثة أي عامل مشترك (ولا يصعب التأكد من ذلك أيضًا). وتنشأ الأمثلة الثلاثة السابقة من خلال اعتبار و في الحالة الأولى، و و في الحالة الثانية، بينما في المثلث الأخير لدينا و . ويتطلب التحقق من العكس مزيدًا من الجهد؛ فأي ثلاثي فيثاغورسي مشابه ينشأ بهذه الطريقة باستخدام قيم مختارة على نحو مناسب للعددين و . وعلاوة على ذلك، فإن التمثيل فريد من نوعه؛ إذ إن زوجين مختلفين من لا يمكن أن ينتجا الثلاثي نفسه .
ليس للمعادلة المقابلة الخاصة بالأعداد المكعبة والقوى العليا حلٌّ على الإطلاق: فَلِأَيِّ قوة ، لا يوجد ثلاثي صحيح موجب و و ؛ حيث يكون . هذه هي «مبرهنة فيرما الأخيرة»، التي ربما ستُعرف في المستقبل باسم «مبرهنة وايلز»؛ إذ ثَبَتَت مصداقيتها أخيرًا في تسعينيات القرن العشرين على يد السير أندرو وايلز. وحتى بالنسبة لحالة الأعداد المكعبة — التي حُلَّت لأول مرة عن طريق أويلر — فإنها مسألة صعبة للغاية. مع ذلك، فمن السهل نسبيًّا إيضاح أن حاصل جمع عددين مرفوعين للقوة الرابعة لا يكون عددًا مربعًا أبدًا (وبالطبع ليس عددًا مرفوعًا للقوة الرابعة أيضًا). وهذا كافٍ لقَصْر المسألة على الحالة التي يكون فيها عددًا أوليًّا (ما يعني أنه إذا حلَّلنا المسألة لكل الأسس الأولية، فإن النتائج العامة سوف تتبع ذلك على الفور)، وبالفعل حُلَّت المسألة بالنسبة لما يُطلق عليه الأعداد الأولية النظامية في القرن التاسع عشر. مع ذلك، تَحقَّق الحل الكامل فقط كنتيجة لحل وايلز لمسألة عميقة يُطلَق عليها «حدسية شيمورا وتانياما».
مع ذلك، فالمعادلة الديوفانتية التي حظيتْ بالدراسة المكثفة هي معادلة بِل ؛ حيث عدد صحيح موجب ليس مربعًا. ولقد أُدركَتْ أهميتها في زمن مبكر للغاية؛ إذ يبدو أنها خضعت للدراسة في اليونان والهند، ربما في عام ٤٠٠ قبل الميلاد؛ لأن حلها يعطي تقريبات نسبية جيدة