الفصل السابع

آثار الإعلام على السمنة وصورة الجسم واضطرابات الأكل

عندما تَستعد، أغلق عينَيك وتخيَّل الصورة المثلى لجسم الأنثى: طوله ووزنه وجمال قوامه. هل يُمكنك أن تذكر اسم شخص يُقارب في شكله الصورة المثالية في ذهنك؟ والآن لنفعل الشيء نفسَه مع الذكور، مع الوضع في الاعتبار حجم العضلات وقوامها. هل تصوَّرت في أي لحظة أنك تمتلك الجسم المثالي؟ على الأرجح لا؛ حيث إنَّ الغالبية العظمى من الإناث يتمنَّين أن يفقدن الوزن وأن يمتلكن جسمًا أصغر، ومعظم الذكور يرغبون في امتلاك كتلة عضلية إضافية وأن يكونوا أكثر رشاقة (نيبورز وسوبال، ٢٠٠٧)؛ لذا إن لم تتصوَّر نفسك، فمن تصوَّرت؟ على الأغلب الجسم «المثالي» الذي تصوَّرتَه هو جسم شخص رأيتَه في التليفزيون أو في فيلم أو على الإنترنت أو في مجلة.

على مدار قُرون أثرت وسائل الإعلام في صورة «الجسم المثالي» عند النساء؛ فخلال خمسينيات القرن العشرين مثَّلت الرشيقة مارلين مونرو بهيئة جسمِها ذي المقاس ١٤ الجسم المثالي. وبعدها بعقد، اعتُبرت العارضة تويجي بهيئتها النحيفة مثالية. لكن قبل وقت طويل من ظهور المجلات والتليفزيون والأفلام أثَّرت صور الجميلات المرسومة في لوحات روبنز ورينوا ورافائيل في المعايير الثقافية للجسد المثالي. فبدلًا من اللياقة البدنية كانت النساء فيما بين القرنين السابع عشر والتاسع عشر يُرسمن في هيئة ممتلئة مُستديرة. واليوم قد تتَّخذ صورة الجسم «المثالي» عند النساء أشكالًا عدة؛ النحيف (مثل كيت موس) أو المستدير (مثل جيسيكا سيمسون) أو الرياضي (مثل لو لو جونز). بل إنَّ الجمع بين الرشاقة والنحافة عند كثير من النساء هو الشيء المثالي؛ الوسط النحيف والأرداف الصغيرة والصدر المتوسط الحجم. لكنَّ ثمة شيئًا واحدًا تشترك فيه كل أشكال الجسم «المثالي» المعاصرة: أنها تَختلِف بالكلية عن رسوم روبنز (ديرين وبيريسين، ٢٠٠٦).

لكن فيما عدا التأثير في المعايير الثقافية للجسم المثالي، هل يمكن للإعلام أن يؤثر في نظرة الأطفال والمراهقين لأجسامهم؟ هل تؤثر تلك الآراء في صحة النشء الجسدية والنفسية؟ تلك الأسئلة الهامة سنتناولها فيما يلي. لكن أولًا علينا استعراض تأثير استخدام وسائل الإعلام على السمنة، الأزمة الصحية التي تؤثر على النشء من جميع أنحاء العالم.

جدول ٧-١: عنف كوميدي معتدل، وقد يخيف كتلة الجسم وفئات الوزن.
قيمة مؤشر كتلة الجسم الشريحة المئوية فئة الوزن
١٨٫٤ أقل من خمسة بالمائة أقل من الوزن
١٨٫٥–٢٤٫٩ من ٥ إلى ٨٥ بالمائة وزن صحي
٢٥–٢٩٫٩ ٨٥ إلى ٩٥ بالمائة وزن زائد
٣٠

٩٥ إلى ١٠٠ بالمائة

سمنة

(١) استخدام وسائل الإعلام ووزن الجسم

يُمكن قياس السِّمنة بطُرق عدة، بما في ذلك سماكة الدهون تحت الجلد والوزن تحت الماء (الوزن الهيدروستاتيكي) وقياس الامتصاص بالأشعَّة السينية ثنائية الطاقة. إلا أنه في معظم الدراسات التي سيرد استعراضها كان الوزن يُقاس بمنهج قياس يُسمى مؤشر كتلة الجسم. ويُبنى مؤشر كتلة الجسم عند الأطفال والمُراهقين على الطول والوزن والنوع والعمر. ويُعد النشء ضمن نطاق السمنة عندما تكون قيمة مؤشر كتلة الجسم ضمن الشريحة التي تُساوي أو تزيد على ٩٥ بالمائة لنوعهم وعمرهم (انظر جدول ٧-١). وفي دراسة حديثة للسِّمنة في الولايات المتَّحدة (أوجدن وآخرون، ٢٠٠٦)، أشارت قيَم مؤشِّر كتلة الجسم إلى أن ١٤٪ من النشء في عمر ٢–٥ سنوات و١٩٪ من النشء في عمر ٦–١١ سنة و١٧٪ من النشء في عمر ١٢–١٩ سنة يُعتبرون مصابين بالسِّمنة. وعلى مستوى العالم يوجد ١٥٥ مليون طفل سمين (أو واحد من بين كل عشرة) فيما بين ٥ إلى ١٧ عامًا من العمر. ويدخل حوالي ٢٥٪ من الأطفال في الاتحاد الأوروبي ضمن نطاق الشريحة المُساوية أو المتجاوزة لنسبة ٩٥٪ في مؤشِّر كتلة الجسم. وحتى في الدول النامية (كالبرازيل والصين والهند) تتَّجه معدلات السمنة بين الأطفال إلى الارتفاع. بل إن ٣,٣٪ من الأطفال تحت سن الخامسة في الدول النامية يُعانون من السِّمنة الآن (منظمة الاتحاد العالمي للقلب، ٢٠٠٧). ولأن ثمة مخاطر صحية بدنية (كمرض السكَّري من النوع الثاني ومُتلازمة الأيض وأمراض القلب والأوعية الدموية)، ومخاطر صحية نفسية (كالتحوُّل إلى موقع الضحية والحرج وانخفاض الثقة بالنفس) مُرتبطة بالسمنة في الطفولة فقد عكف العلماء على دراسة أسبابها. وبجانب النظام الغذائي والجينات الوراثية، ظلَّ استخدام وسائل الإعلام نقطة تركيز متكرِّرة للأبحاث عن السِّمنة عبر النشأة. لكن الإعلام لا يَحتوي على سعرات حرارية ولا بروتين ولا دهون. فكيف من المُمكن أن يؤثر استخدام وسائل الإعلام في وزن الجسم؟

(١-١) تفسير كيف يمكن للإعلام زيادة الوزن

لقد طُرحت ثلاث آليات محتمَلة لتفسير كيف يمكن لاستخدام المواد الإعلامية أن يؤثر في الوزن: (أ) أن يحل السلوك القائم على الجلوس المفرط محلَّ النشاط البدني. (ب) تناول أطعمة رديئة من الناحية الغذائية بصورة أساسية في أثناء استخدام وسائل الإعلام. (ﺟ) تؤدِّي إعلانات الطعام إلى عادات غذائية سيئة عند الأطفال والمراهقين. وكلٌّ منها سنَتناوله بالترتيب.

(أ) أن يحلَّ السلوك القائم على الجلوس المفرط محل النشاط البدني

باستثناء لعبة «ثورة الرقص» وتشكيلة من ألعاب الفيديو الخاصة بمنصة «وي» — وخاصة منصة وي فيت للياقة — تُعد ممارسة ألعاب الفيديو نشاطًا جلوسيًّا؛ فالكسالى من الجالسين على الأريكة ومستخدمي الكمبيوتر على حدٍّ سواء يحرقون سعرات حرارية قليلة في أثناء تصفُّح الإنترنت أو مشاهدة التليفزيون أو ممارسة ألعاب الفيديو. وقال البعض إن عملية استخدام وسائل الإعلام التي لا تتطلب نشاطًا بدنيًّا تحلُّ محلَّ الحركة عالية الطاقة، وعندما لا تُتاح وسائل الإعلام فإن الأطفال يخرجون للعدو أو القفز أو غيرهما من الأنشطة المُستهلِكة للسعرات الحرارية. كذلك تشير بعض النظريات إلى أنه نتيجة لحلول السلوكيات غير النشطة بدنيًّا محل الأعمال النَّشِطة بدنيًّا تزيد الدهون في الجسم (جورتميكر وديتز وشونج، ١٩٩٠). إلا أن الأبحاث القائمة عن جسم الإنسان لا تدعم هذا الاعتقاد. فمثلًا لم يستطع يانس وزملاؤه (٢٠٠٢) أن يَربطوا بين النشاط البدني المفعم بالحيوية ومُشاهدة التليفزيون عند الأطفال في عمر ٤–٦ سنوات. وأوضح جوردان (٢٠٠٧) أن النشء خلال اليوم لديهم فرص كثيرة «للاسترخاء» أمام وسائل الإعلام والانخراط في الأنشطة المُفعَمة بالحركة، وهما ليسا نشاطَين مُتعارضَين. إذًا لا يبدو أن استخدام وسائل الإعلام يحلُّ محلَّ السلوك النشط بدنيًّا عبر النشأة.

بصرف النظر عن مقدار الوقت المُستغرَق في الأنشطة المُفعمة بالحيوية، لا يزال النشء يَقضون ساعات يوميًّا مع وسائل الإعلام، وخلال هذا الوقت يتحرَّكون قليلًا نسبيًّا ويحرقون سعرات حرارية قليلة. وقبل عقد مضى، ذكر بار أور وزملاؤه (١٩٩٨) أن استخدام وسائل الإعلام المرتبط بالجلوس، كمُشاهدة التليفزيون، ليس مجرد سبب مرجَّح في ارتفاع نسبة دهون الجسم، بل في ارتفاع كبير بالمقاييس السريرية أيضًا. وهذا منطقي بالبديهة؛ فعلى كل حال يصعب تصور الحصول على عضلات بطن مشدودة أو قوام مَمشوق بالاتكاء على كرسي مريح ومشاهدة برنامج «الخاسر الأكبر» (ذا بيجست لوزر) على التليفزيون. لكن هل يؤثر طول فترات عدم النشاط البدني المرتبط بالإعلام على السِّمنة؟ يُشير عقد كامل من الأبحاث إلى أن تلك البديهة ليست دائمًا صحيحة.

حاولت دراسات عديدة من الطفولة المبكِّرة إلى أواخر المراهَقة الربط ربطًا سببيًّا بين السِّمنة من ناحية ومشاهدة التليفزيون واستخدام الكمبيوتر وممارسة ألعاب الفيديو من ناحية أخرى. ورغم أن دراسات عديدة توصَّلت إلى ارتباط ملموس بين استخدام وسائل الإعلام والسمنة، فإن هذا الارتباط دائمًا ما كانت قوَّته ضعيفة (جينفي، ٢٠٠٧؛ مارشال وبيدل وجورلي وكاميرون وموردي، ٢٠٠٤)؛ إذ توصَّلَ ويك وزملاؤه مثلًا (ويك وهيكيث ووالترز، ٢٠٠٣) إلى أن ذكر الآباء لاستخدام أبنائهم للتليفزيون كان سببًا في ١٪ فقط من قيم مؤشِّر كتلة الجسم في الطفولة المتوسطة وأوائل المراهقة. ولم تتمكَّن الدراسات الأخرى من الربط بين استخدام وسائل الإعلام ومؤشِّر كتلة الجسم من الأساس (جينفي). ودفعت هذه النتائج المُتضاربة مارشال وزملاءه (٢٠٠٤) — بعكس الرأي الشائع — إلى استنتاج أن تأثير استخدام الإعلام على السمنة «أصغر من أن يكون له أهمية طبية».

(ب) تناول أطعمة رديئة من الناحية الغذائية بصورة أساسية في أثناء استخدام وسائل الإعلام

مع طرح أول وجبة عشاء سريعة التحضير عام ١٩٥٤ (SwasonMeals.com، ٢٠٠٨) أكسبت شركة سوانسون للأغذية فكرة تناول العشاء أمام التليفزيون القبول الاجتماعي. ومرَّت عقود قبل أن يُعبِّر الباحثون عن قلقهم من أن تناول الطعام في أثناء مشاهدة التليفزيون وممارسة ألعاب الفيديو وما شابه يزيد من السمنة بين النشء. ليست المشكلة أن الأطفال يَستهلِكون طعامًا صحيًّا في أثناء استخدام وسائل الإعلام، بل في أن استخدام وسائل الإعلام يؤدي لزيادة جرعة السعرات الحرارية من الأغذية الرديئة غذائيًّا. ودعمًا لهذا الاعتقاد، أوضح كوون وزملاؤه (٢٠٠١) أن الأُسر التي تتناول وجبتَين أو أكثر يوميًّا أمام التليفزيون استهلكت قدرًا أكبر من البيتزا والتَّسالي والصودا وتناوَلت قدرًا أقل من الفواكه والخضروات مقارنة بغيرها من الأُسر. لكن بدلًا من أن تتسبَّب مشاهدة التليفزيون في تناول النشء الأطعمة الرديئة، ربما لا يتعدَّى الأمر أن العائلات التي تتناول القليل من الطعام الصحي تَميل كذلك لمشاهَدة التليفزيون كثيرًا، بما في ذلك أثناء تناول الطعام.

بالإضافة إلى الوجبات التقليدية، يَتناول الأطفال والمراهقون بصفة دورية أطعمة تسالي، وفي أثناء تناول أطعمة التسالي غالبًا ما تُستخدم وسائل الإعلام. بل إن التسالي أكثر عرضة لأن تُستهلك أمام التليفزيون من أي وجبة أخرى (ماثيسون وكيلين ووانج وفارادي وروبنسون، ٢٠٠٤). إلا أن ماثيسون وزملاءه وجدوا أنه فيما يتعلَّق بطلاب الصف الثالث والخامس لم يُؤثِّر استخدام التليفزيون من عدمه على إجمالي محتوى الدهون والسعرات في الطعام المُستهلك. وبالمثل، فإن تناول الطعام أمام التليفزيون لم يؤثر على إجمالي جرعة الطاقة في مرحلة ما قبل المدرسة (فرانسيس وبيرش، ٢٠٠٦)، ووجد كاروث وزملاؤه (كاروث، وجولدبيرج، وسكينر، ١٩٩١) أنه عند النشء في السنة الدراسية من العاشرة حتى الثانية عشرة لم تؤدِّ مُشاهدة الإعلانات التليفزيونية الغذائية إلى زيادة تناولهم من الوجبات الخفيفة في أثناء المشاهدة؛ من ثَم فإن تناول الوجبات الخفيفة أمام التليفزيون يبدو أنه لا يستبدل تناول الأطعمة الرديئة من الناحية الغذائية بتناول الأغذية الغنية. وعلاوةً على ذلك، قد تكون تلك التقييمات محلَّ جدل؛ فقد اكتشف فيلد وزملاؤه (٢٠٠٤) أنه بصرف النظر عن استخدام وسائل الإعلام، فإن تناول الوجبات الخفيفة ليس له تأثير على مؤشِّر كتلة الجسم لدى الأطفال من سن ٩ إلى ١٤ سنة.

(ﺟ) تؤدي إعلانات الطعام إلى عادات غذائية سيئة عند الأطفال والمراهقين بعد المشاهدة

في الآونة الأخيرة، حظرت المملكة المتَّحدة الإعلانات التليفزيونية عن «الوجبات السريعة» (التي تُعرف بأنها الأطعمة الغنية بالدهون والملح والسكر) التي تستهدف الأطفال تحت سن ١٦ عامًا (BBC.com، ٢٠٠٨)؛ فقد أدى الخوف من أن الإعلانات التليفزيونية تتسبَّب في اكتساب الأطفال لعادات أكل سيئة (بعد العرض) إلى اتباع هذه السياسة. ولكن هل هذا النوع من الرقابة الإعلانية مُبرَّر؟
انتشار الإعلانات الغذائية: في كل يوم يُغمر الأطفال والمُراهقون بالإعلانات عن المنتجات الغذائية. فما يقرب من ٥٠٪ من إجمالي الإعلانات التليفزيونية التي تَستهدِف النشء تُروِّج للأطعمة (مثل الوجبات الخفيفة والحبوب والحلوى) أو المُنتجات المرتبطة بالأغذية (مثل المطاعم وماكينات صناعة الآيس كريم)؛ إذ وجد جانتز وزملاؤه (جانتز وشوارتز وأنجليني ورايداوت، ٢٠٠٧) أنه عند الإعلان عن المنتجات الغذائية، فإن الإعلانات في ٩ من كل ١٠ حالات تُروِّج لمنتجات رديئة غذائيًّا: ٣٤٪ للحلوى والتسالي، و٢٨٪ لحبوب الإفطار، و١٠٪ للوجبات السريعة، و٤٪ لمنتجات الألبان، و١٪ لعصائر الفاكهة، ولكن لا شيء للفاكهة والخضار. حتى على الشبكة الأولى للأطفال نيكلوديون، فإن ٨٨٪ من الإعلانات المتعلِّقة بالتغذية تروِّج لأطعمة رديئة غذائيًّا (باتادا وووتان، ٢٠٠٧). وهذه مُفارقة على وجهٍ خاص، نظرًا إلى أن نيكلوديون ترعى عدة إعلانات للخدمة العامة تهدف لمعالجة السمنة في مرحلة الطفولة وتسمَح لشخصيات من البرامج بالظهور على اللوحات الإعلانية للترويج للفواكه والخضروات.

بالإضافة إلى ذلك، يتعرَّض الأطفال والمراهقون لمواد غذائية غير صحية من خلال وضع المنتجات في الأفلام والبرامج التليفزيونية وألعاب الفيديو. وليس من الصدفة أن حكام برنامج أمريكان أيدول يشربون من أكواب كبيرة مزينة بشعار كوكاكولا. ويُمكن أن يُؤثِّر وضع المنتج على الفكرة الأساسية. ففي أوائل عقد الثمانينيات من القرن العشرين على سبيل المثال، ارتفعَت مبيعات حلوى ريزيز بيسيس بنسبة ٦٥٪ بعد ظهور المنتَج في الفيلم الرائع «إي تي» (بالمر وكاربنتر، ٢٠٠٦). وتوجد إعلانات الأطعمة في كل مكان، حتى في حرم المدرسة؛ إذ إنَّ ٧ من أصل ١٠ إعلانات تجارية تُبث على الشبكة المدرسية في القناة الأولى هي أطعمة رديئة غذائيًّا (كالحلوى والوجبات السريعة والصودا؛ هورجن، وتشوت، وبراونيل، ٢٠٠١). وهذا أمر مُثير للسُّخرية بوجهٍ خاصٍّ حيث يتلقَّى الأطفال تعليمًا يوصي باتباع خيارات غذائية صحية خلال الدراسة.

على شبكة الإنترنت، يُتيح مئات من المواقع ذات الصلة بالمواد الغذائية (على سبيل المثال، كيلوجز فان كيه تاون) للأطفال التفاعُل مع المنتجات المروَّجة (يوجوس على سبيل المثال) والشخصيات المعروضة (مثل توني النمر). كذلك يُمكنهم مشاهدة الإعلانات التجارية للأطعمة والتعرُّض لمُنتجات موضوعة خلال ممارسة الألعاب الإعلانية. كذلك يَمتلك أكثر من ٨٥٪ من العلامات التجارية الرائدة التي تَستهدِف الأطفال بالإعلانات التليفزيونية مواقع إلكترونية تفاعُلية تروج لها، و٦٤٪ من هذه المواقع تَستخدم الإعلانات الفيروسية لإقناع النشء بإرسال رابط للموقع عن طريق البريد الإلكتروني إلى أصدقائهم (مور، ٢٠٠٦). واللافت أن بعض الألعاب الإعلانية، مثل فان كيه تاون الخاصَّة بمُنتجات كيلوجز، لديها رسائل لحظية تحثُّ الأطفال على الخروج واللعب لمدة ١٥ دقيقة قبل الوصول إلى المحتوى التفاعُلي للموقع. وأتساءل إذا كان أي من النشء يتبع هذه النصيحة فعلًا.

بعيدًا عن وسائل الإعلام الإلكترونية، يواجه النشء إعلانات الأغذية في وسائل الإعلام المطبوعة، كالمجلات، وعلى أغلفة المنتجات. وفي أغلب الأحيان، تروج تلك الإعلانات لأطعمة غير صحية. فمثلًا، وجدت دراسة ما أن ٧٦٪ من المنتَجات الغذائية المُعلَن عنها في مجلة نيكلوديون كانت عن أطعمة رديئة غذائيًّا (باتادا وووتان، ٢٠٠٧). بالإضافة إلى ذلك، عندما ظهرت شخصيات نيكلوديون على عبوات المنتجات الغذائية، كانت الأطعمة الموجودة بالداخل في ٦ من أصل ١٠ من الحالات غير صحية. ويُمكن للأطفال أيضًا القراءة عن المنتجات ذات الصلة بالأغذية، مثل سكيتلز وفروت لوبس وأوريو كوكيز في كتب موجهة للقراء الصغار (بالمر وكاربنتر، ٢٠٠٦). وعندما كان ابني صغيرًا، قرأتُ له كتابًا للعدِّ يمكن وضع حبوب شيريوس في مواقع خاصة في كل صفحة. بطبيعة الحال، أكل ابني حبوب الشيريوس بعد قراءة الكتاب.

الإعلانات عن الأطعمة والبحوث عن السِّمنة: على مدى السنوات الثلاثين الماضية، تضاعَفَت معدلات السمنة في الولايات المتحدة بين الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة والمراهقين، وزادَت بثلاثة أضعاف للأطفال خلال مرحلة الطفولة المتوسِّطة (ديسروشيرز وهولت، ٢٠٠٧). وقد أشار العديد من الباحثين إلى أن هذه الزيادة هي نتيجة التعرُّض لإعلانات الأغذية (وخاصة على شاشة التليفزيون)، مما يَدفع الأطفال إلى الطلب والشراء، وفي النهاية تناول الأطعمة الرديئة غذائيًّا (منظمة الصحة العالَمية، ٢٠٠٣). مع ذلك فقد أثبتت الأبحاث الأخيرة أن تعرض الأطفال لإعلانات الأطعمة المذاعة على تليفزيون قد انخفض بالفعل على مدى العقود الثلاثة الماضية، في حين ظلَّ التعرُّض للأطعمة الرديئة غذائيًّا عند نفس المستوى (ديسروشيرز وهولت).

ومع ذلك، فإن مثل هذه الدراسات ذات المستوى الكلي تُمثِّل إشكالية لأنها تتطلَّب تعميمات واسعة يُعامل فيها جميع الأطفال على قدم المساواة. لكن النشء يمكن أن يكونوا مُشاهدين بمقدار قليل أو كثيف للتليفزيون؛ ومن ثَم يتعرَّضون لعدد قليل أو كبير من الإعلانات التجارية عن المنتجات الغذائية. وقد يختلف تأثير الإعلانات على النشء عبر النشأة. فمثلًا: على الرغم من أن معدَّلات السِّمنة في مرحلة ما قبل المدرسة والمراهَقة قد زادت إلى الضعفَين، فإن النشء فيما قبل المدرسة يشاهدون إعلانات تليفزيونية للأغذية الغذائية في اليوم بمقدار أقل بالثلُث من المراهقين، إلا أن النشء في مرحلة الطفولة المتوسطة، الذين يشاهدون في اليوم عددًا أكثر بأربعة إعلانات فقط من المراهِقين (جانتز وآخرون، ٢٠٠٧) شهدوا زيادة في معدلات السِّمنة إلى ثلاثة أضعاف. وتُشير هذه البيانات إلى درجات مختلفة من التأثر بإعلانات الأغذية عبر النشأة.

تُشير البحوث الارتباطية والتجريبية على النشء في الطفولة المبكِّرة والمتوسطة إلى أنه عندما يُعطَى النشء الاختيار، فهم يُفضِّلون المنتجات الغذائية التي شاهدوا إعلاناتها على شاشة التليفزيون مقارنة بالتي لم يُشاهِدوها (جورن وجولدبرج، ١٩٨٠، ١٩٨٢). ورغم أن معظم هذه الأبحاث قد أجري منذ أكثر من ٢٠ عامًا، لا تزال البحوث المُعاصرة تدعم فكرة أن الإعلان يُؤثر في تفضيلات الغذاء. فمثلًا، وجد بورزيكوسكي وروبنسون مؤخرًا (٢٠٠١) أنَّ النشء فيما قبل المدرسة يُفضلون زبدة الفول السوداني والعصير من العلامات التجارية المعلن عنها خلال برنامج رسوم متحركة أكثر من تلك غير المعلن عنها. ولا توجد أبحاث حول تأثير الإعلان على طلبات المُراهِقين الأكبر سنًّا أو مشترياتهم فيما يتعلق بالأطعمة.

لقد وثقت الأبحاث حول تأثير الإعلانات على تناول الغذاء لاحقًا بصفة مستمرة في الدراسات التجريبية التي تتضمَّن بيئات تحت السيطرة (كالمختبرات أو الفصول الدراسية) عبر الطفولة المبكِّرة والمتوسطة (لا توجد بحوث عن المراهقين). فمثلًا أثبت جيفري وزملاؤه (جيفري، وماكليلارن، وفوكس، ١٩٨٢) أن الإعلانات عن الأغذية المشكوك فيها أدَّى إلى زيادة جرعات الطاقة في الأطفال الذين تتراوَح أعمارهم بين ٤ و٩ سنوات أكثر مما فعلَت الإعلانات عن الأغذية الصحية أو الألعاب. وبعد حوالي ٢٢ عامًا، وجد هالفورد وزملاؤه (هالفورد، وجيليسبي، وبراون، وبونتين، ودوفي، ٢٠٠٤) أن النشء فيما بين ٩–١١ سنة تناولوا المزيد من الوجبات الخفيفة بعد مُشاهدة الإعلانات ذات الصلة بالأغذية من الإعلانات غير ذات الصلة. كذلك، كان هذا التأثير أكثر وضوحًا في الأطفال الذين يُعانون من السمنة المفرطة وزيادة الوزن مقارنةً بالأطفال ذوي الوزن الطبيعي. وباستخدام عيِّنة أصغر سنًّا قليلًا، وجد هالفورد وزملاؤه (هالفورد، وبويلاند، وهيوز، وأوليفيرا، ودوفي، ٢٠٠٧) أن عرض الإعلانات ذات الصلة بالأغذية أدى إلى زيادة كبيرة في تناول الطعام خلال فترة تناول وجبات خفيفة تلت مشاهدة التليفزيون لكل من الوزن الطبيعي (زيادة ١٧٪) والمصابين بالسمنة (١٤٪ زيادة) في سن ٥–٧ سنوات. والمهم أن الأطعمة السريعة المتناوَلة في هذه الدراسة لم تكن تلك المُعلن عنها خلال البرنامج التليفزيوني. لذا، فإن إعلانات الأغذية حفَزت الأكل بشكل عام، وليس فقط تناول الأطعمة المرئية في التليفزيون. علاوةً على ذلك، فقد كان استهلاك الغذاء بعد إغلاق التليفزيون، مما يُشير إلى أن الإعلانات كانت ذات تأثير طويل الأمد نسبيًّا على شهية النشء.

(١-٢) الآباء ووسائل الإعلام والسمنة

من المهم أن نتذكر أن الآباء والأمهات، وليس وسائل الإعلام، هم من له التأثير الأكبر على أنماط الأكل والتفضيلات خلال مرحلة الطفولة. بشكل عام، يؤثر الآباء في الأطفال عن طريق تشكيل العادات الغذائية الصحية وغير الصحية، من خلال شراء الأطعمة الصحية وغير الصحية، وتقديم خيارات غذائية صحية وغير صحية في أثناء الوجبات وفيما بينها (جينفي، ٢٠٠٧). وقد أظهرت الأبحاث أيضًا أن كمية الأغذية التي تؤكل وجودة المواد الغذائية المستهلَكة تَتشابه بين الوالد والطفل؛ لذا فإن الآباء الذين يأكلون الكثير من الأطعمة الرديئة غذائيًّا يفعل أطفالهم الشيء نفسه (جرير، ومنسينجر، وهوانج، وكومانيكا، وستيتلر، ٢٠٠٧). والآباء أيضًا شأنُهم شأن الأطفال يتأثَّرون بإعلانات الأغذية. وهذا التأثير بدوره يُمكِن أن يصل إلى الأطعمة التي يَشتريها الآباء. فمثلًا، في تقييم لآباء النشء المَحرومين في مرحلتَي الطفولة المبكِّرة والمتوسِّطة، وجد جرير وزملاؤه (٢٠٠٧) أن التعرُّض الأكبر لإعلانات الوجبات السريعة يرتبط طرديًّا مع الاعتقاد بأن تناول الطعام السريع كان السلوك المعياري. ومن الأهمية بمكان، أنه كلما زادت مُشاهدة الآباء للإعلانات لماكدونالدز وبرجر كينج وما شابه ذلك، زاد تناول أطفالهم للوجَبات السريعة.

(١-٣) وسائل الإعلام والوصم بالسمنة

يُشير الوصم بالسمنة إلى المواقف والصور النمَطية والسلوكيات التمييزية السلبية الموجَّهة إلى النشء الذين يُعانون من زيادة الوزن. فخلال النمو، يرى النشء أقرانهم ذوي الوزن الزائد أكثر أنانية وكسلًا وغباءً وقُبحًا وقذارة، وأقلَّ قابلية لإثارة الإعجاب من المعارف ذوي الوزن الطبيعي. كذلك تقلُّ احتمالية كون الأطفال البدناء رفاقًا مفضَّلين في اللعب، ويمرُّون بمُستويات عالية من الرفض الاجتماعي والإغاظة والتخويف. والوصم بالسِّمنة، الذي سُجل في الأطفال بداية من سن ٣ سنوات، يزداد سوءًا بامتداد مَراحل النشأة، ولا يقلُّ إلا خلال سنوات الكلية. بالإضافة إلى ذلك، فكلما زاد وزن الطفل، زادت حدة الوصم (والتحيُّز المرتبط به، والصور النمطية، والسلوك المجحف). يُمكن للوالدين والمُعلمين أيضًا نقل عبارات والتصرف بطرقٍ تُعزِّز من وصمة السمنة. وقد تبيَّن أن الآباء لا يَقتصِرُون على نقل الصور النمطية السلبية عن الأطفال الذين يُعانون من السمنة (كالكسل) بل يَغيظُون ذريتهم الخاصة بخصوص وزنهم. وفي الفصل يرى المعلمون النشء الذين يُعانون من السمنة المفرطة أشخاصًا أقل ترتيبًا، وأقل في احتمالية النجاح، وأكثر عاطفية من النشء المتوسِّط الوزن. وبالمثل تبيَّن أن مدرِّسي التربية البدنية متحيِّزون سلبًا فيما يتعلَّق بالوزن (بول ولاتنر، ٢٠٠٧).

بخلاف الأقران والآباء والمعلمين، من المُمكن أن تُسهم وسائل الإعلام أيضًا في انتشار الوصم بالسِّمنة. انظر مثلًا إلى دادلي درسلي من سلسلة أفلام «هاري بوتر» وأغسطس جلوب من فيلم «ويلي وونكا ومصنع الشوكولاتة» (ويلي وانكا آند ذا تشوكليت فاكتوري) باعتبارهما مثالَين على النماذج الإعلامية التي تَنشر التحيز بخصوص الوزن. فكلاهما يعاني من السمنة المفرطة وكلاهما نَهِم، وكلاهما يتجاهل تحذيرات البالغين بشأن السلوك غير اللائق. وقد تناولت الأبحاث الوزن في وسيط واحد فقط يشاهده الأطفال باستمرار وهو أفلام الكارتون. ففي تحليل لأكثر من ٦٠ عامًا من أفلام الكارتون وجد كلاين وشيفمان (٢٠٠٥) أن الشخصيات زائدة الوزن ظهرت في موضع الشخص الأقل ذكاءً والأكثر تعاسة وغير المحبوب نسبة إلى الشخصيات الكرتونية الأنحف. بالإضافة إلى ذلك، ظهرت الشخصيات صاحبة الوزن الزائد وهي تتناول المزيد من الوجبات السريعة وتتصرف بعدوانية أكثر جسديًّا ولفظيًّا من الشخصيات الأخف وزنًا. بالمثل، ففي تقييم لأكثر ٢٥ فيديو للأطفال مبيعًا على موقع Amazon.com (ومعظمها كانت كارتونية)، وجد هيربوزو وزملاؤه (هيربوزو، وتانتليف-دون، وجوكي-لاروس، وطومسون، ٢٠٠٤) أن السمنة ارتبطت بسمات سلبية في ٦٤٪ من الأحيان.

بالإضافة إلى ذلك، يواجه النشء الذين يشاهدون البرامج التليفزيونية الموجهة للبالغين في كثير من الأحيان التحيز بناء على الوزن. فمثلًا، تميل برامج التليفزيون في وقت الذروة إلى تصوير النساء اللاتي يعانين من زيادة الوزن والسمنة في صورة أقل جاذبية وأقل عرضة للمشاركة في العلاقات الرومانسية من الشخصيات الأنثوية الأنحف (جرينبرج، وإيستين، وهوفشير، ولاكلان، وبراونيل، ٢٠٠٣). وعلى الرغم من أن مثل هذه العروض تعزز الوصم بالسمنة، فهل تؤثر فعلًا في تحيز الوزن عند النشء؟ تشير البحوث المحدودة في الواقع أن وسائل الإعلام قد تؤثر في الوصم بالسمنة لدى الأطفال والمراهقين. فمع زيادة مشاهدة التليفزيون مثلًا، رأى النشء في الصف الثالث الفتيات ذوات الوزن الزائد (لا الأولاد ذوي الوزن الزائد) أكثر جشعًا، وغير ذكيات، وقذرات، وغير صادقات (هاريسون، ٢٠٠٠). ووجد لاتنر وزملاؤه مؤخرًا (لاتنر، وروزوال، وسيموندز، ٢٠٠٧) أن استخدام وسائل الإعلام على يد من تتراوح أعمارهم بين ١٠ و١٣ عامًا تنبأ بكراهية أكبر للفتية والفتيات الذين يعانون من البدانة، وكذلك بوجود مواقف سلبية أكثر بصفة عامة تجاه الأطفال الذين يعانون من السمنة. ومن بين وسائل الإعلام التي قيمتها هذه الدراسة (المجلات والتليفزيون وألعاب الفيديو)، كان أقوى مؤشر للتنبؤ بالتحيز المبني على الوزن من قراءة المجلات. ورأى لاتنر وزملاؤه (٢٠٠٧) أن هذه النتيجة هي نتيجة الصور المنمقة والمعدلة في المجلات التي تقدم عرضًا للجسم أكثر ميلًا للكمال من الصورة الموجودة على شاشة التليفزيون أو في ألعاب الفيديو. ومن الممكن كذلك أن قراءة المجلات، وهي أقل شيوعًا بكثير من ممارسة ألعاب الفيديو أو مشاهدة التليفزيون، تُمارس بشكل أكبر بين النشء المهتمين بصورة جسمهم من غير المهتمين. بالتالي فإن النشء الذين يفضلون النحافة قد يعكسون آراء سلبية عن الأطفال الذين يعانون من زيادة الوزن والبدانة (دافيسون وبيرتش، ٢٠٠٤).

(٢) صورة الجسم ووسائل الإعلام

تُشير صورة الجسم إلى المواقف والمشاعر والأفكار المتعلقة بمظهر جسم الفرد (يونج وبيترسون، ٢٠٠٧). ويُمكن أن يكون النشء إما راضٍ أو غير راض عن مظهر جسمهم من حيث الوزن الكلي، والشكل، والطول، وشكل العضلات. وقد اتضح أن عددًا كبيرًا من الأطفال والمُراهقين غير راضين عن كلِّ أجسامهم، وهي مشكلة تبدأ في مرحلة مبكِّرة من العمر. في الواقع، يبدو أن الرغبة في النَّحافة تظهر في سن الخامسة أو السادسة، لتتَّضح أكثر بعد ذلك (لوس وتيجيمان، ٢٠٠٣)؛ إذ وجد كولينز مثلًا (١٩٩١) أن ٤٢٪ من الفتيات من سن ٦ إلى ٧ سنوات و٣٠٪ من الفتيان من نفس السن يُفضِّلون بِنيةً جسمانية أنحف من أجسامهم. ومن الطفولة المتوسِّطة فصاعدًا، يَرغب ما يتراوَح بين ٤٠٪ و٥٠٪ من إجمالي النشء في أن يكون أنحف (كلارك وتيجيمان، ٢٠٠٦؛ دونت وتيجيمان، ٢٠٠٦). مع ذلك، فإن الرغبة في النحافة قبل سن ٨ لا تُعادل عدم الرضا عن الجسم. وسرعان ما يتغيَّر هذا، فقد وجد وود وزملاؤه (وود، وبيكر، وطومسون، ١٩٩٦) أن ٥٥٪ من الفتيات بعمر ٨ إلى ١٠ سنوات و٣٥٪ من الأولاد في نفس السن كانوا غير راضين عن مقاس أجسامهم. ومع تقدُّم النشء في مرحلة الطفولة المتوسِّطة وحتى المراهَقة، لا يَزال الرضا عن الجسم في اتجاهِه المُنخفِض (أيزنبرج، وفيبس، وسبرينراد، ٢٠٠٦).

بشكل عام، يتركَّز عدم رضا عن الجسم عند الفتيات (بصرف النظر عن العمر) على الوزن، في حين أن غياب كتلة العضلات هو السبب الأكثر شيوعًا وراء الصورة السيئة للجسم عند الأولاد المراهقين. نتيجة لذلك وعبر الطفولة والمراهَقة، تميل الفتيات أكثر من الفتيان لامتلاك الرغبة في النَّحافة. على النقيض من ذلك، فإن الفتيان أكثر ميلًا من الفتيات للسعي إلى زيادة كتلة العضلات وتحديدها، أي يَعكسون «اتجاهًا للبناء العضلي». مع ذلك، وخلال مرحلة الطفولة، يرغب الفِتيان ذوي الوزن الزائد في أن يكون أنحفَ وليس بالضرورة أكثر عضلات (يونج وبيترسون، ٢٠٠٧). وعبر النشأة، يبدو أن عدم الرضا عن الجسم لدى الإناث ناتج بصفة جزئية من الزيادة المِعيارية للسِّمنة. مع ذلك، فإن صورة الجسم السلبية الملاحظة طوال فترة الطفولة والمُراهَقة عند الفتيات، لا يُمكن التعبير عنها بمؤشِّر تغير كتلة الجسم وحده. بالمثل، ومع بلوغ الفتيان، فإنهم يكتسبون كتلة عضلية أكبر بشكل طبيعي. ومع ذلك، فهم أيضًا غير راضين عن الكتلة العضلية المكتسَبة بطريقة طبيعية. من الواضح أن ثمة عوامل إضافية تؤثر في صورة الجسم عند كل من الذكور والإناث.

وقد ركز قدر كبير من البحوث على العديد من العوامل التي تُؤدي إلى عدم الرضا عن الجسم لدى الأطفال والمراهقين. فبخلاف النزعات البيولوجية والأقران والآباء والأشقاء، فإن دور الإعلام الجماعي أصبح خاضعًا للتدقيق المتكرِّر. فبدلًا من تعزيز صورة إيجابية للجسم بين النشء، يرى نُقاد الإعلام أن صورة أجسام الذكور والإناث في المجلات، والتليفزيون، وألعاب الفيديو، وغيرها لا يُمكن نَيلها في العالم الحقيقي؛ ومن ثم ينتج عدم الرضا عن الجسم. وكما يتَّضح فإن ذلك مُمكن فعلًا.

(٢-١) تمثيل صورة الجسم في وسائل الإعلام

(أ) الدمى والنماذج المصغرة

منذ ما يَقرب من ٤٠ عامًا، قُدِّرت مقاسات دمية باربي رشيقة القوام ﺑ ٣٩ – ١٨ – ٣٣. وإن كانت باربي حقيقية، فستزن حوالي ٥٠ كيلو، ويتراوح طولها بين ٦ و٧ أقدام. ومثل العديد من المشاهير في عقد التسعينيات، خضعت باربي لجراحة تجميلية وأصلحت مقاساتها الآن لتصبح ٣٣ – ١٧ – ٣٠. بخلاف باربي، لا يعرف سوى القليل عن تمثيل الجسد الأنثوي في الدمى. أما جسم جي آي جو الصغير مفتول العضلات البالع طوله ٥ أقدام و١٠ بوصات فيبلغ عرض الصدر ٨٥ بوصة والرقبة ٣٤ بوصة و٦٥ بوصة للخصر (باجورست، وكارلستون، ووود، ووايت، ٢٠٠٧). وتبلغ هذه الأرقام تقريبًا ضعفَي مقاييس الجسم الذكوري وتتجاوَز بسهولة مقاسات إسحاق نيسر، صاحب الرقم القياسي العالمي لأكبر صدر (ﺑ ٧٤ بوصة للصدر و٢٣٫٥ بوصة للرقبة و٤٤ بوصة للخصر؛ انظر TrulyHuge.com، ٢٠٠٨). بخلاف جي آي جو، فإن نماذج الشَّخصيات المصغَّرة الأخرى، مثل سوبرمان وباتمان والرجل الأخضر، أصبحت أصغر حجمًا وأكثر عضلات على مدى السنوات الخمسة والعشرين الماضية. ومنذ عام ١٩٨٠، زاد حجم الذراعَين والصدر، والرقبة، والساعدَين، والفخذين، وعضلتي الربلة في نماذج الشخصيات المذكورة أعلاه بين ٥٠٪ و٦٠٪ (باجورست وآخرون، ٢٠٠٧).

(ب) المجلات

تعرض المجلات التي تستهدف الفتيات المراهَقات الإناث بصورة أقرب إلى الكمال الجسدي؛ حيث تُزال جميع العيوب و«الأجزاء التي تُعاني من مشكلات» تقريبًا أو تُعدل إلى شكل مثالي (لابر ووالش-تشيلدرز، ٢٠٠٣). وطوال عقود، صوَّرت المجلات الجسم الأنثوي طويل القامة ونحيفًا، بطول ٥ أقدام و١٠ بوصات ووزن ٥٠ كيلو — وهو جسم شديد النحافة في الواقع، لدرجة أن النماذج المعروضة لديها متوسِّط مؤشِّر كتلة الجسم ١٥٫٨، وهو ما يُصنفها ضمن فئة من يعانون من نقص الوزن ويجعلها أنحف من ٩٨٪ من النساء الأمريكيات (ليفين وسمولاك، ١٩٩٦). إلا أنَّ صور الجسم الأنثوي قد تغيَّرت في السنوات القليلة الماضية؛ إذ وجد بيسنوف وديل بريور (٢٠٠٧) أنه على الرغم من أن تقديرات مؤشر كتلة الجسم في العارضات في مجلات مثل جلامور وسفينتين وواي إم (مؤشر كتلة الجسم ٢٠٫٧) أقلَّ من نظيرتها عند القارئ النموذجي (مؤشر كتلة الجسم = ٢٤٫٣)، فإنها لا تَزال ضمن المعدَّل الطبيعي للوزن.

بخلاف الصور، يُمكن لمقالات المجلات أن تنقل رسائل حول الجسم الأنثوي المثالي. فمثلًا وجد دافالوس وزملاؤه (دافالوس، ودافالوس ولايتون، ٢٠٠٧) أن ١٥٪ من عناوين المجلات التي قرأنها الفتيات (مثل «سفينتين» و«تين فوج») ركَّزَت على النظام الغذائي وصورة الجسم. ووجد بالنتين وأوجل (٢٠٠٥) أن المقالات في مجلة «سفينتين» تصف الجسم النموذجي (أي الجسم المثالي) بأنه مُتناسِق ورشيق ونحيف بعضلات ذراع وسيقان «من حديد». ويُوصَف الجسم النحيف بأنه «مُدار بشكل جيد»، ويَعكس فتاة تسيطر على حياتها. يتلقى القراء النصائح للتقليل من «المواضع الكريه»: وهي مناطق تخزين الدهون في جميع أنحاء الجسم (والتي من الطبيعي أن تَمتلِكها المراهقات). في الوقت نفسه الذي احتفَت فيه «سفينتَين» بصورة الجسد المثالي، كانت تُخبر القارئات بمقاومة فكرة «النحافة المثالية» وأن يكنَّ سعداء بما هنَّ عليه. وأحيانًا تقدم النسخ الإلكترونية من المجلات المخصصة لسن المراهقة الرسائل التالية: (أ) يمكن لجسم الفتاة أن «يخرج عن السيطرة» بسهولة. (ب) كل جزء من جسم الفتاة يجب يكون مثاليًّا. (ﺟ) الجمال يستلزم الكمال البدني. (د) الفتيات غير راضيات عن أنفسهن (لابر ووالش-تشيلدرز، ٢٠٠٣).

ولا يُعرف سوى القليل عن تمثيل أجسام الرجال في المجلات التي يقرؤها الأطفال والمُراهِقون. لكن بشكل عام، أصبحَت صور أجسام الذكور أصغر حجمًا وأكثر عضلات على مدى العقود الثلاثة الماضية؛ إذ تُعزِّز مجلات الرجال عضلات البطن والصدر المثالي وعضلات الذراع المُنتفخة والدهون المُنخفِضة باعتبارها دليلًا على الجسم المثالي. ونادرًا ما تظهَر أجسام صحية تُبدي نموًّا محدودًا من العضلات. فالرسالة الأساسية في مجلات الرجال هي أن امتلاك الهيئة الرشيقة مفتولة العضلات له أهمية قصوى. (لابر، ٢٠٠٥).

(ﺟ) ألعاب الفيديو

عادةً ما تُصور الإناث في ألعاب الفيديو بجسمٍ رشيق يتميَّز بكبر الثدي وصغر الخصر. وتُعدُّ لارا كروفت من سلسلة ألعاب نابش القبور وراين من سلسلة بلود راين أمثلة على هذه الهيئة. ووجد بيسلي وستاندلي (٢٠٠٢) أن ٧ من أصل ١٠ نساء في الألعاب المصنَّفة للأفراد بدءًا من سن السابعة عشرة وما يقرب من نصف النساء في الألعاب المصنَّفة باعتبارها مُناسبة للمراهقين (أي الألعاب الموصى بها للنشء بدءًا من سن الثالثة عشرة) كان لديها أثداء كبيرة بشكل غير واقعي. والمُثير للدهشة أن ما يقرب من ثلث الشخصيات النسائية في الألعاب المصنَّفة لجميع الأعمار (أي الألعاب الموصى بها للنشء بدءً من سن ٦ سنوات) وُصفت بأنها مثيرة. وكان الأقل في الظهور نوعًا ما هيئة الجسم الشديد النحافة، مثل شخصية كيسي لينش ذات الملابس القليلة في لعبة «جيتار هيرو ٣». في المقابل، كانت هيئة جسم الشخصيات الذكور أكثر اتساقًا مع الجسم الصحي. مع ذلك صور أكثر من ثلث شخصيات الذكور بهيئة جسم مُفرطة العضلات (منظمة الأطفال الآن، ٢٠٠١).

(د) التليفزيون والأفلام

ثمَّة دراسات قليلة عن تمثيل الجسم الأنثوي خلال البرامج التي يُشاهدها عادةً الأطفال والمُراهقون. وتوصلت الأبحاث المجراة على أفلام الكارتون من ١٩٣٠ إلى عقد التسعينيات إلى أن ٨٨٪ من شخصيات الرسوم المتحركة كانت ذات وزن طبيعي (كلين وشيفمان، ٢٠٠٥). مع ذلك، كشف تقييم للأفلام ذات الشعبية التي اشتراها الزوار على موقع أمازون خلال عام ٢٠٠٣ عن أن ٦٠٪ من الأفلام (الرسوم المتحركة والأفلام العادية) أوردت شخصيات نسائية رئيسية ذات أجسام نحيلة (هربوزو وآخرون، ٢٠٠٤). في المقابل، فإن ٣٣٪ فقط من الشخصيات النسائية الرئيسية في مسلسلات كوميديا المواقف المذاعة تليفزيونيًّا (مثل مسلسل «الأصدقاء» (فريندز) و«إصلاحات منزلية» (هوم إمبروفمنت)) التي تَحظى بشعبية بين النشء (الذين تتراوَح أعمارهم من ١٠ إلى ١٦ عامًا) أقل من المتوسِّط في الوزن (٦٠٪ كانت أوزانهم متوسطة؛ فوتس وبورجراف، ١٩٩٩). بالمقارنة، صُنف ٦٩٪ من الشخصيات النسائية على شاشة التليفزيون بأنها «نحيفة» في ١٩٨٦ (سيلفرشتاين، وبيردو، وبيترسون، وكيلي، ١٩٨٦). أما من الناحية التاريخية، عرضت الأفلام والبرامج التليفزيونية في وقت الذروة والمسلسلات الاجتماعية الشخصيات النسائية وهي أنحَف من الشخص المتوسط (تيجيمان وبيكيرينغ، ١٩٩٦). مع ذلك، فإن أحدث تحليل محتوى على البرامج التليفزيونية والأفلام التي يُشاهدها النشء أُجري منذ ما يقرب من عقد من الزمان. وكما أشارت دراسة فوتس وبورجراف (١٩٩٩) فقد زاد متوسِّط وزن الشخصيات التليفزيونية بين عامي ١٩٨٠ و١٩٩٠. فهل استمرَّ هذا الاتجاه في الألفية الجديدة؟ وحدها الأبحاث هي ما يُمكنها الإجابة.

في أفلام الأطفال ذات الشعبية، تَظهر شخصيات الذكور المصنفة بأنها جذابة عادة إما نحيفة و/أو مفتولة العضلات (هيربوزو وآخرون، ٢٠٠٤). لكن بخلاف هذه الدراسة المحدودة، لا يعرف سوى القليل عن تمثيل جسم الذكور على شاشة التليفزيون أو في الأفلام الموجَّهة إلى جمهور النشء. مع ذلك، ولأكثر من عقد ظل ثمة اتجاه ثابت ناحية ظهور المُمثلين الذكور في التليفزيون في الإعلانات أو في برامج وقت الذروة بجسم رشيق ومَفتول العضلات (جونتر، وأوتس، وبلاديز، ٢٠٠٥؛ ليفين وسمولاك، ١٩٩٦). مثل هؤلاء الرجال الذي تُشبه الأجزاء العليا من أجسادهم رقم ٧ لديهم أكتاف عريضة، وعضلات ذراع وصدر جيدة التكوين وخصر نحيف. وليس أدل على ذلك من الرياضيِّين المُحترِفين (مثل توم برادي) وفي المُصارعين المُحترفين غير الرياضيِّين (مثل تريبل إتش). في الواقع، فإن أجسام المُصارعين المُحترفين تتجاوَز حد الهيئة النحيفة المفتولة العضلات من خلال تمثيل الجسم المفرط الذكورة باعتباره الجسد المثالي. هذه الأجسام الشبيهة بجسم أدونيس تكون كبيرة ومفتولة العضلات وقوية، وهي بالمصادفة هيئة لا يُمكن سوى للقليل جدًّا من الذكور أن يحلموا بها.

وتجدر الإشارة إلى أن الأطفال والمراهقين معرضون أيضًا للنساء ذوات الوزن المنخفض والرجال ذوي العضلات الضخمة في إعلانات المجلات وإعلانات التليفزيون عن منتجات فقدان الوزن. ومما يُساعد على دفع هذا السوق الذي تبلغ قيمته السنوية ٤٠ مليار دولار (دولسون، ٢٠٠٣) المُمثلون النحفاء ذوي الأجسام المتناسقة، وكلٌّ منهم يُسعدهم أن يروجوا لفوائد فقدان الوزن الناتجة عن بدائل الوجبات (مثل وايت واتشرز)، والمكملات الغذائية (مثل هوديا ٨٥٠)، والكريمات (مثل بدي سكالب سيليوليت كريم)، والأحزمة (مثل راب يورسيلف سليم)، ومُعدات التمرينات (مثل ميلت أت أوف ويذ ميتش جيلورد). بصرف النظر عن المُنتَج الذي يجري الإعلان عنه، فإن الرسالة واحدة: «الجمال في النحافة». ولا يعرف الكثير حاليًّا عن تعرض الأطفال والمراهقين عمومًا لإعلانات فقدان الوزن هذه. لكن ما هو معروف هو أن الصور المثالية لأجسام الذكور والإناث في وسائل الإعلام تُؤثِّر فعلًا على صورة الجسم لدى النشء (جروز، وليفين، ومورنن، ٢٠٠١).

(٢-٢) الأبحاث حول صورة الجسم

طُرحت ثلاث نظريات لتفسير السبب في أن الصور المِثالية في وسائل الإعلام قد تؤدي إلى عدم رضًا عن الجسم لدى الأطفال والمُراهِقين: استيعاب مثالية الجسم النحيف أو العضلي، والمقارنة الاجتماعية، وقيمة الذات المشروطة. أولًا: لقد افترض أن مدى استيعاب الإناث إدراكيًّا لعقيدة المجتمع عن النحافة واستيعاب الذكور لمعايير الجسم العضَلي يؤدي إلى تزايد عدم الرضا عن الجسم في حالة عدم وفاء النشء بتلك المعايير؛ إذ يُعتقد أن وسائل الإعلام تُساعد على خلق وتعزيز «هيئة الجسم المثالية» التي يَستوعِبها النشء. ثانيًا: ينشغل الأطفال والمُراهقون بعمليات المقارنة الاجتماعية التي يقيمون فيها أجسامهم بتلك المعروضة في وسائل الإعلام. ويُصبح النشء العاجز عن التماشي مع مقاييس الأجسام النحيفة أو العضلية في وسائل الإعلام غير راضين عن أجسامهم. وأخيرًا: ترى نظرية قيمة الذات المشروطة أن المعايير الاجتماعية للمظهر تُشعر النشء بأن قيمتهم تتحدد حسب مظهرهم. وعليه فإن النشء غير القادر على الاتفاق مع معايير الجسم النحيفة أو العضلية تنتابهم مشاعر سيئة عن أنفسهم، وهو ما يؤدي بدوره إلى عدم الرضا عن الجسم والقلق من نظرة الآخرين لأجسامهم (ستراهان وآخرون، ٢٠٠٨).

(أ) الأبحاث خلال مرحلة الطفولة المبكرة

مع بلوغ الأطفال سن الثالثة، يكونون قد بدءوا بالفعل تلقِّي رسائل من والديهم بشأن الجسم المثالي؛ حيث تُؤكِّد الأمهات على النحافة للفتيات والكتلة العضلية للفِتيان. ولا يقتصر وعي العديد من الفِتيان والبنات في مرحلة ما قبل المدرسة على مظهر شَعرهم وملابسهم، بل يتعدى ذلك إلى مقاس أجسامهم كذلك. وعلى الرغم من هذه النتائج، فخلال مرحلة الطفولة المبكِّرة لا توجد أبحاث كثيرة عن تأثير وسائل الإعلام في الرضا عن الجسم، واستيعاب الصورة المثالية النحيفة، والدافع نحو اكتساب الجسم العضلي (مكابي وآخرون، ٢٠٠٧).

(ب) البحث خلال مرحلة الطفولة المتوسطة

  • وسائل الإعلام وصورة الجسم بين الفتيات: لقد تبيَّن وجود إشكالية في بيان أن التعرُّض لوسائل الإعلام يؤثر في صورة الجسم خلال سنوات المدرسة الابتدائية؛ إذ لم تجد أي دراسة أجريت في العقد الماضي أن مُشاهدة النساء النحيفات في التليفزيون أو في المجلات يُؤثِّر في المستويات الحالية لعدم الرضا عن الجسم بين الفتيات من سن ٥ إلى ١٢ سنة (على سبيل المثال، كلارك وتيجيمان، ٢٠٠٦؛ دوهنت وتيجيمان، ٢٠٠٦؛ هاريسون، ٢٠٠٠، وساندز وواردل، ٢٠٠٣). واللافت، أن دراسةً واحدة وجدت أن مشاهدة التليفزيون عند الفتيات قبل سن البلوغ تنبأت بشكل الجسم الذي ذكرت الفتيات أنهن يُرِدنه في المستقبل، بعد أن «يَكبُرن» (هاريسون وهيرنر، ٢٠٠٦). لسوء الحظ، قيَّمَت هذه الدراسة المقدار الإجمالي لاستخدام التليفزيون وليس تكرار مُشاهدة البرامج التي يَظهر فيها ممثِّلات نحيفات؛ ومن ثَم من الصعب معرفة ما إذا كانت رغبة الفتيات المُعلَنة في النحافة مستقبلًا تنبع حقًّا من رؤية النساء ذوات الوزن القليل على شاشة التليفزيون. أما فيما يخصُّ تأثير التعرض للتليفزيون والمجلات في استيعاب الصورة المثالية النَّحيفة خلال مرحلة الطفولة، فقد توصَّلت الأبحاث المحدودة إلى نتائج مُتفاوتة؛ فقد أجريت دراستان فقط، والنتيجة واحدة وهي أن مُشاهَدة التليفزيون ارتبطت باستيعاب الصورة المثالية النَّحيفة (كلارك وتيجيمان، ٢٠٠٦؛ هاريسون، ٢٠٠٠).

    هل تُؤثِّر دمية باربي المعدَّلة كثيرًا فعليًّا على صورة الجسم لدى الفتيات الصغيرات؟ الجواب هو بالإيجاب عن جدارة. ففي الدراسة التجريبية الوحيدة التي أُجريَت، بيَّن ديتمار وهاليويل (٢٠٠٦) أن نظرة الفتيات في سن ٥–٨ سنوات لدُمية باربي أو دمية إيمي (التي تتمتَّع بشكل أكثر واقعية؛ حيث إنها مُستوحاة من عارضة الأزياء الشَّهيرة والمحبوبة ذات الجسم المتوسط الجحم). فبعد رؤية صور باربي دون صور إيمي، أظهرت الفتيات بين سن ٥ و٧ سنوات مُستويات مُتزايدة من عدم الرضا عن الجسم الحالي ورغبة أكبر في أن يُصبحنَ أنحف وهنَّ بالغات. في المقابل، لم تتأثَّر صورة الجسم المثالي الحالي والمُستقبلي عند الفتيات البالغة من العمر ٨ سنوات بباربي. وخلافًا للتوقُّعات، أدَّى التعرُّض لصور إيمي بين الفتيات الأكبر سنًّا إلى رغبتهن في أن يصبحن نحيفات عندما يكبرن (أي أن المستويات الحالية من عدم الرضا عن الجسم لم تتأثَّر). أما الفتيات الأصغر سنًّا، فقد رأى ديتمار وزملاؤه أن التغيُّرات في صورة الجسم هي نتيجة للتعرُّض للمُؤثرات البيئية (مثل باربي)، بدلًا من استيعاب الصورة المثالية النحيفة. كذلك أشار المؤلِّفون إلى أن الفتيات ببلوغهنَّ سن الثامنة قد تكون لديهن مفهوم الجسم المثالي النحيف؛ لذا ربما أثارت دمية إيمي القلق بين الفتيات الأكبر سنًّا بخصوص مظهرهنَّ بعد البلوغ. بعبارة أخرى، ببلوغ ٨ سنوات من العمر، ترى الفتيات أنه من المقبول أن يكنَّ أثقل وزنًا (لكن دون أن يَكُن سمينات) خلال الطفولة أكثر من مرحلة البلوغ، ويتعاملن وفقًا لذلك مع الصور التي تتوافَق مع هذا الاعتقاد.

  • وسائل الإعلام وصورة الجسم بين الفتيان: فيما يتعلَّق بتأثير وسائل الإعلام على سعي الفتيان لامتلاك عضلات رشيقة خلال مرحلة الطفولة المتوسِّطة، لم يُجر سوى دراستَين اثنتين. وعجزت كلتاهما عن الربط بين التعرُّض المتكرر لمختلف مجلات الصحة واللياقة البدنية والأزياء والرياضة من ناحية وصورة جسم الفتيان من ناحية أخرى (هاريسون وبوند، ٢٠٠٧؛ مورنين، ورايت، وكالوزني، ٢٠٠٢). مع ذلك، وجدت هاريسون وبوند أن تكرار قراءة مجلات ألعاب الفيديو في بداية الدراسة ارتبط بتعاظُم الرغبة في زيادة كتلة العضلات وتحديدها بين الفتيان البِيض، ولكن ليس بين الفتيان ذوي الأصول الأفريقية، بعد عام واحد. وأشار الباحثان إلى أن الفِتيان هم الأكثر ميلًا لتقليد الشخصيات من نفس العرق، وبما أن معظم الشخصيات في ألعاب الفيديو بيضاء في المقام الأول، فإن الفِتيان الأمريكيِّين من أصل أفريقي لم يتأثَّروا بالصور المفرطة العضلات في مجلات الألعاب. مع ذلك، ونتيجةً لعدم تناول الباحثين للعوامل البيئية الإضافية التي ثبَت أنها تُؤثِّر على صورة الجسم (ساندز وواردل، ٢٠٠٢)، فمن المُمكن أن العلاقة المذكورة سببها شيء آخر غير التعرض لمجلات الألعاب. فمثلًا يَميل النشء الأبيض إلى النظر إلى أجسامهم بسلبية أكثر من النشء الأمريكي من أصول أفريقية (جونز، وفرايز، ودانيش، ٢٠٠٧). نتيجة لذلك، فإن الأطفال البِيض — أكثر من الأطفال ذوي الأصول الأفريقية — قد يُحاولون تجنُّب مشاعر عدم الارتياح المرتبطة بهذه التصوُّرات السلبية من خلال الهروب إلى فضاء الإعلام الذي يشمل قراءة مجلات ألعاب الفيديو.

(ﺟ) الأبحاث عن مرحلة المراهقة

  • وسائل الإعلام وصورة الجسم عند الفتيات: من مرحلة أوائل المراهقة وحتى أواخرها، أدَّى التعرض المعملي للنساء النحيفات في المجلات أو على شاشة التليفزيون إلى تعزيز صورة الجسم السلبية بين الفتيات (كلاي، وفيجنوليس، وديتمار، ٢٠٠٥؛ هارجريفز وتيجيمان، ٢٠٠٤). فمثلًا وجد بيل وزملاؤه (بيل، ولوتون، وديتمار، ٢٠٠٧) أن عدم الرضا عن الجسم خلال أواخر المراهقة زاد بعد مشاهدة فيديوهات الأغاني الخاصة بفرق غنائية مكونة من إناث نحيفات، مثل بوسيكات دولز وشوجاربيبس. وقبل أكثر من عقد، وثَّق شو (١٩٩٥) التأثير السلبي لصور عارضات الأزياء البالغات والمُراهقات الشديدات النحافة على مستوى عدم الرضا عن الجسم عند الفتيات في سن ١٤ عامًا. واللافت، أن عدم الرضا عن الجسم زاد بدرجة أكبر بعد مُشاهدة صور لعارضات الأزياء البالغات، مقارنة بالمُراهقات منهن. ربما يرجع السبب إلى أن المراهقات يَعتبِرن أن العارضات البالغات يَمتلِكن الجسم المثالي فيما بعد المراهقة وما بعد البلوغ (وقت تزيد فيه السمنة). وخلال مقارنة المراهقات بين جسمهن الحالي والجسم المثالي في المستقبل قد يَشعرن بالقلق بشأن إمكانية الوصول إلى هيئتهنَّ المثالية النهائية في مرحلة النُّضج. وعلى الرغم من أن مشاهدة العارضات من المُراهِقات النحيفات تؤثر سلبًا في الرضا عن الجسم الحالي، فقد تُدرك المراهقات أن أجسامهنَّ نفسها، التي هي في حالة تغيُّر حاليًّا، لم تصل بعد إلى شكلها النهائي، وهو ما يُقلِّل (ولا يستبعد تمامًا) تأثير رؤية عارضات من نفس العمر.

    تُشير نتائج الدراسات التجريبية إلى أن وسائل الإعلام يمكن أن تؤثِّر في نظرة المراهقين الحالية لأجسامهم، على الأقل في المدى القصير. غير أن المدة التي تَستغرِقها هذه الآثار لم تُحدد بعد. وفي محاولة لتقييم الأثر طويل الأجل للتعرض في وسائل الإعلام إلى صورة الجسم النحيفة المثالية، اعتمد الباحثون على دراسات ارتباطية تَضمن كثير منها على تصميمات طولية. مع ذلك، فإن نتائج هذه الدراسات، التي تُحاول ربط وتيرة مشاهدة التليفزيون في المنزل بصورة الجسم، كانت متضاربة؛ إذ توصَّلت الدراسات التي تربط إجمالي وقت المشاهَدة (بصرف النظر عن المحتوى) مع مُستويات الرضا عن الجسم إلى روابط غير مهمَّة عمومًا (مثل، بورزيكوسكي، توماس، وروبنسون، وكيلين، ٢٠٠٠؛ مكابي وريتشياردلي، ٢٠٠٣؛ تيجيمان، ٢٠٠٥). ليس هذا من المُستغرَب نظرًا لأن زيادة مشاهدة التليفزيون لا تُساوي بالضرورة زيادة مشاهدة أشكال الجسم المثالية. أما فيما يتعلق بصورة الجسم، فمن المهم جدًّا أن نعرف محتوى وسائل الإعلام المستخدمة ودافع المراهقين للاستخدام أكثر من مجرد معرفة كم الوقت المُستغرق أمام التليفزيون.

    ربما تُؤثر بعض أنواع برامج التليفزيون في صورة الجسم بدرجة أكبر من غيرها؛ إذ إن مشاهدة المسلسلات الدرامية الاجتماعية مثلًا ارتبطت طرديًّا بشكل متكرِّر مع الاتجاه للنحافة بين المراهَقات (مثلًا، تيجيمان، ٢٠٠٥؛ تيجيمان وبيكرينغ، ١٩٩٦). فطبيعة المسلسل وتطور الحبكة البطيء في المسلسلات تُتيح الوقت للمراهقين ليُكوِّنوا ارتباطات عاطفية مع الشخصيات على الشاشة. ولأن العديد من الفتيات المراهِقات يستخدمن التليفزيون ليعرفن عن الحياة، بما في ذلك الشكل الذي ينبغي للمرء أن يبدو عليه (تيجيمان)، فإن المواقف والمِحَن التي تمرُّ بها شخصيات هذه المسلسلات قد تُؤثر على صورة الجسم إلى حد أبعد من وسائل الإعلام الأخرى. علاوةً على ذلك، فإن كثافة مشاهدة المراهِقات للمسلسلات يمكن أن تؤدي إلى تكوُّن روابط شبه اجتماعية. وكما تذكرون من الفصل الأول، فإن العلاقات شبه الاجتماعية هي في علاقات اتجاه واحد يَشعر فيها باتصال عاطفي، بل حميمي مع شخصية في وسائل الإعلام. ومؤخَّرًا وجد مالتبي وزملاؤه (مالتبي، وجايلز، وباربر، ومككوتشون، ٢٠٠٥) أن الفتيات في المراهَقة المتوسِّطة اللاتي يَشعرن بانجذاب شديد تجاه المشاهير (ويحافظون على سرية علاقاتهم شبه الاجتماعية من الأصدقاء) يَمتلكن صورة للجسم أكثر سلبية من الفتيات اللاتي لا يَمتلكن علاقات خيالية.

    في المقابل، ثبت أن مشاهدة مقاطع الفيديو الموسيقية عامل غير ثابت للتنبؤ بصورة الجسم (بورزيكوسكي وآخرون، ٢٠٠٠؛ تيجيمان، ٢٠٠٥)؛ حيث وجدت دراسة واحدة فقط علاقة مهمَّة بينهما (تيجيمان وبيكيرينج، ١٩٩٦). وقد يعكس عدم وجود ارتباط بين مقاطع الفيديو الموسيقية وصورة الجسم حقيقة أن تقييمات إجمالي وقت المشاهدة تَعجز عن قياس معدَّل تعرض الفتيات لأجسام المثالية النحيفة في مقاطع الفيديو الموسيقية؛ فمُشاهدة المزيد من مقاطع الفيديو الموسيقية لا يُساوي بالضرورة مشاهَدة المزيد من الصور المثالية النحيفة.

    كما تَذكرون، يستند التأثير السلبي للتليفزيون على صورة الجسم إلى فكرة أن النشء يتعرَّضون للجسم المثالي النحيف على موجات التليفزيون. مع ذلك، فإن البرامج التي يَغلب عليها مُمثِّليها الأمريكيون من أصول أفريقية (مثل «بيرني ماك شو» و«الصديقات» (جيرلفريندز)) تَميل إلى تقديم نطاق من أنواع جسم الأنثى أوسع من العروض التي تَغلِب عليها الشخصيات البيضاء (تيرودكار وجين، ٢٠٠٣). وقد أظهرت الأبحاث التي أجريَت على النساء في سن الدراسة الجماعية اثنين من النتائج المهمة بشأن صورة الجسم: (أ) تُؤثر الشخصيات التليفزيونية من نفس العرق في الإناث البيض والأمريكيات من أصول أفريقية أكثر من الشخصيات من أعراق مختلفة. و(ب) مشاهدة الشخصيات التليفزيونية من نفس العرق يُسفِر عن نتائج عكسية لدى كلٍّ من البيض والأمريكيين من أصول أفريقية. فمُشاهدة الشخصيات البيضاء في التليفزيون عند النساء البيض ارتبط بصورة سلبية للجسم. في المقابل، فإن مشاهدة الأمريكيات من أصول أفريقية لبرامج فيها شخصيات أمريكية من أصول أفريقية ارتبط بصورة صحية للجسم (سكولر، ووارد، وميريويذر، وكاروثرز، ٢٠٠٤). وهناك حاجة إلى إجراء مزيد من الأبحاث لمعرفة ما إذا كانت نفس النتائج تَحدُث للأطفال والمراهقين. فالصورة قد تكون أكثر تعقيدًا عند المراهقين ذوي العرق اللاتيني. ففي حين أن تكرار مشاهدة البرامج التي تعرض النساء غير البيضاء (مع أنواع مختلفة من الجسم) ارتبط بزيادة الرضا عن الجسم على مدى فترة سنتين، إلا أن مشاهدة البرامج التليفزيونية الأشهُر، ومعظمها يعرض شخصيات من البيض (بأنواع جسم نحيفة بالدرجة الأولى)، ارتبطَت بتدهور صورة الجسم مع مرور الوقت (سكولر، ٢٠٠٨). هذه النتائج مجتمعة تُشير إلى أن صورة الجسم تتأثَّر بالعوامل الذاتية للفرد (كالعرق، وأسباب استخدام وسائل الإعلام) وبخصائص وسائل الإعلام المستهلَكة (كالعرق والمظهر المادي للشخصيات التي تظهر في وسائل الإعلام).

  • وسائل الإعلام وصورة الجسم بين الفتيان: لا يتَّضح مدى تأثير صور الأجسام الرشيقة العضلية على صورة الجسم بين المُراهقين؛ إذ إنَّ نتائج كل من الدراسات الارتباطية والتجريبية مختلطة؛ إذ وجد فاركوهار وواسيلكيو مثلًا (٢٠٠٧) أن صور العارضين من الذكور ذوي العضلات في مجلة سبروتز إلستراتيد أثرت سلبًا في نظرة الفِتيان من الصف السادس وحتى الصف التاسع إلى أجسادهم. علاوةً على ذلك، وجدت تيجيمان (٢٠٠٥) أن مشاهدة المسلسلات الدرامية الاجتماعية وأشرطة الفيديو والموسيقى تُنبئ بالميل نحو امتلاك العضلات عند الفِتيان في سن ١٤ عامًا. إلا أن الإعلانات التليفزيونية التي تورد صورة مثالية للعضلات لم تُؤثِّر على مستوى الرضا عن الجسم (هارجريفز وتيجيمان، ٢٠٠٤). ووجدت دراسة أخرى أن استخدام المراهقين الذكور للمنتجات المكبِّرة للعضلات لم يكن له علاقة بمقدار استخدام وسائل الإعلام (فيلد وآخرون، ٢٠٠٥).

    كذلك تناول الباحثون الأهمية المحسوسة لوسائل الإعلام فيما يتعلق بصورة الجسم عند المراهقين. من المنطقي أن المراهقين الذين يُولون وسائل الإعلام مزيدًا من الأهمية لديهم دافع أكبر لامتلاك العضلات من النشء الذين لا يُولونها تلك الأهمية؛ وقد دعَّمت الأبحاث الأخيرة هذا الرأي (سمولاك وستاين، ٢٠٠٦). مع ذلك، عجز التأثير المحسوس لوسائل الإعلام عن التنبؤ بالرضا عن الجسم أو الرضا عن حجم العضلات بين المُراهقين من ١٢ إلى ١٤ سنة من العمر (ستانفورد ومكابي، ٢٠٠٥). وفي ضوء هذه البيانات، لا يُمكن الخروج باستنتاج شامل بشأن تأثير وسائل الإعلام على صورة الجسم بين الفِتيان المراهقين.

(٣) الجسم المثالي النحيف في وسائل الإعلام واضطرابات الأكل بين الإناث

كما بينَّا سابقًا، يمكن لتمثيل الجسم المثالي النحيف في وسائل الإعلام أن يؤثر سلبًا على صورة الجسم بين المراهقات. ولأن عدم الرضا عن الجسم ثبَت دومًا أنه يكون عامل خطر كبير يُسبب اضطرابات الأكل (هينز ونيومارك زتينر، ٢٠٠٦)، فقد طرح الباحثون السؤال التالي: هل يُمكن لنهم المراهقين الذي يكاد لا يشبع تجاه وسائل الإعلام أن يؤثر في حدوث اضطرابات الأكل كفقدان الشهية العصبي والشره المرضي العصبي؟ يُعرف فقدان الشهية العصبي بتجويع الذات وفقدان الوزن الملحوظ. ومن بين تقنيات الحفاظ على مستويات مُنخفِضة للغاية من الدهون في الجسم ممارسة التمارين الإجبارية واستخدام المسهِّلات ومدرات البول والحُقن الشرجية. أما الشَّرَه المرضي العصبي فيتميَّز بتكرار التناول النَّهِم للطعام، ثم التخلُّص منه من خلال التقيُّؤ المتعمَّد والمسهلات وغيرها. والسمة المشتركة لكلا النوعَين من اضطرابات الأكل هو وجود صورة مشوَّهة للجسم. تُعدُّ اضطرابات الأكل نادرة نسبيًّا؛ حيث تحدث في أقل من ٥٪ من المراهقين، وتتطلَّب تقييمًا مطولًا على يد طاقم طبي من أجل التشخيص الرسمي. لهذا، ركز الباحثون في مجال آثار وسائل الإعلام على الفئة الأوسع من أعراض اضطرابات الأكل، والتي تَشمل السلوكيات التي تتَّفق مع تصنيف اضطراب الأكل (مثل التطهير واستخدام المسهلات وغيرها) ولكنها ليست تشخيصًا لاضطراب معيَّن (لابينسكي، ٢٠٠٦).

وقد أظهر العديد من الدراسات أن زيادة التعرُّض لصورة الجسم النحيفة المثالية في المجلات مُرتبطة بزيادة أعراض اضطراب الأكل عند المراهِقات (نيومارك زتينر وآخرون، ٢٠٠٧؛ فوغن وفوتس، ٢٠٠٣). وبخلاف الصور المعروضة في المجلات، تُطالع الكثيرات المجلات للحصول على معلومات «مفيدة» حول كيفية فقدان الوزن. وكلما فعلن، زاد احتمال ممارستهن لسلوكيات غير صحية للسيطرة على الوزن، مثل تناول أقراص الحمية الغذائية، واستخدام المسهلات، وتحفيز القيء (فان دن بيرج، ونيومارك زتينر، وهانان وهينز، ٢٠٠٧). وتشير الأبحاث الأخيرة إلى أنه برغم أن مشاهدة التليفزيون بشكل عام لا ترتبط مع اضطراب الأكل في المراهقات (نيومارك زتينر وآخرون)، فإن التعرض لبرامج التليفزيون التي تعرض صورة الجسم النحيفة المثالية ترتبط بهذه العادات (هاريسون، ٢٠٠١). مرة أخرى، تُوضح هذه الدراسات أهمية أن نعرف ما يُشاهده النشء بالتحديد وليس مجرد تسجيل مقدار مشاهدة التليفزيون.

كذلك أظهرت دراسات إضافية أن المراهقات اللاتي يُردن أن يُشبهن المشاهير أو اللاتي ذكرن شعورهنَّ بأن وسائل الإعلام تضغط عليهنَّ ليكُنَّ نحيفات يَمِلن إلى ممارسة التمارين بمعدَّل أكبر (تافيراس وآخرون، ٢٠٠٤)، وهنَّ أكثر قلقًا بخصوص وزنهن (فيلد وآخرون، ٢٠٠١)، وينخرطن في سلوكيات غير صحية للتحكُّم في الوزن أكثر ممن سواهن من النشء (بيترسون، وبولسون، وويليامز، ٢٠٠٧). ورغم أن اضطرابات الأكل لا تُشخَّص عادةً قبل المراهقة، فقد تم ربط التعرض لوسائل الإعلام بأعراض اضطراب الأكل في النشء قبل المراهقة (هاريسون وهيفنر، ٢٠٠٦). وتتَّفق هذه البيانات مع النتيجة التي مفادها أن اضطرابات الأكل لا تظهر فجأة بلا سبب خلال فترة المراهقة؛ بل قد تكون هناك علامات منبئة حاضرة قبل سن البلوغ (هينس ونيومارك زيتنر، ٢٠٠٦).

ويبرز السؤال بخصوص أيهما يأتي أولًا: هل تَتسبب صورة الجسم النحيف المثالية بوسائل الإعلام في اختلال تناول الطعام بين النشء؟ أم أن أولئك الذين يعانون من اختلال تناول الطعام يبحثون عن صورة الجسم النحيف المثالية في وسائل الإعلام من أجل تعزيز الأنماط المرضية الراسخة بالفعل من سلوكيات الأكل والسيطرة على الوزن؟ في الواقع، كلا الأثرين حاضر، يبحث النشء المضطرب الأكل عن صورة الجسم النحيف المثالية في وسائل الإعلام في حين يتأثَّر في الوقت نفسه بصورة الجسم النحيف المثالية في وسائل الإعلام التي تُستهلَك. في المقابل، تنشأ حلقة من الاستجابة المُرتدَّة (دوامة من التدهور)؛ حيث تعزز وسائل الإعلام صورة الجسم النحيف المثالية وتَعظم أعراض اختلال تناول الطعام، واضطراب الأكل يزيد الاهتمام بصورة الجسم النحيف المثالية في وسائل الإعلام. ويدعم انتشار أكثر من ٥٠٠ موقع تروج لاضطرابات الأكل على شبكة الإنترنت هذا الرأي (ويلسون، وبيبلز، وهاردي، ٢٠٠٦).

عادةً ما تُصنف المواقع المعززة لاضطرابات الأكل إلى نوعين؛ النحافية التي تعزز فقدان الشهية العصبي؛ والنهامية التي تعزز نمط الحياة النهمة العصبية. فهذه المواقع بدلًا من أن تنظر إلى اضطرابات الأكل باعتبارها مرضًا، فهي تشجع اضطرابات الأكل وممارسات التحكم بالوزن باعتبارها خيارات مقبولة لنمط الحياة؛ إذ تقدم هذه المواقع للمستخدمين من خلال لوحات الرسائل والمدونات نصائح لفقدان الوزن (كالصيام وشرب الكثير من الماء)، وطرق تجنب أن يَكتشف العاملون في مجال الرعاية الصحية والأهل هذه المُمارسات (على سبيل المثال: تدرب ليلًا عندما لا يُمكن لأحد أن يراك)، و«عبارات داعمة» («كن قويًّا وستكون أفضل من أي شخص آخر»؛ لابينسكي، ٢٠٠٦، ص٢٥٠). في الواقع، فإن ٩ من أصل ١٠ من المواقع المعززة لاضطرابات الأكل لديها محتوًى تحفيزي، يُسمى أكثرها استفزازيةً ﺑ «إلهام النحافة» الذي يعرض صورًا لنساء شديدات النحافة. وتشمل صور إلهام النحافة صورًا كاشفة لضلوع الممثلات والعارضات، مثل أنجلينا جولي وماري كيت أولسن وكيت موس وميشا بارتون، فضلًا عن صور أعضاء مجتمع المواقع المُعزِّزة لاضطرابات الأكل على الإنترنت (هاربر، وسبيري، وتومبسون، ٢٠٠٨؛ ويلسون وآخرون، ٢٠٠٦). ولا توجد حاليًّا بيانات عن عدد المراهقات اللاتي يتصفَّحن المواقع المعزِّزة لاضطرابات الأكل. مع ذلك، كشفت دراسة حديثة للمراهقات اللاتي تم تشخيص إصابتهن فعليًّا باضطراب الأكل عن أن هؤلاء الفتيات تعلَّمن من خلال زيارة المواقع الإلكترونية المعززة لاضطرابات الأكل أساليب جديدة للحفاظ على وزنهن غير الصحي (ويلسون وآخرون، ٢٠٠٦). من الواضح أن مثل هذه المواقع يمكن أن تسهم في دوامة التدهور المرتبطة باضطرابات الأكل.

(٤) رشاقة العضلات وشذوذ بنية العضلات بين الذكور

على الرغم من أن الارتباط بين مُشاهدة الصور المشابهة للإله الإغريقي أدونيس في وسائل الإعلام والدافع نحو امتلاك العضلات بين الذكور المراهقين ضعيف، فمن المُمكن أن تتمتع هذه الصور بتأثير قوي بشكل خاص بين النشء المعرَّضين لخطر شذوذ بِنْية العضلات. ويُعد شذوذ بنية العضلات اضطرابًا نفسيًّا يتميز بالانشغال بامتلاك كتلة عضلية والسعي إليه. وتشير الأبحاث الأخيرة حول أعراض شذوذ بنية العضلات إلى وجود نموذج من التدهور قد يؤثر في دافع المراهقين نحو امتلاك العضلات بنفس الطريقة التي يؤثر بها في دافع المراهقات نحو النحافة. فالمراهقون الذين يدركون أن الإعلام يؤثر في رغبتهم في بناء العضلات هم أكثر عرضة لاستخدام المكملات الغذائية من المراهقين الذين لا يمتلكون هذا التصور، كما أنهم أكثر عرضة للإصابة بأعراض شذوذ بنية العضلات. علاوة على ذلك، فإن قراءة مجلات الصحة واللياقة البدنية أو مجلات الموضة للرجال تم ربطها هي الأخرى باستخدام منتجات زيادة القوة (كافري، وفان دن بيرغ، وتومبسون، ٢٠٠٦؛ فيلد وآخرون، ٢٠٠٥). فمع وجود واحد بين كل ٢٥ مراهق يستخدم حبوب الحمية و١٠٪ من المراهقين يسجلون استخدام عقارات تكبير العضلات مرة واحدة أو أكثر في حياتهم (كافري وآخرون، ٢٠٠٦؛ تشاو وآخرون، ٢٠٠٨)، يمثل البحث عن عوامل الخطر المرتبطة بشذوذ بنية العضلات والدور المحدد لوسائل الإعلام في نشوئها، أمر بالغ الأهمية.

(٥) نقاط مهمة من منظور النمو

على الرغم من القلق حول إمكانية تأثير استخدام وسائل الإعلام على حجم الخصر عبر النشأة، فليس ثمة أدلة كثيرة على أن استخدام وسائل الإعلام يحل محل السلوك النشط بدنيًّا. وكذلك لا يضمن تناول الطعام أمام التليفزيون أن يستهلك النشء كميات وفيرة من السعرات الحرارية في الوقت ذاته. مع ذلك، يبدو أن تناول الطعام يزيد بعد استخدام وسائل الإعلام. ومن الممكن أن الإشارات الغذائية في الإعلانات تحفز الإفراط في تناول الطعام بعد المشاهدة؛ إذ تشير الأبحاث الأخيرة إلى أن الرغبة الشديدة في تناول الطعام يمكن في الواقع أن تُثار من خلال التعرض للإشارات الغذائية (سوبيك، وهتشيسون، كريجهيد، ٢٠٠٥). ولا يُستغرب أن الإعلانات التليفزيونية ذات الصلة بالأغذية (أو إعلانات المجلات وغيرها) بكل ما فيها من صور حية، توفر إشارات قوية للطعام. فيبدو أن الإعلانات التليفزيونية تؤدي إلى الرغبة الشديدة، التي تحفز بدورها تناول الطعام، الذي يمكن أن يُؤدي هو الآخر إلى الإفراط في تناول الطعام عند أولئك الذين لا يمتلكون سيطرة كبيرة على نزواتهم (نيدركورن، وبريت، وفان إيجس، وتانجي، ويانسن، ٢٠٠٦). وينبغي على الأبحاث المستقبلية تحديد ما إذا كانت زيادة استهلاك الأطعمة المرصودة في المختبر تمتد إلى المنزل. إن كان هذا صحيحًا، فإن الأطفال الذين يتمتعون بسبيل غير محدود للحصول على الأطعمة الفقيرة غذائيًّا هم أكثر عرضة لخطر السمنة نتيجة للمشاهدة المتكررة لإعلانات الأطعمة. كذلك على الأبحاث المستقبلية أن تحدد كم من الوقت تستمر الرغبة في تناول الطعام بعد عرض إعلانات الأطعمة عبر النشأة. فتلك المعلومات سوف تساعد في تطوير التدخلات اللازمة لمساعد النشء على كبح الرغبة في الإفراط في الطعام بعد التعرض للإعلانات. يبدو إذن أن قرار المملكة المتحدة بمنع الإعلانات الموجهة للنشء كان قرارًا حكيمًا. لكن، كما تكشف النتائج التي استعرضناها سابقًا، لا تزال الإعلانات الموجهة للآباء تُبث ومن ثم تستمر في التأثير على عادات تناول الطعام لدى الأطفال.

بصرف النظر عن مدى تأثير وسائل الإعلام في السمنة، ثمة شيء مؤكد: الأطفال والمراهقون البدينون يعانون من وصم شديد. بجانب ذلك، قد يسهم الوالدان والمعلمون والأقران ووسائل الإعلام في ظهور التحيزات القائمة على الوزن. فمثلًا، تصور أفلام الرسوم المتحركة الشخصيات الثقيلة الوزن بطريقة متسقة مع الوصم بالسمنة. فهل مثل هذه التمثيلات شائعة في جميع وسائل الإعلام المخصصة للأطفال؟ لا يزال هذا السؤال دون إجابة؛ إذ لم تتناول أي دراسة توصيف الوزن في البرامج التليفزيونية الواقعية أو ألعاب الفيديو أو المجلات التي تستهدف النشء. كذلك لم يُدرس ذلك الموضوع من منظور دراسات النمو؛ فعلى سبيل المثال، هل تُوصم الشخصيات زائدة الوزن في سن المراهقة أكثر من نظيرتها من شخصيات الأطفال؟ مع ذلك، فإن استخدام وسائل الإعلام لا يبدو أنه يؤثر على مدى تبنِّي النشء لمواقف تتسق مع الوصم بالسمنة.

إن النظريات التي تفسر عدم الرضا عن الجسم بين النشء (استيعاب صورة الجسم المثالي النحيف أو العضلي، والمقارنة الاجتماعية، وقيمة الذات) لا تستبعد إحداها الأخرى، بل قد يكون لكل منها دور عبر النشأة. فاستيعاب المعايير المجتمعية يحدث قبل بلوغ الأطفال سن ٣ سنوات. وتبدأ عملية المقارنة الاجتماعية بشكل جدي خلال سنوات الدراسة الابتدائية. فببلوغ الأطفال السنة الأولى، يصبح المظهر البدني عنصرًا فعليًّا من تقدير الذات. ويبلغ تقدير الذات قمته خلال سنوات ما قبل المدرسة، ثم ينخفض تدريجيًّا خلال مرحلة الطفولة. وخلال مرحلة المراهقة، يستمر تقدير الذات في الانخفاض (وخاصة بين الفتيات) ويصبح أكثر تمايزًا، حيث تزداد أهمية صورة الجسم بالنسبة إلى تقدير الذات عند النشء (روبينز وترزيسنيوسكي، ٢٠٠٥). هذه البيانات إجمالًا تشير إلى أن صورة الجسم يمكن أن تتأثر بوسائل الإعلام في أي سن؛ إلا أن المراهقة يبدو أنها أكبر المراحل قابلية للتأثر.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤