الفصل التاسع

الإعلام وإضفاء الطابع الجنسي على النشء والاندماج الاجتماعي الجنسي لدى النشء

في أواخر السبعينيات، تصدرت بروك شيلدز عناوين الصحف عندما لعبت دور عاهرة في فيلم «صغيرة حلوة» (بريتي بايبي) وكانت تبلغ من العمر وقتها ١٢ عامًا. ومع بلوغها الخامسة عشرة، قالت جملتها الشهيرة في إعلانات بنطلونات جينيز كلفن كلاين: «أترغب في معرفة ما يفصلني عن بنطلون كلفن كلاين الذي أرتديه؟ لا شيء.» وبعد مرور ما يقرب من ٣٠ عام، أُثيرت ضجة مماثلة حول صور غير محتشمة لنجمة قناة ديزني والنجمة الموسيقية الشهيرة مايلي سايرس (تظهرها بينما تلف ملاءة سرير حول جذعها العاري كاشفة عن ظهرها) ظهرت في مجلة فانتي فير. ولا يقتصر التصوير الجنسي للمراهقين على الفتيات، بل كثيرًا ما يصور الفتيان كذلك على نحو جنسي. على سبيل المثال في فيلم «فطيرة أمريكية»، يحاول طلاب المرحلة النهائية من الثانوية على مدار الفيلم كله التخلص من عذريتهم. وعلى نحو مماثل تُصوِّر المجلات التي تتمحور حول المراهقين، مثل سفينتين، الفتية المراهقين كما لو كانوا مهوسين جنسيًّا. وتلك مجرد أمثلة قليلة على الحالات التي تضفي فيها وسائل الإعلام الطابع الجنسي على صورة المراهقين، بل قد لا يتجاوز المراهقين في بعض تلك الحالات سن البلوغ.

(١) إضفاء الطابع الجنسي والاندماج الاجتماعي الجنسي

لقد سببت تلك التجسيدات المشحونة جنسيًّا للمراهقين قلقًا عامًّا كبيرًا نظرًا لاحتمالية تأثيرها على مفهومين مستقلين لكنهما مرتبطان وهما: إضفاء الطابع الجنسي والاندماج الاجتماعي الجنسي. يحدث إضفاء الطابع الجنسي عندما يتحقق وضع من أوضاع الأربعة التالية: (أ) قيمة الذات تتحدد حسب السلوك أو المظهر الجنسي للفرد، (ب) قيمة الفرد تُقاس وفقًا لمعيار يساوي الجاذبية الجسدية بالجاذبية الجنسية، (ﺟ) تحول الفرد إلى «شيء» يستخدمه الآخرون لأغراض جنسية بدلًا من اعتباره كائنًا ذا حس، (د) فرض الجنسانية على الفرد على نحو غير ملائم. تلعب مرحلة النمو دورًا ذا أهمية خاصة فيما يتعلق بالوضع الرابع، إذ إن الجنسانية تُفرض على الأطفال قبل سن المراهقة في جميع أنحاء العالم تقريبًا ولا يُسمح لهم باختيارها. وأخيرًا يحدث إضفاء الطابع الجنسي عبر تسلسل متصل، حيث يوجد التقييم الجنسي في البداية (كنظرات الشهوانية على سبيل المثال) والاستغلال الجنسي في النهاية (مثل الاعتداء الجنسي). وفي حين يُعتبر الاستكشاف الجنسي المحفَّز ذاتيًّا والتعرُّض في السن المناسب إلى معلومات عن الممارسات الجنسية عنصرين دالين على الجنسانية السليمة، فإن إضفاء الطابع الجنسي يعرض كلًّا من الصحة العقلية والجسدية للنشء للخطر. على سبيل المثال المراهقات اللاتي يُفرض عليهن طابع جنسي تتزايد نسبة تعرضهن للاكتئاب واضطرابات تناول الطعام وانخفاض تقدير الذات والأمراض المنقولة جنسيًّا (CDC.gov، ٢٠٠٨).

وعلى العكس من إضفاء الطابع الجنسي، الذي يركز في المقام الرئيسي على عدم ملاءمة عرض النشء ككائنات جنسية، فإن المفهوم الأعم للاندماج الاجتماعي الجنسي يشير إلى العملية التي يكتسب الأطفال والمراهقون في أثنائها المعرفة والمواقف والقيم المرتبطة بالجنسانية. ويدخل في نطاق هذا المفهوم المعلومات البيولوجية عن الجنس والتناسل، وتعريفات الأنواع المختلفة من الأفعال الجنسية (مثل الاستمناء والجنس الفموي والجنس المهبلي)، والمواقف المتعلقة بملاءمة الأنشطة الجنسية المتنوعة في الأعمار المختلفة وفي المراحل المختلفة من العلاقة (على سبيل المثال ما إذا كان الطرفان تقابلا حديثًا أم تجمعهما علاقة حب أم متزوجان؛ وارد، ٢٠٠٣). والعناصر الفاعلة في الاندماج الاجتماعي الجنسي هم الآباء والأشقاء والأقران والسياق الديني وأخصائيُّ الرعاية الصحية والمدرسة (ويَعلم المراهقون على وجه التحديد من يريدون التعلم منه عن الجنس).

عند طرح سؤال عن المصدر المفضل لتلقي المعلومات الجنسية من بين الخيارات الواردة بالأعلى كان الوالدان هما الخيار المفضل لدى المراهقين من الصف ٩ حتى الصف ١٢، تلا الوالدين الأقران والمدرسة (سومرز وسورمان، ٢٠٠٤). مع ذلك عند السؤال عن المصدر الذي تلقوا منه القدر الأكبر من المعلومات، تتصدر وسائل الإعلام والأقران ويتراجع الوالدان إلى ذيل القائمة. وقد وُجدت نتائج مماثلة لدى النشء في مرحلة المراهقة المبكرة (أليكسندر وجورجينسن، ١٩٨٣). وعلاوة على ذلك تختلف الرسائل المقدَّمة إلى النشء من الإعلام والأقران عن تلك المقدمة من الوالدين. يميل الوالدان إلى نقل رسائل تفيد بأن ممارسة الجنس خطوة تحمل مخاطرة ينبغي تأجيلها وتجنبها. وخلافًا لذلك، يميل الأقران ووسائل الإعلام إلى توصيف الجنس كعمل إيجابي، ممتع، طبيعي، وعفوي (إبستاين ووارد، ٢٠٠٨). كذلك تعتمد الكثير من أشكال الإعلام على أهمية مراعاة ممارسات الجنس الآمن (براون وستراسبرجر، ٢٠٠٧).

تثير البيانات الحديثة إلى أن الرسائل المقدَّمة من الأقران والإعلام تفرض تأثيرًا أكبر على السلوك الجنسي لدى كثير من المراهقين مقارنة بالرسائل التي ينقلها الوالدان. وحسب استقصاء أجرته مراكز مكافحة الأمراض عام ٢٠٠٥، ٣٤٪ من طلاب الصف التاسع، و٤٣٪ من طلاب الصف العاشر، و٥١٪ من طلاب الصف الحادي عشر، و٦٣٪ من طلاب الصف الثاني عشر ذكروا أنهم مارسوا الجنس على الأقل مرة واحدة في حياتهم. ومع تخرجهم من المدرسة الثانوية، ذكر ما يزيد عن ٥٠٪ من المراهقين أنهم مارسوا الجنس الفموي، وزعم ١٤٪ أنهم مارسوا الجنس مع أربعة شركاء أو أكثر (مراكز مكافحة الأمراض، ٢٠٠٦). وفي عام ٢٠٠٦، ظهرت ٢٢ حالة حمل من بين كل ألف مراهقة تتراوح أعمارهن بين ١٥ و١٧ عامًا، وشُخصت نسبة ٢٦٪ من إجمالي المراهقات بأمراض منقولة جنسيًّا. يبدو واضحًا تمامًا أن عددًا كبيرًا من المراهقين يتجاهلون تحذيرات الآباء عن ممارسة الجنس قبل الزواج إلى جانب الرسائل الإعلامية التي تؤكد على الجنس الآمن، مع ارتفاع معدلات الحمل والولادة والأمراض المنقولة جنسيًّا والإجهاض بين المراهقات في الولايات المتحدة مقارنة بباقي المعدلات في معظم الدول المتقدمة (مثل كندا وإنجلترا وفرنسا وإيرلندا وهولندا والسويد واليابان، مراكز مكافحة الأمراض، ٢٠٠٨).

إذن إلى أي مدًى يؤثر ما يمارسه الإعلام من إضفاء للطابع الجنسي على النشء وتعريضه للمحتوى الجنسي على الاندماج الاجتماعي الجنسي للنشء؟ إذا سألت المراهقين مباشرة، فنادرًا ما تجدهم يذكرون الإعلام كمؤثر على مستواهم الحالي من النشاط الجنسي. بل تأتي الحميمية والمتعة والمكانة الاجتماعية على قائمة الأسباب التي تدفع المراهقين إلى ممارسة الجنس أو السلوكيات الجنسية التي لا تتضمن جماعًا. على سبيل المثال، في تقييم لطلاب الصف التاسع، تصدرت المتعة (٣٥٪) وتحسين العلاقات (٣٠٪) والشعبية والسمعة (٢٥٪) قائمة المبررات الدافعة لممارسة الجنس الفموي. وخلافًا لذلك، ذُكر الإعلام كمبرر لهذا السلوك في أقل من ٢٪ من الوقت (كورنيل وهالبيرن-فيلشيريت، ٢٠٠٦؛ أوت وميلستاين وأوفنتير وهالبيرن-فيلشيريت، ٢٠٠٦). في حين وجدت دراسة أخرى أن ٦٪ فحسب من المراهقين شعروا بأن المحتوى الجنسي التليفزيوني أثر على سلوكهم الجنسي «إلى حدٍّ كبير». لدواعي الاهتمام، شعر ٣٢٪ من المراهقين أن السلوكيات الجنسية على شاشة التليفزيون تفرض تأثيرًا قويًّا على أنشطة أقرانهم الجنسية (مؤسسة عائلة كايزر، ١٩٩٨). لكن اعتقاد المراهقين أن المحتوي الجنسي الإعلامي له تأثير في غاية الانخفاض على قرارتهم الجنسية لا يعني أن المحتوى الإعلامي الجنسي ليس له تأثير. لمعالجة هذه القضية من جميع جوانبها، علينا أولًا تناول مدى تكرار المحتوى المرتبط بالجنس وطبيعته في الإعلام. يلي ذلك تقييم تأثير التعرض للمحتوى الجنسي على المواقف والتوقعات والسلوكيات الجنسية لدى النشء.

(٢) الإعلام الجنسي

يعج الإعلام بالمحتوى الجنسي. مجلات مثل بلاي بوي وبلاي جيرل تُصوِّر النساء والرجال في شتى مراحل التعري، بينما تعرض مجلات أخرى أفعالًا جنسية (مثل كلوب كونفيدنشال). وعلى شاشة التليفزيون تُتاح مشاهد الإباحية الفاضحة جدًّا والإباحية الأقل درجة على قنوات الأفلام مدفوعة الاشتراك أو التي تتبنى نظام الدفع مقابل المشاهدة. أما كلمات الأغاني فتصف أفعالًا جنسية بطرق خفية وإن لم تكن خفية تمامًا، وعلى الإنترنت آلاف الصور الجنسية ومواقع الإباحية متاحة على بعد ضغطة زر. وبدلًا من استعراض مدى تفشي جميع أنواع الإعلام الجنسي، سأتناول في الأقسام التالية قدر ونوع المادة الجنسية التي تزداد احتمالية تعرُّض الأطفال والمراهقين لها.

(٢-١) المحتوى الجنسي الذي يلاحظه الأطفال والمراهقون

(أ) الإعلانات

تخيل رجلًا وامرأة، كلاهما جذاب، في عناق مشبوب بالعاطفة وأعينهما مغلقة وشفاههما قيد أنملة من التلاقي. أزرار كم القميص الطويل الذي يرتديه الرجل مغلقة تمامًا بينما أزرار القميص الذي ترتديه المرأة معظمها مفكوك على نحو يكاد يكشف عن صدرها كاملًا. أهذا إعلان في مجلة عن الضعف الجنسي؟ لا، إطلاقًا، بل إعلان عن ملابس من علامة جيس التجارية. لقد وُثِّق، طوال ١٢٠ عامًا، الاستخدام الناجح للصور والإيحاءات الجنسية (كالجاذبية الجنسية) في الإعلان عن منتجات ليس لها علاقة مباشرة بالأنشطة الجنسية. على سبيل المثال، في أوائل العقد الثاني من القرن العشرين، زادت مبيعات صابون الوجه من علامة وودبيري التجارية عقب حملة إعلانية استخدمت صورًا لأزواج متحابين. قد تتخذ الجاذبية الجنسية في الإعلانات العديد من الأشكال، بما فيها عرض الجسد (مثل العري الجزئي أو ملامح الجسد المحدَّدة)، والسلوك الجنسي (كالاستعراض السلوكي غير الفاضح لكنه استفزازي)، والإشارات الجنسية (مثل الأماكن أو الموسيقى و/أو الإضاءة) والغرس الجنسي أو الرمزية الجنسية (مثل مفتاح يولج في قفل؛ ريكيرت، ٢٠٠٣).

حسب الأبحاث الحديثة، قليلًا ما يظهر المحتوى الجنسي أثناء الإعلانات التليفزيونية التي تُذاع في وقت الذروة؛ إذ يقتصر وجوده على إعلان من بين كل ٨٠ إعلانًا (١٫٢٪). ونادرًا ما تتضمن الإعلانات الحديثة أي سلوك جنسي صريح، عوضًا عن ذلك يقتصر المحتوى الجنسي على الملابس الكاشفة والتلميحات (هيستروني، ٢٠٠٧أ). وقبل عقد، ليس إلا، كان ٢١٪ من الإعلانات التليفزيونية تضم محتوًى جنسيًّا (ريكيرت، ٢٠٠٣). يرجع البعض هذا الانخفاض إلى الخوف من دفع غرامات لهيئة الاتصالات الفيدرالية عقابًا على عرض محتوًى فاحش (هيستروني، ٢٠٠٧ب). عندما يحدث التَّشْيِيءُ الجنسي بالفعل في الإعلانات، فإنه يتضمن عادة عارضات. على سبيل المثال وجد فوليرتون وكيندريك (٢٠٠١) أن ١٢٪ من النساء و٢٪ من الرجال كانوا يرتدون ملابس استفزازية أثناء إعلانات وقت الذروة التليفزيونية.

أما الإعلانات المطبوعة فيبدو أنها لا تعبأ كثيرًا بالغرامات الحكومية، إذ تتسم بطابع من الخلاعة يفوق كثيرًا ما نجده في إعلانات التليفزيون وبمستويات أعلى من العري وتصوير الانجذاب الجنسي. ففي أكثر من نصف الحالات التي يُصور فيها الرجال والنساء معًا في إعلان مجلة يكون الاتصال بينهم موحيًا جنسيًّا (ريكيرت ولامبيو ومورجان وكارستارفين وزافوانا، ١٩٩٩). مع ذلك عندما تظهر النساء وحدهن تتزايد احتمالية تعرضهن إلى التشييء الجنسي مقارنة بالرجال. وقد وجد ريكيرت وزملاؤه (١٩٩٩) أن احتمالية ارتداء الملابس الكاشفة لدى النساء تبلغ ضِعفها لدى الرجال في إعلانات المجلات. ومؤخرًا كشفت دراسة تناولت ما يقارب ألفَيْ إعلان في ٥٨ مجلة مشهورة أن ٥٢٪ من الإعلانات قدمت النساء كأغراض للمتعة الجنسية. رغم ذلك أشارت تحليلات إضافية إلى تنوع مدى التشييء الجنسي في الإعلانات حسب نوع المجلة، إذ وجدت أن ٦ من كل ١٠ إعلانات تشييء النساء تظهر في مجلات تستهدف جمهورًا من المراهقين. وبوجه عام كان معدل تشييء النساء في الإعلانات المنشورة بالمجلات الموجهة للرجال (مثل ماكسيم وإي إس بي إن) هو الأعلى، تليها المجلات الموجهة للمراهقات (مثل كوزمو جيرل وتين بيبول)، ثم المجلات النسائية (مثل سيلف وفوج)، والمجلات الترفيهية (مثل ناشونال إنكوايرار وإينترتينمينت ويكيلي) وأخيرًا المجلات الإخبارية والاقتصادية (تايم ونيوزويك؛ ستانكيفيتش وروسيلي، ٢٠٠٨) انظر شكل ٩-١.

(ب) المجلات

fig8
شكل ٩-١: التشييء الجنسي في إعلانات المجلات.

عند جمع متوسطات هذه البيانات، سنجد أن المجلات التي تحظى بشعبية لدى المراهقين (مثل تين بيبول وتين ستايل) تحتوي على القليل نسبيًّا من المواد الجنسية. على سبيل المثال، وجد باردن وزملاؤه (٢٠٠٥) محتوًى مرتبطًا بالجنسانية في ٨٪ فحسب من المجلات التي يقرؤها المراهقون في مرحلتَي المراهقة الأولى والمتوسطة. رغم ذلك، مثلما يتنوع المحتوى الجنسي في الإعلانات حسب نوع المجلة، كذلك يتنوع قدر ونوع المادة الجنسية الموجودة في المجلات الموجهة للشباب. ففي مجلات الموضة والمجلات النسائية من المعتاد مقابلة عنوانين مثل «ما يجب فعله وما يجب تجنبه للوصول إلى النشوة الجنسية» و«جسدك: ما يثير الرجل به». في الواقع كان الجنس والعلاقات العاطفية من أكثر الموضوعات التي تناولتها المجلات التي تقرؤها المراهقات والنساء، وقد وجدت إحدى الدراسات أن ٢١٪ من العناوين ركزت على قضايا الجنسانية (دافالوس ودافالوس ولايتون، ٢٠٠٧).

عادة ما تنقل الصور والمقالات وعناوين الغلاف في تلك المجلات رسالة واحدة بسيطة: السبيل الرئيسي لجذب الجنس الآخر هو أن تبدو مثيرًا وتتمتع بالجاذبية الجنسية. رغم ذلك، ترسل المجلات في بعض الأحيان رسائل متضاربة، إذ تميل إلى تصوير الطبيعة الجنسية للرجال والنساء على نحو يقتضي معايير جنسية مزدوجة؛ حيث تتحكم النساء في نشاطهن الجنسي ويقيدنه ويُعاقَبن عليه، بينما يُشجع الرجال على نشاطهم الجنسي ويتجاوز المجتمع عنه. إضافة لذلك، في الوقت الذي تصف المجلات الرجال عادةً بامتلاك نهم جنسي لا يُشبع تقريبًا، نجدها تصف السلوك الجنسي للنساء بالحذر والحصافة والمسئولية (وارد، ٢٠٠٣). من الجدير بالملاحظة أن المناقشة الصريحة للموضوعات الجنسية لا تقتصر على المجلات التي تستهدف جمهورًا من البالغين، إذ تناقش مجلات المراهقين كذلك في كثير من الأحيان موضوعات تتعلق بالجنسانية. وقد وجدت إحدى الدراسات أن ٥٢٪ من المقالات في مجلة سفينتين ركزت على السلوك الجنسي والصحة (كاربنتر، ١٩٩٨).

من البديهي أن كثيرًا من المراهقين يقرءون مجلات موجهه لفئات عمرية أكبر بمراحل. على سبيل المثال لدي صديق دائمًا ما يستخدم عند زيارة جدَّيْه حمام الغرفة الرئيسية؛ لأنه مخبأ المجلات الإباحية. وتجربة صديقي ليست غريبة؛ فمع بلوغ المراهقين الذكور والمراهقات عمر ١٥ عامًا تكون غالبيتهم (٩٢٪ من الذكور) و(٨٤٪ من الإناث) قد تعرضت إلى العري والمحتوى الجنسي في المجلات المخصصة للكبار. وقد وجدت دراسة أخرى أن تعرض المراهقين الأول للمجلات الإباحية وقع في فترة المراهقة المبكرة قبل ٥ سنوات من السن القانوني لابتياع هذه المجلات.

(ﺟ) الموسيقى وفيديوهات الأغاني

في سياق وسائل الإعلام التقليدية الأخرى التي تحظى بشعبية لدى النشء، تأتي الأغاني وفيديوهات الأغاني التي تتضمن القدر الأكبر من المحتوى الجنسي. على سبيل المثال، وجد باردن وزملاؤه مؤخرًا (٢٠٠٥) أن ٤٠٪ من كلمات الأغاني التي يستمع إليها المراهقون تتضمن إشارات مباشرة وغير مباشرة على حدٍّ سواء إلى الجنسانية. وعلى العكس من ذلك تنخفض تلك النسبة كثيرًا في الأفلام والتليفزيون والمجلات (إذ تبلغ ١٢٪ و١١٪ و٨٪، بالترتيب). كذلك أصبح المحتوى الجنسي المرتبط بالموسيقى أكثر انتشارًا في فيديوهات الأغاني. وتشير أبحاث المحتوى التي أُجريت على مدار عقود متعددة أن فيما بين ٤٤٪ و٨١٪ من فيديوهات الأغاني تُصوِّر ملابس كاشفة واستعدادًا لممارسة الجنس وإشارات إلى سلوك جنسي وتلميحات جنسية (زربريجين وآخرون، ٢٠٠٧). كما شهدنا من قبل، من المرجح إلى حد بعيد أن يتركز التشييء الجنسي في فيديوهات الأغاني (التي تتضمن ملابس كاشفة ورقصًا مثيرًا جنسيًّا وما شبه ذلك) على شخصيات نسائية لا ذكورية. على سبيل المثال، وجد سيدمان (١٩٩٢) أن النساء كن يرتدين ملابس استفزازية في ٣٧٪ من الفيديوهات الموسيقية، بينما لم يرتدِ سوى ٤٪ من الذكور ملابس مشابه. يقدم الجدول ٩-١ قائمة تضم أحدث وأنجح الأغاني التي تتناول المرأة من منظور جنسي.
جدول ٩-١: بعض الأغاني الحديثة التي تتناول النساء من منظور جنسي، والتي حققت نجاحًا ساحقًا وتصدرت قوائم بيلبورد لأنجح الأغاني.
• أغنية «إلمس جسدي» (تتش ماي بدي) لماريا كاري (٢٠٠٨)
• أغنية «الحب في هذا النادي» (لف إن ذيس كلوب) لأشر (٢٠٠٨)
• أغنية «مصاصة» (لوليبوب) لليل واين (٢٠٠٨)
• أغنية «أنتِ تذهلينني» (رايت روند) لفلو ريدا (٢٠٠٩)
• أغنية «افتح زجاجة الخمر» (كراك أيه بوتيل) لإمينيم ودكتور دري وفيفتي سينت (٢٠٠٩)

(د) التليفزيون

إن ساعة من وقت الذروة التليفزيوني تحتوي على ٤ نماذج من الحديث الجنسي (نكات، تلميحات، تَوْرِيات)، لكنها تتضمن أقل من نموذج واحد للتلامس أو التقبيل أو تلميح بممارسة الجنس. بعبارة أخرى، لكل ٥٠ ساعة من البرامج التليفزيونية المُشاهدة، سيرى المشاهدون فعلًا يوحي ضمنًا بسلوك جنسي صريح مرة واحدة فحسب. في الواقع، معدل تكرار المحتوى الجنسي في أثناء وقت الذروة يمر بمرحلة انخفاض منذ أن بلغ ذروته في أواخر السبعينيات (هيستروني، ٢٠٠٧ب). من جديد أدت المخاوف من دفع غرامات لهيئة الاتصالات الفيدرالية إلى حدوث هذا الانخفاض. رغم ذلك، عندما تُؤخذ في الاعتبار شعبية البرامج بين المراهقين، تزيد نسبة المحتوى الجنسي؛ إذ وجد باردن وزملاؤه (٢٠٠٥) أن ١١٪ من إجمالي المحتوى التليفزيوني الذي يشاهده المراهقون ذو طبيعة جنسية. وعلى نحو مشابه، بَيَّنَ كونكيل وزملاؤه (٢٠٠٥) أن ٧٠٪ من أكثر ٢٠ برنامجًا شعبية لدى المراهقين تعرض على الأقل حالة واحدة من المحتوى الجنسي، وهو معدل يصل في المتوسط إلى سبع مشاهد تقريبًا كل ساعة. من بين تلك المشاهد يتضمن اثنان على الأقل نوعًا من السلوك الجنسي (مثل التلامس أو التقبيل). لا يقتصر المحتوى الجنسي على وقت الذروة أو على العروض التي لا تحتوي على رسوم متحركة؛ إذ وجد فيشر وزملاؤه (٢٠٠٤) أن في عينة تشمل ١٢١ من عروض الرسوم المتحركة احتوت ٢٦٪ من الحلقات على محتوًى جنسي و٢١٪ على تفاعلات جنسية خفيفة (مثل المغازلة أو التقبيل أو اللمس)، رغم ذلك لا توجد نماذج على سلوك جنسي صريح. علاوة على ذلك تُصوِّر أفلام الرسوم المتحركة اليوم (مثل «حورية البحر الصغيرة» (ليتل ميرمايد) و«بوكاهنتس») بطلات ترتدي لباسًا ضيقًا وتظهر مساحة أكبر من صدرها مقارنة بأفلام الرسوم المتحركة في الماضي (مثل «بيضاء الثلج» (سنو وايت) و«سندريلا»، زربريجين وآخرون، ٢٠٠٧).

(ﻫ) الأفلام

رغم أن المراهقين هم أكثر فئة عمرية تشاهد الأفلام، فلا يُعرف الكثير عن المحتوى الجنسي للأفلام التي يشاهدونها. وقد وجد أحدث تقييم، وهو الذي تناول الجنسانية المجسدة في أعلى ٥٠ فيلمًا تحقيقًا للأرباح عام ١٩٩٦، أن ٥٧٪ من الأفلام التي تحمل تصنيف «مقيَّد» تحتوي على مشهد جنسي واحد على الأقل. في حين صور ثلث الأفلام التي يُنصح بتوجيه الوالدين أثناء المشاهدة وثلث الأفلام التي تحمل تصنيف غير مناسب لأقل من ١٣ مشاهد جنسية. وغابت المشاهد الجنسية عن الأفلام المصنفة للجمهور العام (بوفكين وإيشهولز، ٢٠٠٠). كذلك وجدت دراسات أخرى أن الإناث بلغت احتمالية ظهورهن في مشاهد عارية في الأفلام التي تحمل تصنيف «مقيَّد» أربعة أضعاف احتمالية الرجال (زربريجين وآخرون، ٢٠٠٧). وعلى الرغم من أن الأفلام التي تحمل تصنيف «مقيَّد» لا يسمح بمشاهدتها سوى من تخطوا ١٧ عامًا، فإن المراهقين من أعمار أصغر لا يجدون صعوبة كبيرة في مشاهدتها. في دراسة حديثة صدرت ضمن تقرير لجنة التجارة الفيدرالية (٢٠٠٤)، وُجد أن ٢٥٪ ممن بلغوا ١٣ عامًا و٢٩٪ ممن بلغوا ١٤ عامًا و٣٥٪ ممن بلغوا ١٥ عامًا و٦٢٪ ممن بلغوا ١٦ عامًا كان في وسعهم شراء تذاكر عروض أفلام تحمل تصنيف «مقيَّد» دون موافقة آبائهم. وكان شراء أسطوانات دي في دي لتلك الأفلام أكثر سهولة بالنسبة لهؤلاء المراهقين، إذ تمكن ٧٩٪ ممن بلغوا ١٣ عامًا، و٨٢٪ ممن بلغوا ١٤ عامًا، و٧٩٪ ممن بلغوا ١٥ عامًا و٩٢٪ ممن بلغوا ١٦ عامًا من ابتياع أسطوانة دي في دي لفيلم يحمل تصنيف «مقيَّد» دون وجود أحد الأبوين أو الأوصياء عليهم. يبدو إذن أن عند توفر الإرادة لا يوجد مستحيل.

(و) ألعاب الفيديو

على العكس من ألعاب الفيديو المخصصة للأطفال، تقدم ألعاب الفيديو المخصصة للمراهقين والكبار (التي تحمل تصنيف مناسب للمراهقين أو غير مناسب لأقل من ١٧ عامًا) الكثير من الشخصيات النسائية المصورة من منظور جنسي. على سبيل المثال في سلسلة ألعاب جراند سيفت أوتو، تُصوَّر النساء، لا سيما المنتميات إلى أقليات عرقية، كعاهرات (ديل وجينتايل وريتشر وديل، ٢٠٠٥). ترتدي تلك النساء على الأرجح ملابس كاشفة للغاية، تُظهر الذراعين والبطن والقدمين وأجزاءً من الصدر. نجد مثلًا أن ٥٠٪ تقريبًا من الشخصيات النسائية المقيمة ترتدي إما قطعة ملابس فوقية تكشف عن الصدر أو الذراعين والبطن أو زيًّا للسباحة (بيزلي وستاندلي، ٢٠٠٢). وقد وجدت دراسة أخرى منفصلة أن ٢٠٪ من الشخصيات النسائية المبالغ في تصويرهن جنسيًّا كشفن عن منطقة الخصر، في حين كشفت نسبة ٧ إلى ٨٪ عن صدرهن كاملًا و/أو مؤخرتهن (ألعاب تحمل تصنيفَ غير مناسب لأقل من ١٧ عامًا). أما الشخصيات النسائية الافتراضية في الألعاب المصنفة لجميع الأعمار، فعلى الرغم من كونها تحمل طابعًا جنسيًّا أقل فإن ٣٧٪ منهن يرتدين ملابس كاشفة أو كن عاريات جزئيًّا. على الجانب الآخر تميل الشخصيات الذكورية إلى ارتداء ملابس كاشفة بمعدل يبلغ نصف معدل الشخصيات النسائية. وفي كثير من الأحيان، يكون إظهار الرجال لأجسادهم بغرض عرض عضلاتهم المبالغ في حجمها (منظمة الأطفال الآن، ٢٠٠١). وعلى نحو مماثل، لوحظت موضوعات جنسية (مثل العري الجزئي، والحوار الجنسي، والسلوك الجنسي) في عدد كبير من الألعاب التي تحمل تصنيف مناسب للمراهقين وغير مناسب لأقل من ١٧ عامًا (٢٧٪ و٣٦٪ على الترتيب، هانينجير وطومسون، ٢٠٠٤: طومسون وتيبشين وهانينجير، ٢٠٠٦).

(ز) الإنترنت

جميع الأدلة تشير إلى أن المقولة التي وردت في مسرحية «الجادة كيو» (كيو أفينيو) الموسيقية كانت على حق: إن الإنترنت بالفعل قد خُلِقَ لأجل الإباحية؛ إذ توجد مواقع مخصصة لنجوم الأفلام الإباحية وأفلامهم، ومحركات البحث مبرمجة خاصة لتتبع المواد الإباحية، توجد كذلك برامج تقدم خدمة تحميل الأفلام الإباحية مجانًا بالإضافة إلى مدونات ومدونات للهاتف المحمول خاصة بتحميل الأفلام الإباحية المصورة في المنزل، بما فيها الصور الملتقطة بواسطة الهواتف المحمولة. علاوة على ذلك توجد مواقع مخصصة لعرض الفن الشهواني، والقصص والصور الشهوانية، ومقاطع الفيديو الجنسية التي تتضمن الرجال والنساء أو الشخصيات الكارتونية. توجد أيضًا مواقع مخصصة للأغراض التي تثير ولعًا جنسيًّا لدى البعض، سواء كانت حيوانات أو نباتات أو معادن. فضلًا عن المواقع التي تتيح للمرء خلق شخصية افتراضية له وزيارة حانة افتراضية على الإنترنت حيث يستطيع التعرف على شخص آخر ثم الانتقال إلى غرفة محادثة افتراضية والاندماج في علاقة جنسية عبر كاميرا فيديو. كل المواقع السابقة الذكر قانونية، ما دام المشاركون في الأعمال الإباحية ومشاهدوها قد تخطوا الثامنية عشرة عامًا. وعلى الرغم من أن دخول معظم المواقع الإباحية يتطلب «وثيقة لإثبات العمر» فإن المواقع المجانية لا تطلب من زائريها سوى الإقرار بأنهم تعدوا ١٨ عامًا، دون أي توثيق لصدق زعمهم.

يتعرض النشء للمحتوى الإباحي على الإنترنت مصادفةً وعمدًا على حدٍّ سواء؛ فقد وجدت إحدى الدراسات الحديثة أن ٤٢٪ من مستخدمي الإنترنت من المراهقين تعرضوا لمحتوًى جنسي فاضح في خلال العام الماضي، ومن بينهم ذَكر ٦٦٪ أن مشاهدتهم للمحتوى الإباحي كانت مصادفةً. يحدث التعرض غير المرغوب فيه للإباحية في كثير من الأحيان عقب استخدام محرك البحث ثم الضغط على وصلات المواقع الناتجة أو عبر الإعلانات المنبثقة. وعبر النشأة تتزايد المشاهدة العمدية للإباحية على الإنترنت مع التقدم في العمر، لكنها تختلف حسب النوع؛ إذ ذكرت نسبة ١٪ من الفتيان الذين تتراوح أعمارهم من ١٠ إلى ١١ عامًا، و١١٪ ممن تتراوح أعمارهم من ١٢ إلى ١٣ عامًا، و٢٦٪ ممن تتراوح أعمارهم من ١٤ إلى ١٥، و٣٨٪ ممن تتراوح أعمارهم من ١٦ إلى ١٧ عامًا أنهم بحثوا عمدًا عن محتوًى جنسي فاضح على الإنترنت ولاقوا نجاحًا في البحث. أما نسب الفتيات فكانت أكثر انخفاضًا بمراحل، فلم تزر سوى ٢٪ إلى ٥٪ من الفتيات المواقع الإباحية عمدًا، ومع بلوغهن سن ١٦ إلى ١٧ سنة، ذكر ٨٪ فحسب منهن أنهن سعين لإيجاد محتوًى إباحي على الإنترنت (ولاك ميتشيل وفينكلهور، ٢٠٠٧). رغم ذلك، ربما تقلل تلك البيانات من حجم التعرض الفعلي للمحتوى الإباحي الجنسي على الإنترنت، إذ تشير دراسات أخرى إلى أن ٧٠٪ تقريبًا من المراهقين في المرحلة المتأخرة قد تعرضوا للأفلام الإباحية على الإنترنت (بيتر وفالكنبيرج، ٢٠٠٧؛ زربريجين وآخرون، ٢٠٠٧).

(٢-٢) إضفاء الطابع الجنسي على النشء في الإعلام

(أ) الأطفال

على الرغم من أن التناول الجنسي للنساء والرجال البالغين أمر ذائع في الإعلام، فإن التناول الجنسي للأطفال والمراهقين يحدث بمعدل أقل بكثير. على سبيل المثال، على مدار أربعين عامًا وُجد أن ٣٨ إعلانًا فحسب (أي ١٫٥٪) من إعلانات المجلات ذات الشعبية قد تعتبر أنها تصور الأطفال تصويرًا جنسيًّا يركز على الفتيات في ٨٥٪ من تلك الحالات (أودونوهو وجولد ومككاي، ١٩٩٧). ونادرًا ما نرى أطفالًا قبل سن المراهقة يُعرضن من منظور جنسي على شاشة التليفزيون، باستثناء الأعمال الدرامية التي تتناول الاستغلال الجنسي. في تلك النماذج لا تظهر الأفعال الجنسية أبدًا على أنها ممتعة والعواقب دائمًا تكون بالغة الخطورة.

(ب) المراهقون

أما فيما يخص المراهقين، فقد وجد كونكيل وزملاؤه (٢٠٠٥) أن أثناء وقت الذروة، لم تتضمن سوى ٣٪ من المشاهد التليفزيونية علاقة جنسية بين مراهقين. رغم ذلك، قبل بضعة سنوات كانت ٣٢٪ من المسلسلات تعرض محتوًى جنسيًّا يصور مراهقين يتحدثون عن الجنس أو يشاركون في ممارسة جنسية (كونكيل وآخرون، ٢٠٠٣). وفي عينة من البرامج التليفزيونية التي تضم شخصيات تتراوح أعمارهم بين ١٢ إلى ٢٢، وجدت أوبري (٢٠٠٤) أن ٩١٪ من الحلقات تتضمن على الأقل إشارة جنسية واحدة على الأقل، بمتوسط ثمان إشارات جنسية لكل ساعة من تلك البرامج؛ لذا قد يختلف حضور أو غياب المراهقين المعروضين من منظور جنسي من عام لآخر ومن برنامج لآخر.

من المهم ملاحظة أن معظم النشاط الجنسي المعروض تليفزيونيًّا يبدو بلا عواقب، لا إيجابية أو سلبية؛ إذ وجدت أوبري أن العواقب العاطفية (مثل الخزي أو الذنب؛ ٢٤٪) والجسدية السلبية (مثل الأمراض المنقولة جنسيًّا أو الحمل؛ ٥٫٥٪) لم تحدث عادةً عقب نشاط المراهقين الجنسي، ونادرًا ما تلا ذلك النشاط عواقب إيجابية (مثل زيادة في تقدير الذات والفخر) (٤٪). تتفق تلك البيانات مع نتائج دراسات أخرى وجدت أن «مخاطر ومسئوليات» النشاط الجنسي نُوقشت بنسبة ٥٪ فحسب (كونكيل وآخرون، ٢٠٠٣). وضحت دراسة أوبري (٢٠٠٤) كذلك وجود معايير جنسية مزدوجة لكل من المراهقين والمراهقات. على سبيل المثال، تزداد احتمالية وقوع العواقب السلبية في المشاهد التي تبدأ فيها الفتيات النشاط الجنسي، مقارنة بالفتية المراهقين.

وعلى العكس من الإعلام التليفزيوني، يشيع التناول الجنسي للنشء في الإعلام المطبوع بدرجة أكبر. على سبيل المثال تقول مجلة سفينتين للمراهقات إن عليهن تقديم أنفسهن على نحو خانع ومغرٍ وجذاب شكليًّا كي يجذبوا الفتيان. وحتى نصائح تحسين الذات التي تعطيها للقارئات تتمحور جميعها حول جذب انتباه الفتيان. ومن أحدث العناوين التي ظهرت على غلاف المجلة «مظهر مثير حقًّا» و«احصلي على شفاه لا تقاوم». من الناحية الأخرى، يُصوَّر الفتية المراهقون إما أحباء غير ملائمين أو أفرادًا مهووسين جنسيًّا. كذلك تميل المجلات المتمحورة حول المراهقين إلى التركيز على المتعة الجنسية أكثر من الصحة الجنسية (هست وبراون ولانجيل، ٢٠٠٨). وقد وجدت إحدى الدراسات التي تناولت محتوى مجلة سفينتين أن ٣٪ من المقالات تعرضت للأمراض المنقولة و٢٪ ناقشت قضية حمل المراهقات. من الجدير بالملاحظة أن المقالات التي تتناول الجنسانية والنصائح الصحية في مجلة سفينتين تقدم حديثًا مفصلًا عن الجنس. فمن عام ١٩٨٢ حتى عام ٢٠٠١، تعاملت ٢٥٪ من النصائح المقدمة في المجلة حول الجنس مع قضية العذرية، لا سيما مناقشة الأفعال الجنسية التي تؤدي فعليًّا إلى فقدان العذرية (مثل الإدخال الجزئي للقضيب وإدخال الإصبع والجنس الفموي) (جارنير وستيرك وآدامز، ١٩٩٨؛ ميدلي-راث، ٢٠٠٧). يمكن إيجاد محتوًى مشابه على موقع المجلة على الإنترنت (www.seventeen.com)، الذي يحتوي على قسم كامل مخصص «للصحة والجنس واللياقة». وتطرح أسئلة تتعلق بالجنس من فتيات من كافة الأعمار، وتُنشر أعمارهن بجانب السؤال (هل ممارسة الجنس أثناء الدورة الشهرية آمن وطبيعي؟ كاثلين، ١٥ عامًا).

اقتحمت بريتني سبيرز الساحة الغنائية ولم تبلغ من العمر سوى ١٧ عامًا بأغنية «امنحني يا حبيبي فرصة أخرى» التي تصدرت القوائم الغنائية. جسَّد فيديو الأغنية سبيرز في زي يشبه بطلة رواية نابوكوف «لوليتا»، إذ ترتدي زيًّا مدرسيًّا وتصفف شعرها في ضفائر وهي ترقص في أرجاء المدرسة مرتدية تنورة قصيرة وعارضة خصرها العاري. وعلى الرغم من أن نسبة الفيديوهات التي تعرض المراهقات من منظور جنسي لا تزال مجهولة، فإن الفيديو يعبر عن ظاهرة تُعرف باسم «أسلوب البيدوفيليا (الولع الجنسي بالأطفال)» الذي يتضمن مراهقات كبارًا وشابات يرتدين ملابس الفتيات الصغيرات (كلبورن، ١٩٩٩؛ زربريجين وآخرون، ٢٠٠٧). على سبيل المثال، في أثناء عرض أزياء تابع لعلامة فيكتوريا سيكريت التجارية عرضه التليفزيون عام ٢٠٠٥، تضمنت إحدى فقرات العرض عارضات أزياء جذابات جنسيًّا يَسِرنَ على مدرج العرض المحاط بألعاب وهن يرتدين أزياء قصيرة كاشفة تشبه ما يرتديه الأطفال ويمسكن بدمًى على شكل حيوانات.

وعلى الإنترنت لا يكتفي النشء بملاحظة التناول الجنسي لهم فحسب (كما يحدث في الإعلام التقليدي)، بل مع الأسف تتيح لهم الشبكة فرصة خوض التجربة مباشرة؛ إذ وجدت دراسة حديثة أن ١٣٪ من مستخدمي الإنترنت الذين تتراوح أعمارهم من ١٠ إلى ١٧ يذكرون تعرضهم لإغواء جنسي (مثل طلب معلومات شخصية جنسية منهم) خلال العام الماضي. إضافة لذلك، تعرض ٤٪ من هؤلاء النشء إلى إغواء جنسي عدواني (كمحاولة التواصل معهم بعيدًا عن الإنترنت). وصدرت معظم هذه الإغواءات من معارف على الإنترنت لا يعرفهم النشء شخصيًّا (٨٦٪)، و٦١٪ صدرت من أشخاص يصفون أنفسهم بأنهم مراهقون كذلك (رغم أن سنهم الحقيقي غير معروف؛ ولاك وآخرون، ٢٠٠٧). ويُجدر ملاحظة أن معدل الإغواء الجنسي ارتفع لدى النشء الذين واظبوا على نشر معلومات شخصية على الإنترنت أو تواصلوا مع الآخرين عبر المحادثة أو الرسائل القصيرة أو مواقع التواصل الاجتماعي. على سبيل المثال، وجد ميتشل وزملاؤه (٢٠٠٨) أنه فيما يتعلق بالمراهقين المدونين أو الذين تواصلوا شخصيًّا مع آخرين على الإنترنت خلال العام الماضي، تعرض ٨٥٪ منهم إلى إغواء جنسي، وتعرض ما يقارب ربعهم إلى إغواء جنسي عدواني. وبصرف النظر عمن بدء المحادثة، يذكر ٣٤٪ من المراهقين أنهم يتحدثون عن الجنس.

(٣) تأثيرات مشاهدة الإعلام الجنسي على المراهقين

لقد ركزت الأبحاث التي تناولت تأثير الإعلام الجنسي على النشء على ثلاث نتائج رئيسية تتعلق بالجنسانية: المواقف والتوقعات والسلوك. تشير المواقف الجنسية إلى درجة اعتقاد المراهقين أن الجنس نشاط ترفيهي يخلو من المخاطرة وغير ذي قيمة كبيرة. أما الأفكار التي تتعلق بالواقع الاجتماعي للجنس (مثل تحديد الممارسات الطبيعية والشائعة) فتشكل الصفات والتوقعات الجنسية. وأخيرًا يشير السلوك الجنسي إلى أنواع الأنشطة الجنسية التي ينخرط النشء فيها. وسوف نتناول كل نتيجة على حدة. من الجدير بالملاحظة، لأسباب أخلاقية، عدم وجود دراسات تجريبية تتضمن تقييمًا لعناصر جنسانية المراهقين عقب تعرضهم لمواد جنسية صريحة. وللأسباب نفسها لا توجد دراسات (من أي نوع) تتضمن تأثيرات الإعلام الجنسي على النشء في الطفولة المبكرة أو المتوسطة.

(٣-١) المواقف حيال الجنس

على الرغم من أن معدل وطبيعة المحتوى الجنسي في الإعلام لطالما كان موضوعًا للأبحاث على مدار مجموعة عقود، فإن مجموعة أقل بكثير من الدراسات تناولت تأثير الإعلام الجنسي على مواقف المراهقين فيما يتعلق بالجنسانية. رغم ذلك تشير الدراسات التي أُجريت إلى أن الإعلام الجنسي الصريح يؤثر في الحقيقة على المواقف الجنسية. على سبيل المثال، يذكر المراهقون الذي شاهدوا أفلامًا تحمل تصنيف إكس (أي تتضمن محتوًى فائقًا من الجنس أو العنف) نفورًا أكبر من استخدام العازل الذكري، مقارنة بباقي النشء (وينجود وآخرون، ٢٠٠١). ووجدت دراسة أخرى أن مشاهدة برامج تليفزيونية ذات توجهات جنسية عبر النشأة ارتبط بتساهل أكبر مع الجنس (وارد، ٢٠٠٣). في حين وجدت أبحاث أخرى أن المراهقين ممن تعرضوا لمستويات عالية من المحتوى الجنسي على التليفزيون شعروا بعدم رضًا عن عذريتهم (كورترايت وباران، ١٩٨٠) واعتبروا الأنشطة الجنسية غير المعتادة طبيعية (مثل الجنس الجماعي؛ جرينبيرج وسميث، ٢٠٠٢). وأخيرًا وجد بيتر وفالكينبيرج (٢٠٠٧) أن المستويات المرتفعة من استخدام الإعلام الجنسي ارتبطت باعتقاد أقوى بأن النساء أدوات للمتعة الجنسية. وعلى نحو مهم، كان الارتباط سابق الذكر متدرجًا في طبيعته، حيث يخلق التعرض إلى محتوًى جنسي مباشر (مثل الأفلام الإباحية) هذا الموقف على نحو أقوى من التعرض لمحتوًى جنسي غير مباشر (مثل فيديوهات قناة إم تي في). وعند جمع تلك النتائج معًا نجد أن الدراسات تشير إلى أن قدر الإعلام الجنسي الذي جرى التعرض له ومدى إباحية هذا الإعلام المستخدَم على حدٍّ سواء قد يؤثران في المواقف الجنسية.

(٣-٢) الصفات والتوقعات الجنسية

يلعب إدراك المراهقين لأعراف وسلوكيات الأقران دورًا محوريًّا في قرار البدء في ممارسة النشاط الجنسي. ربما يكون صعبًا على المراهقين الامتناع عن ممارسة الجنس عندما يدركون أن «الجميع يمارسونه». بالتأكيد، يرى المراهقون أن الاعتقاد بأن الأصدقاء ناشطون جنسيًّا سببًا كافيًا لبدء علاقة جنسية (روزنثال وسينسيرك وفيلدمان، ٢٠٠١). لكن هل تجسيد الإعلام للأفعال الجنسية يجعل تلك الأفعال تبدو أكثر انتشارًا بين الأقران مما عليه الوضع في الحقيقة. قد يكون الأمر كذلك، إذ أثبتت الأبحاث أن النشء الذين يشاهدون قدرًا كبيرًا من البرامج الحوارية أو يشاهدون التليفزيون لوقت طويل (أي كل أنواع المسلسلات) يذكرون تقديرات أعلى لمستوى النشاط الجنسي لأقرانهم (دافيز وماريس، ١٩٩٨؛ إيجيرمونت، ٢٠٠٥). رغم ذلك، أخفقت تلك الدراسات في تقييم إجمالي قدر الإعلام الجنسي المستخدَم؛ لذا يمكن افتراض أن محتوًى غير جنسي (مواقف معادية للمجتمع) هو المسئول عن تلك النتائج. لدواعي الاهتمام، وجدت دراسة حديثة أن استخدام الإعلام الجنسي والتصورات عن السائد بين الأقران فيما يتعلق بالقضايا الجنسية، وغيرها من العوامل المتعلقة بالجنس التي تتوسط العلاقة، لا يربطهما سوى رابط غير مباشر (أي التعرض الملحوظ للأقران للإعلام المرتبط بالجنس والتأثير الملحوظ للإعلام على الأقران؛ شيا، ٢٠٠٦).

(٣-٣) السلوك الجنسي

أخفقت محاولات الربط بين إجمالي مشاهدة التليفزيون ونشاط المراهقين الجنسي في التوصل إلى دليل يثبت وجود صلة مهمة بين الظاهرتين. وهذا لا يفاجئنا بالنظر إلى أن إجمالي مشاهدة التليفزيون يعني البرامج الجنسية وغير الجنسية على حدٍّ سواء. خلافًا لذلك، ارتبطت المشاهدة المكثفة للمحتوى الجنسي في أثناء مرحلة المراهقة مع زيادات في ممارسة الجنس وفي نوع وقدر النشاط الجنسي الذي لا يتضمن مضاجعة (مثل لمس الثدي والأعضاء التناسلية). ومؤخرًا وجد كولينز وزملاؤه (٢٠٠٤) أنه بعد استبعاد تأثير مجموعة متنوعة من العوامل الاجتماعية إحصائيًّا، بلغت احتمالية ممارسة الجنس في العام التالي لدى المراهقين الذين يشاهدون محتوًى جنسيًّا بكثافة ضعف احتمالية أقرانهم ذوي المعدل الأخف في مشاهدة المحتوى الجنسي. علاوة على ذلك، وُجِدَ ارتباط بين مشاهدة التليفزيون بكثافة وبين النشاط الجنسي المتقدم الذي لا يتضمن مضاجعة (مثل لمس الأعضاء التناسلية). وقد أدى هذا التطور المفروض من الخارج على جنسانية المراهقين إلى ممارسة ذوي ١٢ عامًا لسلوكيات جنسية تتفق مع سلوكيات المراهقين ممن يبلغوا ١٤ أو ١٥ عامًا. وأخيرًا تضمنت تلك النتائج الإعلام الجنسي المجسد فعليًّا أو الذي يوحي به الحوار؛ لذا قد يؤثر التعرض للمحتوى الجنسي على نشاط المراهقين الجنسي سواء كان هذا المحتوى مُشاهدًا أو مسموعًا. وبعيدًا عن التليفزيون، تُشير المزيد من الأبحاث إلى أن التعرض إلى محتوًى جنسي في المجلات والموسيقى والأفلام والإنترنت من المحتمل أن يؤثر على السلوك الجنسي للمراهقين؛ إذ وجدت دراسة حديثة أُجريت على طلاب الصفين السابع والثامن أن زيادة استخدام المحتوى الجنسي في الموسيقى والمجلات والأفلام تنبأت بزيادة المحتوى الجنسي (باردن ولانجيل وبروان، ٢٠٠٥).

ومع ذلك، يبدو أن وسائل الإعلام الجنسي قد تؤثر على الشباب على نحوٍ متباين، بحسب عِرْق المستخدِم؛ فقد وجد الباحثان سومرز وتاينان (٢٠٠٦) مؤخرًا أن الإعلام الجنسي مرتبطٌ بالسلوك الجنسي للمراهقين الأمريكيين البيض وليس الأمريكيين من أصولٍ أفريقية. وبالمثل، أثبَتَ براون وزملاؤه (٢٠٠٦) أن احتمالات الانخراط في ممارسة الجنس إبِّان مرحلة المراهَقة المتوسطة من جانب المراهقين البيض — الذين يُفرِطون في استخدام المواد الجنسية في سن المراهَقة المبكرة — تتضاعَف، مقارَنةً بنُظرائهم الذين يتعرَّضون للإعلام الجنسي تعرُّضًا محدودًا. وعلى الرغم من أن المراهِقين الأمريكيين من أصول أفريقية يُفرِطون في استخدام الإعلام الجنسي أكثرَ من نُظرائهم من البيض، فإن استخدام الإعلام الجنسي لم يلعب أيَّ دورٍ يُذكَر في التنبُّؤ بممارَساتهم الجنسية، بينما كان لتأثير الوالدين والأقران دورٌ بارز في التنبُّؤ بسلوكهم الجنسي. ومن المثير للاهتمام أنه في كلتا الدراستين كان المراهِقون الأمريكيون من أصول أفريقية، في المتوسط، أكثرَ تطوُّرًا فيما يخصُّ المسائلَ الجنسية من المراهِقين الأمريكيين البيض. وقد يرجع هذا الأمر إلى أن قدرة الإعلام الجنسي على التأثير في سلوك المراهِقين الجنسي تكون محدودةً أكثرَ لدى شريحة الشباب المنخرِط في الممارَسات الجنسية بالفعل.

وتشيرُ أبحاثٌ إضافية إلى أن الإعلام الجنسي قد يكون له تأثيرٌ أقوى على المراهقين في مرحلة المراهَقة المبكرة، الذين تكون خبرتهم الجنسية محدودة. ودعمًا لهذا الزعم، توصَّلتْ كيم وزملاؤها (٢٠٠٦) إلى نتيجةٍ مُفادُها أن المراهِقين في مرحلة المراهَقة المبكرة يشاهدون المحطات التليفزيونية ذات التوجُّه الجنسي بمعدلٍ أعلى من المراهِقين الأكبر سنًّا. وكما ذكرنا آنفًا، كانت مُشاهَدةُ التليفزيون بشغفٍ من جانبِ مَن هم في مرحلةِ المراهَقة المبكرة مرتبطةً بالانخراط في الممارسات الجنسية على نحوٍ أسرع في عامهم التالي (كولينز وآخرون، ٢٠٠٤). وعلاوةً على ذلك، فشل تولمان وزملاؤه (تولمان وكيم وشولَر وسورسولي، ٢٠٠٧) في إيجادِ ارتباطٍ بين مُشاهَدة الكلام والسلوك الجنسيَّيْن على شاشة التليفزيون من جهة، والسلوك الجنسي الذي أُفِيدَ بحدوثه بين طلاب الصفَّيْن التاسع والعاشر من جهةٍ أخرى. وكما تتذكرون، المراهِقون في مرحلة المراهَقة المتوسطة يكونون أكثر تطوُّرًا فيما يخصُّ المسائل الجنسية من المراهِقين في مرحلة المراهَقة المبكرة؛ ومِن ثَمَّ، قد يكون السلوك الجنسي في فترة المراهَقة المتوسطة قد ترسَّخَ بما يكفي ليَحُدَّ من تأثير الإعلام الجنسي عليه، ولكن حتى الآن، لم تُجْرَ أبحاثٌ كافية لتأكيدِ هذا الزعم أو دَحْضه.

وعلى الرغم من أن شبكة الإنترنت تعجُّ بالمحتوى الجنسي، فإن قلةً قليلةً من الدراسات قيَّمت تأثيرَ هذا المحتوى على السلوك الجنسي لدى المراهقين. لم أستطِعِ العثورَ على أيِّ دراساتٍ تتعلَّق بتأثيرات شبكة الإنترنت على عينةٍ من المراهِقين. في واقع الأمر، الدراسة الوحيدة المتعلِّقة بسِنِّ المراهَقة هي دراسةٌ تأمُّلية استرجاعية على الإنترنت شملت بالغين في أواخر العشرينيات من عمرهم. وتشير النتائج التي توصَّلَتْ إليها هذه الدراسة إلى أن البالغين الذين تمكَّنوا من مشاهَدة المواد الإباحية على الإنترنت في الفئة العمرية ما بين اثني عشر وسبعة عشر عامًا قد انخرطوا في الممارَسات الجنسية في سنٍّ أصغر، مُقارَنةً بالمشارِكين الذين لا يمكنهم الوصول إلى المحتوى الجنسي عبر الإنترنت (كراوس وراسل، ٢٠٠٨). ومع ذلك، لم يتَّضِحْ ما إذا كانت مشاهَدة المواد الإباحية على الإنترنت قد حدثت قبل فقدان عذريتهم أو بعده.

وتشير أبحاث إضافية إلى أنه بعيدًا عن استخدام الإعلام الجنسي، قد تكون طبيعة هذا الإعلام الذي يتعرض له النشء (ما إذا كان صريحًا أو مهينًا أو يعتمد على التلميحات) عاملًا محددًا حاسمًا للأنشطة الجنسية المستقبلية لدى المراهقين. على سبيل المثال وجد مارتينو وزملاؤه (٢٠٠٨) أن الاستماع المتكرر لأغانٍ ذات كلمات مهينة جنسيًّا، لا مجرد كلمات جنسية، في عينة من المشاركين تتراوح أعمارهم بين ١٢ إلى ١٧ عامًا ارتبط بمجموعة من السلوكيات الجنسية مثل ممارسة الجنس أو بعض الأنشطة الجنسية التي لا تتضمن مضاجعة. ولأن الأبحاث لم تتناول هذه الفوارق في وسائل الإعلام الأخرى، من الصعب معرفة هل هذا التأثير خاص بكلمات الأغاني أم سمة لجميع وسائل الإعلام.

(٤) نقاط مهمة من منظور النمو

حاليًّا لا تقدم معظم وسائل الإعلام المخصصة لجمهور من النشء سوى القليل من المحتوى الجنسي الصريح. لكن هذا لا يعني أن المحتوى الجنسي غائب عن الإعلام الذي يتعرض له الأطفال والمراهقين على نحو متكرر. على سبيل المثال، الملابس المثيرة جنسيًّا والتشييء الجنسي للإناث أصبح شائعًا في تشكيلة مختلفة من وسائل الإعلام، بما فيها أفلام الرسوم المتحركة وألعاب الفيديو. وعلاوة على ذلك، تعرض الموسيقى الرائجة (والفيديوهات المصاحبة لها) وبعض المجلات التي تتمحور موضوعاتها حول المراهقين (بما تتضمنه من إعلانات ومواقع ويب خاصة بها) مقدارًا وافرًا من المحتوى الجنسي. ويستدعي المحتوى الجنسي في تلك الأنواع من المجلات اهتمامًا خاصًّا لأنه يتضمن مراهقين، ومن ثم يقدم للنشء صورة مفعمة بالجنس عن المراهقة. ونظرًا لأن الجمهور الذي تستهدفه مجلات المراهقين يتراوح عمره بين ١٣ إلى ١٩ عامًا، ولأن الفتيات الأصغر سنًّا يشكلن قسمًا من القراء، فربما تتسبب تلك المجلات في تطبيع السلوك الجنسي لدى جميع المراهقين، حتى أولئك الذين لم يبلغوا بعد السن المناسب لفهم العواقب النفسية والجسدية المترتبة على العلاقات الجنسية.

جنبًا إلى جنب مع الأقران، يبدو تصوير الإعلام للجنس عاملًا مهمًّا في عملية اتخاذ القرار لدى المراهقين فيما يتعلق بالنشاط الجنسي؛ إذ إن المواقف والتوقعات والسلوكيات الجنسية جميعها تتأثر بهذا التصوير. في الحقيقة يُوصف الإعلام كثيرًا بأنه «صديق مؤثر» مشجع ومتعاطف يؤكد على ملاءمة الأنشطة الجنسية التي يمارسها المراهقون. ودعمًا لهذا الزعم، وجدت لانجيل وزملاؤها (٢٠٠٦) أن المراهقين الذين يعتبرون الإعلام طرفًا داعمًا للعلاقات الجنسية ذكروا ممارستهم لنشاط جنسي يزيد عن غيرهم من النشء. رغم ذلك انصب تركيز الغالبية الساحقة من الأبحاث في هذا المجال على وسيط واحد فحسب وهو التليفزيون. وحاليًّا لا نجد سوى بضع دراسات عن تأثيرات الإعلانات والمجلات والموسيقى وألعاب الفيديو والإنترنت على مواقف المراهقين وسلوكياتهم الجنسية. في الواقع لم تعالج هذه القضية سوى ١٪ من الدراسات التي تربط جنسانية المراهقين بالإعلام الجنسي (إسكوبار تشافيز وآخرون، ٢٠٠٥).

fig9
شكل ٩-٢: النمط الدوري للعلاقة بين الإعلام الجنسي والسلوك الجنسي.
لقدر ربطت دراسات لا حصر لها ربطًا واضحًا بين استخدام الإعلام الجنسي وبين بدء النشاط الجنسي ودمغ المراهقين بطابع جنسي أكبر من أعمارهم. ومن المهم تذكر أن كلًّا من العلاقات الجنسية والعاطفية أمور جديدة على المراهقين وتحمل أهمية في تجربتهم الحياتية؛ لذا يسعى العديد من المراهقين إلى اكتساب المعلومات من الإعلام كي تساعدهم على خوض هذا العالم الجنسي الذي انكشف أمامهم. في الواقع يستهلك المراهقون المهتمون بالعلاقات الجنسية إعلامًا جنسيًّا يزيد عن باقي النشء (كيم وآخرون، ٢٠٠٦). وبالجمع بين هذه النتائج، نجد أن تلك الدراسات تقدم دليلًا تجريبيًّا يشير إلى وجود علاقة دعم متبادل يؤثر الإعلام بمقتضاها على بدء الأنشطة الجنسية ومسارها. وفي المقابل تؤدي ممارسة الأنشطة الجنسية بالمراهقين إلى السعي لإيجاد المزيد من الإعلام الجنسي (راجع الشكل ٩-٢).

وأخيرًا لم تُقَيِّم دراسة واحدة حتى الآن تأثير الإعلام، الذي يعرض شخصيات مراهقة أصغر سنًّا تتصرف على نحو جنسي، على مواقف المراهقين وتوقعاتهم وسلوكياتهم الجنسية. فهل التجسيدات الإعلامية لنشاط المراهقين الجنسي، لا سيما السلوكيات الجنسية المماثلة التي يمارسها البالغون، تؤدي إلى مزيد من المواقف المتساهلة مع الجنس وتزيد من معدل الممارسة الجنسية الملحوظ بين الأقران في عالم الواقع وتدفع النشء نحو سلوك جنسي أكبر من أعمارهم؟ الأبحاث وحدها هي السبيل للإجابة على هذا السؤال.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤