الفصل الرابع

غابة الصنوبر

بينما كان بريريتون واقفًا في الغرفة في الخلف، ممسكًا بالسيجار الذي كان قد أعطاه له كوذرستون لتوِّه دون أن يُشعِله في يدٍ، وبالكأس الذي قدَّمَتْها له ليتي في اليد الأخرى، أخذ يُراقب باهتمام جارثويت الذي كان قد تحدَّث لتوه والرجل الذي تحدث إليه. ولكن سرعان ما انصبَّ كل انتباهه على كوذرستون. وذلك لأنه على الرغم من أن كوذرستون بذل مجهودًا كبيرًا للسيطرة على نفسه، فقد ترنَّح قليلًا، ومد يدَه بشكلٍ غريزي وقبض على ذراع بينت. أيضًا، شَحبَ لونه؛ وعلى الفور تقريبًا أعقب نوبةَ الشحوب المفاجئة هذه تورُّدٌ سريع. بذل كوذرستون مجهودًا آخر، وحاول الضحك.

وقال بغلظة وبصوت مُحَشرَج: «هُراء، يا رجل!» وأردَف: «جريمة قتل؟ من ذا الذي يُريد أن يقتل رجلًا عجوزًا هكذا؟ إنه — فليُعطِني أحدكما شرابًا — إنه، أمرٌ مُفزع بعض الشيء!»

أخذ بينت كأسًا كان قد خلطَها لتوِّه، فتَجرَّع كوذرستون نصف محتوياتها. ونظر حوله معتذرًا.

تمتم قائلًا: «أنا — أظن أنني لم أعد قويًّا كما كنتُ من قبل.» وتابع: «إنه الإفراط في العمل على الأرجح … لقد كنتُ أعاني من وعكة في الآونة الأخيرة. صدمةٌ كتلك …»

قال جارثويت، الذي بدا مندهشًا من وَقْع خبره: «أنا آسف.» واستطرد: «كان لا بد أن أكون أكثر مراعاة. ولكن كما ترى، منزلكم هو الأقرب …»

صاح كوذرستون: «صحيح تمامًا، يا صديقي، صحيح تمامًا. لقد أحسنتَ الفعل. انظر، من الأفضل أن نذهب إلى هناك. هل اتصلتَ بالشرطة؟»

أجاب جارثويت: «لقد أرسلتُ الرجل الذي يسكن عند الكوخ الذي يقع على أطراف حديقتك.» وأضاف: «كان يغلق بابه لتوِّه وأنا أمُرُّ به، فأخبرتُه، وأرسلتُه ليستدعي الشرطة.»

قال كوذرستون: «سنذهب.» استدار ونظر إلى ضيفَيه. وسألهما قائلًا: «هل ستأتيان؟»

ألحَّت ليتي قائلة: «لا تذهب يا أبي، إن لم تكن على ما يُرام.»

أصر كوذرستون قائلًا: «أنا على ما يُرام.» وأردَف: «مجرَّد القليل من الضعف، هذا كل شيء. والآن بعد أن عرفتُ ما سنواجه …» واستدار فجأةً نحو جارثويت، وسأله: «ما الذي يجعلك تظُن أنها جريمة قتل؟» واستطرد: «جريمة قتل؟! تلك كلمةٌ كبيرة.»

نظر جارثويت نظرةً خاطفةً إلى ليتي، التي كانت تهمس بشيءٍ لبينت، وهزَّ رأسه.

وقال: «سأُخبِركَ عندما نخرج.» وأضاف: «لا أريد إخافة ابنتك.»

قال كوذرستون: «هيا إذن!» وهُرع إلى الرَّدْهة وانتزع معطفًا. نادى على الخادمة قائلًا: «أحضري لي ذلك المصباح من المطبخ.» وتابع، مُستديرًا نحو ابنته: «ابتهجي! لا تخافي يا ليتي.» وأضاف: «لا يُوجد ما يخيف، هيا. هل أنتما قادمان معنا أيها السيدان؟»

كان بينت وبريريتون قد ارتديا معطفَيهما بالفعل؛ وعندما جاءت الخادمة بالمصباح، خرج الرجال الأربعة جميعهم. وما إن أصبحوا في الحديقة، حتى استدار كوذرستون نحو جارثويت.

وسأله قائلًا: «كيف تعرف أنه قُتل؟» وأردَف: «كيف يُمكنك أن تستنتج ذلك؟»

أجاب جارثويت قائلًا: «سأُخبرك بكل شيء بعد أن صرنا في الخارج.» وتابع: «لقد ذهبتُ إلى «سبينيجارث»، لأرى هولينجز. عُدتُ صاعدًا تلَّة هاي ماركت شول، وسلكتُ طريقًا مختصرًا عَبْر الغابة. واصطدَمَت قدَميَّ بشيء، شيءٍ ناعم، كما تعلمون؛ لا أُحب التفكير في ذلك! ومن ثَمَّ أشعلتُ ثقابًا، ونظرتُ، فرأيتُ هذا الرجل العجوز؛ لا أُحب التفكير في ذلك أيضًا. كان طريحًا هناك على بُعد أمتارٍ قليلة من الطريق الذي يمُر عَبْر تلَّة شول عند تلك النقطة. لقد رأيتُ أنه كان ميتًا، وفيما يتعلَّق بكونه قُتل، حسنًا، كل ما يمكنني قوله إنه خُنق! هذا واضح.»

صاح بينت قائلًا: «خُنق؟!»

أجاب جارثويت: «أجل، بلا شك.» وأضاف: «تُوجد قطعةٌ من الحبل مشدودةٌ حول عنقه بإحكامٍ لدرجة أنني لم أتمكَّن من إدخال إصبعي الصغير بينها وبين رقبته! ولكنكم ستَرون بأنفسكم؛ الجثة ليست بعيدةً على تلَّة شول. ألم تَسمع أي شيءٍ على الإطلاق يا سيد كوذرستون؟»

أجاب كوذرستون: «لا، لم نسمع شيئًا.» واستطرد: «إن كان الأمر كما تقول، فلن يكون ثَمَّةَ ما يُسْمَع.»

كان قد قادَهم خارج أرضه عَبْر بوابةٍ جانبية، وكانوا الآن يسيرون عَبْر الأجمات الكثيفة لأشجار التنوب والصنوبر التي نمَت على طول مُنحدر التلَّة الشديد الانحدار والوَعْر إلى حدٍّ ما. وسلَّم المصباح إلى جارثويت.

وقال: «هاكَ، أرِنا الطريق.» وأضاف: «أنا لا أعرف مكانها بالطبع.»

علَّق جارثويت قائلًا: «لقد كنتُ متجهًا نحوها مباشرةً.» التفت إلى بريريتون، الذي كان يسير إلى جانبه. وسأله: «أنت محامٍ، أليس كذلك؟» وتابع قائلًا: «سمعتُ أن السيد بينت له صديقٌ محامٍ يقيم معه مؤقتًا الآن؛ إننا نسمع كل الأخبار حتى أتفهها في مكانٍ صغير مثل هاي ماركت. حسنًا، ستفهم، على الأرجح، أنه لم يمضِ الكثير من الوقت على ارتكاب الجريمة!»

سأله بريريتون قائلًا: «هل لاحظتَ ذلك؟»

أجاب جارثويت: «لقد لمستُه.» واستطرد: «كانت يدُه وخدُّه … دافئَين ببساطة. لا يُمكن أن يكون قد مات منذ وقتٍ طويل، كما حكمتُ على الأمر. و… ها هو!»

التفَّ بحدَّة حول زاوية إحدى كُتل الحجر الجيري الضخمة التي كانت تظهر بين الأشجار، ووجَّه ضوء المصباح نحو الرجل الميت.

قال بصوتٍ هامس: «هناك!» وأردَف: «هناك!»

توقَّف الرجال الأربعة، وحدَّق كلٌّ منهم فيما أتَوا لرؤيته دون أن يطرف لهم جَفْن. لم يستلزم الأمر أكثر من نظرةٍ خاطفة للتأكُّد من أنهم كانوا ينظرون إلى رجلٍ ميت؛ كان في مظهر كايتلي ما يمنع التفكير في أيِّ احتمالٍ آخر.

همس جارثويت قائلًا: «إنه تمامًا كما وجدتُه.» واستطرد: «لقد جئتُ من حول هذه الصخرة من هناك، كما تَرونَ، واصطدمَت قدمي بكتفه. ولكن، كما تعلمون، لقد جُرَّ إلى هنا! انظروا إلى ذلك!»

بعدما ألقى بريريتون نظرةً سريعة على الجثة، نظر حوله في المكان المحيط بها. كانت الغابة المحيطة مَكسُوَّة بكثافةٍ بإبر الصنوبر؛ كانت واقعة أسفل جذوع الأشجار بسُمكٍ يصل ارتفاعه إلى عدة بوصات، وامتدَّت حتى حافة الصخرة. والآن، عندما أدار جارثويت المصباح، رأَوا لطخةً كبيرة من الدماء تمتد على طبقة إبر الصنوبر الناعمة الكثيفة؛ إذ كان واضحًا أن القاتل جَرَّ ضحيته بعض الياردات عَبْر إبر الصنوبر قبل أن يضعه خلف الصخرة. وفي نهاية هذه العلامة كانت تُوجد آثارٌ واضحة للمُقاومة؛ فقد كانت إبر الصنوبر الناعمة واللينة مبعثرة ومتناثرة بفعل الركل وناتئة، ولكن كما لاحظ بريريتون في الحال، كان من المستحيل تتبُّع آثار الأقدام فيها.

قال جارثويت: «لا بد أن ذلك هو المكان الذي كانت الجثة فيه.» وأضاف: «فكما تَرونَ يُوجد أثرٌ ضئيل لمسارٍ هناك. لا بد أن الرجل العجوز كان يسير في هذا الدرب، ولا بد أن من قَتلَه هجَم عليه هناك، حيث تُوجد كل تلك العلامات، وعندما خنقَه جرَّه إلى هنا. هكذا تصوَّرتُ الأمر، يا سيد كوذرستون.»

كانت الأضواء آتيةً عَبْر الغابة أسفلهم، تُومِض من نقطة إلى أخرى بين الأشجار. ثم تَبِع ذلك أصواتُ همهمة، وشُوهد ثلاثة أو أربعة رجال، رجال شرطة، يحملون مصابيحهم، والرجل الذي أرسلَه جارثويت إلى المدينة، وطبيب يعمل جرَّاحًا لدى الشرطة.

قال بينت بينما كان القادمون الجدد يتقدَّمون: «ها هنا!» فتوقَّفوا بتردُّد. وأردف: «من هذا الطريق، أيها الطبيب؛ ثَمَّةَ عملٌ لك هنا، نوعًا ما، على أي حال. إنه ميت بلا شك، أليس كذلك؟»

تقدَّم الطبيب فور رؤيته للجثة، وجثا على ركبتَيه بجانبها بينما تجمَّع الآخرون حولها. وعلى أضواء المصابيح التي أُضيفت، رأى الجميع الآن الأشياء بوضوحٍ أكبر. كان كايتلي راقدًا مُكوَّمًا، تمامًا كما يرقُد من طُرحَ أرضًا فجأةً ودون سابق إنذار. ولكنَّ عينَي بريريتون الثاقبتَين لاحظتا على الفور أنه بعدما طُرح أسفل الصخرة الضخمة، مزَّقَت يدٌ ما ملابسه. كان معطفه وسترته التحتية قد مُزِّقا على عَجَل، إن لم يكن بعنفٍ تام؛ وسُحبَت بطانة أحد جيوب البنطال إلى الخارج؛ كان يُوجد ما يدُل على أن أزرار صدريته قد فُكَّت وفُتِّشَت من الداخل؛ بدا أن كل شيء يشير إلى أن القاتل كان لصًّا أيضًا.

قال الطبيب، وهو يرفع نظره لأعلى: «لم يمُر وقتٌ طويل على موته.» وأضاف: «ليس أكثر من ثلاثة أرباع ساعةٍ بالتأكيد. هل خُنقَ؟ أجل! وعلى يد شخصٍ لديه معرفةٌ غير عادية بكيفية قتل رجل بسرعةٍ بهذه الطريقة! انظروا كيف رُبطَ هذا الحبل؛ من فعل ذلك ليس أحد الهُواة.»

أزاح إلى الخلف غطاء العنق عن حلق الرجل الميت، وأظهر للآخرين كيف مُرِّر الحبل حول العنق في عقدةٍ منزلقة ورُبطَ بإحكام بلفةٍ بارعة.

وتابع قائلًا: «أيًّا كان مَن فعل هذا، فقد فعلَه من قبلُ، وربما أكثر من مرة.» وأضاف: «لن يحظى أي رجلٍ مع ذلك الحبل المعقود بإحكام هكذا حول رقبته بأي فرصة للنجاة، مهما كانت يداه حرتَي الحركة. سيموت قبل أن يتمكَّن من المقاومة. ألا يعرف أحد أي شيءٍ عن هذا الأمر؟ ألا تعرفون أكثر من ذلك؟» تابع بعدما سمع ما لدى جارثويت. وأكمل: «حسنًا، إنها جريمة قتلٍ على أي حال! ألا تُوجد أي علامات على أيِّ شيء هنا؟»

قال بريريتون، مشيرًا إلى العلامات الواضحة: «ألا تظُن أن ملابسه تبدو وكأنه تعرَّض للسرقة؟» وتابع: «لا بدَّ من تسجيل ذلك قبل تحريك جثته.»

قال رقيب الشرطة، الذي كان قد انحنَى على الجثة بينما كان الطبيب يفحصها: «لقد سجَّلتُ ذلك يا سيدي.» وأردَف: «أحد جيوبِه مقلوب إلى الخارج، وكل ملابسه ممزَّقة. إنها عملية سرقةٍ بالطبع — هذا ما حدث — جريمة قتل بغرض السرقة!»

تراجع أحد رجال الشرطة، بعد أن أشبع فضوله، وبدأ البحث في المناطق المحيطة بمساعدة مصباحه. ثم صاح صيحةً حادة فجأة.

قال وهو ينحني نحو أسفل إحدى أشجار الصنوبر ويلتقط شيئًا داكنًا: «يُوجد شيءٌ ما هنا!» وأضاف: «دفترُ جيبٍ قديم، ولكن لا شيء فيه.»

قال كوذرستون: «كان ذلك يخصُّه.» واستطرد: «لقد رأيتُه من قبل. كان يحمله في جيبٍ داخلي. هل تقول إنه فارغ؟ لا أوراق فيه؟»

أجاب الشرطي، وهو يُسلِّم دفتر الجيب إلى الرقيب، ويتابع البحث: «ولا حتى قصاصة واحدة من أي شيء.» وأردَف: «من الأفضل أن نرى ما إذا كانت تُوجد أي آثار أقدامٍ فيما حولنا.»

قال جارثويت: «من الأفضل أن تفحص ذلك المسار، إذن.» وأضاف: «لن تجد أي آثار أقدامٍ وسط كل إبر الصنوبر هذه؛ لا يُوجد ما تتبعه على أي حال، إنها سميكة ولينة للغاية. ولكن لا بد أنه جاء من ذلك الدرب، بطريقة أو بأخرى؛ فقد التقيتُ به وهو يمشي هنا في إحدى الأمسيات، أكثر من مرة.»

بعد أن تبادَل الطبيب حديثًا وجيزًا مع الرقيب، استدار نحو كوذرستون.

وسأله قائلًا: «ألم يكن مُستأجِرًا لديك؟» واستطرد: «كان يستأجر الكوخ الموجود على قمَّة تلَّة شول هنا. حسنًا، من الأفضل أن ننقل الجثة إلى هناك، ولا بد أن يذهب شخصٌ ما ويخبر عائلته.»

أجاب كوذرستون قائلًا: «ليس له عائلة.» وأرَدف: «لم يكن لديه أحد سوى مُدبِّرة منزله السيدة بيت. إنها امرأةٌ عجوز، ومما رأيتُه منها، من المستبعد أن يُفزعها هذا الخبر.»

قال بينت: «سأذهب.» وأضاف: «أعرف مدبِّرة المنزل.» لمس مرفق بريريتون، وقاده بعيدًا بين الأشجار وصَعِدا نحو الغابة. عندما صارا بعيدَين عن الآخرين، تابع قائلًا: «إنها مسألةٌ غريبة!» واستطرد: «أسمعتَ ما قاله الدكتور روكليف؟ إن من فعل ذلك كان على دراية بهذا النوع من الأمور!»

أجاب بريريتون: «لقد رأيتُ بنفسي.» وأضاف: «لاحظتُ ذلك الحبل، والعقدة الموجودة فيه على الفور. يمكن لرجل قُيِّدَت رقبته هكذا أن يُطرَح أرضًا، ويُلقى في أي مكان، ويُترك ليقف، إن شئتَ القول، وسيكون عاجزًا تمامًا، حتى لو كان، كما قال الطبيب، بوسعه استخدام يدَيه. سيفقد الوعي في الحال تقريبًا، وسيموت بعد ذلك بوقتٍ وجيز جدًّا. هل هي جريمة قتل؟ لا بد أن أظن ذلك! وهي تتسم بأقصى درجات الوحشية والإصرار. اسمع يا بينت! أيًّا كان من قَتل ذلك العجوز المسكين فقد كان رجلًا ذا قوةٍ جسمانية كبيرة ومعرفة! كان يتمتع بالمعرفة؛ انتبه إلى ذلك! كان يعرف تلك الحيلة. ألا تعرف في هاي ماركت أي شخصٍ محل شكٍّ سبق له أن عاش في الهند؟»

سأله بينت: «الهند! لماذا الهند؟»

أجاب بريريتون: «لأنني لا بد أن أقول إنَّ الرجل الذي فعل تلك الفعلة تعلَّم بعض الحيل الهندية الخاصة بالحبال والعُقَد.» واستطرد: «جريمة القتل تلك تُشبه أسلوب طائفة من القَتَلة واللصوص الهنود في بعض النواحي. هل ذلك هو الكوخ؟» هكذا تابع، مشيرًا إلى ضوءٍ خافت أمامهما. وقال: «مُدبِّرة المنزل هذه، هل هي من النوع الذي يَتعامل مع الأمور بهدوء؟»

«إنها شخصيةٌ غريبة مثل كايتلي العجوز نفسه»، هكذا أجاب بينت وهما يجتازان الغابة ويدخلان حديقةً مسوَّرة بسياجٍ من الشجيرات، يقع في نهايتها كوخٌ قديم الطراز. وأردَف: «لقد كنتُ أتحدث معها بين الحين والآخر عندما كنتُ أزور المكان هنا؛ ويمكنني أن أقول إنها امرأة تتمتع برباطة الجأش.»

نظر بريريتون بتفحُّص إلى السيدة بيت عندما فتحَت الباب. كانت تحمل شمعةً مصنوعةً من الشحم في إحدى يدَيها ورفعَتْها عاليًا فوق رأسها لكي تلقي ضوءًا على الزائرَين؛ ولكن أشعة الشمعة الضعيفة سقطَت عليها أكثر منهما. كانت امرأةً عجوزًا طويلةً ونحيلة، وذات وجهٍ هزيل، وجلدها بلون الورق القديم، أشرقَت منه عينان سوداوان لامعتان؛ وقد زاد غطاء رأسها من غرابة مظهرها؛ كان عبارة عن منديل باللونَين الأحمر والأصفر الفاقع مَطويًّا بإحكام بحيث يُغطِّي أي جزء من الشعر ولو صغيرًا. كانت ذراعاها مكشوفتَين حتى المرفقَين، ويداها هزيلتَين مثل وجهها، ولكن بريريتون لاحظ سريعًا ما يشير إلى قوةٍ بدنية من شكل العضلات والأوتار تحت الجلد الذي يُشبه الورق القديم. فكَّر في أنها امرأة غريبة المظهر إجمالًا، ولم تسهم في تحسين رأيه حقيقةُ أنها بدت وأنها قد فقدَت كل أسنانها، وأن أنفًا طويلًا حادًّا وذَقنًا بارزًا كادا يلتقيان أمام شفتَيها الغائرتَين.

قالت، قبل أن يتكلم أيٌّ من الشابَّين: «أوه، إنه أنت، سيد بينت، أليس كذلك؟» وأضافت: «لقد خرج السيد كايتلي لمُمارسة تمشيته المسائية المُعتادة كي يحافظ على صحته، إنه يحرص على ذلك كل ليلةٍ سواءً كانت تمطر أم لا. ولكنه قد تأخَّر الليلة أكثر بكثير من المعتاد، و…»

توقَّفتْ فجأةً عن الكلام عندما رأت التعبير المرتسم على وجه بينت، والذي ينمُّ على أنه كان يحمل بعض الأخبار، وتقطَّب وجهها ونظَرتْ إليه نظرةً متسائلة.

سألَت قائلة: «هل ثَمَّةَ خطبٌ ما؟» وأردفت: «هل أصابه شيء؟ هل حدث أي شيءٍ خطير؟ لا تخشَ الكلام يا سيد بينت؛ فلا شيء يمكن أن يزعجني أو يخيفني؛ دعني أخبرك، لقد مررتُ بكل ذلك!»

قال بينت: «إذن يؤسفني أن أقول إن السيد كايتلي قد مر بكل شيءٍ أيضًا.» نظر إليها بثباتٍ للحظة، ورأى أنها فهِمَت ما يرمي إليه، فتابع حديثه. وقال: «إنهم يُحضِرونه يا سيدة بيت، ومن الأفضل أن تكوني مستعدة. أعرف أنكِ لن تَرتاعي، ولكن ليس لديَّ أدنى شك في أنه قد قُتِل.»

حدَّقَت المرأة بصمتٍ في زائرَيها؛ ثم أومأَت برأسها المعصوبة وتراجعَت إلى داخل الكوخ.

تمتَمتٍ قائلة: «هذا ما كنتُ أتوقَّعه.» وأردفَت: «لقد حذَّرتُه، أكثر من مرة. حسنًا، دعهم يُحضِرونه إذن.»

اختفت في إحدى الغرف الجانبية، بينما اتجه بينت وبريريتون إلى الحديقة وقابلا الآخرين الذين كانوا يحملون جثة كايتلي. سار كوذرستون خلف رجال الشرطة، وعندما اقترب من بينت، جذبه من كُمِّه وتنحَّى به جانبًا.

وهمس قائلًا: «يُوجَد دليل!» وأردَف: «دليل، هل تسمعُني؟ دليلٌ قوي!»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤