الأوضاع الجغرافية
مكونات نورديا وموقعها
تقع نورديا في شمال أوروبا مما جعلها تتمتع بنوع من الانفصال عن بقية القارة، ولكن هذا الانفصال ليس تامًّا كما هو حادث في بريطانيا وأيرلندا، ولهذا لم يكن أمام دول نورديا الفرصة المماثلة للخروج تمامًا عن مؤثرات القارة الأوروبية، هذا التأثير من القوى الأوروبية المجاورة لم يكن دائم الحدوث، ولكنه في فترات التأثير يصبح عاملًا حاسمًا في تشكيل دول الشمال.
وانفصال نورديا عن أوروبا غير كامل؛ لأن نورديا تتكون من أشباه جزر باستثناء أيسلندا، فهناك شبه جزيرة وجزر الدنمارك، وما يشبه شبه الجزيرة في فنلندا، وأكبر شبه جزيرة في نورديا تتقاسمها كل من السويد والنرويج، أما بحر البلطيق وخليجا فنلندا وبوثنيا فيكونان حدود نورديا الشرقية، ومضايق السوند والكاتيجات وسكاجراك تكون الحدود الجنوبية، بحر الشمال وبحر النرويج يكونان الحدود الغربية والبحر الأبيض والمحيط الشمالي تكون الحدود الشمالية لها، وتغطي الجبال الالتوائية الوعرة غربي سكاندينافيا وتغطي نورديا مساحات شاسعة من الغابات المخروطية والآلاف من البحيرات والمستنقعات، وربما كان ذلك سببًا من أسباب عدم تشجيع الهجرة من الشرق إلى أشباه الجزر النوردية، برغم العرض الكبير لليابس الفاصل بين خليج فنلندا والبحر الأبيض.
- (١)
شبه جزيرة كولا التي تقع كلها داخل الاتحاد السوفيتي.
- (٢)
شبه جزيرة سكندينافيا الممتدة إلى الجنوب الغربي مسافة ٢٠٠٠كم، وهي تنقسم في الجنوب إلى قسمين بواسطة مضيق سكاجراك وفيورد أوسلو، مما يتكون معه مركزان أرضيان منفصلان نشأت في كل منهما نواة دولتي السويد والنرويج، ولكن ليس معنى هذا أن تعرجات اليابسة في داخل أشباه جزر فنوسكانديا قد أدى إلى فصل كل منها إلى دول ثلاث، بل الواقع أن الأحداث التاريخية والحضارية هي المسئولة عن التعدد السياسي في هذه المنطقة المتشابهة.

هذا الموقع في الوقت الحاضر أو في أوقات الجذب والدفع ليس موقعًا تحسد عليه نورديا، لهذا وصلت خطوط دفاع الغرب الأولى إلى نورديا: الدنمارك – النرويج – أيسلندا، وكلها لهذا السبب أصبحت أعضاء في حلف الأطلنطي، ومقابل ذلك تقع فنلندا على حافة الاتحاد السوفيتي، وبالتبعية، ولكي تصبح «جارًا طيبًا» لم يكن أمامها إلا طريق الحياد، ووسط هذا الإقليم تحتله السويد التي تجنبت حربين عالميتين وتسعى بوسائلها إلى تجنب صراع ثالث بواسطة «حياد مسلح».
نورديا: قاعدة موارد هامشية
-
(أ)
مساحة نورديا مساحة أوروبا بدون الاتحاد السوفيتي.
-
(ب)
سكان نورديا سكان أوروبا بدون الاتحاد السوفيتي.
- (١)
١٠٪ من مساحة نورديا زراعية (٨٪ حقول + ٢٪ مزارع طبيعية).
- (٢)
٤٥٪ من مساحة نورديا غابات مخروطة.
- (٣)
٤٥٪ من مساحة نورديا أراض أخرى = صخور جرداء – مستنقعات – رمال … إلخ.
الدولة | المساحة الكلية ألف كم٢ | مساحة الأرض (١) (ألف كم٢) | مساحة الأرض الزراعية | مساحة الغابات | أراض غير صالحة | |
---|---|---|---|---|---|---|
حقول | مراع | |||||
السويد | ٤٤٦ | ٤١١ | ٣٣ | ٥ | ٢٢٥ | ١٨٦ |
النرويج | ٣٢٤ | ٣٠٨ | ٨ | ٢ | ٧٠ | ٢٤٣ |
فنلندا | ٣٣٧ | ٣٠٥ | ٢٧ | ١ | ٢١٧ | ٩١ |
الدنمارك | ٤٣ | ٤٣ | ٢٧ | ٣ | ٤ | ٨ |
أيسلندا | ١٠٣ | ١٠٠ | ٠٫٠١ | ٢٢ | ٠٫٣ | ٨٠ |
جرينلاند | ٢١٧٥ | ٠٫٣ (٢) | ٠٫١ | ٢١٧٥ |
الجدول عن إحصاءات منظمة الأغذية والزراعة. (١) مساحة الأرض بدون البحيرات. (٢) ٣٤١ كيلومترًا مربعًا فقط هي الخالية من الجليد الدائم ويمكن سكناها.

أما من الناحية الجيولوجية فهناك اختلافات كبيرة في نورديا، ولكن من ناحية موارد الثروة المعدنية تعتبر نورديا فقيرة برمتها عدا السويد، فنوسكانديا تسودها التكوينات البلورية القديمة، وهي غنية بالحديد والنحاس ومعادن أخرى، ولكن مثل هذه التكوينات البلورية نراها تفتقر إلى الوقود المعدني: الفحم أو البترول، أما أيسلندا فبركانية بأكملها وخالية من المعادن باستثناء الكبريت، أما الدنمارك فتتكون في غالبيتها من الطباشير والجير، وهي بذلك الدولة النوردية الوحيدة التي يمكن أن يوجد فيها البترول برغم سلبية النتائج التي ظهرت من الآبار التي حُفرت حتى الآن.

وإذا تركنا هذا الأثر السيئ للتعرية الجليدية على التربة في فنوسكانديا، فإننا نجد للغطاءات الجليدية آثارًا غير سيئة، فإن فنوسكانديا قد هبطت تحت ثقل الجليد، وحينما بدأ الجليد في الانقشاع، ارتفع مستوى البحر مما تسبب في إغراق الكثير من الأودية السفلى فرسبت عليها طبقات سميكة من الطين البحري ظهرت مرة أخرى على سطح اليابسة بعد ارتفاع اليابس السكندنافية حينما تخلص من ثقل الجليد، وهذه التربة الطينية الصلصالية الموجودة في كل من فنلندا والسويد والنرويج هي أحسن تربة يمكن استغلالها في أراضي هذه الدول الثلاث في نواحي الزراعة والرعي.
ويعطينا الغطاء النباتي الطبيعي صورة مجملة لأثر التضاريس والمناخ والتربة المشترك على نورديا، ففي الدنمارك وفي جنوب السويد الغربي يتكون الغطاء النباتي الطبيعي من غابات البلوط والزان، وفي معظم جنوب السويد والسواحل الجنوبية لفنلندا والنرويج كانت الغابات مختلطة ومتكونة من الأشجار السابق ذكرها، وهي عريضة الأوراق وأشجار إبرية أخرى من نوع الصنوبر والتنوب، وبقية فنوسكنديا تغطيها الأشجار المخروطية الكثيفة التي هي امتداد التابيحا الروسية، وفي المناطق الشمالية وعلى جبال النرويج أحراش بتولا، ثم في المناطق الشمالية القصوى وأعالي الجبال البتولا القزمية ونبات أعالي الجبال من الحشائش.
الأهمية الجيوبوليتيكية لأوضاع نورديا الطبيعية
إلى جانب الوضع الهامشي لموارد نورديا فإن لكل عنصر من عناصر هذه المنطقة الطبيعية أهمية خاصة من الناحية الجيوبوليتيكية، فلنتعمق مثلًا في الموقع الخاص لهذا الإقليم، فمجرد وقوع الدنمارك على مفاتيح البلطيق يعني أن كل السفن المتجهة من وإلى دول الكتلة الشرقية حاليًّا (ألمانيا – بولندا – الاتحاد السوفيتي) يجب أن تمر في المياه الدنماركية، ومن ناحية أخرى تشرف سواحل النرويج الشمالية على الممر البحري المفتوح طوال أيام السنة إلى بحر بارنتس وموانئ الاتحاد السوفيتي الشمالية، وعلى هذا فكل السفن المتحركة من وإلى ميناء مورمانسك السوفيتي يمكن مراقبتها باستمرار، ليس فقط من سواحل النرويج الطويلة، بل وأيضًا من أيسلندا، وعلى هذا فإن مياه الاتحاد السوفيتي المنفتحة على طريق الملاحة الرئيسي المار في بحر الشمال والأطلنطي الشمالي كلها يجب أن تعبر المضايق أو تمر بجوار سواحل دول نورديا الثلاث الأعضاء في حلف الأطلنطي (الدنمارك – النرويج – أيسلندا).
كذلك للتربة دور هام أيضًا في عملية بناء الدولة في نورديا، بل وبصورة يندر وجود مثيل لها في العالم، ولا شك أن قوة الدولة ترجع في جانب كبير منها إلى نجاح وثبات مزروعاتها، وهذا يرتبط بمدى خصوبة وإنتاجية التربة، وعلى هذا نجد أن مركز القوة في كل من دول نورديا الخمس قد يكون في إقليم يتميز بتربة جيدة، ويصبح هذا المركز قلب الدولة أو نواتها، ففي النرويج كانت الإرسابات الناجمة عن التعرية السهلة لصخور الكمبري والسيللوري في المجاري الدنيا للأنهار الشرقية + الطين البحري على شواطئ فيورد أوسلو قد جعلت منطقة أوسلو مهد أولى الممالك المحلية في النرويج، وفي السويد كانت رسوبات الطين البحري في السهول الوسطى هي مصدر القوة التي أنشئت عليها الأمتين السويدية والقوطية، وفي فنلندا كان وما زال مركز القوة مرتبطًا بالسهول الطينية الساحلية على خليج فنلندا وبوثنيا، وبرغم أن كل جزيرة رئيسية أو شبه جزيرة في الدنمارك قد نمت فيها سلطات سياسية خاصة، فإن واحدة من هذه السلطات لم تتخذ لها من غرب جتلند الفقيرة التربة مركزًا للحكم، وحتى أيسلندا التي لم تصل إلى مرحلة الدولة المنتجة للمحاصيل فإن مركز القوة السياسية فيها كان محصورًا دائمًا في السهول الجنوبية، وهي أحسن مناطق الجزيرة إنتاجًا.
ولقد لعب وجود المعدن دورًا هامًّا في التطور السياسي لدولة واحدة من نورديا هي السويد، فمنذ العصور الوسطى كانت للسويد شهرة في تصدير خام النحاس والحديد، وقد ساعد دخل السويد من هذا النوع من التجارة، بالإضافة إلى إمكان صناعة السلاح محليًّا، على أن تصبح السويد دولة كبيرة قبل سنة ١٧٠٠، ولكن نقصان الوقود المعدني في نورديا — الذي أشرنا إليه سابقًا — كان بدون شك عاملًا حاسمًا في هبوط النفوذ السياسي لنورديا ككل بالنسبة لأوروبا منذ بدء العصر الصناعي، ففقدان الخامات والوقود قد منع هذه الدول من الاندفاع للتصنيع مبكرًا كغيرهم من الأوروبيين وليس بالسرعة ذاتها كغيرهم من دول العالم، ولكن تأخر دخول الصناعة إلى نورديا كان له آثار حسنة، ذلك أن هذا التأخر في التصنيع قد ساعد على حدوث هجرات نوردية كبيرة بالنسبة لعدد سكانها الأكثر من أية دولة أوروبية أخرى عبر الأطلنطي، فالكثير من أبناء الريف الذين لم يجدوا عملًا بالمدن قد هاجروا باستمرار إلى أمريكا، وقد وصلت الهجرة إلى قمتها في الثمانيات من القرن الماضي، ولو أن هذه الهجرة وُصفت بأنها ذات آثار خطيرة بالنسبة لسكان الدول النوردية؛ لأنها اشتملت على شباب وشابات الريف، إلا أنها كانت صمام أمن خلال فترة اقتصادية حرجة في نورديا — هي فترة عدم نشوء الصناعة، ولو لم «تتخلص» هذه الدول من ذاك الضغط السكاني على هذه الصورة في الماضي القريب لكان هناك شك كبير في أن يصل النورديون إلى ما وصلوا إليه الآن من ارتفاع عظيم في مستواهم الاقتصادي.
ولقد ارتبط نمو الصناعة في نورديا بتطوير فكرة استغلال الموارد المائية لإنتاج الطاقة، ولهذا فإن التوزع الصناعي يوضح نمط الانتشار والتناثر بدلًا من التمركز المكاني في أحواض أو مناطق محدودة مثل ألمانيا وبريطانيا «حول حقول الفحم»، وبدلًا من نشوء تجمعات صناعية عملاقة ومدن ضخمة مليونية فإن الصناعة غزت أقاليم سكندنافيا بطريقة أرقى وأحسن، فالفحم الأبيض لا ينتج المؤثرات الصحية السيئة التي تظهر في الأقاليم السوداء، والاتساع والانتشار يمنع تدهور المساكن لضيق الحيز ويمنع نشوء الأحياء العمالية الفقيرة، وكثير من صناعات سكندنافيا تمت في إطار صحي: أقاليم ريفية – بحيرات – غابات، وليست هناك مشاكل ازدحام ومواصلات كما هو الحال في مناطق الصناعة الألمانية أو البلجيكية أو الإنجليزية، أو حتى بتسبورج، ولم يترتب على ذلك نشوء الفوارق الاجتماعية والسكنية والصحية العميقة التي تتميز بها الأمم الصناعية الأوروبية.